“ناشونال إنتريست”: فاغنر باقية في أفريقيا رغم رحيل مؤسسها بسبب غياب البديل الأمريكي

profile
  • clock 4 سبتمبر 2023, 9:53:43 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

نيويورك: رغم مقتل يفغيني  بريغوجين، مؤسس جماعة فاغنر العسكرية الروسية، ومواراة  جثمانه الثرى في مدينة سان بطرسبرغ، ستظل الجماعة المسلحة باقية، على الأقل خارج روسيا.

وإلى أن تُقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما في ذلك شركاؤها من المنظمات الإقليمية والحكومات الأفريقية، بديلاً موثوقاً به يُقدم ما تقدمه فاغنر  لدول القارة، فإن هذه الجماعة، التي تضم عشرات الآلاف من المرتزقة الذين يقدمون خدماتهم العسكرية لمن يطلب ويدفع، ستظل ليس فقط باقية بشكل أو بآخر وإنما ستواصل نشر الخراب في مناطق واسعة من القارة وغيرها، بحسب السفير السابق والباحث الزميل في مركز أبحاث “مجلس الأطلسي” الأمريكي بيتر فام.

 وفي تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية يقول فام، المستشار الكبير في معهد كراش للدبلوماسية الفنية، والمبعوث الأمريكي السابق لمناطق الساحل والبحيرات العظمى في أفريقيا، إنه في حين اتّجه أغلب التركيز بعد حادث تحطّم الطائرة المدنية الخاصة فوق شمال غرب موسكو، وأدى إلى مقتل بريغوجين واثنين من كبار مساعديه  وسبعة آخرين، على معرفة حقيقة أسباب الحادث، وإن كان مدبراً أو عارضاً، لم يهتم كثيرون بالمكان الذي كان بريغوجين فيه قبيل الحادث مباشرة.

الصحيفة: هذه الجماعة التي تضم عشرات الآلاف من المرتزقة الذين يقدمون خدماتهم العسكرية لمن يطلب ويدفع، ستظل ليس فقط باقية بشكل أو بآخر، وإنما ستواصل نشر الخراب في مناطق واسعة من القارة الأفريقية.

فقد كان فريق محققي صحيفة “وول ستريت جورنال” أول من قال إنه أمضى أيامه الأخيرة في زيارة نقاط الارتكاز التي أقامتها مجموعته في  أفريقيا، حيث لم ينشر فقط حوالي 5000 مقاتل محترف، وإنما أقام إمبراطورية اقتصادية تتاجر في كل شيء؛ من الموارد الطبيعية إلى الخمور، وأغلبها تجارة غير شرعية.

وبحسب تقرير وول ستريت جورنال، فإن بريغوجين زار جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث التقى هناك مع قادة من قوات الدعم السريع المتمردة في السودان.

 ويقول فام، الدبلوماسي الأمريكي السابق، إن المعلومات التي حصل عليها من مسؤولين سياسيين وأمنيين أفارقة، أثناء جولته في دول منطقة الساحل، والتي تزامنت بالصدفة مع وجود بريغوجين هناك، تشير إلى أن المرتزق الروسي الراحل لم يكن يحاول فقط منع سيطرة الحكومة الروسية على شبكته في أفريقيا، وإنما يسعى إلى توسيع نطاق عملها. وقدَّمَ رئيس أحد الأجهزة الأمنية في أفريقيا عرضاً مفصلاً  لكيفية استخدام فاغنر لأراضي إحدى الدول التي تتواجد فيها، لكي تجنّد المناوئين لنظام حكم بلاده، ثم تنظمهم في مجموعة مسلحة، وبعد تدريبهم يمكن إرسالهم إلى الدولة لمحاولة الإطاحة بنظام الحكم، أو على الأقل إثارة اضطرابات عنيفة.

ويفتح مقتل بريغوجين ومساعديه الأبرز  ديمتري في. أوكتين وفاليري واي. شيكالوف في حادث تحطم الطائرة، يوم 23 آب/ أغسطس الماضي، مستقبل فاغنر على سيناريوهات عديدة. بالطبع فإن التخلص من القادة الثلاثة دفعة واحدة يسهّل ما يقال إنه السيناريو الأفضل بالنسبة للكرملين، وهو سيطرة السلطات الروسية على شبكة جماعة فاغنر  بالكامل. لكن هناك سيناريو آخر أقل احتمالاً، وهو أن يؤدي غياب بريغوجين ونوابه إلى ظهور مجموعتين لفاغنر؛ الأولى تسيطر عليها مباشرة وزارة الدفاع الروسية، وربما من خلال جهاز المخابرات الرئيسية الروسي “جي.آر.يو”، والأخرى تحتفظ بإدارتها الذاتية. وربما يكون هذا ما أراد مؤسس المجموعة تأمينه في أفريقيا خلال أيامه الأخيرة. وأخيراً هناك احتمال ثالث، وهو تفكك الشبكة إلى وحدات منفصلة، تتصرف كل منها بشكل انتهازي وفقاً للظروف.

