- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
أخطر حوار مع الفريق فوزي قائد حرب الاستنزاف
أخطر حوار مع الفريق فوزي قائد حرب الاستنزاف
- 11 يونيو 2021, 9:03:20 م
- 1351
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حوار:رياض الصيداوي – أغسطس 1991
حرب الاستنزاف وإصرار عبدالناصر على المقاومة
الفريق أول محمد فوزي: قائد القوات المسلحة المصرية·
هذه قصة الطالب الذي أنقذ دبابات مصر·
قلت لعبدالناصر “تمام يا أفندم هذه 17 وحدة، أنا مش عاوزها”
يوم 30 يونيو (حزيران) أسقطنا 13 طائرة للعدو·
أكون سعيداً حينما لا تنفذ أوامري بوقف القتال·
أصدرت أوامري لكل من يقتل جنوداً إسرائيليين يُعطى نيشاناً ومكافأة مالية·
هواري بومدين قال لي “كل الجيش الجزائري تحت تصرفك، فقط أريد أن أعرف موعد المعركة”.
تونس قالت أنا أساعدكم حسب إمكانياتي وقدمت كتيبة عسكرية·
الاتحاد السوفيتي لم يمسك دفتراً وفواتير ويحسب.
“أيوه.. أيوه: الجنود العراقيين صعايدة”
لما خاطبت هاتفياً الفريق أول محمد في مصيفه بالإسكندرية وطلبت منه ترتيب حديث صحفي، وافق بسرعة، وعين يوم الأحد الساعة 11 صباحاً موعداً للقاء.
يوم السبت توفي علي صبري، صديق الفريق فوزي، ونائب رئيس الجمهورية المصرية الأسبق.وكانت الجنازة يوم الأحد، أصدقاء كثيرون بمن فيهم، عبد الله إمام وآخرون، قالوا لي، لا تذهب للموعد فالفريق سيحضر بدون شك جنازة صديقه، وتلتقيه هنا معنا، لأنه يستحيل أن يتخلف عن حضورها.
ولم أذهب للموعد، وحضرت الجنازة، ولم يأت الفريق أول محمد فوزي، بعدها اتصلت به بسرعة هاتفيا، وقلت له ما حدث تفصيلا، فأجاب، تقديركم خاطئ يا ابني، وأنا لم أحضر الجنازة، التزاماً بموعدي معك، وحاولت الاتصال بك فلم أقدر، فأرسلت ابني بدلاً مني.عندها أحسست بخجل كبير لتخلفي عن الموعد. وبإعجاب كبير جداً بدقة والتزام قيادي عسكري عربي،
وقلت له: يا سيادة الفريق، لقد أخطأت معك، وإن شئت نجدد موعدا آخر أو نلغيه، مع اعتذاري الشديد لك.
وقال: لا بأس تأتي يوم الجمعة القادم، نفس الساعة. وقبل الموعد بثلاث ساعات، كنت أجلس مع زميل مصري، أمام بيت الفريق، على الكورنيش، ومع الساعة الحادية عشر، ضغطنا على الجرس، وفتح لنا الفريق أول محمد فوزي الباب، بابتسامة ترحيب صادقة.ودخلنا معه إلى الصالون، وبعد لحظات قليلة، كانت ضحكة عفوية، تنطلق من أرجاء البيت، تحطم كل حواجز البروتوكول، ويعرف الجميع في مصر، قصة كيف كان جمال عبد الناصر يراهن وزراءه قائلا، أراهن من فيكم يقدر أن يضحك الفريق أول محمد فوزي.
الآن، هو منشرح معنا، ويلقي نكته الطريفة بين الفترة والأخرى… أما الحديث فبلغ حد الساعة والنصف، وتناول حرب الاستنزاف، وحلل محاور كثيرة، منها اتصال عبد الناصر به وما هي المهمات التي كلف بها، ومنها الإجراءات الفورية التي اتخذها لمعالجة الموقف عسكرياً، ومنها أيضاً كيف أدخل المثقفين والمتعلمين إلى الجيش، وطبيعة قسوته والانضباط الذي أدخله، وكيف انطلقت أول رصاصة لتبدأ حرب الاستنزاف، وتطورت معنويات المقاتل المصري، وقصة إدخال صواريخ سام 3 إلى مصر، وحقيقة مشروع روجرز، وعلاقة الخبراء الروس بالجيش المصري، ودورهم في الحرب، ودور القوات المسلحة العربية الأخرى، وخصوصية الجنود العراقيين…
وهذه تفاصيل الحوار:
نبدأ حديثنا من فترة تاريخية محددة، صورتها كالآتي: الجيش المصري في حالة انهيار، المشير عبد الحكيم يتآمر على عبد الناصر ثم ينتحر، في هذا الوقت الحرج، عبد الناصر يتصل بك لبناء الجيش من جديد حتى تبدأ معركة جديدة وتحرر الأرض، فكيف اتصل بك عبد الناصر وكلفك بهذه المهمة الصعبة؟
- هذا موضوع لا يمكن أن أنساه طوال حياتي، ويجب أن نعلم أن الشعب المصري لم ينهزم سنة 1967، والقوات المسلحة لم تفقد إرادتها في القتال. وأعتقد أن إسرائيل احتلت الأرض ودمرت السلاح، لكنها فشلت في كسر إرادة القتال وإرادة الصمود. وأهم شيء في هذا الموضوع أن الاستسلام لم يكن وارداً أبداً. إذن، منطق “موشي دايان” وهو جالس في تل أبيب ويقول أن الجيش لن تقوم له قائمة إلا بعد 15 أو 20 سنة، كان ينافي الحقيقة.
