- ℃ 11 تركيا
- 18 ديسمبر 2024
آمال زعامطة تكتب: الأرض الظالمة
رغم أنني لا أثق بعدالة التقسيم.. العدسة الآن تتجه إلى أسخن أرض في العالم.. صرخة سوري سئم من وصف لاجئ.. فكانت الأرض ظالمة مرة أخرى لأنها حملت القدسية في فلسطين، في القدس.. عفوا هنا العراق. أين يحمل العراق أناسا طيبون يرغبون بالعيش في أمن وسلام، لكن هل تسمح الأرض؟ طبعا لا.. اليمني يريد أن يعيش دون فتنة، دون قتال، دون ظلم، اليمني أصبح يريد فقط أن يعيش.. في لبنان، أين أصبح صوت الانفجارات يتنافس مع صوت جرس الكنائس وضجيج السيارات المزدحمة في الشوارع طلبا للوقود.. أعرف أن الأمر طبيعي وأنت ترى فتيات دون حجاب في لبنان، لكن الأمر ليس سيان في إيران.. لكن أن تصل حركة تظلم النساء أثناء حكمها في أفغانستان، فهذا عين الجهل!.. ماذا لو قلت لك إن هناك من يتمنى الموت في السودان!.. مصيرك السجن حتما والإعدام جهرا، نعم يا عزيزي إنه المصري بسبب مطالبته بالديمقراطية في بلاده وعبر الثورة..
من فضلك، أعطني العدسة الآن وتفقد نفسك على أي أرض أنت عليها؟ هل أنت على أرض ظالمة؟
إن عالم الأراضي لا يفرق بين حق وواجب، إن عالم المساحات والهكتارات لا يهمه إن كان الإنسان الذي على سطح تلك الأرض صاحبها بحق أم اغتصبها من أهلها، إن الأرض خُلقت واسعة أكثر من المخلوقات التي عليها، ورغم ذلك لا تنفك تلك المخلوقات العاقلة منها أن تتناحر لتستولي على أكبر قدر ممكن من تلك الأرض بثرواتها الباطنية والخارجية.
أنا وأنت الآن نقرأ هذه السطور وفي يدنا عدسة مكبرة، وكلما وجهناها نحو منطقة معينة على الخريطة المشهورة عندنا، كلما جعلتُك تقرأ ما وراء الحدود التي تقسم الأرض عدلا كان أم ظلما، رغم أنني لا أثق بعدالة التقسيم.
العدسة الآن تتجه إلى أسخن أرض في العالم؛ منطقة الشرق الأوسط، أين تصدمك الصورة والصوت معا.. أنظر هنا سوريا، فلسطين، العراق، اليمن، لبنان، إيران، أفغانستان، السودان، مصر.
أنت الآن تسمع صرخة سوري سئم من وصف لاجئ، الوصف الذي ألبسوه إياه بعد أن احتلوا أرضه من بني دمه قبل المحتل الخارجي، أنت تعيش الآن إحساس السوري الذي اضطر لمواجهة كافة أنواع العنصرية في بلده قبل البلدان التي تمثل دور المنقذ من الضلال، أنت ترى بالعدسة الآن خراب بيوتهم في كل شبر من سوريتهم. كبر العدسة قليلا لترى أزمات الماء، والكهرباء، والغذاء، والدواء اللامتناهية والتي فرضتها عليهم الأرض الظالمة التي تزخر بثروات جمة، كانت كفيلة بإسالة لعاب الدول الشقيقة قبل العدوة، وما ذنبهم السوريين إذا كانت أرضهم ظالمة تحتضن نظاما يقتل ويعذب ويعتقل تعسفا، وما ذنب السوريين إذا قالوا إن خيرات هذه الأرض لنا ما دمنا نملك الحق في هُويتنا عليها ووطنيتنا بها! الأرض ظلمتهم لأنها كانت مصدر زعزعة أمنهم، وسبب قتالهم وحربهم وتشريدهم واشتداد العنصرية بحقهم.
