- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
Marine Industry: اتجاهات تصاعد الاهتمام العالمي بالصناعة البحرية
Marine Industry: اتجاهات تصاعد الاهتمام العالمي بالصناعة البحرية
- 14 سبتمبر 2023, 7:38:41 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مثلت الصناعة البحرية لعقود عنصراً حيوياً في التجارة العالمية لا يمكن الاستغناء عنه على أي حال؛ نظراً إلى قدرتها على نقل أكثر من 90% من التجارة العالمية عبر السفن، ومع التطور والتكيف الذي أظهرته الصناعة في وجه التحديات العالمية المتغيرة والتوترات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية المتتالية التي صاحبت جائحة كوفيد–19، والتضخم الجامح الذي خيم على العالم من جراء حرب أوكرانيا، زادت حالة الزخم والاهتمام العالمي بتعزيز الصناعة وتنمية قدرتها على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
يذكر في هذا الصدد، أن الصناعة البحرية تشمل بناء السفن وإصلاحها وتخريدها، كما تتضمن حركة البضائع والمواد، وكذلك إدارات السلامة والصحة المهنية، المسؤولة عن إمداد العمال وأصحاب العمل بالمعلومات والموارد والحلول لمساعدتهم على تحديد المخاطر المتعلقة بالبحر وتقليلها والقضاء عليها. ومن تلك المخاطر الآلات والمعدات، والمواد الكيميائية الخطرة، والأماكن الضيقة أو المغلقة، ومخاطر الحرائق؛ إذ من شأن المساعدة في تنفيذ الضوابط والإجراءات والتدريب على إدارة المخاطر، المساهمة في زيادة الوعي بالمخاطر المحتملة والتزويد بطرق الحفاظ على السلامة.
أدوار محورية
تتميز الصناعة البحرية بعدد من الأدوار المهمة والرئيسية بالنسبة إلى تجارة العالمية والاقتصادات الكلية وكذلك أرباح الشركات الخاصة العاملة في الصناعة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
1– محورية دور الصناعة البحرية بالنسبة إلى التجارة العالمية: تعد الصناعة البحرية مسؤولة عن نقل البضائع والمنتجات والأشخاص عن طريق البحر، ويشمل ذلك كل شيء؛ بدءاً من سفن الحاويات وناقلات النفط إلى السفن السياحية وعبارات الركاب إلى السفن الصغيرة كقوارب الصيد؛ لذا تمثل الصناعة جزءاً رئيسياً من الاقتصاد العالمي؛ إذ بدونه تتوقف التجارة الدولية. كذلك تشمل الصناعة البحرية أنشطة أخرى كبناء السفن وإصلاحها وصيانتها وعمليات الموانئ والهندسة البحرية. ومن ثم تعتبر أمراً حيوياً للتجارة العالمية والنمو الاقتصادي؛ إذ تعد المسؤولة عن نقل وتسليم أكثر من 90% من التجارة العالمية من حيث الحجم، وهو حجم ضخم يتم تنفيذه بواسطة نحو 100 ألف سفينة شحن بحري.
2– مصدر رئيسي للعمالة حول العالم: تزخر الصناعة البحرية بالعديد من الوظائف، بما يجعلها مصدراً رئيسياً للتوظيف في جميع أنحاء العالم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ووفقاً للمنظمة البحرية الدولية (IMO)، فإن هناك أكثر من 1.8 مليون بحار يعملون على مستوى العالم. ولا يشمل هذا ما يقدر بأكثر من 20 مليون عامل يدعمون الصناعة البحرية أو يتفاعلون معها كالموظفين العاملين على الشاطئ وعمال الموانئ وبناة السفن والمهندسين البحريين. ومن ثم، فإن الصناعة مصدر دخل مهم لأعداد كبيرة من العاملين حول العالم، بما يسهم في دعم اقتصادات الدول المطلة على البحار، فضلاً عن الأرباح المتأتية لها من إنتاج وتصدير السفن والمعدات البحرية.