ففي نفس هذه اللحظات، كان الشعب المصري يرفض الهزيمة ويجبر عبد الناصر على الاستمرار والتراجع عن الاستقالة، مطالبا إياه بتحرير الأرض. ومن هنا استوحى عبد الناصر مقولته الشهيرة “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” وطرح موضوع المفاوضات والسلام جانباً، وكان منطقه يعتمد على شيء مهم، هو أن عدونا لا يعتمد إلا القوة، وإذا كان خصم هذا العدو سيأخذ طريقا آخر غير القوة فعليه أن يستسلم له.
كيف اتصل عبد الناصر بك إذن؟
- في يوم 11 يونيو 1967، على الساعة الواحدة ظهرا، اتصل بي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقال لي ما نصه: ” هل تتحمل يا فوزي مسؤولية قيادة القوات المسلحة في الوقت الحاضر؟
“الجواب كان: نعم. فقال عبد الناصر: ” سأعلن هذا القرار في الساعة الثانية والنصف في إذاعة القاهرة، وعليك أن تؤمن البلد والقوات المسلحة، حتى ألتقي بك مرة أخرى في السابعة مساء”.
وفعلا صدر القرار وعينت قائداً عاماً للقوات المسلحة.
- ما هي الإجراءات الفورية التي اتخذتها في إعادة بناء القوات المسلحة؟
- بدأت بإخراج القادة المنسوب إليهم الهزيمة، وعدد كبير منهم كان بدرجة فريق. ثم قمت بتعيين زملاء لي أثق بهم، فعينت واحداً في المنطقة الشرقية وآخر في المنطقة الشمالية، وآخر في المنطقة المركزية، وفي المقاطعات المختلفة في أغراض التأمين المؤقت.وذهبت إلى عبد الناصر في الساعة السابعة مساء.
وأسمح لي قبل الاسترسال في الحديث أن أنبه أنه قبل يوم 11 يونيو 1967، كانت مصر دون قيادة سياسية ولا عسكرية. فالشعب محتار، أين هو؟ لقد كان في فراغ وهو ما سميته في كتبي بالفراغ في القيادة السياسية والعسكرية.إذن الشعب، هو الذي كان يمسك البلاد يوم 9 و 10 يونيو، عبد الحكيم عامر كان قد أعلن استقالته وهو في طريقه إلى بلده. وهذه المرحلة اعتبرها تغطية الإحراج السياسي والعسكري بالنسبة للحكم .
أعود للقائي مع عبد الناصر في موعدنا الساعة السابعة، حيث أعطاني التوجيهات السياسية والعسكرية. أما معرفتنا ببعض فقد كانت سابقة وقديمة وهو الذي عينني في السابق رئيس أركان حرب القوات المسلحة دون رغبة المشير عامر والقادة الآخرين.
التوجيه السياسي: وهو الذي أعلن بعد ذلك في 25 أغسطس بالخرطوم في مؤتمر القمة العربية.والتوجيه السياسي العسكري ينحصر في كلمتين “عليك أن تبني القوات المسلحة مرة أخرى على أسس علمية بهدف استرجاع الأرض المغتصبة سنة 1967. وهي سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية وغزة”.
فأجبته قائلا: العدو لن يتركني أفعل ذلك يا ريس.
فرد عبد الناصر:- “نعم، هذا تقدير سليم، فالعدو لن يتركك، لذلك نأتي إلى الواجب الثاني المطالب به، وهو مواجهة العدو أثناء بناء القوات المسلحة”.
فأصبح هناك واجبان، ثم أضاف لهما شرطان، وهو تحديد المدة الزمنية لإنجاز عملية البناء، وكانت محددة بثلاث سنوات أو ثلاث سنوات ونصف على الأكثر.”فقيدني، و ما بقيتش أنا مبحبح، في 20 سنة مثلا، زي ما “دايان” كان فاكر”.
وقال لي أيضا: “عليك أن تدرب الجيش، وترفع كفاءته واستعداده بالطريقة التي تريدها، أما التسليح، فأنا الذي سآتي به من الاتحاد السوفيتي” والظرف كان لصالحنا، فحنفية الاتحاد السوفيتي كانت مفتوحة على آخرها، وبالتالي تجاوزنا أهّم عقبة وهي مسألة توفير السلاح.
وحقيقة، لقد نجح عبد الناصر في إيهام الاتحاد السوفيتي بأنه شريك في الهزيمة. وقال له ما معناه أنت كنت موجود معنا، فكيف تسمح بحصول الهزيمة، إذن أنت شريك لنا فيما حصل، فعليك بالتعويض، تعويض السلاح الذي فقدناه وأحسن.
فقال له الروس: أسلحتنا حديثة.
