يسري عبدالغني يكتب فاطمة المرنيسي إيقونة النضال النسوي العربي

profile
د. يسري عبدالغني ناقد وكاتب
  • clock 6 يونيو 2021, 5:54:55 م
  • eye 999
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ولدت الباحثة الراحلة فاطمة المرنيسي عام 1940 في مدينة مدينة فاس المغربية التاريخية. تنتمي إلى الجيل الذي تعلم في مدرسة وطنية وليست فرنسية. درست في باريس وفي الولايات المتحدة الأمريكية علم الاجتماع والعلوم السياسية، ثم عملت أستاذة علم الاجتماع في جامعة الرباط.

ترعرعت ، كما عبرت عن ذلك بين الحريم، “كأن الحريم مؤسسة، شبيهة بالأسرة”، كما أوضحت في وقت لاحق. في هذا الحريم اطلعت فاطمة المرنيسي على جانب من حياة المرأة في المجتمع المغربي.

كانت أمها وجدتها أميتين، لكنهما كانتا تحكيان لها عن شهرزاد. وقد أبهرتها هذه المرأة في حكايات “ألف ليلة وليلة”: “كانت شهرزاد امرأة جميلة وذكية ولديها سلطة. وبفضلها شُفي السلطان من مرضه”، تقول فاطمة المرنيسي. كان ذلك بالنسبة لها حلم أخذته من النساء في الحريم. كان وعدا بأن تكون إنسانة جديرة. ولذلك، كانت رغبتها الأساسية سماع صوت المرأة العربية لترفع صوتها ضد الظلم الاجتماعي.

“الكتابة هي أفضل علاج للجمال”

” كان في الماضي محكوم على المرأة الشفوية. لم يكن لها الحق في التعليم ولا الحق في الكتابة”، هذا ما أدركته في وقت مبكر. وأدركت أيضا أن الكتابة هي وسيلة عظيمة للمرأة من أجل التحرر من قيود المجتمع: “فقط مجرد أن تكتب، لديك صوت! السلطة – هذا هو المدلول الأساسي، عندما نتكلم عن الكتابة”، هكذا المرنيسي.

لم ترِد أن تبقى النساء صامتات، ينبغي أن تتكلم وتحكي مثل شهرزاد، وفعلت ذلك بإسلوب مرح وطريف عندما قالت: “الكتابة هي أفضل علاج للجمال.”

المرأة التي لا تعبر عن نفسها ولاتتكلم هي امرأة محجبة، بالنسبة لفاطمة المرنيسي. ليس غطاء الرأس هو الحجاب، وإنما الصمت هو الحجاب الحقيقي.

من خلال الكتب العديدة التي كتبتها بالفرنسية والإنجليزية والتي تُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، منها أيضا الألمانية، استطاعت ان تكتسبت شهرة حتى خارج حدود المغرب.على سبيل المثال كتابها: “الجنس والإيدلوجيا والإسلام”. تتحدث فيه عن وضع المرأة في الإسلام، حيث وضعت دراسة مثيرة للاهتمام حول العلاقة بين الجنسين في المجتمعات ما قبل ومابعد الإسلام، واكتشفت أن الجنس في الإسلام، خلافاً لما هو في المسيحية يُشكل قوة إيجابية.

ناقشت في كتابها “العالم ليس حريماً” الوضع المعيشي للمرأة في المغرب. وفي عملها البحثي “الحريم السياسي” كسرت المحرمات الاجتماعية، عندما أشارت الى أن وضع المرأة الأكثر إشكالية في المجال السياسي والاجتماعي لم يتغير منذ تأسيس الإسلام.

في كتب أخرى أيضاً، كما هو الحال في دراستها التاريخية “سلطانات منسيّات: نساء قائدات دولة في الإسلام” حيث كتبت حولة مكانة المرأة. وروت قصة حياة سلطانات الإسلام هذه في دلهي والقاهرة وصنعاء وغرناطة، وقدمت بذلك مساهمة حول سلطة النساء المعتم عليها في الدول الإسلامية.

