- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
«الإمبراطور» شي جين بينج.. كيف أطاح كل تيارات الحزب وتفرَّد بالسلطة؟
«الإمبراطور» شي جين بينج.. كيف أطاح كل تيارات الحزب وتفرَّد بالسلطة؟
- 30 أكتوبر 2022, 12:15:10 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من يسار الصورة: الرئيس الصيني شي جين بينج، وسلفه هو جينتاو، وسلفهم جيانغ زيمين
أما شي بينج فإنه وفقًا للنظام السياسي الصيني، صعد للزعامة وسط أزمة تنظيمية حزبية، مع عدم استطاعة جينتاو تحديد الشخص الذي سيخلفه، ولم يصل إلى تسمية شي بينج إلا بعد مناوشات وخلافات، ومشاورات أخيرًا مع زيمين لتسميته، ولكن شي بينج رفض تسلم المنصب ما لم تقبل القيادة الحزبية توليته رئاسة «اللجنة العسكرية المركزية»، وهي خطوة ترمز إلى اشتراطه المسبق لتركيز أكبر للسلطة في يده، وضرورة موافقة القيادة السابقة على ذلك قبل توليه المنصب.
والحيثية التاريخية الثانية هو احتياج الحزب لتركز السلطة في يد شي بينج، فقد وصف كثيرون فترة جينتاو بأنها «عقد ضائع»؛ لانعدام تحقيق أي تقدم في الإصلاح السياسي، ووجود اختلالات كبيرة ترافقت مع معدلات النمو الكبيرة على رأسها التلوث البيئي الكبير، وتعاظم الفساد واللامساواة في الدخل والثروة.
كان لضعف جينتاو مقارنة بزعماء صينيين سابقين، ومبدأ «الحكم الجماعي» الذي يتطلب اتفاق أعضاء اللجنة الدائمة (وهي أعلى الهيئات القيادية في الحزب الشيوعي الصيني سبعة أعضاء) بالإجماع لاتخاذ بعض القرارات؛ دور مهم فيما حدث.
فمبدأ الحكم الجماعي كان سببًا في تعطيل الوصول إلى قرارات حاسمة، فكثير من القرارات تحتاج إلى إجماع اللجنة الدائمة، وضمت اللجنة أعضاء لتيارات مختلفة؛ ما أدى إلى استطاعة عضو واحد تعطيل عملية اتخاذ القرار، وهو ما حصل بالفعل في فترة جينتاو كما كشفت محاكمة عضو اللجنة السابق، التي سبق الإشارة إليها.
استغل شي بينج هذه الأحداث، واضطرار القيادة إلى إعطائه ما أراد منذ البداية؛ فبنى شعبية كبيرة عن طريق «حملة القضاء على الفقر المدقع»، ودعَّم هذه الشعبية في صفوف الحزب والشعب بـ«حملة القضاء على الفساد»، ليظهر حلًّا لمشكلات الصين التي تسببت بها إدارات سابقة، كما ساعدته حملة القضاء على الفساد في إضعاف التيارات المناوئة له ولحكمه.
واستمر نجم شي بينج بالصعود، وتوج هذا المسار نهاية المؤتمر الأخير، والذي تصل فيه قوة شي بينج إلى أوجها، وتظهر واضحة في تشكيلة اللجنة الدائمة.
«تيارات» تحت حكم شي بينج المطلق
جاءت اللجنة الدائمة لمؤتمر عام 2012 بشي بينج للسلطة. وكانت اللجنة تتشكل من شي بينج وحليفٍ له، وحليفٍ لجينتاو، وحليفين لزيمين، واثنين غير محسوبين على هذه التيارات الثلاثة.
وفي عام 2017 ازدادت قوة شي بينج، وأصبح له ثلاثة حلفاء في اللجنة الدائمة. أما جينتاو فأصبح لديه حليفان، وضعفت قوة زيمين في اللجنة بوجود حليف واحد، ويُصنف هؤلاء الثلاثة المحسوبون على جينتاو وزيمين، وفق التيار «الليبرالي» الصيني، المؤمن بانفتاح السوق.
وفي عام 2022 وخلال المؤتمر الأخير، خرج من اللجنة أربعة أعضاء، ثلاثة منهم ليسوا من مجموعة شي بينج، وواحد فقط من مجموعته بلغ سن التقاعد. وأُدخل أربعة أعضاء جدد من أنصار شي بينج وحلفائه، وممن عمل تحت إدارته سابقًا، ليصبح داخل اللجنة الدائمة تيارٌ واحد، مناصرٌ لشي بينج وسياساته.