فأجابهم عبد الناصر: وما الأمر في ذلك، تعطونا خبراء من الجيش السوفيتي العامل، لا من الجيش الاحتياطي حتى يساهموا في تأهيل جنودنا على استخدام السلاح الحديث ومن هنا أصبح السلاح والخبراء متوفرين لنا.
وقبل أن أنسى، أريد أن أقول أن الاتحاد السوفيتي لم يمسك دفتراً وفواتير ويحسب ثمن الطائرة كذا وثمن المدافع كذا، وعليكم ديون كذا، وفوائدها كذا.. هذا لم يحصل أبداً. لقد جاءنا كل السلاح الذي أردناه أولاً، وبفائدة تقدر بـ 2% ثانياً، وما فيش دفع خالص ثالثاً(!).
وأنا من باب الوصف البلدي، ما أنا ابن الدرب الأحمر، (منطقة شعبية بمصر)، قلت “الله دي المسألة تبقى على النوتة”.(سألني مازحا، تعرف ماذا تعني على النوتة، ولما لم أجب بسرعة، أضاف مقهقهاً بصوت عال: أنت مش ابن بلد، وشرحها يعني تأخذ بدون أن تدفع حاضراً وإنما إلى أجل آخر).
وبعد التسليح، دخلنا في مرحلة التدريب وإعداد المقاتل، ابتدأت أتدخل في نوعيته، وأحكي لك مثالاً على ذلك:
لقد وجدت الجندي يعيش في مستوى اجتماعي وتعليمي لا يؤهله ليكون مقاتلاً، فقلت، إن الزمن تطور، ويجب إدخال المتعلمين والمثقفين للقوات المسلحة بدلا من الأميين، وواجهت اعتراضات كبيرة تغلبت عليها، وبدلا من تجنيدنا 3% من الجامعيين أصبحت النسبة 97%، ونجحت في ذلك، واشترطت أن يأتي المثقف على تشكيلات الوحدات المقاتلة، لا المكاتب.. وانتهت هذه المراحل بنجاح باهر، ويمكن القول أن هذه الخطوة نقلت الثقافة العسكرية من الصفر إلى 70% دفعة واحدة.وكسبت منهم في الميدان إنتاجاً متميزاً ومتقدماً لم يخيب أملي في عقول هؤلاء الشباب.
- لو تعطينا مثالا لهذا الإنتاج المتميز؟
- يا سلام ما تتصورش لو أحكي، فالتفاصيل كثيرة. وأعطي مثالاً، لطالب خريج العلوم، شاهد الصهاينة يستخدمون قذائف مضادة للدباباتB11 و B10، ويضربون بالسلك على شعاع حراري وتتعدى القذيفة القنال، وتضرب ماسورة مدفع دباباتنا فتفجرها، انتبه خريج العلوم لهذه العمليات وقام بوضع سلك شائك ملفوف أمام الدبابة بـ 20متر، فضربوا الدبابة بنفس القذيفة ولم تصل إليها وإنما لفت داخل السلك مرات ومرات حتى هدأت ولم تنفجر، فأنقذت الدبابة.يومها، سمعت الخبر بالتلفون وأنا كنت في منطقة أخرى، فركبت طائرة مروحية وتوجهت رأساً لهذا الموقع ووضعت لهذا الطالب نجمة بدل الشريط، وأعطيته ميدالية وألبسته كسوة الضابط، وقلت له، تفعل نفس الشيء على طول خط المواجهة، أي على طول 170 كلم.وبعد ما تنهي من عملك، تنتقل إلى مركز البحوث في القوات المسلحة، وقامت صحيفة القوات المسلحة بنشر صورته وأنا أضع له النجمة والميدالية.
وانقلبت القوات المسلحة، وأصبحت تردد “فليحيا المثقفون، فليحيا العلم..”. وبعد ذلك، خلصت الجيش من كلمة الجندي العادي وعوضتها بكلمة “الجندي المقاتل”، وكنت أقول:” الجندي المقاتل الصالح، أرفع رأسك ـ أخذتها من الريس ـ أنت الأحسن، أنت الأقوى..”
وتغلغلت أجهزة التوجيه المعنوي ومعها الناحية الدينية، في كل التشكيلات المقاتلة.
-نأتي الآن إلى معارك حرب الاستنزاف، كيف انطلقت أولى الرصاصات ؟
- احذر أن تصدق أن حرب الاستنزاف، قد تحددت مسبقا أو قلنا لنعلن حربا تستنزف إسرائيل، كلا هذا لم يحدث.احذر أن تصدق أني قد أعطيت في أي يوم أمرا ببدء حرب الاستنزاف، أبدا ذلك لم يحدث.طيب، تعرف من بدأها ؟
الجندي، نتيجة رغبته في الثأر لأنه يشعر بأنه “اتخم” في الهزيمة، (اتخم يعني أُكل ظلما، سُرق) هذا الجندي شاهد عسكريا اسرائيليا ومعه فتاة ينزلان القنال ليستحما، والجندي المصري رجل صعيدي، وبدون أن يشعر عمّر المشط ونشن، ودبت طلقتان، قتلتا الجندي والفتاة معا.
