- ℃ 11 تركيا
- 26 ديسمبر 2024
د. أحمد موفق زيدان يكتب: من أغضب القيصر؟
د. أحمد موفق زيدان يكتب: من أغضب القيصر؟
- 11 يناير 2022, 7:56:30 م
- 544
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فاجأت ثورة قزاقستان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقدر ما فاجأت الرئيس القزاقي نفسه قسيم جومارات توكاييف، فبوتين الذي كان يُروّج للنموذج القزاقي بتراجع الرئيس نظر باييف إلى الوراء ودفع رئيس جديد يكون مقبولاً نسبياً، مع احتفاظ نظر باييف بإدارة الخيوط من وراء ستار، هذا النموذج كان يأمل بوتين أن يعممه في بيلوروسيا وربما سوريا، وحتى ذاته كان يفكر فيه، لكن ثورة قزاقستان أتت على الفكرة كلها، لاسيما وأن كل حلفائه المستبدين تعرضت بلدانهم، لثورات وانتفاضات بدءاً من أوكرانيا الثورة البرتقالية 2005، وجورجيا 2008، والثورة السورية ضد حليفه بشار الأسد، ومرة ثانية غزوه لأوكرانيا 2014، وخروجها عن نصه ملتحقة بالغرب، وبعدها بيلوروسيا العام الماضي، وهذا العام وما جرى في قزاقستان، كل هذا أغضب القيصر، وجعل مفاوضاته شاقة مع الأمريكيين والأوروبيين بشأن الأزمة في أوكرانيا.
بوتين يرى أن أي هجوم على حاكم مستبد موالٍ له، إنما هو هجوم عليه شخصياً، وتحطيم أي تمثال لرئيس موال له إنما هو تحطيم لتمثاله في الغد، فكل هذا إنما يستهدف حكمه وأنموذجه، بالدرجة التي يستهدف حليفه، فحين تعرض الرئيس الفنزويلي نيقولاس مادورو لاحتجاجات شعبية، هبّ على الفور لنصرته والدفاع عنه، ولذلك أُطلق عليه براعي المستبدين، فهو يرى في الثورات التي وقعت في حديقته الخلفية وحتى حديقته البعيدة تحدياً لسلطته، ومجالات نفوذه التي يسعى إلى فرضها على الغرب اليوم بالاعتراف بها من خلال مطالبته بسحب قدرات الغرب وإمكانياته العسكرية التي نشرها في أوروبا، وأن يتعهد بعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو، وهو ما رأى فيه الأخير تدخلاً سافراً في بنية وتركيبة وهيكلية الحلف من قبل دولة أجنبية كروسيا.
الأيام المقبلة وحتى الساعات القادمة قد تجيب عن تساؤلات كثيرة، حيث العالم يترقب نتائج محادثات الروس مع الأمريكيين والأوروبيين مع الروس، وفيما إذا كان الغرب ومعه أمريكا مصممين على مواجهة طموحات الكرملين؟ أم أن الأخير سينجح في رهانه بخلق شقّ وصدع بين الأمريكيين والأوروبيين، أما في حال فشلت الدبلوماسية فحينها هل سيغامر بوتين بشن هجوم سيبراني على أوكرانيا، وربما بهجوم بري حتى لانتزاع الشرق الأوكراني
تصريح بوتين المتداول وبقوة الآن الذي كان قد أدلى به عقب الثورة البرتقالية الأوكرانية 2005 حين قال: ( إن انهيار الاتحاد السوفياتي أعظم كارثة جيواستراتيجية في هذا القرن.) وضع مداميك وأسس العقيدة العسكرية والأمنية البوتينية، وبالتالي فكل تحركاته ربما يفسرها هذا التصريح، فمن الواضح أنه لا يزال مصاباً بالنوستالجيا أي الحنين إلى ماضي الاتحاد السوفياتي، ولذلك يسعى إلى العودة للاتحاد السوفياتي التقليدي وهو ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أخيراً أنتوني بلينكن، بينما بوتين المدرك استحالة العودة إلى نفس الشكل، فيطرح بديلاً عنه وهو الاعتراف بالمجال الحيوي الروسي في حديقته الخلفية، لكن السؤال المطروح كيف يمكن الاعتراف بمجالات نفوذ هي نفسها تنقلب على روسيا، وتسعى للإنفكاك عن مدار بوتين، كما تجلى في كل الثورات التي اندلعت ضد حلفائه وخاصة في مجاله الحيوي الذي يطالب به، كما في أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا، وسوريا، وبيلوروسيا وقزاقستان.
فالطموحات والنوستالجيا البوتينية تتناقض مع الواقع على الأرض، فالعفريت لن يعود إلى قمقمه، عكس ذلك جلب بافلوفسي المستشار السابق لبوتين:( طرح روسيا فكرة الحصول على مجال نفوذ، نادراً ما يتجاوب مع الوقائع على الأرض.)
بوتين اليوم الذي كان يودّ أن يلعب دوراً أبعد من حصره ببقعة جغرافية محددة في حديقته الخلفية، وجد نفسه في فخ مع انتشار الثورات ضد حلفائه، وهي في حقيقتها وواقعها ضده وضد نموذجه، كما يراها هو بنفسه، والدليل هو هرعه على وجه السرعة لإنقاذ حليفه في قزاقستان، وحرصه على إنقاذ حليفه في سوريا، وغيرهما، هذا الفخ أو الشرك الذي وقع فيه أبعده عن طموحاته البعيدة بنظر السفير الأمريكي السابق في روسيا ميشال ماكفول،: فبوتين بنظر السفير يرى أن طموحه أكبر من حدود جيرانه، فهو يرى نفسه قائداً لحركة المحافظين الأرثوذكس القومية، والتي ستحارب الغرب المنحل الليبرالي والمفكك والمتعدد.)
بالتأكيد فإن الأيام المقبلة وحتى الساعات القادمة قد تجيب عن تساؤلات كثيرة، حيث العالم يترقب نتائج محادثات الروس مع الأمريكيين والأوروبيين مع الروس، وفيما إذا كان الغرب ومعه أمريكا مصممين على مواجهة طموحات الكرملين؟ أم أن الأخير سينجح في رهانه بخلق شقّ وصدع بين الأمريكيين والأوروبيين، أما في حال فشلت الدبلوماسية فحينها هل سيغامر بوتين بشن هجوم سيبراني على أوكرانيا، وربما بهجوم بري حتى لانتزاع الشرق الأوكراني، مما قد يطلق حرب عصابات استعدت أمريكا لتمويلها، وحذرته من أن الدرس الأفغاني ينتظره لكن هذه المرة في أوكرانيا.