3– مسؤولية متزايدة في حماية البيئة: تلعب الصناعة البحرية دوراً شديد الأهمية في حماية البيئة؛ حيث تمثل الصناعة نحو 3% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وفقاً لتقرير البنك الدولي في عام 2022؛ حيث إن الغالبية العظمى من سفن الشحن العالمية البالغ عددها 100 ألف سفينة، التي تحمل نحو 90% من بضائع العالم، تعمل بالديزل؛ ما يجعلها سادس أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم.
وفي ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تتعرض لها الصناعة البحرية، فإنها تلعب دوراً محورياً وتتحمل مسؤولية تطوير تقنيات وممارسات صديقة للبيئة؛ ما يساعد في الحفاظ على البيئة البحرية والاستدامة. وفي هذا السياق، تحرص الصناعة البحرية جاهدة لتقليل أثرها البيئي بدرجة أكبر، على خلفية الهدف الذي حددته المنظمة الدولية البحرية في عام 2015، الذي يتمثل في خفض انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الشحن البحري بنسبة 50% على الأقل بحلول عام 2050، مقارنة بمستويات عام 2008. ولعل انخفاض انبعاثات الصناعة بنسبة 3.2% في الفترة بين عامي 2008 و2018، يشير إلى أنها تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق ذلك الهدف.
4– المساهمة في تعزيز الأمن الوطني والاقتصادي: تمارس الصناعة البحرية دوراً رئيسياً في تعزيز الأمن الوطني، عبر توفيرها وسائل الدفاع البحري التي تعد في غاية الأهمية للحفاظ على أمن الحدود البحرية، بما في ذلك القوات البحرية والسفن الحربية وأنظمة الرصد والاستطلاع البحري. على جانب آخر، تساهم الصناعة البحرية في تنمية فرص الاستكشاف والاستغلال البحري للموارد البحرية، كالنفط والغاز والمعادن البحرية التي تشهد في الوقت الراهن تنافساً دولياً كبيراً، في ظل ندرة المعادن الأرضية النادرة، في إطار الطلب المتزايد على تكنولوجيا البطاريات، التي تعتمد بصورة رئيسية على المعادن النادرة في إنتاجها، والأرباح الضخمة التي يمنحها التعدين في أعماق البحار، بما يجعله مصدراً شديد الأهمية للإيرادات، ينعكس بشكل إيجابي على الأمن الاقتصادي للدول المطلة على البحار.
نماذج رئيسية
هناك عدد من الاتجاهات الرئيسية في مجال الصناعة البحرية في الوقت الراهن، التي تنم عن اهتمام وحرص عالمي بتلك الصناعة المتزايدة الأهمية، وهو ما يمكن استعراضه فيما يأتي:
1– تنافسية قطاع الصناعة البحرية الأوروبية: يعد قطاع بناء السفن هو القطاع الأكثر بروزاً في الصناعة البحرية في أوروبا. ويشمل ذلك القطاع، السفن الأكبر حجماً كالسفن التجارية أو العسكرية، ويشمل كذلك المنتجات والخدمات القائمة على بناء تلك السفن وتحويلها وصيانتها.
وتتميزصناعة بناء السفن الأوروبية بطابع ديناميكي، وبميزة تنافسية، سواء في الاتحاد الأوروبي أو في جميع أنحاء العالم، كما يحمل القطاع أهمية واسعة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث تنطوي صناعة بناء السفن في أوروبا على مجموعة واسعة من التقنيات، كما توظف عدداً كبيراً من العمال، وتدر دخلاً بالعملة الأجنبية، في ظل اعتماد سوق بناء السفن العالمية على الدولار الأمريكي.