ومن أبرز نتائج تغييرات القيادة، هي أنَّ اللجنة اليوم تخلو من ما يطلق عليهم «المعتدلين»، والشخصيات الأكثر ليبرالية وميلّا لاقتصاد السوق، ودخول حلفاء شي بينج الأكثر قربًا للإصلاحات الاقتصادية التي بدأ تنفيذها منذ عقد، ومعها التنامي المطرد لقوة الحكومة وسيطرتها على الاقتصاد على حساب القطاع الخاص.
لماذا علينا متابعة مؤتمرات الحزب الشيوعي؟
ينص دستور الدولة الصينية صراحة على قيادة الحزب الشيوعي الصيني للدولة، والمنع القاطع لأي جهة تهديد «النظام الاشتراكي» الذي يعد من خصائص الحزب، ومن ثم لا يجوز دستوريًّا وقانونيًّا لأحد تحدي هذه القيادة.
يخلص سيباستيان هيلمان عالم السياسة الألماني المختص بالدراسات الصينية في كتابه «النظام السياسي الصيني» إلى أن الدولة الصينية هي الأداة التي يحكم بها الحزب الشيوعي. ويعد مؤتمر الحزب الشيوعي اللحظة الفارقة التي تُظهر فيها القيادة الصينية كل خمس سنوات أسماء أهم قيادات الفترة القادمة، والذين هم بالدرجة الأولى أعضاء اللجنة الدائمة، فهذه التغييرات في اللجنة غاية في الأهمية إذًا.
لحظة إخراج الرئيس الصيني السابق هو جينتاو من مؤتمر الحزب الشيوعي
لا يهدف التقرير إلى نقاش مدى حقيقة ما يحصل خلال هذا المؤتمر؛ والذي يفترض به نظريًّا انتخاب أعضاء اللجنة الدائمة بآلية تداولية داخل الحزب، وليس المؤتمر إلا عرضًا سياسيًّا للنتائج التي تُوصل إليها سابقًا خلف أبواب مغلقة كما يرى محللون؛ وإنَّ متابعة هذه المؤتمرات مهمة جدًّا لأن التغييرات التي سبق بيانها لا تُعرف إلا من خلالها.
يعد المؤتمر الأخير بنسخته العشرين استثنائيًّا؛ فمن الصحيح أن الدستور جرى تعديله سابقًا ليسمح لشي بينج بالحكم لأكثر من فترتين؛ إلا أن ذلك لم يحصل إلا اليوم في دلالة على قوة شي بينج غير المسبوقة داخل الحزب.
يضاف إلى هذا احتمالية تعمد إخراج الرئيس السابق جينتاو من المؤتمر علنًا، استعراضًا للقوة، خصوصًا وأنه من غير المعتاد في تاريخ الصين السياسي استهداف القيادات العليا في الحزب ممن هم تحت مستوى الرئاسة، فكيف بمن هم مثل جينتاو.
وأخيرًا لأن الصين اليوم على مفترق طرق فيما يخص مسألتين أساسيتين؛ الأولى مسألة تايوان وضمها بالقوة أو بالسلم ما يعني إمكانية الدخول في صراع مع أمريكا، والثاني ملف الاقتصاد الذي يمر بمرحلة انتقالية (باعتراف القيادة الصينية نفسها) تحتاج إلى تقديم حلول من هذه القيادة.
أهم مخرجات المؤتمر
مستقبل الاقتصاد
تفتح التغييرات الأخيرة على قيادة الصين المجال واسعًا أمام شي بينج لرسم سياسة الصين الاقتصادية القادمة دون مخاوف من تباين مواقف القيادة الداخلية، وبإبعاد القادة الأكثر ليبرالية وقربًا من اقتصاد السوق، فإن لشي بينج الفترة القادمة المضي في خطط الإصلاح الاقتصادي، وتعزيز مركزية الحكومة المركزية في الاقتصاد، مع الاستمرار في تقليل مكانة القطاع الخاص.
وخلال السابق من عهد الرئيس شي بينج، شهدت الصين تقدمًا أكثر نحو نموذج مركزية الدولة، وعموم المشروعات والمبادرات والإستراتيجيات التي ظهرت خلال عهد الرئيس تشير إلى إمكانية زيادة هذه المركزية أكثر وأكثر، ولكن ضمن شروط مختلفة.
تقدم إستراتيجية «التداول المزدوج» بالإضافة إلى مبادرة «الحزام والطريق» نموذج شي بينج للخروج من المرحلة الانتقالية الاقتصادية الحالية، والتي تحتاج فيها الصين الانتقال من نموذج اقتصادي يعتمد بشكل كبير على التصدير وحصة قليلة للعمال، إلى نموذج يحصل فيه الصينيون على حصة أكبر، مقابل تقليل الاعتماد على التجارة مع الخارج، وتركيز هذه التجارة ضمن مبادرة الحزام والطريق، بما يضمن للصين قدرتها على حماية هذه التجارة وتوجيهها كما تريد.
