- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ياسمين أيمن يكتب: ما احتمالات التصعيد بين واشنطن وبكين بعد أزمة المنطاد الصيني؟
ياسمين أيمن يكتب: ما احتمالات التصعيد بين واشنطن وبكين بعد أزمة المنطاد الصيني؟
- 11 فبراير 2023, 10:58:43 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تراشق الجمهوريون والديمقراطيون الاتهامات بشأن بالون التجسس الصيني الذي تم إسقاطه يوم 4 فبراير الجاري، قبالة سواحل ولاية كارولاينا الجنوبية، بعد أيام من تحليقه في المجال الجوي الأمريكي، وتحديداً منذ 28 يناير الماضي؛ حيث اتهم الجمهوريون إدارة الرئيس “بايدن” بالتقصير والتأخر في اتخاذ قرار إسقاط البالون؛ بما سمح للصين باختراق أمن الولايات المتحدة الأمريكية، بينما أوضحت الإدارة الديمقراطية أن قرار إسقاط البالون راعى عوامل السلامة والأمان، بحيث لا يسقط على أفراد أو يُؤدي إلى تدمير ممتلكات شخصية، مشيرةً إلى أن بالون التجسس لا يُعَد سابقة، بل شهدت إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب” اختراق أكثر من بالون صيني المجال الجوي الأمريكي، ليخرج عدد كبير من الجمهوريين وينفوا هذا الأمر. ولكن في غمار تلك الاتهامات المتبادلة، تزداد التساؤلات حول احتمالية حدوث تصعيد بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في الأيام القادمة بسبب هذا البالون.
دلالات عديدة
من المؤكد أن اختراق البالون الصيني الأجواء الأمريكية في هذا التوقيت يحمل مجموعة من الدلالات، من الممكن إيجازها فيما يلي:
1– القيام بعمليات تجسس متبادلة: يأتي إرسال الصين البالون في إطار عمليات تجسس متبادلة مع الولايات المتحدة. ويمكن اعتبار تلك الخطوة رداً على أنشطة التجسس الأمريكية؛ حيث تخصص واشنطن ميزانيات كبيرة غير معلن عنها لأنشطة التجسس، مستخدمةً في ذلك الأقمار الصناعية. وتشير بعض التقديرات إلى أن خُمس الأقمار الصناعية الأمريكية ذات أغراض عسكرية؛ إذ تمتلك الولايات المتحدة – وفقاً لبعض التقديرات – ما يزيد عن 150 قمراً صناعياً عسكرياً.
لكن الأمر غير قاصر على واشنطن؛ فقد أفادت وكالة دويتشه فيله الألمانية (DW) منذ عامين، بأن روسيا تمتلك نحو 71 قمراً ذا أغراض عسكرية، بينما تمتلك الصين نحو 63 قمراً صناعياً عسكرياً. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في يوليو 2021 عن التقاطها صوراً بالأقمار الصناعية لنحو 250 صومعة صينية لصواريخ نووية، ونفت الصين أنها صوامع صواريخ، مشيرةً إلى كونها صوامع حقول زراعية. وعلى صعيد آخر، تتهم بكين واشنطن بأنها تسمح للطائرات التابعة لها بالطيران فوق منطقة بحر الصين الجنوبي وتايوان وبحر الصين الشرقي تحت مسمى الطيران المدني، لكنها في المقابل ترفض تصديق رواية أن البالون استُخدِم بغرض أهداف مدنية وليست عسكرية.
2– تجنب معارك الفضاء: لجأت الصين لاستخدام البالون في عملية التجسس، الذي تم استخدامه في الصراعات للمرة الأولى من جانب فرنسا منذ أكثر من 230 عاماً، لتقليل تكلفة خسارة القمر الصناعي إذا تم استهدافه. ومن المحتمل أنه قد تم تزويد البالون بأجهزة تجسس حساسة، وكاميرات مراقبة ترسل المعلومات والصور في لحظة التقاطها، وتحتفظ بالبيانات والمعلومات، وهو أمر سيتضح حينما يتم جمع بقية حطام البالون من جانب قوات البحرية الأمريكية، وفحص مكوناته.
ويُذكر أن الولايات المتحدة قد أعادت إحياء استخدام هذه البالونات منذ أكثر من 15 عاماً في أغراض التجسس، خاصةً أن تلك البالونات قادرة على جمع معلومات أكثر دقةً نتيجة أنها تطير على مستويات منخفضة وتتحرك ببطء بالمقارنة بالأقمار الصناعية؛ لذلك لا يعد الأمر سابقةً.
