- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
أحمد قرمد يكتب: نساء الهجرة الأمريكية فى زمن الإبادة الجماعية
أحمد قرمد يكتب: نساء الهجرة الأمريكية فى زمن الإبادة الجماعية
- 15 يونيو 2024, 11:39:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الهجرة حق من حقوق الإنسان، فبعض النساء تهاجرن بحثًا عن العمل أو لأسباب اقتصادية أو لتحصيل أكاديمي بينما تهاجر الأخريات، هربا من الصراعات والاضطهادات وانتهاكات حقوق الإنسان فى بلدانهم الأصلية.
فى كل الأحوال، ينتقل المهاجرون من النساء بحثاً عن حياة أفضل، وهذا اختيار، إلا في الولايات المتحدة الأميركية.
تكون حياة المهاجرين من النساء إجباراً وليس ختيارا، فتنتزع الصفة الإنسانية منهم ويدفعون ثمّنا باهظا نتيجة لهذه الهجرة الأمريكية المريرة. فبدلا من أن يساهموا فى بناء أوطانهم الجديدة، يتم تجريدهن من مشاعرهم الإنسانية النبيلة، فبعد أن كانوا هم الإنسان، يصبحوا لا إنسانية فيهم تقتل الرحمة في قلوبهم، تشل أفكارهم وعقولهم وأذانهم وتعمي بصائرهم يتم تقيدهم بأغلال القوة الأمريكية المدمرة.
فكيف للإنسان أن يؤذي إنسانا آخر؟
فعندما يفقد الإنسان آدميته وإنسانيته ندرك أننا فى زمن أمريكي بلا إنسانية، زمن الإبادة الجماعية.
وهؤلاء النسوة المهاجرات أزعم من خلال هذا البحث القصير وأنوي أن يكون جزءا من كتابي القادم -جزءا مطولا- أنهم ضحايا أمريكية بلا رحمة أو إنسانية.
الطفلة البريئة هيرو مصطفى
هيرو قادر مصطفي جارج، ذات الثلاثة أعوام، المولودة عام 1973 في العراق بإقليم كردستان، هربت مع عائلتها لتمضي سنتين بمخيمات اللاجئين في إيران، لتتقدم أسرتها بطلب لجوء بأمريكا ليتم الموافقة على لجوء عائلتها حتى كبرت وترعرعت فى أحضان أمريكا ليتم تأهيلها ومنحها كل الشهادات العلمية والأكاديمية، وصناعة فيلم وثائقي فاشل ودون المستوي عن عائلتها المهاجرة بعنوان "البطلة الأميركية American Hero".
ومن ثم ترقيتها إلى أعلى المناصب الأمريكية دون غيرها من غير المهاجرين، لتتنقل مع زوجها الهندي الأمريكي فى أفغانستان وإيران وفلسطين المحتلة والأردن والعراق والبرتغال ولبنان والهند واليونان والإمارات العربية المتحدة وبلغاريا.
وتنال الجوائز وتفتح لها الأبواب والمنافذ المغلقة حتى حان دورها لدعم الإبادة الجماعية، لتأتى سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة مع بدء الإبادة الجماعية فى غزة، بديلا للقائم بأعمال السفير الأمريكي في القاهرة جون ديروشر الذي رحل فى صمت مريب!
ولم يتحدث عن أسباب رحيله من السفارة فى مصر بشكل مفاجئ أو تحدثت وسائل الإعلام عن هذا الأمر.
ألم يكن ذلك وليد الصدفة أن تأتى هيرو مصطفي وتعمل تحت مظلة الإدارة الأمريكية المسؤلة عن الإبادة الجماعية فى هذا الوقت الدقيق؟ فلماذا لم تتقدم باستقالتها كأقرانها الأمريكيين بوزارة الخارجية من غير المهاجرين ممن رفضوا المشاركة ودعم الإبادة الجماعية فى غزة ؟
الطفلة البريئة نيكي هيلي
نيمراتا نيكي راندهاوا هيلي، الشهيرة بنيكي هيلي، ولدت عام 1972 لأبوين مهاجرين هنديين من السيخ.
انتقل والدا هيلي إلى بلدة بامبرغ في عام 1969 وبصِفتهم هنودا يقيمون في المدينة، كانت أسرة راندهاو محل فضول لدى سكان البلدة الصغيرة، وكانا الوحيدين من أصل هندي اللذين يعيشان في البلدة.
نشأت هيلي على معتقدات السيخ وفي العشرينيات من عمرها تحولت إلى المسيحية، وأخدت ترتاد الكنيسة الميثودية وتزوجت من نقيب بالحرس الوطني عمل فى الجيش فى أفغانستان.
وبعد أن كانت تعمل بائعة بمتجر صغير للهدايا، فجأة أصبحت نيكي، أول امرأة تشغل منصب حاكم ولاية كارولاينا الجنوبية، وثاني أميركية هندية تتولى هذا المنصب في أميركا.
صوتت ضد فرض ضريبة مقترحة على السجائر لأجل برامج الوقاية من التدخين وأبحاث السرطان المتعلقة بالتدخين عارضت الهجرة وهى مهاجرة الأصل والمنشأ.
