- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أنفاق حماس.. ساحة الحرب الرئيسية لإسرائيل في غزة
أنفاق حماس.. ساحة الحرب الرئيسية لإسرائيل في غزة
- 19 أكتوبر 2023, 6:32:16 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سلطت مجلة "إيكونوميست" الضوء على الأنفاق التي تعتمد عليها حركة حماس في تخزين السلاح وإطلاق الصواريخ بقطاع غزة، واصفة إياها بأنها "ساحة الحرب الرئيسية لإسرائيل".
وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن ساحة المعركة في حرب المدن تنقسم إلى 4 مستويات، إحداها هي السماء فوق المدن، التي تمتلئ بالطائرات المسيرة بشكل متزايد، يليها المباني التي تمتد للأعلى، وتوفر نقاط مراقبة وأماكن للاختباء، ثم الشوارع، بما تشمله من شبكة طرق وأزقة وممرات تشكل شرايين المدينة في زمن السلم، وأخيرا: الأنفاق، وهي التي ستشكل التحدي الأكبر للقوات الإسرائيلية حال غزوها البري لقطاع غزة في الأيام المقبلة.
وأورد التقرير أن أنفاق التهريب الأولى في غزة أنشأتها العشائر البدوية على جانبي الحدود بين مصر وغزة بعد عام 1981، عندما قامت إسرائيل ومصر بترسيم الحدود، ووقع أول هجوم معروف عبر الأنفاق من القطاع في عام 1989.
ولكن في عام 2001، بدأت حماس، بعد انسحاب إسرائيل في عام 2005، في بناء شبكة تحت الأرض، كان هدفها الأولي هو تهريب المواد والأسلحة من مصر، لكن للأنفاق استخدامات أخرى متعددة، إذ يمكن للقادة الاختباء فيها، واستخدامها للتواصل دون الاعتماد على شبكة الهاتف في غزة، التي تتنصت عليها إسرائيل، فضلا عن تخزين الأسلحة والذخيرة.
كما يمكن لحماس أن تستخدم الأنفاق في نصب الكمائن خلال الحروب البرية الإسرائيلية بغزة، وهي التي سمحت للحركة بشن هجمات عبر الحدود على إسرائيل وتنفيذ عمليات اختطاف لجنود، مثل جلعاد شاليط، في عام 2006، وهي الهجمة التي ساعدت حماس لاحقًا على تأمين إطلاق سراح أكثر من 1000 سجين فلسطيني.
وقام حزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة، ببناء أنفاق مماثلة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، رغم تدمير معظمها في 2018-2019. وكان الأساس العسكري لمثل هذه الأنفاق هو في نهاية المطاف تقويض أسلوب إسرائيل في الحرب.
وفي عام 2008، قال أحد قادة حماس، وهو يتأمل حربًا قصيرة ولكن مكثفة على غزة في ذلك الشتاء: "فاجأتنا الضربة الجوية والمراقبة الجوية [من قبل إسرائيل].. لذا وضعنا خططًا استراتيجية لنقل المعركة من السطح إلى تحت الأرض" وبحلول عام 2014، وظفت جهود حفر الأنفاق التي قامت بها المجموعة 900 موظف بدوام كامل، حيث استغرق بناء كل نفق 3 أشهر ومتوسط 100 ألف دولار، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة "راند".
وجمعت حماس رأس مال الأنفاق عبر عرضتها على أنها مخططات استثمارية تجارية، مكتملة بعقود صاغها المحامون، من خلال المساجد في غزة، ويُعتقد أن إيران وكوريا الشمالية ساعدتا في بناء الأنفاق بالمال والمهندسين.
وفي عام 2014، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية "الجرف الصامد"، وهي حرب جوية وبرية تستهدف الأنفاق، ودمرت حوالي 32 منها، امتدت لمسافة 100 كيلومتر، منها 14 اخترقت الأراضي الإسرائيلية، لكن ذلك كان جزءًا صغيرًا من الشبكة بأكملها، والتي كان يُعتقد أنها تضم 1300 نفقًا تمتد، وفقًا لحماس، لمسافة 500 كيلومتر في المجمل، أي أكثر من 10 أضعاف طول غزة نفسها. وجدت لجنة تحقيق بعد الحرب أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدًا للخطر الذي تمثله الأنفاق، على الرغم من تحذير القيادة السياسية في البلاد من أنها تمثل أحد أخطر 5 تهديدات للدولة.
وتفاخر وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك بأن الأمر سيستغرق بضعة أيام فقط حتى تتمكن قواته من تدمير الأنفاق التي استهدفها، لكن الأمر استغرق أسابيع، ثم ثبت أن تحديد موقع الأنفاق أمر صعب للغاية.
وأشار الجنرال، نداف بادان، الذي قاد فرقة إسرائيلية في عام 2014: "كنا على دراية بالأنفاق من الناحية النظرية بشكل رئيسي. ولم تكن لدينا خبرة عملية".
واستخدم الجيش الإسرائيلي "جيوفونات" (سماعات أرضية)، بالإضافة إلى رادار مخترق للأرض، يحول الاهتزازات الأرضية إلى جهد كهربائي، ويكشف الأصداء الصادرة عن أجهزة الحفر، وهي تقنية تمت استعارتها من صناعة النفط.
لكن العديد من الأنفاق تم اكتشافها بفضل الاستخبارات البشرية، أي عملاء من داخل غزة، أو دوريات المشاة التي عثرت على مداخلها.