3– انتهاك صيني للسيادة الأمريكية: تدل عملية إرسال البالون على رغبة الصين في اختراق السيادة الأمريكية؛ فبالرغم من تأكيداتها أن هذا البالون لم يكن ذا أغراض تجسسية، وأنه كان لأغراض بحثية مناخية، وأنه خرج عن مساره الصحيح بسبب الرياح، وإصدار وزارة خارجيتها اعتذاراً رسمياً يوم الجمعة الموافق 3 فبراير الجاري عن هذا البالون، موضحةً أنه لديه قدرة محدودة على التحرك الذاتي؛ فإن المسؤولين الأمريكيين لم يقتنعوا بتلك التفسيرات، مشيرين إلى أن هذا البالون لديه قدرات أكبر مما صرَّحت به الصين، وأنه يُحقق أغراضاً عسكريةً صينيةً، فضلاً عن أنه يمثل انتهاكاً للقوانين الدولية؛ لأنه ينتهك سيادة الولايات المتحدة، موضحين أنهم سيعملون على جمع حطام البالون لدراسة آلية عمله، وما تم جمعه من معلومات من خلال هذا البالون، و”آلية عمل الأجهزة الصينية الحساسة”، مؤكدين أن البالون لم يتمكن من جمع معلومات حساسة عن الولايات المتحدة؛ حيث تمت مراعاة ذلك من الجانب الأمريكي.
4– اختبار مستوى صبر واشنطن: من المحتمل أن إرسال هذا البالون يعتبر بمنزلة جس نبض من جانب الصين واختبار لمستوى صبر الولايات المتحدة الأمريكية؛ لمعرفة رد فعلها، وتبيان درجة رغبتها في التصعيد مع الصين. وما يدعم ذلك تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لنظيره الصيني وانج يي، بأن أي دولة في محل الولايات المتحدة، التي انتهكت سيادتها، ستطبق الأمر نفسه، بحيث ترى رد الفعل الصيني.
5– إثارة الشكوك حول كفاءة النظام الصيني: أثارت أزمة البالون تساؤلات عديدة، وخصوصاً في الغرب، حول مدى كفاءة النظام الصيني، وقدرته على قراءة أبعاد قراراته الخارجية المختلفة. وفي هذا الصدد، أشار “ديفيد بيرسون”، في تقرير له بصحيفة نيويورك تايمز يوم 6 فبراير 2023، تحت عنوان “النزاع حول منطاد الصين يسلط الأنظار على قيادة الرئيس شي”، إلى أنَّ “تحليق المركبة في توقيت غير مناسب، ورصده المُكلِّف فوق الولايات المتحدة، يشير إلى نقص التنسيق بين الجيش والهيئات الحكومية الأخرى في البلاد، وهو ما يعكس تراجع الكفاءة في منع مثل هذه الحوادث”.
وأضاف “بيرسون” أن هناك “نظريات أخرى حول كيفية حدوث ذلك. قد تكون البيروقراطية الشاسعة في الصين ببساطة أكبر من قدرتها على تعقب أماكن وجود جميع مناطيدها المنتشرة في جميع أنحاء العالم على ارتفاعات عالية، وتوقع متى قد تثير مواقعها ناقوس الخطر؛ إذ إنه بعد سلسلة من التقارير في الأيام الأخيرة، اعترفت الصين يوم 6 فبراير الجاري، بأنَّ منطاداً صينياً آخر يطفو في مسار خاطئ حول أمريكا اللاتينية”.
اللافت أن بعض التحليلات اعتبرت أن حادث المنطاد قد يدلل على وجود مراكز متعددة لصنع القرار داخل بكين بعيداً عن رؤية الرئيس الصيني الذي حاول خلال الشهور الأخيرة إرسال رسائل إيجابية إلى الولايات المتحدة حول ضرورة التهدئة، كما أنه كان يستعد لاستقبال وزير الخارجية الأمريكي في زيارة كانت تعد تأكيداً لمسار التهدئة بين بكين وواشنطن. ومن ثم، قد لا يكون الرئيس الصيني هو المستفيد من حادث إطلاق البالون، أو على أقل تقدير لم يكن على علم بوجهته قبل إطلاقه، وربما يكون قد تعرض للتضليل في هذا الشأن.
تداعيات البالون
تستدعي عملية اقتحام البالون الصيني المجال الجوي الأمريكي عدداً من التداعيات يمكن تلخيصها فيما يلي:
1– إرجاء زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الصين: أرجأت الولايات المتحدة الأمريكية زيارة كانت مقررة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، للصين في 5 فبراير الجاري، إلى أجل غير مسمى، كدليل على غضب واشنطن من مسألة البالون الصيني. وأوضح بلينكن أن مسألة التأجيل جاءت بعد مشاورات مع أعضاء الإدارة والكونجرس، مشيراً إلى أن توقيت الزيارة لم يعد مناسباً؛ ما يعني أن هناك احتمالية لحدوث توترات دبلوماسية بين بكين وواشنطن في ظل وجود خلافات في الأساس حول أصل فيروس كورونا، وشفافية الصين حول أعداد الإصابات، فضلاً عن قضايا التكنولوجيا، وأيضاً الخلاف حول الدعم الأمريكي لتايوان، وتحذير واشنطن بكين من دعمها لروسيا خلال حربها مع أوكرانيا.