رفعت علم الكونفدراليين (الانفصاليين) من مبنى الكابيتول في كارولاينا فرحا وسرورا بعد قتل رجل أبيض 9 من السود في كنيسة إيمانويل الأفريقية في تشارلستون.
أكبر المدافعات عن الكيان المحتل إسرائيل لتشغل منصب سفيرة لدى الأمم المتحدة للدفاع عنّ الاحتلال، اتهمها الصحفي اليهودي غدعون ليفي المساند لحقوق الشعب الفلسطيني في مقال بصحيفة هآرتس الإسرائيلية بأنها جاهلة بالقضية الفلسطينية، وقال إنها أكثر إسرائيلية من رئيس الحكومة المجرم الهارب من العدالة بنيامين نتنياهو.
هيلي، جعلت رئيسة لجنة الأمم المتحدة تستقيل بعد أن جاء في تقريرها أن هناك فصلا عنصريا في إسرائيل، كما أبعدت الفلسطيني سلام فياض عن منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، واعترفت بأن هذا فقط لأنه فلسطيني، افتخرت بأنها كانت أول حاكم ولاية في أميركا يوقع تشريعا لمكافحة الحركة المناهضة لإسرائيل المعروفة باسم "بي دي إس".
كما قالت: "لن أذهب إلى نيويورك وسأمتنع عن التصويت عندما تسعى الأمم المتحدة إلى خلق بيئة دولية تشجع على مقاطعة إسرائيل".
استخدمت هيلي حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار السفير الكويتي منصور العتيبي الذي دعا إلى توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 دافعت بقوة عن اعتراف المدان ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وأصدرت فيتو أميركيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دفاعا عن حق نقل السفارة الأميركية إلى هناك، وهددت بوقف تمويل المنظمة العالمية إذا صوتت لإدانة هذا القرار.
كما رفضت الكشف عن القائمة السوداء لنحو 206 من الشركات العالمية التي تعمل في المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعدها القانون الدولي غير مشروعة.
كما شككت بأعداد اللاجئين الفلسطينيين، واتهمت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بالمبالغة في أعدادهم وترفض عودتهم إلى أراضيهم وتقول إن ذلك سيهدد الأغلبية اليهودية في البلاد.
دفعت بانسحاب أميركا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة احتجاجا على ما وصفته بـ التحيز ضد إسرائيل، ودافعت عن سحب التمويل من وكالة الأونروا، وتحرض دائما على تهجير سكان غزة وتوطينهم في بلدان أخرى لتحصل على دكتوراه فخرية في العلوم الإنسانية من جامعة كليمسون، واختيرت لتشغل منصبا مدى الحياة في مجلس أمناء الجامعة
ليحين، دور هيلي لتذهب إلى دولة الإحتلال فى أعقاب الإبادة الجماعية وتكتب عبارة "اقضوا عليهم" على قذيفة إسرائيلية خلال قيامها بجولة بمواقع عسكرية في إسرائيل بالقرب من الحدود الشمالية مع لبنان.
من أبرز كتبها "لا أستطيع ليس خيارا.. قصتي الأميركية" وهو عبارة عن مذكرات صدرت عام 2012، وهى محقة بالفعل فالهجرة لأمريكا تصبح إجباراًو ليس اختيارا.
الطفلة البريئة نعمت شفيق
نعمت طلعت شفيق حنطور المولودة بمصر بمدينة الإسكندرية، وحنطور فى الثقافة المصرية
هى وسيلة قديمة للمواصلات اختفت تدريجا ولكن يستخدمها السياح حتى الآن عند زيارة مصر للاستمتاع والتجول بكورنيش النيل المصري بالقاهرة.
ولدت حنطور عام 1962 وهاجرت إلى الولايات المتحدة مع عائلتها فى سن الرابعة لتبدأ رحلتها.
حتى يحين دورها، فبعد دراسة أكاديمية مشكوك فى صحتها عادت لمصر وعملت لمدة عامين في مجال التنمية بمكتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بمصر والسنغال، ومن ثم يطلب منها التخفي والذهاب إلي إنجلترا.
وما بين العودة لمصر وأمريكا وإنجلترا، وحملها لثلاثة جنسيات مختلفة، يتم صناعة البارونة نعمت حنطور على المستوي الدولي لتنال أرفع الأوسمة والجوائز والمناصب وتدخل ضمن أكثر النساء نفوذًا فى العالم وتشتهر باسم "مينوش" وهذا يرجع لكره زوجها عالم الأحياء للقب نعمت شفيق حنطور فأطلقت على نفسها اسم منوش شفيق.
حتى حان دور منوش حنطور وقت الإبادة الجماعية، من خلال منصبها كرئيس لجامعة كولومبيا لتكشف وجهها الحقيقي.
فبينما ساندت رئيستا جامعتي هارفارد وبنسلفانيا حق الطلاب في التظاهر واحترام الحرية الأكاديمية وسحب استثمارات الجامعات من شركات مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، بادرت نعمت شفيق حنطور بالاستعانة بالشرطة الأمريكية ضد الطلاب المتظاهرين العظماء، وأوقفت نشاط جمعيتين طلابيتين واحدة لصالح الحق الفلسطيني والثانية من الطلاب اليهود المناهضين للصهيونية.