وثاني يوم تكررت الحادثة، وهذه المرة أطلق خمسة من جنودنا.وثالث يوم تكررت هذه الحادثة مرة أخرى، وأطلق النار 10 من جنودنا.وبدا العدو يرد النار على جنودنا، وكانوا يتعمدون النزول للمياه حتى يؤكدون ملكيتهم لها.وهكذا بدأت حرب الاستنزاف، من بندقية، إلى رشاشة إلى مدفع إلى مدفع ثقيل إلى دبابة حتى تدخل الطيران المصري في الحرب في شهر يوليو 1969.وأريد أن أنبه، إلى أن الوقت الذي أطلق فيه العسكري النار، كانت أوامري كتابية تطالب بتهدئة الموقف وعدم الاشتباك مع العدو.وعندما بلغوني في الليل بأن أحد جنودنا قد اخترق أوامر وقف إطلاق النار وقتل إسرائيليين، وطلبوا مني، ما الذي يجب أن يفعلوه قلت لهم رقوه، وكل من يقتل ويخترق وقف إطلاق النار أعطوه ترقية.وشرحت لهم أن أوامري الأولى كانت رسمية وسياسية حتى لا يمسك علينا أحد موقفاً، أما هذه الاختراقات فهي فردية. لذلك كنت أشجعها من تحت إلى تحت.وحاولت بعد ذلك، أن أهذب كلمة “الثأر” حتى تصبح (التحرير) بدلا من الثأر، تمشيا مع حضارتنا العربية الإسلامية.وحاولت أثناء الحرب، تأهيل المقاتل تأهيلاً طبيعياً عملياً تحت النيران، وذلك أفضل بكثير من تدريبه في القاهرة.وأصدرت أوامر أخرى تقول أن كل من يعبر القنال ويلقي قنابله اليدوية أو يستخدم رشاشه ويقتل إسرائيليين يعطى نيشان درجة ثانية، ومكافأة مادية.وأوّل من نفذ هذه العملية، أعطيته أنا شخصيا النيشان ونزلت صورته في الصحف، وقلت أن من يأخذ إجازة من هؤلاء الأبطال يجب أن ينزل إلى الناس بميداليته مع لباسه المدني حتى لما “تشوف أمه النيشان تقول له: “منين ده يا محمدين؟ يقول لها: أن عبرت القنال، زغرتي يا أما”.
وحقيقة هذا التوجه أخذته من عبد الناصر عندما اعتمد على ركائز أساسية وهي: المثقفون – القطاع العام – الجنود.
- إلى جانب الجيش النظامي، ألم يشكل جيشاً شعبياً؟
- لقد أنشأت الجيش الشعبي في هذه الفترة التي كنت احتاج فيها إلى كل إنسان يأتيني ليقاتل، حتى يكبر الجيش. وتشكل من الفلاح والعامل بعد انتهاء مدة خدمته العسكرية، وأعطيت هذا المواطن بندقية وقنبلة يدوية وذخيرة، وقدمت له شاويش احتياطي يدربهم وينظمهم ويعملوا في المرفق من الساعة السابعة مساءا حتى السابعة صباحا. فقاموا بتغطية أربعة آلاف هدف عسكري وقد نجحوا في حالات كثيرة وصدوا هجومات العدو، فمرة حاولت هيلوكبتر عدوة أن تضرب في الكيلو 53 محطة ضخ البترول الآتي من السويس إلى الأميرية. فتصدى لها فلاحون وعمال ببنادق صغيرة، مما جعل الطائرة تنسحب ولا تنفذ عملية الإنزال والتخريب التي أتت من أجلها.
- معنويا، هل تحسنت معنويات الجيش المصري وتدهورت معنويات الجيش الإسرائيلي؟
- أعتقد إنني استـفدت من حرب الاستنزاف، قبل خوض الحرب الحقيقية، حيث صدرت الخوف إلى إسرائيل، وذلك بعد أن شاهدوا المقاتل المصري يخرج من خندقه ومعه القنبلة يومياً ويعبر الضفة ويقتل الإسرائيلي في خندقه.ولا بد أن ندرك أن الإسرائيلي قد تخندق لأول مرة منذ سنة 1948.ووصل بهم الأمر، إلى أن صرخ مرة أحد جنودهم قائلا “أنا مستسلم يا جندي يا مصري أنا مستسلم، ده أنا شاويش مظلات اشتغل في الكانتينه”… وأسره الجندي المصري وعبر به القناة وسلمه للقيادة.
وكنت أجلس على المصطبة (مكان يجمع حوالي 10 جنود) بعد العشاء وعلى الأرض، وأتركهم يتحدثون وكان المثقف عادة هو الذي يتكلم.وأريد أن أقول أن القتلى يموتون يومياً منهم ومنا أيضا، وكانت الأرقام تزداد يوما بعد يوم، 4 ثم 5 ثم 7 ثم 10.. ولو جمعنا هذه الإعداد وضربناها في 365 يوم ثم في ثلاث (مدة الحرب) لعرفنا قيمة خسائرهم الفادحة.