ونظريًّا، يمكن للصين البدء بنقل نسبة كبيرة من حصة قطاع الأعمال الصيني إلى الاستهلاك المنزلي الصيني؛ فوفقًا للاقتصادي مايكل بيتيس المختص بالأسواق الصينية في مقالة على «فاينانشال تايمز» تحتاج الصين نقل 10% إلى 15% لصالح المستهلكين في الصين على حساب قطاع الأعمال والأغنياء، أو حصة الحكومة، وهو الخيار الأقل ترجيحًا.
يقول بيتيس إن على الصين التعامل مع مشكلة سياسية خطيرة في حال نقل هذه القوة الاقتصادية من يد الأغنى إلى يد الأفقر، فانتقال القوة الاقتصادية قد يعني انتقالًا للقوة السياسية أيضًا، وهذا على افتراض أن العمالة الصينية ستبدأ بتحصيل حصة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي على شكل أجور، ولكن ماذا لو رفعت الحكومة الصينية من قدرة الاستهلاك بعملية مركزية؟
تستطيع الحكومة الصينية فعل ذلك عن طريق إنشاء برامج جديدة من قبلها، تتضمن توزيعات للنقود على فئات وشرائح مختلفة من الشعب وخصوصًا الفقراء، وذلك على غرار حملة القضاء على الفقر المدقع المشار إليها سابقًا؛ وبذلك تنقل الحكومة قوة اقتصادية كبيرة من يد قطاع الأعمال والشركات إلى يدها، مع تحصيل فائدة ارتفاع الاستهلاك المحلي، ودون الاضطرار للتعامل مع انتقال القوة بشكل واضح إلى يد المستهلكين الصينيين.
وتبقى هذه فرضية من الاحتمالات الكثيرة، وبالطبع لن يقدم شي بينج على تنفيذ مثل هذه السياسات الاقتصادية الجذرية إلا تدريجيًّا، وسيسهل التركز الكبير للسلطة تطبيق التغييرات. وظهرت أنباء أثر هذه التغييرات في الأسواق الصينية مباشرة بعد ظهور نتيجة المؤتمر، وقراءة الأسواق تصب في صالح انزياح الاهتمام الصيني بالنمو، وتزايد الاهتمام بتوزيع الدخل لغير الأغنياء، مع تعزيز دور الدولة.
تايوان تبقى على المحك
رغم تأكيد شي بينج في خطابه الافتتاحي للمؤتمر (الذي وافق عليه البيان الختامي للمؤتمر لاحقًا) تفضيل الصين إعادة تايوان بالطرق السلمية، فإنه أكد أيضًا ضرورة عدم استثناء احتمالية استخدام القوة، وحذر القوى الأجنبية التدخل فيما تعده الصين شأنًا داخليًّا لا مجال للرجعة عنه.
ولكن الجديد في خطاب الرئيس الصيني ربط المسألة التايوانية بتطوير الجيش. ففي الفقرة نفسها التي تتحدث عن تطوير الجيش وضمان ولائه السياسي للحزب الشيوعي، يشدد المؤتمر على ضرورة ردع «دعاة انفصال تايوان»، وتضع القيادة سقفًا زمنيًّا لإنهاء التطويرات المطلوبة على الجيش الصيني بمدة أقصاها عام 2027، هي نفسها السنة الأخيرة من المدة الحالية لرئاسة تشي.
تزامنت الإشارات الصينية مع إعلان المخاوف الأمريكية من أن الصين سرَّعت بالفعل جدول ضم تايوان، ورغم أن الربط الصيني بين تطوير الجيش واستعادة تايوان تقترح موعدًا لا يسبق عام 2027؛ فإن قائد البحرية الأمريكية حذر قيادة القوات المسلحة الأمريكية من أن الصين قد تبدأ «غزو» تايوان عام 2024 أو قبل ذلك.
قد يعتمد قرار الغزو الصيني على تطورات المسألة التايوانية، ومن ذلك ما قد تتخذه أمريكا من قرارات مرتبطة بتايوان، خصوصًا إذا ما تعاظمت العقوبات الأمريكية على الصين، وأضيفت معها عقوبات أخرى، وخصوصًا في مثل مجال «الرقائق الدقيقة».
تحتاج الصين في مثل هذا المجال لتايوان، وقد يكون ضمها جزءًا من حل مشكلة العقوبات الأمريكية، وخصوصًا أن تايوان من أكبر منتجي هذه الشرائح، وقد تكون العقوبات الأمريكية المتزايدة سببًا في تسريع اتخاذ الصين موقفًا عدائيًّا بهدف «استعادة» تايوان.