أحمد قنيطة يكتب : العلاقات التركية ـ الإسرائيلية.. السياقات والدلالات

profile
أحمد قنيطة كاتب وباحث سياسي
  • clock 27 يناير 2022, 10:02:34 م
  • eye 667
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

المتتبع لسلسلة تصريحات الخارجية التركية والرئيس أردوغان تجاه العلاقة مع "إسرائيل" يجد أن منحنى تلك التصريحات بدأ في التصاعد التدريجي منذ ما يقارب العامين، وتحديداً منذ ديسمبر 2020م حين تحدّث الرئيس أردوغان بأن علاقات بلاده مع "إسرائيل" مستمرة على المستوى الاستخباراتي ولم تتوقف، وأن بلاده تواجه بعض الصعوبات مع الشخصيات في أعلى الهرم -يقصد نتنياهو واليمين- راجياً أن تنتقل العلاقات مع الكيان للأفضل. 

وكان موقع المونيتور قد نشر في نفس تلك الفترة أن تركيا عينت سفيراً جديداً لها في" إسرائيل" في إطار الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين الطرفين، ناهيك عن رسائل التهنئة والتعزية المتبادلة بين أردوغان ورئيس الكيان هرتسوغ مؤخراً، والتي تهدف لتهيئة الرأي العام لاستعادة دفء العلاقة بين تركيا والكيان الصهيوني. 

لذلك من الواضح تركيا مقبلة في المرحلة القادمة على تطبيع كامل مع الكيان الصهيوني ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين تركيا والكيان المحتل لتحقيق أهداف ومصالح قومية للطرفين، أهمها:


 الأهداف التركية : 

1- تحسين الموقف التفاوضي التركي في ملف مياه شرق المتوسط، والاستفادة من العلاقات مع "إسرائيل" كي تكون تركيا جزءاً من منتدى غاز شرق المتوسط الذي تم استبعادها منه بتحريض من اليونان. 

2- محاولة التشويش على علاقة الكيان الصهيوني باليونان بما يحقق المصالح القومية لتركيا.

3- تخفيف التوتر بين تركيا وإدارة بايدن من خلال تطوير علاقات تركيا بـ"إسرائيل" الحليف الاستراتيجي للإدارة الأمريكية. 

4- تعزيز الاعتراف الإقليمي والدولي بالجرف القاري التركي عبر اتفاقية جديدة لترسيم الحدود البحرية بين تركيا والكيان الصهيوني، وربما لاحقاً مع مصر ولبنان.

5- الدفع بعجلة التبادل التجاري وتعزيز الأنشطة السياحية في ظل الأزمات والهزّات العنيفة التي يمر بها الاقتصاد التركي وتراجع قيمة الليرة مؤخراً. 

 الأهداف "الإسرائيلية": 

1- تأمين خط نقل الغاز الفلسطيني المنهوب (EAST MED) من "اسرائيل" إلى أوروبا كي يكون منافساً أو بديلاً للأخيرة عن الغاز الروسي.

2- تأمين موافقة تركيا على خط الكهرباء البحري الذي يغذّي اليونان وقبرص الرومية انطلاقاً من "اسرئيل".

فهذان المشروعان الكبيران يمران عبر الجرف القاري التركي استناداً إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا.

3- دفع ملف التطبيع وشرعنة الوجود الصهيوني في المنطقة وتعزيز اتفاقيات "أبراهام" من خلال جر تركيا لهذا المستنقع.

4- مواجهة النفوذ الإيراني الذي يعتبر خصم للطرفين (التركي والإسرائيلي) انطلاقاً من كون إيران منافساً حقيقياً للمشروعين التركي والإسرائيلي على قيادة المنطقة.

وأمام ما تقدّم نجد أن أنقرة وتغليباً لمصالحها الاقتصادية وحفاظاً على أمنها القومي تخاطر بصورتها ومصداقيتها أمام العرب والمسلمين وخاصة أمام الفلسطينيين، حيث أنها لطالما قدّمت نفسها على أنها المدافع الأول عن الحقوق الفلسطينية أمام تغوّل الاحتلال "الإسرائيلي" على الأرض والشعب والمقدّسات هذا من جهة. 


ومن جهة أخرى وجّهت تركيا الكثير من الانتقادات لاتفاقات التطبيع التي قادتها الامارات والمغرب وغيرها من الأنظمة العربية مع الكيان، وتزامن ذلك مع تسارع المشاريع التهويدية التي تنفذها حكومة نفتالي بينيت في القدس المحتلة من خلال سياسات التهجير القسري للعائلات الفلسطينية من أحياء الشيخ جراح وسلوان وبطن الهوى وغيرها.. 


الأخطر في هذه المرحلة هو أن التطبيع التركي مع "إسرائيل" يأتي في ظل التوجهات الصهيونية الواضحة لفرض واقع جديد داخل المسجد الأقصى والسماح بإقامة الصلوات اليهودية الصامتة إيذاناً لإعلان التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى على غرار الوضع القائم في الحرم الإبراهيمي في الخليل. 


وكذلك في سعي حكومة بينيت لإيقاع نكبة جديدة بحق الفلسطينيين لا تقل أثراً عن نكبة عام 1948م، متمثلة بتهويد مناطق النقب جنوب فلسطين والتي تمثل نصف مساحة الجغرافيا الفلسطينية، تحت شعارات مضللة كتطوير وتزهير الصحراء، والحقيقة أنها تهدف إلى تعديل الميزان الديمغرافي لصالح اليهود في منطقة النقب لتنفيذ حلم بن غوريون الذي قال بأن تل أبيب لن تكون في أمان ما لم تكن النقب ضمن السيادة اليهودية الكاملة.


 خلاصة القول : 

التطبيع التركي سيكون هو المسار السياسي الأكثر كارثية على القضية الفلسطينية، كون تركيا والقيادة التركية تقدّم نفسها على أنها الأحرص على القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد سقوط عدد من أنظمة الردة العربية بوضوح في مستنقع التطبيع الكامل مع الاحتلال، وبذلك تكون تركيا هي الجدار الأخير الذي يسقط في هذا المستنقع، والذي سيشجّع عدداً من الدول العربية والإسلامية -ومنها السعودية- على سلوك نفس المسار، وذلك على حساب القضية الفلسطينية ومأساة الشعب الفلسطيني.



هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)