وألاحظ أيضا، أن مصطلح حرب الاستنزاف، كان من اختراع الصهاينة حتى أني لم أكن اعرف المصطلح بالإنجليزية ووقفت غولدا مائير في أغسطس 1970، يوم أوقفنا إطلاق النار وقالت “هذا يوم يبدو لي كما لو كان أفق السلام، وسوف لن تسمع أذني مستقبلاً أسماء ضحايانا في الحرب وهي تذاع على الراديو يوما ما.ووصلنا في أواخر حرب الاستنزاف إلى حد أن كتيبة كاملة تنتقل عند البلاح من التل 17 إلى الضفة المقابلة وتبتلع 7 دبابات و 7 جرارات وحوالي 31 جنديا إسرائيليا، وترفع العلم المصري.
- معركة الصواريخ، كيف أثرت في موازين القوى وطبيعة الحرب؟
- لقد تطورت الحرب إلى معركة الصواريخ، تمكنا فيها من كسر ذراع الطيران الإسرائيلي. وذلك لأن تردد ذبذبات سام 3 لم يعرفوها، حيث كانوا يعرفون سام 2 من أيام حرب الفيتنام.وأسقطنا يوم 30 يونيو 1970، ثلاث عشرة طائرة عدوة، وأسرنا خمسة طيارين أحياء. بقوا عندنا حتى سلموا مع أسرى أكتوبر 1973، وأول شيء فعلته مائير أثناء المفاوضات هو المطالبة بقائد السرب الذي أسرناه مع الأربعة الآخرين.وأصبح يوم 30 يونيو عيدا قوميا لدفاعنا الجوي. وإلى حد اليوم أرسل كل يوم 30 يونيو برقية تهنئة إلى قائد الدفاع الجوي.
- جمال عبد الناصر كيف كان يتفاعل مع هذه المعارك ؟
- كان يتابعنا في كل المعارك، وكان سعيداً عندما تمكنت قواتنا من تحقيق نجاحات كثيرة، وزالت عنه الآثار النفسية لحرب يونيو 1967.ويجب أن نعلم أن أمريكا بطلب من إسرائيل هي التي قالت ارحمونا من حرب الاستنزاف نحن نريد إيقافها.وهذا يحصل لأول مرة.وقالوا لعبد الناصر عن طريق وكيل وزارة الخارجية الأمريكي أن إسرائيل مستعدة للانسحاب من سيناء مقابل وقف إطلاق النار. وأنا أطالب بغزة والضفة والجولان قبل سيناء.وفي شهر أغسطس، توصل الأمريكان – بعد أن فرض عبد الناصر شروطه – لإيقاف إطلاق النار وكان شرطه الأول أن تكون مدة الهدنة فقط 90 يوما، في حين أرادوها هدنة دائمة، وطالبوا أن تكون المفاوضات مباشرة فرفض، وقال يجب أن تكون غير مباشرة وعن طريق الأمم المتحدة. وأقول هذا الكلام للرد على الشتائم التي وجهها بعض الفلسطينيين لعبد الناصر بعد وقف إطلاق النار.وفي تلك الفترة، كان موقفنا العسكري سليم، والسياسي قوي.
- خصوم عبد الناصر يقولون أن مشروع روجرز كان ارتدادا عن صلابة الموقف العربي، فلو تشرح لنا أبعاد هذا المشروع الاستراتيجية والتكتيكية ؟
-سنة 1949، وفي جنيف وقبرص، عقدت مصر وسوريا والأردن ثم السعودية هدنة مؤقتة مع إسرائيل.
وفي سنة 1967 لم تأت كلمة الاعتراف بإسرائيل، بل بالعكس، القرار 242، يقول عدم جواز أخذ الحق بالقوة.والإسرائيليون يعرفون أن اتفاق 242 يعد خسارة بالنسبة لهم إلى حد اليوم.أما من الناحية العسكرية، فقد استوعبنا حقيقة توازننا في تلك الفترة مع إسرائيل.إضافة إلى أهم شيء وهو ما لم يعلموه، أن عبد الناصر قد أعطاني مهلة 90 يوما. إن لم تنجح فيها المفاوضات في نيويورك، عليّ استئناف القنال، وتطبيق خطة تحرير سيناء بالكامل.ـ هل يمكن، سيادة الفريق، أن نعرف ملامح هذه الخطة وأطوارها؟* الخطة تعتمد على مرحلتين، المرحلة الأولى تهدف إلى الوصول إلى المضايق ثم الحدود، عندئذ تنفذ المرحلة الثانية حيث تتعاون مع الدول العربية الأخرى لاستكمال الهدف الكبير في تحرير كل الأراضي المغتصبة سنة 1967 أي القدس والضفة وغزة والجولان وسيناء.ـ في بداية السبعينات، برزت انتقادات كبيرة في الصحافة المصرية الموالية للسادات، وبعض الصحف العربية، للجيش المصري الذي قدته في حرب الاستنزاف، وركزوا على تغلغل الخبراء والضباط السوفيت في هذا الجيش، وهيمنتهم التدريجية عليه، فما هي حقيقة علاقتكم بهم ؟* هذا موضوع ليس له أي نصيب من الصحة، وإنما يندرج ضمن حملة نفسية شعواء، الهدف منها تشويه سمعة السوفيت، والتقليل من أهمية جمال عبد الناصر.فالروس قد أعطونا السلاح مجانا، والتعامل معهم مقّيد في إطار اتفاق ويرتكز على المساواة بينهم وبين الضباط المصريين، وليس لهم أي دخل في التخطيط وفي العمليات الميدانية فدورهم كان ينحصر في رفع الكفاءة القتالية أثناء التدريب للقوات المسلحة، وقد ساعدونا أيضا في إعداد الدولة للحرب.