في هذا الصدد، فإن الاتحاد الأوروبي يعمل على تطوير وتنمية الصناعة، بما يساهم في تعزيز القدرة التنافسية للقطاع، كما يخضع القطاع للمراقبة باستمرار من جانب المفوضية الأوروبية، التي تتولى مهمة اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتعاون مع أصحاب المصلحة في سبيل تنمية القطاع وتعزيز قدرته التنافسية عالمياً. كذلك يتم تنظيم القطاع على مستوى الاتحاد الأوروبي، في الموضوعات المتعلقة بمعايير السلامة والبيئة، ومتطلبات التصميم والإنتاج والإجراءات الإدارية، بهدف ضمان تحقيق التنمية المستدامة للقطاع من منظور اقتصادي واجتماعي وبيئي.
2– امتلاك بريطانيا خبرة كبيرة في خدمات الأعمال البحرية: تحظى صناعة خدمات الأعمال البحرية بالعديد من الأنشطة العالية الإنتاجية، بما في ذلك أنشطة سمسرة ووساطة السفن وخدمات النقل المتنوعة الأخرى، والتأمين البحري والخدمات المالية والقانونية، ومسح السفن وتصنيفها، والتعليم البحري، والاستشارات البحرية، والمحاسبة البحرية.
وتتمتع بريطانيا في هذا الإطار بخبرة واسعة، خاصة في مجال سمسرة السفن والتأمين والخدمات القانونية والمالية؛ حيث يتم إصلاح العديد من السفن من خلال وسطاء السفن المقيمين في المملكة المتحدة، مستفيدين من رأس المال المقدم من قبل بنوك وصناديق لندن. وعليه، فإن هناك أعداداً كبيرة من السفن المؤمن عليها في المملكة المتحدة، كما يتم تطبيق القانون الإنجليزي على عقود الشحن بشكل أكبر من قانون أي دولة أخرى؛ وذلك في ظل تمتع لندن بقدر كبير من المحامين والمحكمين المتخصصين في القضايا البحرية وتسوية المنازعات.
3– تصدر دولة الإمارات مؤشرات التنافسية في القطاع البحري: تتصدر دولة الإمارات العديد من مؤشرات التنافسية العالمية في القطاع البحري؛ فهي تحتل المرتبة الثالثة عالمياً في مؤشر توريد السفن، والمرتبة الخامسة بوصفها مركزاً بحرياً تنافسياً رئيسياً، والمرتبة الثانية عشرة في مؤشر خطوط النقل. ولعل ذلك يأتي نتيجة لبيئة الأعمال التنافسية التي توفرها دولة الإمارات؛ حيث تستقطب كبرى الشركات البحرية العالمية؛ ما يجعل موانئ الدولة وجهة مفضلة لخطوط الشحن الدولية.
في هذا الصدد، تنظم دولة الإمارات كل سنتين فعالية بعنوان “أسبوع الإمارات البحري”، تحت رعاية وزارة الطاقة والبنية التحتية، الذي يستهدف تشكيل منصة وطنية تضم مختلف الجهات البحرية وصناع القرار في ذلك القطاع في المنطقة، في إطار فعالياته وجلساته الحوارية.
وقد اختتمت تلك الفعالية في منتصف شهر يونيو 2023، وأسفرت عن توقيع عدد كبير من الاتفاقيات بين جهات رائدة في تلك الصناعة، بما في ذلك توقيع ثماني مذكرات تفاهم بين عدد من الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة ضمن مبادرة “المرور الأزرق”، الممثلة في إطلاق بوابة إلكترونية وتطبيق ذكي، لتصبح بمنزلة تجمع للشركات البحرية للحصول على الحوافز والامتيازات، وتبادل الخدمات والمنتجات البحرية، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الأجنبية في الصناعة البحرية في الدولة.
