أحمد السيد النجار : "التصرفات العقارية" ضريبة قهر الطبقة الوسطى وإعفاء رأسمالية المحاسيب

profile
  • clock 1 أغسطس 2021, 5:35:09 م
  • eye 887
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ضريبة التصرفات العقارية ونسبتها 2,5% من قيمة العقار الذي يتم بيعه ويدفعها البائع، تُطبق على الأشخاص الطبيعية أي القطاع العائلي، ولا يخضع لها الأشخاص الاعتبارية أي الشركات العقارية العامة والخاصة رغم أن البعض منها ممن وصفهم المفكر الاقتصادي الكبير أ.د محمود عبد الفضيل بـ "رأسمالية المحاسيب" قد حصل منذ سبعينيات القرن الماضي على أرض مشروعاته العقارية نتيجة القرب من السلطة السياسية أو بطرق ملتوية. وفي تبرير وزارة المالية لقصر فرض الضريبة على الأشخاص الطبيعية قالت أنها نوع من ضريبة الدخل على الأفراد، بينما تدفع الشركات ضريبة الأرباح التجارية والصناعية!! وهذا التبرير متهافت قانونيا لأن عملية بيع العقارات المملوكة للقطاع العائلي لا تخلق دخلا جديدا، بل هي مجرد تدوير لدخل متحقق سابقا وتم إنشاء العقار من خلاله، وتم دفع الضرائب عن ذلك الدخل بالتأكيد، حيث أن مصدر الدخل للقسم الأكبر من القطاع العائلي هو الأجور للموظفين والعمال الذين يعملون بأجر لدى القطاعين الخاص والعام والشركات الأجنبية في الداخل والخارج. وهذا الدخل تم اقتطاع الضرائب منه من المنبع وبنسبة أعلى من ضريبة الأرباح التجارية والصناعية بالنسبة للشرائح العليا من الأجور. 

وهناك ضرورة لإعادة النظر كليا في هذه الضريبة، حيث أن إعفاء الأشخاص الطبيعية منها أمر ضروريا لاعتبارات العدالة والتنمية لأن من يقوم ببيع أرض بناء أو شقة يملكها لاستخدام عائد البيع في تصريف أمور حياته أو تعليم أو تزويج أبنائه أو حتى لشراء شقة جديدة لأي سبب، لا يحق للدولة أن تقاسمه في ممتلكاته التي دفع عنها الضرائب والرسوم عند إنشائها ودفع ضريبة القيمة المضافة على كل المواد المستخدمة فيها، ودفع ضريبة الدخل عن الأموال التي اكتسبها بالأجر أو الريع أو الربح وبنى من خلالها العقار. 

وقد دعا الرئيس إلى إجراء حوار مجتمعي حول ضريبة التصرفات العقارية. ويبدو أن الحكومة غير معنية بذلك حيث لم تفتح أي حوار، بل إن وزارة المالية تتفنن في مناكدة المواطنين بوضع أسعار للعقارات من عندياتها تصر على جباية الضرائب على أساسها غير معترفة بالعقود ولا بالبيع الاضطراري بأسعار متدنية في سوق انفجرت فقاعته العقارية فعليا، ولا يميزه عن انفجار الفقاعات العقارية في الغرب سوى أنها انفجرت دون أن تهوي بالقطاع المصرفي معها نظرا لمحدودية التمويل العقاري وشروطه الصارمة على خلاف ما يجري في الغرب. كما أن سوق العقارات منقسم فعليا بين عقارات فاخرة يجري بنائها وتسويقها للعرب والأجانب وللشرائح العليا من العاملين بالخارج ويقبل عليها الأثرياء الذين حققوا ثرواتهم في الاقتصاد الأسود (تجارة الأسلحة والمخدرات والآثار) والذين يرغبون في غسيل أموالهم. ويرتبط انفجار فقاعتها بحدوث أزمة في طلب تلك الفئات على شراء العقار لأي سبب وهو ما لم يحدث حتى الآن.  وهناك عقارات أخرى متوسطة واقتصادية وترتبط بتطور دخول الطبقة الوسطى بالأساس، وهي الدخول التي تعرضت لتآكل كبير في دخلها الحقيقي في سنوات ارتفاع التضخم بشكل كبير بعد التخفيض الهائل في سعر صرف الجنيه المصري في خريف عام 2016 مما أدى لانفجار تلك الفقاعة وتراجع أسعار عقارات القطاع العائلي.

وضريبة التصرفات العقارية مقررة ضمن قانون الضرائب الذي وضع عام 2005 استمرار لوجودها السابق عليه، لكنها لم تكن تطبق في الواقع لأن عمليات بيع العقارات كانت تتم من خلال العقود والتوكيلات، ولم تكن عملية التسجيل ضرورية لإدخال المياه والكهرباء والغاز والصرف الصحي لأي عقار. كما أن العقارات التي يحصل عليها أي شخص بالميراث كانت معفاة من تلك الضريبة. 