من ناحية التسليح، قلنا إننا مميزون من حيث إمدادنا بالسلاح الحديث وقد ارتكبنا خطأ – بحسن نية طبعا – في هذا المجال.كان وزير التجارة الخارجية التشيكي في زيارة لمصر، وزارنا في القوات المسلحة، حيث دخل معي إلى مصنع صيانة الطائرات فشاهد خبير روسي يركب محركاً لطائرة ميغ 21، فطلب مني أن يطلع عليها من قرب، فذهبنا معا، وسأل الوزير الخبير عن نوع المحرك، فأجابه: هذا الموتور 511 الجديد.وفيما بعد علمنا أن السوفيت لم يعطوا التشيك هذا النوع المتطور من المحركات، وقامت أزمة دبلوماسية بينهما. وهو دليل، أننا أخذنا أكثر السلاح تطوراً.المسألة الثانية، هي كيفية تعاملنا مع بعض. لقد كنت مسيطراً على الجميع، وأتعامل مع الخبراء السوفيت مثل تعاملي مع قادتي وربما أشد وبأكثر قسوة.وعلمت مرة أن خبيراً، موجودا في طنطا، يشرب زجاجة بيرة يوم الجمعة في قاعدة الطيران. الحادثة وقعت على الساعة الثانية، وأنا عرفت الخبر الساعة الرابعة. وفي الساعة السادسة استدعيت كبير الخبراء وقلت له: هذا الرجل يركب طائرة السادسة صباحاً، ويتجه مباشرة إلى غريتشكو (وزير الدفاع السوفيتي). في اليوم الثاني وعلى الساعة الثانية ظهراً، خاطبني غريتشكو بالهاتف وقال “الشحنة التي جاءتني في الصباح أرسلتها إلى سيبيريا” (وهنا قهقه الفريق بصوت عال وبانشراح كبير).
حادثة أخرى، طائرة إسرائيلية اخترقت أجواءنا من غردقة حتى وصلت إلى أسوان، وصدفة كانت هناك في مصر لجنة مشتركة من الخبراء الروس والمصريين، فبحثوا في الأمر فتشوا عن الدائرة التي فيها شبكة “رضاء” أي أسوان والأقصر، الصعيد والبحر الأحمر، فلم يصلوا إلى نتيجة، فجاءت لجنة ثانية وفتشت بدورها، واكتشفت الثغرة، فقررت أن أطرد كل أعضاء اللجنة الأولى إلى موسكو.لقد كانوا يرتعدون مني، ولكن من جهة أخرى كنت أحضر كل أعيادهم القومية، وأقوم بالواجب معهم، وأحميهم اجتماعيا.ويمكنني أن ألاحظ أيضا، أن الروس كانوا يخافون منا، باعتبار أن لنا “عقدة الإنجليز” فكانوا يقدرون ذلك جيدا، ولذلك رفضوا طلب عبد الناصر، عندما عرض عليهم أن يزوروا المناطق الأثرية المصرية. وقالوا أن جنودنا مدربون على الإقامة في الثكنة لمدة سنتين دون أن يخرجوا إلى أي مكان. وناقشناهم: “يا جماعة درجة الحرارة تبلغ الخمسين، فتعالوا شاهدوا مصر..” لكنهم رفضوا… حتى لا نقول عنهم استعماريين ونشبههم بالإنجليز.مثال آخر طريف، في منطقة الأميرية، أوقفت سيارتي، ونزلت لأقوم بجولة قصيرة، فشاهدت عسكري روسي يعمل على بطارية سام3 في موقع محاط بالسلك، تقدم منه فلاح مصري، أخذ فجلة من الأرض، مبلولة بالطين، مسحها بثيابه، وقدمها للروسي، فأخذها منه وازدردها في لقمة واحدة، وقال له “خراشو” (شكرا بالروسية).
تقدمت عندئذ من الفلاح وقلت له: “حصل إيه، قال لي اديتلو فجلة، أنا ما عملتش حاجة يا فندم والله”، طبطبت عليه وقلت له أنت جدع جدع والله، ده أنت حتجنده وتستقطبه”, ثم خاطبت الجندي الروسي، فقال “يا سلام ده المصري كريم، كريم…” وبقي يكرر كلمة كريم مرات ومرات.وأريد أن أوضح أيضا، أن الدفعة الأولى والتي عادت إلى موسكو، وضعوها في قفص الأسرى لمدة شهر، حتى يطمئنوا أن عقيدتهم الشيوعية لم تتأثر ولم تتغير.ـ ألم يحاول السوفيت المتواجدون عندكم استقطاب جنودكم وضباطكم للايدولوجيا الشيوعية ؟* (باستغراب شديد) حاولوا، إزاي، دول خايفين منا، لم يقتربوا منا من هذه الناحية بتاتا، ولو حصل التقاء، فسنستقطبهم نحن، لأن أصالة القومية والدين عندنا مغرية جدا،
رغم أني أتألم لما يحدث الآن، ففترة السادات غيرت كثيرا من الأخلاق، ومن السلوك.. وقد أشاع إشاعات كثيرة مغرضة، من نوع: إن وزير الحربية، ويقصدني، لم يكن قادراً على دخول موقع روسي في أسوان، ذكر ذلك عثمان أحمد عثمان في كتابه، وأجبته بكلمات قليلة بسيطة: (هذا لم يحصل شكلاً ولا مضموناً يا عثمان) و (عيب يا عثمان)، وأرسل لي رسالة عن طريق صديق تقول، لا تتركوا سيادة الفريق يغضب، هذا كلام جاء أمرا من فوق، ولا بد من إشاعته.