4– استضافة السعودية مؤتمر الصناعة البحرية 2023: استضافت المملكة العربية السعودية مؤتمر استدامة الصناعة البحرية (SMIC) خلال الفترة بين 4 و6 سبتمبر 2023، في جدة، بحضور الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية كيتاك ليم ووزراء النقل والبنية التحتية وكبار المسؤولين ورؤساء الشركات الرائدة من 170 دولة؛ وذلك في إطار مساعي السعودية في الوقت الراهن إلى تعزيز مكانة الصناعة البحرية والعمليات اللوجستية بها، في ضوء الاستراتيجية الطموحة للقطاع البحري السعودي، المستمدة من الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي تهدف إلى تعزيز تنمية القطاع. هذا وتتطلع السعودية في الوقت الراهن إلى رفع مساهمة القطاع البحري في الاقتصاد السعودي بمقدار أربعة أضعاف مستواه الحالي.
5– ريادة السويد في مجال استدامة الصناعات البحرية: يوفر الخط الساحلي الطويل الممتد والبحيرات والممرات المائية في السويد، بجانب النظام البيئي القوي، فرصاً لزيادة الاكتفاء الذاتي والقدرة التنافسية وفرص العمل والجاذبية الدولية للاستثمار والشراكات والتحالفات الدولية في العديد من القطاعات البحرية المختلفة.
وخلال السنوات الأخيرة،أظهرت السويد توسعاً كبيراً في الاستثمارات في مجال الاستدامة في الصناعة البحرية؛ إذ بحسب دراسة أجرتها هيئة الإحصاء السويدية، فإنه في عام 2017، طبقت السويد نهجاً أكثر صرامة فيما يتعلق بما يجب تضمينه في الاقتصاد الأزرق والاستدامة، نظراً إلى كون الاستدامة البيئية والاجتماعية شرطاً مسبقاً لتحقيق الاقتصاد الأزرق المستدام. وهو نهج متعدد الوظائف يستهدف التوسع الصناعي المستمر في مجالات الطاقة وإنتاج الغذاء، والمساهمة بشكل أفضل في تجديد النظم البيئية الساحلية والبحرية، بما يدفع نحو تلبية عدة أهداف كالانتعاش الاقتصادي والحياد المناخي والإنتاج الدائري، والحفاظ كذلك على التنوع البيولوجي واحتجاز الكربون الأزرق، والتنقل والتجارة.
مخاطر راهنة
بالرغم من الفرص الهائلة التي توفرها الصناعة البحرية؛ فإن هذه الصناعة تتعرض في الوقت الراهن لعدد من المخاطر والتحديات، يمكن تسليط الضوء عليها فيما يأتي:
1– تفاقم النزاعات القانونية في صناعة الشحن: في عام 2022، وصلت النزاعات القانونية المرتبطة بالصناعة البحرية إلى أعلى مستوى لها منذ سبع سنوات؛ وذلك من جراء انخفاض الأرباح في الصناعة نتيجة اضطراب التجارة الناجم عن الحرب الأوكرانية، وهو الاضطراب الذي ترتب عليه وقوع اشتباكات بين أصحاب السفن وعملائهم.
فوفقاً للبيانات التي جمعتها شركة HFW – وهي شركة محاماة دولية تضم محامين ورجال أعمال متخصصين في تقديم حلول في جميع جوانب التجارة الدولية – فإن شركات الشحن في عام 2022، قد شاركت في رفع نحو 2000 قضية تحكيم خارج المحكمة، ليمثل العدد الإجمالي زيادة بنسبة 12% عن عام 2021، وهو بذلك يتجاوز عدد الحالات في عام 2020، رغم ما تسببت فيه جائحة كوفيد–19 من ازدحام في الموانئ، تسبب بدوره في إفراز خلافات عديدة متعلقة بتأخيرات الشحن.
