- ℃ 11 تركيا
- 1 نوفمبر 2024
يحيى الكبيسي يكتب: العراق ماذا تبقى من تحالف إدارة الدولة؟
يحيى الكبيسي يكتب: العراق ماذا تبقى من تحالف إدارة الدولة؟
- 7 يوليو 2023, 12:15:46 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قلنا مرارا إن التحالفات السياسية في العراق، والتي تتشكل عادة بعيد الانتخابات، هي مجرد تحالفات تكتيكية غرضها الجوهري تمرير الحكومات، وما يترتب على ذلك من تقاسم السلطة والنفوذ التي تعد مدخلا ضروريا للاستثمار في المال العام، وأنه لا وجود لأية محددات أيديولوجية أو فكرية او حتى أخلاقية تحكمها!
بعد نهاية انتخابات العام 2018، وبعد الصراع الحقيقي الذي حكم التحالفات حينها، واستدعى تدخل كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني في تشكيلها (كانت إيران داعمة لتحالف البناء، في حين كانت الولايات المتحدة داعمة لتحالف الإصلاح، وكانتا تفاوضان القوى السياسية بشكل مباشر للانضمام إلى هذا التحالف أو ذاك، بالترغيب والتهديد) انتهى الأمر إلى صفقة تحالف فيها الطرفان الرئيسيان في كلا التحالفين المفترضين؛ وهما سائرون والفتح؛ تضمنت الصفقة/ التحالف ترشيح عادل عبد المهدي رئيسا لمجلس الوزراء بعيدا عن البروباغاندا التي كان يستخدمها الطرفان عند سعيهما لتشكيل تحالفي الإصلاح والفتح، ومن دون الإعلان عن الكتلة الأكثر عددا التي يفترض، بموجب الدستور، أن ترشح رئيس مجلس الوزراء، بتواطؤ فاضح من رئيس الجمهورية حينها (برهم صالح) ومن رئيس المحكمة الاتحادية حينها أيضا (مدحت المحمود) ومن القوى السياسية التي تواطأت جميعها على هذا الانتهاك الدستوري!
بعيد انتخابات العام 2021، كنا أمام سيناريو مكرر، فعلى مدى أكثر من ستة أشهر كنا أمام مشروع تحالف كانت فكرته الأساسية تشكيل حكومة ائتلافية مصغرة وليس حكومة ائتلافية كبيرة كما جرت العادة، وهو تحالف «إنقاذ الوطن» الذي أعلن في 23 آذار/ مارس 2022، وضم التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، وكانت التصريحات الصادرة عن أطراف هذا التحالف خلال هذه الشهور الستة تتضمن تنظيرات مفرطة عن ضرورة هذا التحالف، وأن البديل عنه لن يكون سوى «خراب الوطن»!
بعد الخطورة الارتجالية، وغير المفهومة، التي أقدم عليها التيار الصدري باستقالة نوابه من مجلس النواب (وعددهم 73 نائبا) وجدنا كلا من تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني ينقلب 180 درجة كاملة، ويتحالف مع الإطار التنسيقي وحلفائه (وبعضهم تم تصنيعه بالأساس لمنع تحالف إنقاذ وطن من تشكيل الحكومة)! وقلنا حينها إنه لا يمكن فهم هكذا خطوة إلا في سياق السياسة العراقية التي لا تقاليد ولا أعراف ولا أخلاق لها، والتي تعلو فيها المصالح المباشرة على المصالح العامة التي لا وجود لها من الأصل، والتي يشكل فيها الاستثمار في المال العام، بوصلتها الوحيدة! فلولا قبول كل من السيادة والحزب الديمقراطي من الأصل بمقولة «الأغلبية السياسية» التي طرحها السيد مقتدى الصدر، ما كان للتيار الصدري أن يستمر في الإصرار على مقولته تلك، إذ لم يكن منطقيا، ولا عمليا بحسابات الأرقام في مجلس النواب، أن يصر على مقولته تلك من دون حلفاء يمكنونه من تحقيقها!
