أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «تحالفات الضرورة».. روسيا وإيران واستراتيجية توظيف المصالح.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 7 سبتمبر 2022, 9:34:28 ص
  • eye 680
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يبدو واضحاً أنه لا يُمكن النظر إلى التحالف الروسي الإيراني، إلا من خلال منطق المصالح الذي يحكم هذا التحالف، وفق محددات ترتكز على جُزئيتي الحد من تأثير النفوذ الأمريكي إقليمياً ودولياً، ومواجهة الضغوط الغربية على كل منهما. لكن في المقابل، ووفقاً للمتغيرات التي تفرضها جُملة الوقائع الإقليمية والدولية، فإنه من الأهمية بمكان، أن تتبدل الأولويات التي تحكمها الضرورات الاستراتيجية، وضمن هذا وذاك، فإن جوهر العلاقة الروسية الإيرانية، تُحكمه العديد من المعطيات في المستويين الإقليمي والدولي، مع الأخذ بعين الاعتبار، قدرة واشنطن والغرب عموماً، على التأثير عميقاً في أسس التفاهمات الروسية الإيرانية، بما يؤسس عملياً لمرحلة تغليب المصالح على جيواستراتيجية العلاقات، لا سيما أن التغيرات المتنامية في الشرق الأوسط، أسهمت إلى حد كبير، في تعزيز التقارب الروسي الإيراني، لكن بعض المصالح المتضاربة، تُشكل عائقاً في تحويل العلاقة بينهما، إلى استراتيجية غير ظرفية، لا تحكمها المتغيرات الإقليمية والدولية.

ومن منطلق استراتيجية توظيف العلاقات لخدمة المصالح، فإن موسكو وطهران تقومان بهندسة علاقتهما في مواجهة خصومهما، مع تحييد للتناقضات في سياق العلاقات بينهما، بما يُمكن أن يكون سبباً لعدم التأثير في مصالحهما. في قمة طهران بعناوينها الرئيسية والثانوية، فإنه لا يمكن وضع زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى طهران ضمن عنوان عودة الشرق الأوسط ساحة للتنافس بين المصالح الإقليمية والدولية، وأن هناك ضرورات تقتضي زيادة التنسيق بمعناه الاستراتيجي، فالزيارة في جوهرها تلقي الضوء على شكل وماهية التحالف الروسي الإيراني، وكيفية إدارته على النحو الذي يمكن الطرفان من استثمار التفاهمات بينهما، لوضع خطط محكمة لمواجهة الضغوط الأمريكية، لكن رغم ذلك، فإنه لا يمكن إنكار حقيقية أن العلاقة بين موسكو وطهران، لا تزال تحتوي في جنباتها على تناقضات، لكن يتم العمل على تبديد تلك التناقضات، واستبدالها بتفاهمات مرحلية ظرفية، تُلبي حاجات البلدين.

التقارب الاخير بين موسكو وطهران، أسست له العقوبات الامريكيه والغربية على الطرفين، مع محاولات مستمرة لعزلهما إقليمياً ودولياً. ضمن ذلك، ثمة تساؤلات تفرض نفسها في سياق العلاقات الروسية الإيرانية. هي تساؤلات ترتكز على إمكانية تطوير العلاقات بينهما إلى تحالف استراتيجي بمعناه الواسع، أم ستبقى علاقاتهما تحكمها التحركات التكتيكية والتي تفرضها سياسية الولايات المتحدة ضدهما. ضمن التساؤلات السابقة، لابد من التعمق في نتائج زيارة بوتين إلى طهران، والتي تضمنت زيارة خاصة إلى المرشد الإيراني على خامنئي، كما عقد بوتين أول اجتماع مباشر له منذ الحرب الأوكرانية مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بُغية استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية، وكذلك الصراع في شمال سوريا. حقيقة الأمر، أن روسيا أرادت أولاً وأخيراً، توجيه رسالة للولايات المتحدة والغرب عموماً، مفادها تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع ايران، وحكماً مع الصين والهند، من أجل كبح مفاعيل العقوبات على روسيا، وضرورة إعادة النظر في صيغة العقوبات الامريكيه والغربية عليها.

في الجانب الآخر، فإن إيران أيضاً حاولت توظيف زيارة بوتين داخلياً وخارجياً. في البُعد الداخلي، فإن إيران ضمنت استمرار توريد القمح الروسي إليها، بما يُمكنها من تفادي المزيد من حالات السخط الشعبي في ايران، جراء الأزمة الاقتصادية، والتضخم وتراجع مستويات الدخل، وبالتالي يمكن لإيران ضمان الحد الأدنى من مستويات المعيشة للمواطنين، في ظل ما هو متوقع من أزمة غذاء عالمية. أما في البعد الدولي، فقد استثمرت طهران زيارة بوتين، وحافظت على خطابها المناهض للغرب، وانتقاد سياسة واشنطن في الإقليم، وربطاً بذلك، فقد دعا خامنئي إلى تعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا، وأبلغ بوتين أن البلدين بحاجة إلى توخي اليقظة ضد ما اعتبره “الخداع الغربي”، وضرورة استخدام عملتيهما الوطنية عند التعاملات التجارية في ما بينهما. ومع ذلك، ثمة الكثير من التناقضات، والتي لا يمكن لروسيا وإيران اغفالها، والتي ستؤثر في مصالح كل منهما ودرجة الثقة في ما بينهما، بالتالي تَحول دون تطور العلاقات التكتيكية إلى تحالف استراتيجي. ففضلاً عن الخبرات التاريخية بينهما، التي أسهمت في إدراك العقلية الإيرانية بأن روسيا كانت ضمن القوى الدولية التي استغلت الموارد الإيرانية، نجد أن كلاً من البلدين لديه علاقات مع الأطراف المنافسة، فمن جهة طهران تسعى لفتح علاقات مع دول الخليج، في الوقت الذي تحافظ روسيا على علاقتها بإسرائيل، وتوظفها كنوع من الكوابح للوجود الإيراني بسوريا، على الرغم مما يساعد عن عمق التحالف بينهما في سوريا.

وهناك كثير من التناقضات التي ما زالت تحملها العلاقات بين روسيا وإيران، فمن جهة، ميل روسيا المتزايد نحو الصين في الأشهر الأخيرة أدّى إلى انخفاض كبير في صادرات الخام الإيراني إلى الصين، التي كانت مشترياً رئيساً للنفط الإيراني، حتى في ظل استمرار العقوبات الأميركية، ومن ثم فإن تراجع صادرات إيران من النفط الخام إلى الصين أدى إلى استبعاد حصة إيران من السوق في كل من الصين والهند. ولتعويض إيران عن تلك الخسائر وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار.

ومن جهة أخرى ستظل إيران وروسيا منافسين في سوق الطاقة، ولا يمكن لأي منهما أن يكون بديلاً سواء في السوق الأوروبية أو للصين والهند. وأخيراً، لن تتغافل إيران عن محاولة روسيا عرقلة الوصول إلى الاتفاق النووي مع الغرب عام 2015، بحسب التسجيل المسرب لوزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف، ومحاولتها عرقلة إحياء الاتفاق مع إدارة جو بايدن، حينما طالبت بضمانات في بدايات الحرب الأوكرانية.

إجمالاً، توظف كل من روسيا وإيران علاقتها في مواجهة خصومهما فقط، وليس هناك مجال لتحالف استراتيجي بينهما.

كاتب وباحث سياسي


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)