وحاولت القوات الجوية الإسرائيلية إسقاط قنابل دقيقة التوجيه على طول مسار النفق الذي يتم اكتشافه، في ممارسة أطلق عليها اسم "الحفر الحركي"، لكن بعضها فشل في الانفجار على العمق الصحيح.
واستخدم جيش الدفاع الإسرائيلي أيضًا مادة "إيمولسا"، وهي مادة متفجرة تشبه الهلام، لكن كل نفق كان يتطلب ما بين 9 إلى 11 طنًا من المادة في المتوسط، كما تشير "راند"، مع إجبار القوات البرية على تأمين المداخل لفترات طويلة.
وكان على وحدات الجيش الإسرائيلي الارتجال في كثير من الأحيان، واستعار بعضها عربات ومعدات زراعية من القرى الحدودية الإسرائيلية لنقل المتفجرات إلى غزة.
وفي الماضي، سعى أفراد الجيش الإسرائيلي عمومًا إلى تجنب القتال في الأنفاق، والتي كان الكثير منها مفخخًا، ومنعت القيادة العليا للجيش القوات من دخولها ما لم يتم تفجير أحد طرفيها أو تأمينه
وهنا تشير "إيكونوميست" إلى أن "الحرب الجوفية" تلخص، في كثير من الأحيان، الجوانب الأكثر صعوبة في حرب المدن، خاصة أن المدن تتميز بخطوط رؤية محدودة ومعارك قريبة واتصالات ضعيفة، حيث تنتقل إشارات الراديو بشكل سيئ بين المباني الشاهقة، وتؤدي الأنفاق إلى تفاقم كل هذه العوامل.
وحتى الطائرات المسيرة الأكثر تطوراً لا تستطيع الرؤية تحت الأرض، والتنقل داخل الأنفاق عن طريق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أمر مستحيل، كما أن إشارات الراديو للاتصالات لا تخترق فيها مسافة بعيدة.
وتلفت المجلة البريطانية إلى أن تجربة الجنود البريطانيين المشاركين في تدريبات الأنفاق الأخيرة في ليدز، وهي مدينة شمالية في إنجلترا، سلطت الضوء على التحديات التي من المحتمل أن يواجهها جنود الجيش الإسرائيلي.
فالظلام الدامس جعل نظارات الرؤية الليلية عديمة الفائدة، لأن هذه النظارات تعتمد على تضخيم الضوء لخافت الموجود فوق سطح الأرض حتى في الليل، كما أن إزعاج المياه الراكدة يهدد بإطلاق غازات سامة في الهواء.
ويكون الهواء في الأنفاق أبرد من سطح الأرض بما يصل إلى 10 درجات مئوية، ولذا قال أحد الجنود البريطانيين في تدريبات ليدز: "أنت تدرك أنه ما لم يتم تدريبك بشكل صحيح، وقضيت وقتا طويلا هناك، فلن تتحرك بسرعة".
ويلاحظ جو فيجا، كبير خبراء الحرب السرية في الجيش الأمريكي، أن صوت نيران الأسلحة يتضخم أيضًا في الأماكن المغلقة، ويقول إن هذا هو سبب الحاجة إلى فرق أكبر لإزالة الأنفاق، "لأنه يتعين عليك باستمرار استبدال الأشخاص داخل وخارج الأنفاق، فهم لا يستطيعون الاستمرار" حسب قوله.
وإضافة لذلك، ثمة تأثير معروف باسم الضغط الزائد، يتسبب أيضًا في إطلاق نيران الأسلحة للغبار والأوساخ داخل الأنفاق، ما يقلل من الرؤية.
ويعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل متزايد على التكنولوجيا للمساعدة، ولديه روبوتات أرضية يتم التحكم فيها عن بعد، ويمكنها البحث عن الأفخاخ المتفجرة أو الكمائن.
وتنقل دراسة حديثة عن جندي من وحدة حفر الأنفاق في الجيش الإسرائيلي، قوله: "إن الدخول إلى نفق بعد أن قام الروبوت بتمشيطه.. يجعل الوضع أقل إرهاقًا بكثير(..) إنه يقلل من التوتر وتصبح البيئة أكثر عقمًا".
لكن التكنولوجيا لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل، إذ اشتكى ضابط آخر قائلا: "لأكثر من مرة كان جندي يدير روبوتا عالقا داخل نفق".
في السنوات التسع التي تلت عملية الجرف الصامد، استثمر الجيش الإسرائيلي بكثافة في عمليات الأنفاق؛ وأدخل تقنيات ووحدات متخصصة جديدة، وشيد نسخته الخاصة من "أنفاق حماس" للتدريب على هدمها، وأعاد تنظيم كتيبة "ياهالوم"، وهي وحدة هندسة النخبة، ليتضاعف حجمها من 400 إلى 900 فرد، وأضاف وحدات جديدة لاستطلاع الأنفاق ملحقة بفرقة غزة التابعة للجيش، حسبما يؤكد عمر دوستري، من معهد القدس للاستراتيجية والأمن.
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وعد الفريق، هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بدخول غزة، والذهاب إلى الأماكن التي تستعد فيها حماس، وتخطط، وتطلق الصواريخ، و"مهاجمتها في كل مكان، وتدمير بنيتها التحتية".
غير أن تحديد وإزالة عدة مئات من الكيلومترات من الحواجز تحت الأرض يحتاج إلى سنوات، وليس أسابيع أو أشهر.