وواصلت في تلبية كل مطالب الممولين والمؤثرين بتكوين لجنة بحجة مكافحة معاداة السامية باعتبار أن مظاهرات الطلاب لصالح فلسطين تعبر عن كراهية تؤذي مشاعر زملائهم من الطلاب الإسرائليين، ليتصاعد الوضع وتزداد المظاهرات وتستدعي حنطور الشرطة الأمريكية داخل الحرم الجامعي فى سابقة خطيرة لا تحدث إلا من حنطور، مما أدي لاعتقال المئات من الطلاب المعتصمين ووقف بعضهم عن الدراسة تمهيدا لفصلهم، وإزالة خيام أقامها الطلاب المحتجون في الحديقة الرئيسية بالجامعة.
ولم تكتف بذلك بل أكدت أن الجامعة ستنهي خدمات أساتذة الجامعة وأن كل من يتضامن مع فلسطين خلال فترة رئاستها للجامعة سيعاقب، وبجلسة استدعاء بمجلس النواب الأمريكي أوضحت أن استثمارات الجامعة ضمن شركات داعمة لإسرائيل لن تُسحب.
ودعت إلى إنهاء الاعتصام ووصفت المخيم بأنه يشكل بيئة طاردة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس الإسرائليين، وحددت مهلة لإنهاء الاحتجاج، إلا أن الطلاب رفضوا ذلك، لتفتح مجالا لانتفاضة كافة الجامعات الأمريكية والعالمية ويسيطر طلاب الجامعة المعتصمون على مبنيين فيها.
وهنا أكشف المفأجاة البحثية..
إن قرار تعين نعمت طلعت شفيق حنطور لم يكن وليد الصدفة أو بسبب موهبتها أو دراستها الأكاديمية بل قرار تعينها كان اختيار رئيس جامعة كولومبيا السابق ورئيس جامعة ميشيغان الأسبق وراتبه كان الأعلى في أمريكا، لي بولينجر، المعروف بتأييده للاحتلال الإسرائيلي وعلاقاته المتحيزة مع الطلاب الإسرائليين دون غيرهم.
بولينجر هو من قام في عام 2005 بتعيين لجنة للتحقيق في التحيز ضد إسرائيل من قبل اثنين من أساتذة دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا، بعد إصدار فيلم وثائقي يزعم وجود مناخ مناهض لإسرائيل في القسم، وقامت اللجنة في نهاية المطاف، ببراءة أعضاء هيئة التدريس من ارتكاب أي مخالفات.
وفي عام 2007، أصبح كبير المتحدثين الأمريكيين ضد دعوة اتحاد الجامعات البريطانية لمقاطعة إسرائيل، قائلاً إن أي جامعة تفعل ذلك يجب أن تضيف كولومبيا إلى قائمة المقاطعة الخاصة بها، وقد ألقى خطابات أمام اللجنة اليهودية الأمريكية، وهي مجموعة مؤيدة لإسرائيل.
وفي عام 2020، مع إقرار استفتاء للطلاب الجامعيين الذي دعا جامعة كولومبيا إلى مقاطعة إسرائيل بموجب قانون الفصل العنصري، ألقى بولينجر خطابًا أمام مجلس شيوخ الجامعة ربط فيه حركة المقاطعة (BDS) بارتفاع معاداة السامية بين الجامعات، وأصدر تعليمات للجامعة بعدم متابعة الاستفتاء.
كما ساهم بولينجر أيضًا في الحياة الطلابية للإسرائليين في كولومبيا بطرق غير معروفة، وساعد في إطلاق برنامج درجة مزدوجة بين الجامعة وجامعة تل أبيب ودفع تكاليفه كاملة من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين إبان فترة جائحة كورونا.
إن هؤلاء النساء الأبرياء فى طفولتهم ضحايا الهجرة والإمبريالية الأمريكية تجردوا من مشاعرهم وماتت ضمائرهم، فباتوا كحجر أسمنتي لا يدب فيه الروح أو أى صفة من صفات الإنسانية. ظنوا أن لهم أملا فوجدوا وحوش الأرض لطخت أياديهم بالأشلاء والدماء من المدنيين الأبرياء.
لم تهتز قلوبهم بالصور الحزينة والمناظر المؤلمة للحرب الإسرائيلية الغادرة على أبناء غزة والشعب الفلسطينى، نسوا أن النفس تسمو بإنسانية المشاعر وتصل لقمة الانحطاط بإختفائها لبسوا الأقنعة المزيفة التى تخفى حقيقتهم حتى حان الموعد التى تساقطت فيها أقنعتهم وظهروا على حقيقتهم عراة غمرت قلوبهم بظلام ووحل الهجرة الأمريكية فغابت عنهم شمس الحرية فى زمن أمريكي بلا إنسانية زمن الإبادة الجماعية.
أحمد قرمد
كاتب مصري وباحث فى الشأن الأمريكي