- قصة صواريخ سام3، كيف تمكن جمال عبد الناصر من الحصول على هذه النوعية المتطورة من الصواريخ وعزز بها دفاعاتكم الجوية بشكل كبير ؟
- في يناير 1970، طلبت من الرئيس توفير صواريخ سام3، قبل أن تنتهي مدة الثلاث سنوات، وقلت له لقد وعدتني بذلك، وأضفت، أن دفاعنا الجوي ضعيف غير قادر على دخول الحرب، ولدينا نقص في الطيارين، ولقد سجل لي جمال عبد الناصر أمانتي في نقل الحقيقة، حيث لم أخدعه. فسألني: “طيب ماذا نفعل؟”.فقلت له: “مباشرة نحو موسكو”.وبقينا نخطط طوال الليل، حتى أنجزنا قائمة احتياجاتنا، وتتكون من السلاح والضباط والخبراء الروس، وهو ما اعتبرته قمة المساعدة.
وسافر الرئيس إلى موسكو، وقال لهم إما أن توفروا لي هذه المطالب، أو أترك الحكم، فارتبكوا، وقالوا له: “يا سيادة الرئيس، هذه ليست من سلطاتنا، وإنما سلطة المجلس الأعلى للدفاع”. فأجابهم عبدالناصر: “وما الأمر في ذلك. هاتولي المجلس الأعلى”. فقالوا له هؤلاء يبلغ عددهم 1517، ومنتشرين في كل أنحاء الاتحاد السوفيتي، فقال لهم: “و مالوا، بريجنيف يأتي بهم”، وفعلا أعطونا مهلة 48 ساعة وبقينا نحن في الاستراحة بموسكو، ولم ينم بريجنيف تلك الليلة، من هليكوبتر إلى مكتبه، ومن اتصال إلى اتصال، وجاء في الليل بسيارته خلسة على الاستراحة، وبدون حرس، ودخل مباشرة على غرفة نوم الرئيس، وقال له “لا تؤاخذني على إزعاجك في هذا الوقت، لأني سعيد جدا بأن لبيت مطالبكم وقمت بالواجب”.ومن الغد وقفنا في الكرملين، ووقف بريجنيف، يتلو لائحة “بقرار من مجلس السوفيت الأعلى تقرر.. كذا، كذا..” وعدنا إلى مصر بصفقة أسلحة ضخمة معها ما يلزم من خبراء، بالإضافة إلى 120 طيار سوفيتي درجة أولى، واستقبلتهم سراً في الإسكندرية، وأوصلتهم إلى مواقعهم، ويومها كنت أريد 110 مليون جنيه، طوارئ، وقام الرئيس بجلسة سرية في مجلس الأمة، ووفر لي هذا المبلغ.وباتفاق في الكرملين، كنت أخذت من الرئيس فرصة 40 يوما حتى أتمم الاستعدادات على الأرض لهذه القوة، حتى لما تأتي من هناك تجد مواقعها ومهماتها جاهزة وقد ضبطوا التوقيت حتى يصلوا إلى هنا قبل الأربعين يوما بخمسة أيام. وأنا يوم 39 في الليل، لم استخدم الهاتف، وإنما أخذت سيارتي حتى منشية البكري، ودخلت على الرئيس بعد أداء التحية وقلت له “تمام يا أفندم، النهار ده يوم 39، أنا جاهز”.
- غير السوفيت، كيف ساعدتكم القوات العربية الأخرى، أو لنقل كيف ساهمت في القتال، خاصة القوات العراقية، والقوات الجزائرية.. تحت شعار قومية المعركة ؟
- قومية المعركة شعار، رفع خاصة سنة 1969، فالهزيمة أعطت درسا أوليا وهو أن لا بد من مشاركة الأمة العربية في معاركنا ضد إسرائيل.وبعدها انضمت ثورة ليبيا والسودان، واتسع المجال الاستراتيجي في العمق المصري، فنوقشت الفكرة وأعلنت في مؤتمر القمة بالرباط يوم 20 ديسمبر سنة 1969، وأخذ عبدالناصر معه معمر القذافي في سفره وكذلك الملك فيصل، وحضرت أنا بصفتي القائد العام للجيوش العربية لمواجهة إسرائيل.وعينني مجلس الدفاع للدول العربية، قائدا عاما، وكلفني بترتيب خطة للجبهة الغربية وللجبهة الشرقية حتى يتحقق شعار قومية المعركة، وأثناء الحوار حدثت بعض المشاكل، سأوضحها: المغرب أبدى استعداده، وعين لواءين مدرعين، ولكن أي منهما لم يصل.بالنسبة للجزائر قال لي بومدين: “كل الجيش الجزائري تحت تصرفك، فقط أريد أن أعرف موعد المعركة، حتى يذهب الجيش الجزائري قبله مباشرة”. فقلت له : “يا سيدي الرئيس لا يمكن أن يعلن قائد في العالم عن موعد معركته”. فقال : “طيب أنا سأرسلهم هناك لأي مهمة؟”. فأجبته: ابد استعدادا، وأنا أتصرف مع جنودك في الوقت المناسب. بالنسبة لليبيا قال معمر القذافي “كل إمكانياتي المادية والعسكرية والجغرافية تحت تصرفكم”.تونس، قالت “أنا أساعدكم حسب إمكانياتي، وقدمت لنا كتيبة عسكرية.والمشكلة الكبرى التي ظهرت، هي أن العراق وسوريا والأردن، كانوا يريدون أن تكون الجبهة الشرقية هي الجبهة الأساسية، بحجة أن الدعم يأتيهم من مصر ويلتف حول إسرائيل من هناك، هذه المشكلة تجاوزناها.