وبحسب بعض محامي الشحن، فإن تلك الزيادة في عدد قضايا التحكيم في عام 2022، تعزى بشكل كبير إلى العقوبات التي فرضت على التجارة في بعض السلع الروسية، والخطر المتزايد الذي تعرضت له السفن في منطقة البحر الأسود خلال ذلك العام، فضلاً عن الضغوط الخاصة بانخفاض الأرباح وسط التباطؤ الاقتصادي الواسع النطاق؛ إذ تسبب العقوبات المفروضة على تجارة المنتجات الروسية إلى هز وقلقلة استقرار الصناعة البحرية، بما يشير إلى أن استقرار الصناعة البحرية يتوقف على مقدار العلاقات التجارية السلسة بين الدول. ومن ثم، فإن أي توترات جيوسياسية تؤثر سلباً على الصناعة ومن ثم تضر بسلاسل التوريد والتجارة العالمية.
2– تحديات أمام التعاون في مجال تحول الطاقة: هناك تحديات كبيرة تحول دون التعاون الدولي العملي، في الصناعة البحرية، تتمثل في مقدار الاستعداد للتعاون من أجل تحقيق التحول السريع في الطاقة؛ إذ عادة لا يستطيع الكثير من مالكي السفن الجمع بين تقديم خدمات لوجستية خضراء، وتحقيق ميزة تنافسية في الوقت ذاته؛ إذ إنه كثيراً ما يحدث اهتمام بجانب على حساب الآخر.
أضف إلى ذلك نقص الابتكار النظيف الفعال في صناعة الشحن، كالتكامل التكنولوجي في السفن الجديدة أو تحديث السفن الحالية. وقد يكون الاتجاه نحو تحويل الصناعة البحرية باستخدام التكنولوجيا النظيفة عملية شديدة التعقيد ما لم يكن هناك تعاون. ولعل التعاون المقصود هنا لا مجرد تبادل أصحاب السفن المعلومات التقنية حول التقنيات المتطورة، بل يشمل كذلك جميع الأطراف المعنية بما في ذلك شبكات الموردين.
3– التهديد بالهجوم السيبراني على الصناعة البحرية: تتعرض الصناعة البحرية لتحديات أمنية واسعة تهدد سلامة الأمن البحري، وتشمل تلك التحديات الهجمات الإرهابية والقرصنة والهجمات السيبرانية. ولعل التقدم التكنولوجي المتسارع، يدفع نحو زيادة خطر الهجمات السيبرانية على السفن والبنية التحتية للموانئ؛ ما يجعل الأمن السيبراني قضية بالغة الأهمية لتلك الصناعة. وبحسب أبحاث أجرتها شركة تريليكس (Trellix) للأمن السيبراني، فإن قطاع النقل والشحن البحري كان الأكثر تضرراً من الحملات التي تطلقها مجموعة الهجمات الإلكترونية المتطورة (APT) بنسبة تصل إلى 27% من إجمالي الهجوم على غيرها من القطاعات الأخرى.
4– التأثيرات المعاكسة للتوترات الجيوسياسية: دفعت الأحداث المتطرفة خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك تفشي جائحة كوفيد–19 والتضخم العالمي والتوترات الجيوسياسية، إلى تحفيز صانعي السياسات ومالكي السفن من أجل المطالبة بالتحول والابتكار لتعزيز القدرة على التعامل في ظل تعقيدات الوضع الحالي. وبحسب بيلي سومانسون كبير مسؤولي المنتجات والذكاء الاصطناعي في ZeroNorth – وهي منصة تقدم حلولاً تساعد صناعة الشحن العالمية على تحقيق الأداء التجاري الأمثل وتقليل انبعاثات الكربون – فإن التكنولوجيا البحرية تستطيع أن تساعد الصناعة البحرية على الصمود والتغلب على تحديات سلسلة التوريد، وتعزيز الاستجابة بفاعلية للتوترات الجيوسياسية، إذا التزمت المنظمات والمؤسسات العاملة في تلك الصناعة معاً في وجه تلك التحديات.