اليوم وبعد الصراع المعلن بين بعض قوى الإطار التنسيقي والديمقراطي الكردستاني، وصراع كسر العظم بين رئيس مجلس الوزراء وبين رئيس مجلس النواب، يبدو واضحا أن تحالف إدارة الدولة لم يعد سوى عنوان هامشي عن تاريخ التحالفات الانتهازية
لم يكن تحالف «إدارة الدولة» الذي أعلن في 25 أيلول/ سبتمبر 2022 وضم كل القوى الممثلة في مجلس النواب باستثناء الصدريين وبعض النواب المستقلين قائما على أي أساس سوى تمرير الحكومة، هكذا ضم التحالف الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني اللذين لم يكونا متفقين على موضوع رئيس الجمهورية، وضم التحالفين السنية السيادة وعزم على الرغم من أن الثاني يعمل صراحة على إزاحة رئيس مجلس النواب التابع للسيادة من موقعه! وضم أطرافا متطرفة ضمن الإطار التنسيقي لا تنظر إلى بعض قيادات تحالف السيادة على أنهم «إرهابيون مقنعون»!
هذه الخلطة غير المتجانسة لم تكن لديها أية رؤى مشتركة، باستثناء تمرير الحكومة، لينقلبوا على ما التزموا به لاحقا، وهو الدرس الذي ما زال يتكرر في العراق من دون ان يتعلمه أحد!
من مراجعة سريعة للاتفاق السياسي لتحالف «إدارة الدولة» الملحق بالمنهاج الحكومي، والمصوت عليه في مجلس النواب سنجد ما يأتي: فقرة تتحدث عن التزام الحكومة بإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم خلال ستة أشهر من تشكيلها، بمن في ذلك نازحو جرف الصخر بعد تدقيقهم أمنيا، وفقرة تقرر العمل مع الجهات المختصة للكشف عن المختفين قسريا ويتم شمولهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد إجراء التدقيق الأمني، وفقرات تتعلق بإنهاء عمل هيئة المساءلة والعدالة، وفقرة تتعلق بمعالجة العمل بالوكالة في إدارة مؤسسات الدولة خلال ستة أشهر من تشكيل الحكومة مع مراعاة التوازن الوطني، وفقرة تتعلق بإعادة انتشار الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي خارج المدن وتستلم الشرطة المحلية والأجهزة الأمنية الملف الأمني داخل المدن، وفقرة تنص على أنه «بدعم من القوى السياسية الموقعة على هذه الوثيقة تخول الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بالتفاوض حول الملف النفطي والموازنة لحين إكمال تشريع قانون النفط والغاز. وفي سياق المحور التشريعي سنجد فقرات تتحدث عن تشريع قوانين مجلس الاتحاد والمحكمة الاتحادية خلال ستة أشهر، وعن «إجراء مراجعة قانونية لقانون العفو العام» تمهيدا لتشريعه!
لم يتم تنفيذ أي من هذه الفقرات المحددة بتوقيتات تم تجاوزها، بل انقلب «الموقعون» و «المصوتون» على توقيعهم وتصويتهم! هكذا وجدنا الإطار التنسيقي ينقلب على «تخويل الحكومة بالتفاوض مع الإقليم حول الملف النفطي» ليس فقط من خلال المسرحية التي تم تمثيلها داخل اللجنة المالية، بل من خلال عدم طعن الحكومة بالتعديلات التي أجراها الإطار التنسيقي على هذا الاتفاق في مجلس النواب! ووجدناه ينقلب على الاتفاق بشأن قانون العفو العام، أما الفقرات المتعلقة بالنازحين والمختفين قسريا وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة والتوازن الوطني وإخراج لجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي من المدن فالجميع يعلم أنها لن تنفذ مطلقا!
لم يكن هناك من الأصل تحالف حقيقي باسم «إدارة الدولة» بل كان مجرد غطاء ضروري لتمرير الحكومة، وأجزم أن من كثيرا ممن وقعوا على أوراق التحالف وتفاهماته لم يقرأ ما أتفق عليه من الأصل، وأن الغالبية العظمى ممن صوت عليها لم يقرأها من الأصل!
اليوم وبعد الصراع المعلن بين بعض قوى الإطار التنسيقي والديمقراطي الكردستاني، وصراع كسر العظم بين رئيس مجلس الوزراء (وبعض قوى التحالف التنسيقي من خلفه) وبين رئيس مجلس النواب، والخطوات المنهجية لـ «تأميم» إقطاعية الأنبار التي يمتلكها الأخير منذ العام 2018، يبدو واضحا أن تحالف إدارة الدولة لم يعد سوى عنوان هامشي عن تاريخ التحالفات الانتهازية في العراق!
كاتب عراقي