تنصل من الحركة النسائية الغربية

تعتبر فاطمة المرنيسي نفسها مناضلة نسوية، ولكن الحركة النسوية التي تنتمي اليها تختلف بشكل ملحوظ عن الغربية، التي تنادي بالتنصل اجتماعياً وكذلك في مجال الأدب من الرجل. وقد عبرت عن رأيها بالحركة النسوية في العالم الغربي كالتالي:

“هناك اختلافات كبيرة بين الحركة النسائية العربية والأوروبية. الحركة النسائية العربية ليست حركة نسائية خالصة. فهي تضم النساء والرجال المستنيرين. الحركة النسائية في الغرب هي حركة نسائية محض، لا مكان للرجال هناك”.

ففي المغرب وفي بلدان عربية أخرى هناك رجال اهتموا بشكل واسع بقضايا المرأة، وكتبوا الكثير عنها بشكل ملتزم، مثل قاسم أمين في مصر، الذي كانت تجله كثيراً: “لقد كنت دائما من أنصار التنويري قاسم أمين الذي قال: “تم تحجيب المرأة في المجتمع الإسلامي لأن الرجل يخافها”. بهذه الجملة توضح لها العلاقة بين الحجاب، والجدار والخوف. فالرجل العربي وضع حدا لخوفه من النساء بواسطة هذه الوسائل بشكل فعال جداً.

يتوافق موقف فاطمة المرنيسي مع نظرة سياسية وثقافية مستنيرة. الذين دعموها وشجعوها هم الرجال وليس النساء: “ليس لدينا مشكلة مع الرجل. نحن لسنا أعداء. نطالب بأن نكون جنبا إلى جنب مع الرجل! لأننا نعيش في مجتمع تُهيمن عليه ثقافة الفصل بين الجنسين. الرجل يعيش في عالم، والمرأة تعيش في عالم آخر مختلف جداً”.

في مسيرتها الإبداعية الأخيرة حين تحررت من القيود الأكاديمية، كما قالت ذات مرة، بدأ عملها يأخذ منحى آخر. “في الماضي أردت أن أفرض نفسي من خلال التفكير العقلاني، على الرغم من أنني كنت أحب أن أكون مثل المطربة أسمهان. وكنت أحسد النساء اللواتي يكتبن الروايات.

بدأ هذا مع كتابها “الحريم داخلنا”، حيث تروي قصص ذاتية: “عندما كنت طفلا كان حلمي أن أصبح مهرجة أو ممثلة، لكن العائلة لم تسمح بذلك. كانوا يقولون: لأ فاطمة، عليك أن تصبحي معلمة أو طبيبة أو محامية”.

نقد للتصورات الغربية عن الحريم

لم يقتصر نقد فاطمة المرنيسي فقط للعالم الإسلامي، ولكنها انتقدت أيضا موقف العالم الغربي حول المرأة في الإسلام. ففي كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب “، الذي صدر بالألمانية بعنوان: “الحريم، الخيال الغربي – الواقع الشرقي”، أوضحت أن أفكار الثقافة الغربية عن الحريم ليس لها علاقة بالحريم الذي تعرفه ولايوجد بينهما أي علاقة مشتركة. الحريم هو أي شيء ماعدا أن يكون ماخوراً. فهو ببساطة جزء من المنزل، الذي لا يسمح للرجال دخوله.

لأول مرة تؤلف كتاب موجه إلى الغرب. هذا ليس بالأمر السهل، كما قالت: “اعتاد الناس في الغرب أن يكتبوا حولنا. لقد خلقوا صورة نمطية عنا. ألفت هذا الكتاب للكشف عن الفرق بين نظرتين مختلفتين لدى الرجل الغربي والشرقي”.

يجد العديد من الرجال في العالم الغربي في كلمة “الحريم” شيئا مسليا. هذا ما توصلت إليه فاطمة المرنيسي. تُطلق كلمة حريم العنان لخيالهم: “يبدأ الرجال بالحلم بالحفلات الخلاعية. بالنسبة لهم الحريم مكان الإثارة الجنسية، فالرجال محاطون باستمرار بالنساء العاريات أو شبه العاريات، ويسود الصفاء والمتعة الأبدية. أيضاً النساء في الغرب يعتقدن بذلك”.

تمكث مشكلة المرأة العربية اليوم بالنسبة لفاطمة المرنيسي ليس في الحريم، وإنما في عدم وجود خبرة مع الديمقراطية والمساواة بين النساء والرجال. من أجل ذلك كرست حياتها في النضال بالكلمة. بموتها خسر العالم العربي مفكرة إنسانية تنويرية.

التعليقات (0)