ورغم أن بعض صنّاع السياسة والمحللين الغربيين يأملون في حدوث هذا السيناريو، تقول الخبرات السابقة إن انقسام شبكة فاغنر  إلى وحدات عديدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة أنشطتها التخريبية، كما يحدث في الشبكات الإرهابية، وليس إلى تراجعها.

 ورغم أهمية الأسئلة المتعلقة بمستقبل فاغنر، هناك سؤال ربما يكون أهم، وهو لماذا يستمر نجاحها في أفريقيا. والإجابة تكمن في فهم حقيقة الطلب على ما قدمه بريغوجين لأنظمة الحكم في تلك الدول، حيث يظهر أمران أساسيان:

الأمر الأول هو بقاء نظام الحكم. فقبل يومين من مقتله  تحدث بريغوجين، في تسجيل مصور لأول مرة منذ تمرد حزيران/ يونيو الفاشل، وتم بثه عبر قنوات فاغنر على تطبيق التواصل الاجتماعي تليغرام. في خطابه القصير الأخير قال زعيم مرتزقة فاغنر  إن “فاغنر  تقوم بعمليات بحث واستطلاع لكي تصبح روسيا أعظم في كل قارة، وتصبح أفريقيا أكثر حرية، وتحقيق العدالة والسعادة للأمم الأفريقية”.

 ورغم هذا الكلام “الجميل”، فإن القيمة الحقيقية التي تقدمها فاغنر  لأنظمة الحكم في أفريقيا حيوية للغاية، وهي ضمان بقاء نظام الحكم. فباستثناء ليبيا، ومؤخراً السودان، استهدفت فاغنر  الدول الضعيفة والمحاصرة، مثل حكومة أفريقيا الوسطى المعترف بها دولياً. وفي ذلك الوقت بدأ الوجود الروسي على شكل “مدربين مدنيين” روس، في أوائل 2018، وكانوا بالكاد قادرين على تأمين العاصمة بانجي. ثم تنامى وجودهم في الدولة، ولم تعد مليشيات فاغنر تقدم الحماية للرئيس فاوستين أرشانجي تواديرا، وإنما أصبح العملاء الروس لاعبين أساسيين في جهود تأمين فوزه بفترة حكم جديدة في انتخابات 2020 .

الصحيفة: هناك سيناريو أقل احتمالاً، وهو أن يؤدي غياب بريغوجين ونوابه إلى ظهور مجموعتين لفاغنر؛ الأولى تسيطر عليها مباشرة وزارة الدفاع الروسية، والأخرى تحتفظ بإدارتها الذاتية.

ومؤخراً تم نشر هؤلاء العملاء لتنظيم الاستفتاء، الذي أجري يوم 5 آب/ أغسطس الماضي، وقيل إنه أسفر عن تأييد 95% من الناخبين لتعديل الدستور الذي يلغي القيود على عدد فترات الرئاسة ويزيد مدة الفترة الرئاسية من 5 إلى 7 سنوات. ولذلك لم يكن غريباً أن يستضيف الرئيسُ تواديرا زعيمَ فاغنر  في القصر الرئاسي على شاطئ نهر يوبانجي. وما تقوم به فاغنر في أفريقيا الوسطى، تفعله في دول أخرى مجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو.

 الأمر الثاني الذي تضمنه فاغنر في مناطق عملها بأفريقيا هو حماية وتعظيم مكاسب النخبة في تلك الدول. ففي تقريرها قالت “وول ستريت جورنال” إن الشبكة الروسية  تساعد النخبة في الدول الأفريقية على بيع الثروات الطبيعية لبلادهم في الأسواق العالمية والتربّح من ذلك، سواء كان نفط ليبيا، أو ذهب مالي والسودان، أو الألماس في أفريقيا الوسطى، مقابل حصول الشبكة الروسية على حصة كبيرة من المكاسب.

ولمواجهة تحدي فاغنر المستمر في أفريقيا، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا وشركائهما الأفارقة، ليس فقط  الانتباه للخطر، وإنما صياغة إستراتيجية للتعامل معه، من خلال فهم ما يجعل هذا العنصر الشرير جذاباً بغضّ النظر عن الشكل الذي يمكن أن يتخذه في المستقبل بعد مقتل بريغوجين، لكي تبدأ به وتقدم البديل له في أفريقيا.

(د ب أ)

التعليقات (0)