لحظة.. لا تخلط! هذه لهجة غير مفهومة، أنت الآن يسرقك صوت ولغة دخيلة على أهل فلسطين في أرضهم، هذا الصوت الذي تسمعه و لا تفهمه، احتل صاحبه فلسطين بمزاعم دينية قبل أن يستولي على جزء كبير من أراضيها، جاء بحجة صهيونية تثير يهود العالم للهجرة إلى فلسطين واستعمار الأرض المحتلة المقدسة لأهداف دينية وأخرى سياسية، فكانت الأرض ظالمة مرة أخرى لأنها حملت القدسية في فلسطين، في القدس. وجعلت الفلسطينيين يعانون من ظلم الاحتلال وقهره بالمستوطنات المتكاثرة، واقتحامات قواته المتواصلة لكل حيثية في فلسطين. وهنا تبرز المقاومة في المدينة الصامدة جنين، التي شهدت أرضها دماءً لو كان موقعا آخر على هذه الأرض يصلح للبحار لامتلأ بدماء شهداء فلسطين، الذين تركوا ورائهم أرواحا أخرى، نصفها لا يزال يقاوم بسبب أرضه ومن أجل أرضه، ونصفها الآخر يلتحق مع كل غارة ومع كل قصف من العدو بالشهداء في الجنة.. هناك أين توجد الأرض العادلة. هناك وفقط.
وهنا أرض ثرية، أرض حضارية عريقة، أرض ظالمة أخرى، عفوا هنا العراق. أين يحمل العراق أناسا طيبون يرغبون بالعيش في أمن وسلام، لكن هل تسمح الأرض؟ طبعا لا، كيف تسمح وقد جعلوها معقل الإرهابيين ومنفذ السياسات الكبرى لفرض الغزو على العراق؟ كيف تترك الأرض الحرية لأصحابها وهي تضم أكثر من طائفة تعادي بعضها تحت دين واحد! نعم أسمح لك بإلقاء نظرة عبر العدسة، أسمح لك أن تأخذ لسعة من الحر الذي يجتاح العراق المثقل بالعقوبات التي تلعب دورا كبيرا في معاناة العراقيين على أرضهم، وتحرمهم من الحصول على حقوقهم في الماء والكهرباء وغيرها.
حسنا، لماذا يتنافس طرفان على أرض غير أرضهما؟ أليس هذا ظلما؟ من تلك الأرض التي سمحت لأصحاب أراض أخرى بسفك دماء شعبها ولم تلفظهما خارج حدودها؟ أليست هذه أرض ظالمة؟ مهلا، أدر العدسة قليلا نحو الجنوب.. إنها اليمن، هنا تعيش أطيب الشعوب العربية في المنطقة، كل ما يريده اليمني هو حقه في العيش الكريم، هو لا يريد أن يتدخل أحد من جيرانه لينقذ بلده على حد قوله، هو لايريد أن يتفكك شعبه بين من يناصر الحزب وبين من يناصر المملكة. اليمني لا يرغب في إخضاعه لجماعة تستمد أوامرها من هذه الجهة أو تلك، اليمني لا يحب أن يرى مأساة إخوانه تتفاقم كل يوم وهو مكبل بين سيفين، اليمني سئم من العهود والهدن الزائفة، اليمني لا يريد أن يبقى جاهلا بأبسط حقوقه في التعليم والمسكن والمشرب، اليمني يريد أن يعيش دون فتنة، دون قتال، دون ظلم، اليمني أصبح يريد فقط أن يعيش.
لا تخف! هذا صوت انفجار مرفأ بيروت في لبنان، أين أصبح صوت الانفجارات يتنافس مع صوت جرس الكنائس وضجيج السيارات المزدحمة في الشوارع طلبا للوقود، ركز معي بالعدسة على الصورة أكثر من الصوت، لأنك ستتحسر من اللبناني الذي يطلب في تلك المصارف حقه المسلوب وإبداعاته المالية المسروقة، لكن لا تندهش من أن كل هذه الاحتجاجات الشعبية التي تراها الآن أمام البنوك تبوء كل مرة بالفشل. هناك من يسمع لكن لا يوجد من يستجيب، هناك من يقول إن لبنان يعيش تحت مسمى الديمقراطية، لكن تلك الأرض الصغيرة الجميلة لا تقبل أن يذهب جمالها، أقصد ثرواتها لاسيما تلك الموجودة في المناطق الجنوبية من البلاد هباءا. الاحتلال الذي استعمر فلسطين دينيا هو نفسه الذي يحارب جماعات دينية دخلت هي الأخرى إلى لبنان بداعي تحريرها، وطبعا الأرض اللبنانية لا تزال تظلم أبنائها لأنها كانت محل نزاع وصراع أهلي قبل أن تسمح للاستعمار الخارجي بكل أنواعه أن يلعب بليرة اللبنانيين المتهاوية، وخبزهم الضائع، وأصبح الآن يهدد حتى وجودهم من على الخريطة حسب رأي البعض!
