- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
يسري عبدالغني يكتب : وطن عربي واحد
يسري عبدالغني يكتب : وطن عربي واحد
- 23 يوليو 2021, 3:59:49 ص
- 2065
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يطيب لكل عربي أن يعرف أن وطنه الكبير قد ظهر مع فتوحات الإسلام التي كان هدفها في المقام الأول نشر الحق والعدل والخير والحرية والمساواة ، ظهر بكيانه الحاضر الذي نشهده ، وبحدوده الفسيحة التي نعتز بها ، ظهر كذلك منذ وقف القائد / عقبة بن نافع على شاطئ المحيط الأطلسي يمتطي صهوة جواده ، ويقول في شجاعة خارقة : " والله لو علمت أن وراء هذا البحر أرضًا لسرت غازيًا في سبيل الله " ، ومنذ وقف القائد / سعد ابن أبي وقاص على مشارف بلاد العراق ينظر أمامه ووراءه ، ليخطط حدوده الشرقية .
بل وجد الوطن العربي الكبير من قبل هذا حين خرج العرب من جزيرتهم إلى ما حولها ، وحين أدركوا أن لهم رسالة ، وأن عليهم مسئولية ، فمضوا ينشرون دين الله ويحملون لواءه ، لواء الرحمة والتسامح والحب والبناء .
ولم يختلف أحد في حدوده ، إنه يمتد من مدينة الأسكندرية إلى جبل طارق على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، ومن الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي إلى جبال الموصل في الشمال ، كما يمتد في أفريقيا السمراء إلى منابع النيل الخالد ، وإذا سأل أحد عن مقوماته : أهي الوحدة الجغرافية أم وحدة الآمال المشتركة ، أم وحدة اللغة ، أم وحدة العادات والتقاليد والعرف ، أم وحدة التاريخ ... ؟ ، فإن الواقع هو الذي يرد على هذا السؤال .
إن عروبة هذا الوطن مزيد من ذلك كله ، بالرغم من أن المظهر يدور حول أساسيين عظيمين : الأساس الأول . وحدة اللغة والعادات والتقاليد ، والأساس الثاني .. وحدة التاريخ المشترك ن والمصير الواحد ، ويدعم هذين الأساسيين في نواح كثيرة وحدة الاعتقادات ، وصفاء وخلوص الدماء مما يشوبها ، ورابطة الأنساب .
هذا ، وقد انتظمت ذلك كله وحدة جامعة بالمصالح والمنافع المتبادلة ، امتدت رقعة الوطن العربي من خليج العرب شرقًا إلى المحيط الهندي ، والخليج العربي ، وصحارى أواسط أفريقيا جنوبًا .
هذا هو الوطن العربي ، وهذه حدوده ، وهو يجمع بين أبناء الهلال والصليب في وحدة متماسكة رائعة لا نظير لها ، رغم المؤامرات والأحقاد والأجندات التي تحاول أن تفرق بين نسيج الأمة الواحد .
ولقد ناضلت الشعوب العربية معتزة بقوميتها العربية ، واستطاعت أن تحتفظ بمقوماتها الأساسية ، بالرغم مما عانت من عسف العدوان والطغيان والجبروت ، وما تعرضت له من هجوم عليها من الشرق والغرب ، ففي سنت 1256 م انحدرت موجات التتار العارمة الطاغية من الشرق ، فاكتسحت كل شيء ، حتى واجهها العرب صف واحد في مصر وبلاد الشام .
ويتوقف الزحف التتاري في عين جالوت ، في فلسطين 1260 م ، وفي معركة حطين كان المد الاستعماري الغربي يقاتل العرب باسم الدين ، ويتوخى دائمًا السيطرة والاستغلال من أجل مصالحه الاقتصادية ، ولكنه لم يلبث كذلك أن لقي مصرعه في حطين سنة 1187 م ، وتراجع أمام جيوش الناصر / صلاح الدين ، وكان قوامها كذلك جنود مصر والبلاد العربية .
لقد حاول العثمانيون (الأتراك) باسم الدين والخلافة الاستيلاء على هذا الوطن العربي ، والقضاء على القومية العربية ، ولكن خاب مسعاهم وفشلت أهدافهم .
وأعقبت ذلك موجة أخرى من موجات الاستعمار الأوربي ، فتابع الشعب العربي كفاحه ، ووقف في وجه الاستعمار وقفة مستبسلة ، وكان في ذلك يصارع قوى عدة ، هي الاستعمار وأصحاب المصالح الذين اتحدت مصالحهم لاستغلال الوطن العربي ، وابتزاز أمواله ، وسلب خيراته .