وفي مايو عام 2013 خلال فترة حكم الإخوان تم تعديل ذلك القانون ليعفي الأراضي والعقارات في الريف من تلك الضريبة وليلزم البائعين بسدادها خلال 30 يوما من تاريخ البيع، وليفرض غرامة على البائعين الذين لا يقومون بسدادها. 

وفي يوليو عام 2018 تم تعديل القانون وتم إلغاء إعفاء العقارات المنقولة بالميراث من الضريبة ودخلت بالتالي ضمن الخاضعين لها. ويعتبر معدل الضريبة مبالغ فيه ويحتاج للمراجعة. كما أن الأكثر منطقية وتوافقا مع اعتبارات العدالة الاجتماعية هو إخضاع الأشخاص الاعتبارية أي الشركات العقارية للضريبة لدى بيعها للوحدات السكنية التي تقوم بإنشائها وتبيعها بأسعار مبالغ فيها وتتضمن معدلات ربح بالغة الارتفاع. 

إن هذا القانون ببساطة منذ صدوره وتعديلاته في عهد مبارك وفي فترة حكم الإخوان وفي عام 2018 يحابي الشركات الرأسمالية العاملة في قطاع العقارات وينهش حقوق القطاع العائلي وبالأساس الطبقة الوسطى، علما بأن هذا القطاع العائلي هو العمود الفقري الذي يستند إليه اقتصاد الدولة فهو الذي يقدم 85% من الودائع بالعملة المحلية، ونحو 68% من الودائع بالعملات الأجنبية وفقا لبيانات البنك المركزي، وهو قوة العمل التي تدير دولاب الاقتصاد، وهو قوة الاستهلاك والطلب التي تحرك النشاط الاقتصادي. وليس من مصلحة الدولة واقتصادها أن يتم نهب هذا القطاع بقانون يجسد المقولة الخالدة بأن "القانون هو إرادة الطبقة الحاكمة مرفوعة إلى قانون" وبالتالي يحقق مصالحها الضيقة على حساب المجتمع وعلى حساب ضرورات التطور الاقتصادي وتنشيط الطلب الفعال المحرك للاقتصاد (الطلب الفعال هو الطلب المقرون بالقدرة على الشراء، حيث أن الطلب من دون تلك القدرة هو مجرد أمنيات استهلاكية لا تأثير لها). وهذا الطلب الفعال هو الذي يؤدي للتوسع في الشركات القائمة ويحفز إنشاء شركات جديدة لتلبية ذلك الطلب، ومع توظيف عاملين جدد في توسيع الشركات القائمة والشركات الجديدة وتوزيع دخول عليهم، يتوسع الطلب الفعال ويؤدي إلى دورة متتابعة من التوسع الاقتصادي يحركها ما يسمى في علم الاقتصاد بـ "مضاعف الاستثمار". وجاءت الدعوة الرئاسية لفتح النقاش المجتمعي حول القانون موفقة شرط أن يكون هناك نقاشا موضوعيا حقيقيا تتبعه إجراءات لتعديل هذا القانون ليتوافق مع اعتبارات الحق والعدالة الاجتماعية. 

وإلى أن يتم ذلك يمكن للمجتمع تفادي التعرض لهذه الضريبة الظالمة من خلال نقل العقارات بتوكيلات للمستأجر وورثته الشرعيين للبيع للنفس والغير والتمثيل أمام كل الجهات الحكومية والخاصة، مع عقود للإيجار الممتد (القديم) لمدة 49 سنة (تطبق ضريبة التصرفات العقارية الظالمة على عقود الإيجار لأكثر من 50 عاما) مع النص على أن قيمة الإيجارات مدفوعة مقدما، كما ينص على التجديد الحتمي والتلقائي لعقد الإيجار لمدد مماثلة ويسري عليه النص على أن قيمته قد دفعت مقدما، وتؤول للمستأجر ملكية حصة من الأرض تعادل نسبة شقته من المبنى في حالة تجديد المبنى في أي وقت، ويُنقل عقد الإيجار وحق البيع للنفس وللغير للورثة الشرعيين في حالة وفاة المستأجر الأصلي. وهي أفكار يمكن للقانونيين تأطيرها بصورة قانونية سليمة لمساندة الشعب في مواجهة ضريبة ظالمة إلى أن يتم إلغائها أو تعديلها لإعفاء الأشخاص الطبيعية منها وقصر تطبيقها على الشركات العقارية التي تحقق أرباحا استثنائية ويتعاون الكثير منها مع بعض شركات المحاسبة لإظهار نتائج أعمال سلبية أو محدودة الأرباح لتفادي دفع ضرائب الأرباح التجارية والصناعية، فكأن الدولة لا حصلت منهم على ضريبة التصرفات العقارية ولا على ضريبة الأرباح التجارية والصناعية الحقيقية، علما بأن حصيلة ضريبة التصرفات العقارية أعلى كثيرا لأنها على إجمالي قيمة المنتج العقاري لتلك الشركات، بينما تفرض ضريبة الأرباح التجارية والصناعية في حدود الربح الذي تقول تلك الشركات أنها حققته، أو لا تفرض في حالة إعلان تلك الشركات عن خسائر بالحق أو بالباطل.

التعليقات (0)