2– إبقاء واشنطن على قنوات اتصال مع بكين: تلك التحركات الأخيرة لا تعني أن الولايات المتحدة ستقطع علاقتها الدبلوماسية مع بكين؛ إذ حافظت واشنطن على قنوات اتصال مع موسكو طوال فترة الحرب الروسية الأوكرانية، وهو الأمر الذي سيتكرر مع الصين؛ حيث أكَّد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن “الولايات المتحدة ستُبقي خطوط الاتصال مع بكين مفتوحةً”، لكن سيتم إرجاء الاجتماعات الرفيعة المستوى.
كما أنه وفقاً لتصريحات عدد كبير من مسؤولي إدارة بايدن، فإن هذه المرة ليست الأولى التي تقدم فيها بكين على هذا الفعل؛ إذ قامت بذلك خلال فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب؛ حيث تم رصد ثلاث حالات مشابهة، وهو ما نفاه ترامب وعدد من مسؤوليه، موضحين أنه لو كان هذا الأمر قد حدث، لكانت وسائل الإعلام ستتناوله بشكل مكثف، لا سيَّما أنها كانت ناقدة بشكل كبير للرئيس السابق، كما أشار ترامب إلى أن “الصين كانت تحترمه كثيراً”.
3– استبعاد حدوث صدام وتصعيد مباشر بين بكين وواشنطن: من الصعب أن يكون هذا البالون سبباً في حدوث تصعيد واحتكاك مباشر بين الصين والولايات المتحدة؛ لأن قدرة هذا البالون على جمع المعلومات لن تكون قوية إلى درجة كبيرة، لكن سيسمح هذا البالون بزيادة المخاوف من استمرار بكين في الاستثمار في تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي بنفقات قد تصل إلى 27 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
4– ممارسة ضغوط جمهورية متزايدة على إدارة “بايدن”: هناك اتجاه داخل الولايات المتحدة الأمريكية يسعى للترويج لفكرة وجود حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يدفعهم نحو تهويل فكرة البالون، والضغط على الإدارة الأمريكية لاتخاذ ردود فعل تصعيدية. وينتمي فصيل واسع من الجمهوريين إلى هذا التيار، حتى إنهم أطلقوا لجنة في مجلس النواب تركز على المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والحزب الشيوعي الصيني، وترمي إلى التركيز على نشاط الصين، وزيادة حدة التنافس الأمريكي معها، وانتقاد سياسات الإدارة “الناعمة” مع بكين، لكن هناك اتجاهاً آخر يدعم فكرة تكثيف الحوار الدبلوماسي الرفيع المستوى مع الصين لتقليل احتمالات حدوث صدام بين الجانبين، وتقليل مستويات التوتر.
ويلاحظ في هذا الصدد أن الجمهوريين حاولوا الاستفادة من حادث البالون في تصدير المزيد من الضغوط لإدارة بايدن؛ فعلى سبيل المثال، انتقد رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب مايك تورنر، الرئيس “بايدن”، قائلاً: “أكمل القمر الاصطناعي مهمته. ما كان يجب أن يُسمح أبداً بدخوله الولايات المتحدة”.
كما هاجم نائب رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ “ماركو روبيو” تريُّث الرئيس الأمريكي قبل تنبيه المواطنين من المنطاد الذي أجرى جولة “غير مسبوقة” فوق الولايات المتحدة، قائلاً إن ذلك يرقى إلى “التقصير في أداء الواجب”. وذكر روبيو في تصريح لشبكة “سي إن إن” أن “بكين بعثت رسالة مفادها أن لدينا القدرة على القيام بذلك، والولايات المتحدة لا تستطيع فعل أي شيء حيال الأمر”، واعتبر هذا التصرف الصيني بمنزلة محاولة لإحراج بايدن قبل خطاب حالة الاتحاد.
مراقبة بكين
وختاماً، يمكن القول إن هذا البالون قد يؤجج الروايات الأمريكية عن المؤامرة الصينية تجاه الولايات المتحدة، لكنه في الوقت ذاته لن يكون سبباً في حدوث تصعيد بين الدولتين، بالنظر إلى أن تلك الحادثة لا تعتبر الأولى من نوعها، لكنها مع ذلك ستسهم في تشجيع الدعوات لضرورة مراقبة أنشطة الصين التجسسية التي تحاول تقويض الأمن القومي الأمريكي.