أما فلسطين العربية جرحنا الدائم ، فكانت معركة مستمرة بين القومية العربية من ناحية ، والاستعمار والصهيونية العالمية من ناحية أخرى ، وكانت المؤامرة التي دبرها الاستعمار للوطن العربي كله في غفلة من حكامه وأبنائه المسالمين ، وبها مكن لليهود في وطن بأرض العرب ، وأعلنت الدول العربية الحرب ، وظلت تقاوم عصابات الصهيونية ، وتصاعدت المقاومة منذ 15 مايو سنة 1948 م ، ولكن تآمر الاستعمار وأذنابه حال دون القضاء على هذا الخطر ، ثم تلى ذلك هزيمة يونيو 1967 م ، إلى أن تحقق النصر في العاشر من شهر رمضان سنة 1393 هـ = السادس من أكتوبر سنة 1973 ، وتحطمت الأسطورة ، وتهاوت الخرافة ، وبدأت الأمة العربية خطوة مظفرة على الطريق الطويل ، ولكن من يريد بنا الشر لا يهدأ أبدًا .
ومع انتصار العرب لم يعتنق الحرب للحرب ، لقد آمنوا بمبادئ السلام العادل ، لأنهم كافحوا الاستعمار والطغيان ، وذاقوا مرارة حربين عالميتين ، وأكثر من عدوان .
إن أمتنا العربية تسعى دائمًا إلى الرخاء والاستقرار ، كما أنها تريد الخير والسلام لكل شعوب العالم ، وعليه فهي تعتنق دائمًا وأبدًا مبادئ التعايش السلمي ، فهي لا تريد العداء أو العيش في موقد الحرب الكبير ، وإنما تريد سلامًا عادلاً يرد حق الشعب الفلسطيني إليه ، ويحرر الأرض المغتصبة منذ عام 1967 م .
إن أمتنا العربية تسعى للبناء لا للهدم ، وكان لا بد أن تتحرر ، وأن تثور على كل أشكال الاستعمار والقهر والعبودية ، وأن تحاربها في كل أوكارها .
لقد آن الآوان أن يتنبه عالمنا العربي لما يحاك ضده من مؤامرات ودسائس وفخاخ تهدف إلى تقسيمه إلى دويلات صغيرة ضعيفة يسهل السيطرة عليها ، بعد أن يستدرج إلى حروب طائفية وعرقية وقبلية تجعلنا عرضة للتمزق والضياع ، آن الأوان لأن نتحد ونتوحد كي نواجه تلك الأجندات الهادفة إلى أن نحتل ، ونستعمر ، وننهب ، ونستغل من جديد .
آن الأوان لأن نعمل من أجل صالح الأجيال القادمة ، أن نعمل لحسابنا فقط من أجل مستقبل أوطاننا ، فليس من المعقول أو المنطقي أن نعمل لحساب الآخرين فذلك يعني الخراب والدمار والعودة إلى الوراء دون عودة .
إن الوطن العربي قوة عظيمة بسكانه ، بقوته العاملة التي لا تكل ولا تمل حيث يعيش في رقعة خصبة تكفي حاجة السكان وتفيض ، المهم أن نهتم بهذه الرقعة وننميها ونطورها ، وندرب شبابنا ونؤهله على أحدث أساليب التكنولوجيا الحديثة ، و على أرضنا معادن ومناجم تعطينا كفاية ذاتية صناعية ينتفع بها العالم كله ، وفي بحارنا وعلى امتداد سواحلنا ثروات ضخمة ، ولنا البترول بطاقاته الجبارة ، ومخزونه الوفير ، ولقد عرفنا جيدًا كيف نستخدمه سلاحًا باترًا في حرب أكتوبر 1973 م .
ونحن بهذه المقومات والإمكانات والقدرات ومع التخطيط العلمي السليم والإرادة والعزم والثقة في النفس نقدر بإذن الله تعالى على التقدم العلمي في كل المجالات ، ولقد أبرزت حرب أكتوبر 1973 م ، أن العرب قوة بكل المقاييس والحسابات ، وأن كل إمكانات التقدم والقوة موجودة ودليل على ذلك أبناؤنا الذين يعملون في الخارج ويحققون إنجازات رائعة يشهد بها الجميع ، وعليه فإننا بالإمكان أن نحقق كل خير وسعادة ورخاء لوطننا عن طريق الاهتمام بالعلم والبحث العلمي ، ثم التكامل والتعاون .
وختامًا : إن الأمة العربية تعرف طريقها جيدًا ، وفي إمكان أبنائها أن يخطوا خطوات راسخة واثقة نحو المستقبل المشرق ، مستفيدين بكل ما لدى أمتهم من طاقات وإمكانات ، مدركين قيمة ما عندهم وعند أمتهم ، ومن هنا تحتم على الجميع أن يساهم بعرقه وإنتاجه وعمله ، إذا أردنا بحق أن نصنع تاريخًا جديدًا للأجيال القادمة ، فلن يصنع تاريخنا أحد غيرنا طالما كانت قوتنا واحدة .
إن العمل والاتحاد والوعي بما يحاك لنا في الظلام هو الذي سيجعلنا نعمل بقوة مع مواكب التقدم الإنساني ، ومع الطلائع التي تسعى إلى عالم جديد ، عالم ترفرف فيه أعلام العدل والمساواة والكرامة الإنسانية والحق والخير والحب والسلام ، كل ذلك بعيدًا عن الصراعات والمنازعات ، بعيدًا عن الفوضى الهدامة التي هي كالنار الموقدة في الهشيم ، إن لم ننتبه لها أكلت الحرث والنسل .