أعرف أن الأمر طبيعي وأنت ترى فتيات دون حجاب في لبنان، لكن الأمر ليس سيان في إيران، البلد الغارق في العقوبات الأمريكية، هناك تجد القوانين الصارمة التي تفرضها السلطات على النساء، ومثلما ترى بالعدسة فهذا البلد يغلب عليه الطابع الديني، لهذا إذا لم تتقيد بالأوامر العليا، فلا تتعجب إذا وجدت شرطة الأخلاق تجبر النساء على ارتداء الحجاب وحظر تواجدهن في الأماكن التعليمية، وإن تمردن على القواعد فيواجهن حتما السجن أو الموت.
إن الانقلاب على السلطة الظالمة أمر طبيعي، لكن أن تصل حركة تظلم النساء أثناء حكمها في أفغانستان، فهذا عين الجهل! كيف تجرأ الألسنة بمسمى السياسة والدين أن تحد من تعليم المرأة؟ أنظر هنا قليلا تجد فتاة أفغانية تستعد للهروب بعيدا عن أرضها ومالها فقط من أجل أن تتعلم، إنها تقول لك لا خيار لدي سوى مغادرة أفغانستان! فإذا غادرت هذه وتلك والأخرى بهدف الحصول على حقهن في التعليم بعد أن أُغلقت الجامعات في وجوههن، فهل نجد أمامنا مجتمع أفغاني دون نساء بالفعل؟ ألا يوجد من يردع هنا؟ إذا لم يرحمهن تواجدهن على تلك الأرض على الأقل، ليرحمهن من يوجد على أرض غيرها.. هل من مجيب!
وقد تظن أن الموت يهرب منه الإنسان خوفا من النهاية، لكن ماذا لو قلت لك إن هناك من يتمنى الموت في السودان! قرب العدسة قليلا لترى الأرض هناك تشعل فتيل الحرب على سطحها بين المتصارعين على حكمها وثرواتها، وطبعا إذا دق ناقوس الاستيلاء على الذهب والمعادن النفيسة والثروات الحيوانية والزراعية في السودان، يسقط حق المواطن في العيش بكرامة وأمان، وتُغتصب النساء ويُقتل الأطفال، ويشرد المئات وينزح ملايين الناس بحثا عن السلام. الأرض هناك أطاعت الحكام مهما كان الصراع بينهما، وأصبحت شحيحة في إرواء عطش أهلها.
لحظات وسآخذ منك العدسة، أعرف أنك متشائم الآن بعد ما رأيت، وأعرف أن مشاعرك تتخبط بين اليأس وبين محاولة التفكير في إيجاد الحلول، لكن هيهات إذا وقعت في مجتمع ثقيل بوزنه السياسي، وكثافته السكانية العالية، وترغب في إبداء رأيك بحرية، هنا يسكتك المصري خائفا ويقول لك إن مصيرك السجن حتما والإعدام جهرا. نعم يا عزيزي إن المصري بسبب مطالبته بالديمقراطية في بلاده وعبر الثورة التي ينتفض من خلالها في وجه الظلم، أصبح هو الآخر مهاجرا يبحث عن حقه البسيط، وهاهو ينتقل هنا وهناك ويسمع أخبار بلاده التي لا تبشر بالخير، يعمل ليلا نهارا ليلبي طلبات أطفاله ويسدد لهم تكاليف التعليم المرتفعة أمام انهيار الجنيه المتواصل.
من فضلك، أعطني العدسة الآن وتفقد نفسك على أي أرض أنت عليها؟ هل أنت على أرض ظالمة؟