- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
يسري عبدالغني يكتب : صنع الله أبراهيم
يسري عبدالغني يكتب : صنع الله أبراهيم
- 7 يونيو 2021, 10:14:21 م
- 876
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
علامة فارقة في تاريخ الابداع القصصي
صنع الله إبراهيم، روائي مصري وكاتب قصص قصيرة. عرف بتوجهه اليساري وانعكس هذا على كتاباته.
هو أحد أكبر الروائيين المصريين الذين ارتبطت أسماؤهم بالثقافة والسياسة وأحد أفضل أدباء الستينات وأكثرهم إثارة للجدل؛ تميزت كتاباته دائمًا بالسياسة وحياته الشخصية.
وُلِدَ صُنع الله إبراهيم في 1937 ودرس الحقوق قبل أن يتجه للأدب؛ كان كذلك يساريًا فاعتقل في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمدة خمسة أعوام (1964-1959).
من أشهر وراياته “اللجنة” التي هجا فيها سياسة الانفتاح في عهد السادات ورواية “بيروت بيروت” التي تناول فيها الحرب الأهلية في لبنان ورواية “67” التي كتبها بعد نكسة 1967 ولكن لم تحظى بالنشر إلا بعدها ب45 عام! كذلك اعتبر اتحاد الكتاب العرب روايته “شرف” ثالث أفضل رواية عربية.
بدايات صُنع الله إبراهيم
وُلِدَ صُنع الله إبراهيم في العاصمة المصرية القاهرة عام 1937 لأب كثير التنقل وسماه اسمًا من أغرب الأسماء المصرية والذي سبب له الكثير من المشاكل، ويقول عن سبب تسميته بهذا الاسم: "عند ولادتي كان والدي يبلغ الستين من العمر وقام بصلاة استخارة ثمّ فتح المصحف فوضع أصابعه على كلمة (صُنع الله الذي أحسن كل ّشيءٍ خلقه)، ومن هنا تمت تسميتي بصُنع الله، ولكن هذا سبّب لي مشاكل كثيرة عندما كنتُ في المدرسة لأنه كان اسمًا غريبًا، وكان دائمًا مثار فكاهة للناس، أذكر أنَّ المدرس كان يقول لي (صُنع الله؟ ما كُلنا صُنع الله)".
كان لوالده وجده أثرًا كبيرًا على شخصيته حيث زوداه بالكتب والقصص للاطلاع فبدأت شخصيته الأدبية في التكون من الصغر. ولد صنع الله في زمن استقرار نسبي رغم وجود الاحتلال البريطاني وعايش في شبابه مرحلة النهضة التي أعقبت الاستعمار مع ارتفاع الآمال في الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. بدأ أولًا في تلك الفترة دراسة الحقوق لكن سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة.
انتمى صُنع الله للمنظمة الشيوعية اليسارية "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" المعروفة اختصارًا باسم (حدتو) فاعتقل في شبابه عام 1959 ضمن الحملة التي شنها جمال عبد الناصر على الشيوعين والماركسيين وقضى في السجن خمسة أعوام حتى 1964 (من سن الثانية والعشرين حتى السابعة والعشرين)؛ رافق تلك الفترة تعذيب وأشغال شاقة وكانت أهم تجاربه في الحياة حيث تعلم المعنى الحقيقي للعدالة والتقدم وحب البلاد كما أنشأ العديد من الصداقات وبين كتاب مثل كمال القلش وعبد الحكيم قاسم وغيرهم.
رغم اعتقال عبد الناصر له فإنه لا يزال يكن له الحب والاحترام ويعترف بإيجابياته الكثيرة مثل تأسيسه للمساواة الاجتماعية، وكان كذلك كثير الانتقاد للتيار اليساري.
بعد الخروج من السجن اشتغل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية (مينا) عام 1967، وبعدها ذهب إلى برلين الشرقية وعمل لدى وكالة الأنباء الألمانية (أ.د.ن) التابعة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية من 1968 حتى 1971.
بعد ذلك اتجه إلى موسكو وقضى فيها ثلاث سنوات عمل خلالها على صناعة الأفلام لدراسته هناك علم التصوير السينمائي ليقرر عندها نيته على العمل في الكلمة المكتوبة. عاد إلى القاهرة عام 1974 في عهد الرئيس الراحل السادات وعمل لدى دار نشر قبل أن يتجه للكتابة الحرة كليًا عام 1975.
إنجازات صُنع الله إبراهيم
تتميز أعمال صُنع الله بحبكة السرد والحكي والتشابك فيحتاج القارئ للتركيز في رواياته حتى لا يتشتت أو تتوه الأحداث منه. كانت أول رواياته "تلك الرائحة" عام 1966 ووصف فيها تجربته في السجن وفترة ما بعد الخروج، لكن لم تنشر الرواية كاملة حيث تم مصادرتها لعشرين عام حتى عام 1986 وعندها تم نشرها كاملة لأول مرة بنصوصها الأصلية.