- بالنسبة للجزيرة العربية هل كان لها دور محدد ؟
- السعودية قالت سندعمكم ماديا؟، وكان الرئيس بحكمته شرح منذ البداية بعض القواعد وقال “يا جماعة، الدعم، لا بد أن يكون إيجابيا، يعني بالدم والروح”. وكانوا يريدون دفع المال فقط. وكان عبدالناصر يريد دعم السعودية إيجابيا، أي بالقتال، لما لذلك من ردود فعل خارجية وعالمية هامة. وقال : تعلنوا الجهاد معنا، وقال لهم أيضا، “أنا آخذ الفلوس اعمل بها إيه، روسيا تعطينا السلاح إلي إحنا عاوزينه”. لكنهم رفضوا، والانسجام بين القادة العرب لم يكن متوفرا، وأنت تفهم الباقي (ويضحك بانشراح).وبهذا الشكل لم يطبق شعار قومية المعركة، ثم لما جاء السادات كثرت الشكوك حوله، لكن محمود رياض قام بجهود كبيرة في الجامعة العربية، وجمع على الورق هذه الجهود، لكن السادات خرب كل شيء، حتى أن ما اُتفق عليه محمود رياض مع الدول العربية لم يتم إلا بعد 10 أيام من بداية المعركة، باستثناء العراق.
- لقد أشرفت على معارك حرب الاستنزاف مباشرة وشاركت فيها قوات عربية وقيادات عربية مختلفة فمن الذي كان أقرب إلى قلبك طيلة الحرب ؟
- الأقرب إلى قلبي على الإطلاق، هو الشهيد، رئيس الأركان، عبدالمنعم رياض. لقد اعتبرت موته أكبر خسارة أصابتني.
- كيف عينت عبدالمنعم رياض في قيادة الأركان ؟
- يوم 11 يونيو 1967، على الساعة السابعة مساءاً، أول واحد تناقشت مع عبد الناصر لتعيينه في القيادة كان عبدالمنعم رياض. وقد طرحت اسمه بدون تفكير. فنظر لي الرئيس باندهاش، وقال : “إزاي تنطق بسرعة؟”. فقلت : “أنا فكرت فيه قبل أن آتي إلى هنا وأنت تعرف انه من العباسية مثلي، وأننا خريجي سلاح واحد، دفاع جوي، وأبوه ضابط وكمان أبوي … فردد عبد الناصر بابتسام: “الله …الله …!”. وقصد بها مؤامرة ضده، طبعا بمزاح، فعلقت بسرعة: “ماتفهمهاش كده يا ريّس، افهمها من محمد فوزي بس”.
- طيب، هذا سؤال محرج قليلا، من هم أكفأ الجنود العرب الذين قاتلوا معك وشدوا إعجابك ؟
- كنت أثق في الجنود العراقيين أيام كانوا معي في الجبهة الشرقية “بالمفرق”، وأنا لمدة 15 يوما في الهيلوكوبتر، بين السويس و”المفرق”. وكنت قد سلمتهم قيادة “المفرق” وقاتلوا سنة 1968، 1969 و1970، وهم أكفاء مثلنا، ومؤهلين عسكرياً عن طريق العقيدة الروسية والعقيدة الإنجليزية، وهم الأكثر منا من ناحية الروح العربية.
- قاطعته باندهاش: الأكثر منكم ؟!
- أجاب بحماس : أيوه، أيوه … أنا صريح من هذه الناحية، وهم قتلة أكثر منا، وأنا أشبههم بالصعيدي، الذي يقتل ويختبىء في الذرة، ويأكل دشيشة الذرة ويبقى ثلاثة أيام بدون أكل حتى يأخذ بثأره. أنا أريد هذا النوع من الرجال، وأنمّيه للقتال، فهي عجينة رائعة بين يديّ، آخذه ودمه يغلي، لأوجه نحو العدو.أعود للعراقيين لأقول، لقد كانوا صغار الرتب أيامها: مقدم، وعقيد، ولما ذهبت إلى بغداد أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وجدتهم برتبة فريق وفريق أول، وأسعدني ذلك كثيراً، كثيرا
العصافرة، الإسكندرية، أغسطس 1991
المصدر . . مجلة الوعي العربي