- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ياسين عز الدين يكتب: أزمة إسرائيل تشتعل.. ما هي جذور الصراع الداخلي الأخطر في دولة الاحتلال؟
ياسين عز الدين يكتب: أزمة إسرائيل تشتعل.. ما هي جذور الصراع الداخلي الأخطر في دولة الاحتلال؟
- 30 يوليو 2023, 4:45:37 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الصراع الحالي في دولة الاحتلال عنوانه التعديلات التي ينوي تحالف اليمين الحاكم إدخالها في القوانين الخاصة بالقضاء، بحيث تتحكم الحكومة في تعيين قضاة المحكمة العليا، إضافة إلى تقليص صلاحياتها الرقابية على الكنيست والحكومة.
والصراع الحالي مجرد محطة من بين محطات الصراع المستمرة منذ سنوات عديدة، وهي المحطة الأكثر عنفاً.
إذ يعد صراعاً معقداً ومتداخلاً؛ فمن ناحية هو صراع بين المتدينين والعلمانيين، ومن ناحية أخرى هو صراع بين النخبة الأشكنازية اليهودية الغربية الحاكمة والطبقات الاجتماعية الأقل، ومن ناحية ثالثة هو صراع شخصي بين بنيامين نتنياهو الملتصق بالكرسي، وخصومه العاجزين عن الإطاحة به.
قام اليهود الأشكناز الغربيون ببناء المشروع الصهيوني بمعاونة أوروبا والغرب على أسس علمانية ليبرالية، أما الديانة اليهودية فاستخدموها كديكور لمشروعهم.
كانت المؤسسة الحاخامية التقليدية من أشد المعارضين للصهيونية في البدايات، لذا لجأ قادة الصهاينة إلى إيجاد الصهيونية الدينية التي أسسها الحاخام أبراهام كوك قبل أكثر من 100 عام.
ولعقود طويلة، كانت الصهيونية الدينية مجرد ديكور للحركة الصهيونية ومحاولة لاختراق المتدينين اليهود.
كما قدمت دولة الاحتلال الرشى للمتدينين الحريديم، فتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية وخُصصت الأموال الطائلة لمدارسهم التوراتية، وتُدفع لهم الرواتب وهم جالسون في بيوتهم لا يفعلون شيئاً سوى قراءة التوراة وانجاب الأطفال.
بالتوازي مع ذلك استقدمت دولة الاحتلال يهود الدول العربية (المزراحيم) إلا أنهم كانوا يعامَلون كطبقة من الدرجة الثانية، وتم إرسالهم إلى المستوطنات النائية.
في انتخابات عام 1977 جاءت نقطة التحول الأولى عندما فاز حزب الليكود بعد تحالفه مع اليهود الشرقيين، ورغم أنه فتح لهم المجال لصعود السلم السياسي فإنّ رأس الهرم كان دوماً من الأشكناز الغربيين من مناحيم بيغن إلى بنيامين نتنياهو مروراً بإسحاق شامير وأرئيل شارون وإيهود أولمرت.
بعد احتلال الضفة عام 1967، استخدمت دولة الاحتلال الصهيونية الدينية من أجل تشجيع الاستيطان في الضفة والمدن التي يعتبرونها مدن الآباء مثل الخليل والقدس.
بعد أن أرهقت الانتفاضة الأولى عام 1987 دولة الاحتلال، حاول إسحاق رابين
حينها احتواءها من خلال اتفاقية أوسلو، وقدَّم بعض التنازلات البسيطة في سبيل ذلك، وهنا انقلب السحر على الساحر فثارت عليه الصهيونية الدينية وباقي أحزاب اليمين، مما أدى لمقتله عام 1995.
بعد انتفاضة الأقصى حصلت إزاحة في المجتمع الصهيوني نحو اليمين، وقضت الانتفاضة على حزب العمل (المؤسس لدولة الاحتلال)، أما الصهيونية الدينية والحريديم فشكلوا حلفاً قوياً مع حزب الليكود واليمين العلماني، وبدأت طموحاتهم بالازدياد.
شيئاً فشيئاً قام التحالف القائم بين الصهيونية الدينية والحريديم والليكود (جزء مهم من قاعدته الشعبية من اليهود الشرقيين) بتغيير معالم الدولة الصهيونية، حيث بدأت النخب الأشكنازية بفقدان السيطرة تدريجياً.
ومما ساعد اليمين على ذلك نسبة التكاثر العالية بين الحريديم واليهود الشرقيين، إضافة إلى الدعم الذي يتلقونه من اليمين الأمريكي (الحزب الجمهوري).
مع مرور الوقت ازداد الاستقطاب بين الطرفين، وتفجرت ملفات الخلاف تباعاً، بداية عندما عمل العلمانيون على فرض التجنيد على الحريديم وطلاب المدارس التوراتية، حتى يجبروهم على المشاركة في الدفاع عن "الدولة" ولا يتحمل العلمانيون وحدهم الثمن.
وامتد الصراع إلى يهود أمريكا، حيث تشكَّل ما يسمى "الجي ستريت" المنحاز إلى اليسار الصهيوني في مقابل منظمة الآيباك المنحازة إلى اليمين، بل إن الأحزاب الأمريكية الكبرى تورطت في الاستقطاب، فنجد الرئيس السابق دونالد ترمب والحزب الجمهوري يدعمون اليمين الصهيوني، أما الرئيس الحالي جو بايدن والحزب الديمقراطي فيدعمون اليسار ومعارضي نتنياهو.
الخلافات تدحرجت إلى نواحٍ كثيرة مثل الصلاة في ساحة البراق (حائط المبكى)، حيث تعارض المؤسسة الحاخامية في دولة الاحتلال صلاة النساء اليهوديات مع الرجال، أما الجماعات اليهودية الإصلاحية (معقلها في أمريكا) فتمارس الضغوط للسماح لهن بذلك.
في ظل هذا الاستقطاب المتصاعد جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث بقي القضاء الصهيوني بعيداً عن سيطرة اليمين وهو القلعة المتبقية لليسار والنخبة الأشكنازية، يحاول اليمين اليوم إعادة تشكيل القضاء وجعله تحت سيطرة الحكومة واليمين، أما النخب الأشكنازية الغربية الليبرالية فتعتبرها معركتها الأخيرة للإبقاء على سيطرتهم.
النخب الأشكنازية رغم تراجع قوتها فإنه ما زال لها نفوذ قوي في الدولة العميقة: في الجيش والاقتصاد والقضاء ونقابات العمال، في مقابلها يقف يمين ديني متحالف مع الجماعات التي تعتبر نفسها مهمشة في الكيان الصهيوني، يملك أغلبية عددية واستعداداً للقتال.
لذا فإنّ تراجع نتنياهو عن التعديلات القضائية لن ينهي الصراع، بل هي مجرد محطة أخرى، وكما نلحظ لم تتوقف المظاهرات في تل أبيب والقدس، بل نزل اليمين إلى الساحة "للدفاع عن نتيجة الانتخابات"، كما يقول.