5– ارتفاع تكاليف التشغيل: يبرز التضخم العالمي الناتج عن عدد من العوامل – وعلى رأسها تداعيات الحرب الأوكرانية منذ العام الماضي – باعتباره العامل الأكثر تأثيراً في الصناعة البحرية؛ إذ أدى التضخم المتسارع إلى زيادة اتجاهات التسعير الحالية، التي عندما اقترنت بزيادة أعداد السفن المستخدمة ذات الحجم الكبير، تفاقمت تكاليف التشغيل، حتى باتت صيانة السفن وتجديدها يتطلب تكاليف عالية، بالإضافة إلى تنامي تحديات الشحن البحري المرتبطة بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف النقل.
6– نقص المهارات اللازمة لتغطية مجالات الصناعة المختلفة: تواجه الصناعة البحرية في بعض الأحيان، نقصاً في المهارات اللازمة؛ حيث يتعذر على كثير من الشركات في تلك الصناعة، العثور على العمالة الماهرة والمؤهلة بما يكفي للعمل في مجالات كبناء السفن والصيانة. وبما أن حل تلك المعضلة يرتبط بالحاجة إلى التركيز على التعليم البحري وتدريب الخبرات وتأهيلهم لسوق العمل في الصناعة البحرية، لسد فجوة المهارات التي تتعطش إليها تلك الصناعة على اختلاف قطاعاتها، فإن ذلك يتطلب تركيزاً ووقتاً كبيراً من أجل تحقيق ذلك الهدف.
7– التداعيات السلبية للتغير المناخي: يعد تغير المناخ من أكبر التحديات التي تواجه الصناعة البحرية؛ فبينما تؤدي الظواهر الجوية المتطرفة، كالفيضانات التي تعقب العواصف الشديدة، إلى تعرض المخازن المحملة بالبضائع واليخوت وهياكل السفن إلى الخطر، فإن التأثير غير المباشر للتغير المناخي على الصناعة، يتمثل في عظم التحدي الذي يفرضه على صناعة الشحن، المتعلق بضرورة الانتقال إلى صافي انبعاثات صفرية.
ورغم حرص الصناعة بالفعل على إزالة الكربون، فإن العديد من التقنيات الجديدة، كالتصاميم الجديدة للسفن وأنظمة الدفع، أصبحت تشكل مخاطر ناشئة؛ حيث تحتوي على أنواع جديدة من التقنيات التي تفرض ضرورة العثور على الخبرات القادرة على استيعابها وتطبيقها لتغطية احتياجات العملاء بشكل مناسب. ولعل المخاطر الممثلة في تسرب النفط من السفن والتأثيرات البيئية لعمليات التنقيب عن النفط والغاز والمعادن البحرية، تُحمِّل الصناعة البحرية مسؤوليات إضافية في مجال حماية البيئة والامتثال للمعايير البيئية.
ختاماً، تستعد الصناعة البحرية لتحولات كبرى خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل تكثيف اعتماد تكنولوجيات جديدة، وتوسع التركيز من قبل العديد من الحكومات على مسألة الاستدامة والابتكار. خاصة أن تعزيز التعاون الدولي البارز في تلك الصناعة من شأنه أن يسهم في دفع الصناعة البحرية إلى التحول الأخضر؛ إذ يهدف التعاون بصورة رئيسية إلى تطوير معايير الاستدامة على مستوى الصناعة، بما بات يفرض تحديات تتعلق بتقديم حلول لتقييد استخدام الوقود الأحفوري، واختيار السفن الصديقة للبيئة.
ولما كانت التهديدات المرتبطة بالأمن السيبراني من أبرز التحديات التي تتعرض لها الصناعة البحرية، فإن هناك حاجة إلى التعاون بين أصحاب المصلحة في الصناعة والحكومات وخبراء الأمن السيبراني؛ لتعزيز التدابير الأمنية الرامية إلى حماية الممتلكات البحرية. ولعل ذلك يفرض على الحكومات من جانب آخر، حتمية إنشاء أطر تشريعية ومبادئ توجيهية إدارية لضمان امتثال القطاع البحري لمتطلبات الأمن السيبراني الأساسية.