جاء بعد ذلك كتاب "إنسان السد العالي" عام 1967 الذي ولدت فكرته في المعتقل كلٍ مع كمال القلش ورؤوف مسعد الذين خرجوا من المعتقل تباعًا عام 1964 وذهبوا في مغامرة إلى أسوان بعد أن قسّموا العمل فيما بينهم، وأتبع هذا الكتاب بدراسة اسمها "حدود حرية التغيير" عام 1973.
ثاني أعماله الروائية كانت "نجمة أغسطس" عام 1974 وكانت واحدة من علامات التجديد في الرواية العربية والفن الروائي بصفة عامة وكان موضوعها الرئيسي هو المشروع الوطني السد العالي وكانت بمثابة شهادة على العصر والحدث. كانت الرواية الثالثة "اللجنة" التي صدرت عام 1981 وأثارت جدلًا واسعًا لانتقادها اللاذع لسياسة الانفتاح في عهد السادات.
توالت أعماله الأدبية بعد ذلك فأصدر رواية "يوم عادت المملكة القديمة" عام 1982 ونالت أفضل رواية لهذا العام من المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم، ثم في العام نفسه أصدر "اليرقات في دائرة مستمرة" وكذلك "عندما جلست العنكبوت تنتظر" وأيضًا "الدلفين يأتي عند الغروب" حيث كان وكان غزير الإنتاج حقًا. في عام 1983 أصدر رواية " الحياة والموت في بحر ملون" ثم رواية "بيروت بيروت" عام 1984 التي جسد فيه.
الحرب الأهلية في لبنان، وبعد ذلك رواية "ذات" عام 1992 التي تحولت حديثًا إلى مسلسل تلفزيوني في 2013 من بطولة نيللي كريم.
وفي 1997 صدر له رواية "شرف" التي تعتبر أحد أفضل أعماله وهي من أدب السجون ووضعت في المرتبة الثالثة في ترتيب أفضل 100 رواية عربية وتدور حول "أشرف" أو "شرف" الشاب المدلل الذي تنقلب حياته رأسًا على عقب بعد أن يقتل "خواجة" حاول هتك عرضه فيدخل السجن لينتقل إلى عالم جديد ويرى فضائح القانون وفساده وينغمس في وحل قصص واقعية من انتهاك للعدالة والتجارة في المخدرات؛ أثارت تلك الرواية جدلًا كبيرًا بعد أن صدرت في مارس 1997 بأن اتهمه الكاتب فتحي فضل بسرقة مذكراته التي نشرها عام 1993 في كتاب السيرة الذاتية "الزنزانة" بعد أن لاحظ فتحي فضل تشابهًا كبيرًا في الأحداث والمواقف وتطابقي حرفي بينهما وصل إلى 42 نصًا! كان رد فعل صُنع الله على هذا الاتهام واضحًا حيث اعترف بقراءته لكتاب الزنزانة فعلًا قبل كتابة روايته ولكن لم يقصد السرقة، كم أن الزنزانة كان سيرة ذاتية وليس رواية كما قال.
من أعماله الأخرى الجميلة رواية "وردة" الصادرة عام 2000 وتدور في فترة التسعينات في سلطنة عمان وجبهة التحرير هناك، وكذلك رواية "أمريكانلي" الصادرة عام 2003 واسمها المبتكر الذي يمكن أن تقرأه "أمري كان لي" أو نسبةً إلى أمريكا حيث تدور الرواية عن أستاذ تاريخ مصري في جامعة أمريكية، ويتناول الكاتب فيها تاريخ البلدين. صدر له بعد ذلك "التلصص" عام 2007 ثم "العمامة والقبعة" عام 2008 وكتاب " القانون الفرنسي" في العام نفسه.
وفي أعقاب نكسة 1967 كتب صُنع الله إبراهيم رواية "1967" ولم يقدر على نشرها وقتها لشدة جرأتها وتعتبر الجزء الثاني من رواية "تلك الرائحة"؛ تتألف الرواية من اثني عشر فصلًا كل فصل فيها يمثل شهرًا من شهور عام 1967 موضحًا أسباب ما جرى ومقدمات الهزيمة، كما أنه كذلك كتب سيناريو يجمع تلك الرائحة و1967 معًا لينتج فيلمًا من إخراج سمير نصري، وقرأنا أنه ينوي كذلك تحويل رواية اللجنة هي الأخرى لفيلم من بطولة أحمد الفيشاوي وإخراج رامي النجار.