- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د. أيمن منصور ندا يكتب : فيلسوف "النسوان" الأعظم!!
د. أيمن منصور ندا يكتب : فيلسوف "النسوان" الأعظم!!
- 27 أغسطس 2021, 11:24:20 ص
- 4260
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لعلَّ الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة السابق، والقائم بأمور رئيسها حالياً، هو المفكر الوحيد الذي تناول المرأة بشكل مباشر في سبعة كتب كاملة (ستة كتب مؤلفة، وكتاب محقق).. ليس نصرة للمرأة ودفاعاً عنها، بل لإثبات نظرة ذكورية تراثية عتيقة عنها.. لا يختلف الخشت في نظرته للمرأة عن نظرة "الذكر" الشرقي لها؛ يحمِّل المرأة خطيئة البشرية، ويعتبرها مصدراً للغواية، وموضوعاً لإسعاد الرجل وللترفيه عنه.. وهي ملك له، وتابع لمزاجه الشخصي، وهي "متاع" للرجل، أو إن شئت الدقة هي "سقط المتاع"!!
سبعة كتب صاغها الخشت، وعناوينها كما يلي : "المشاكل الزوجية وحلولها في ضوء الكتاب والسنة والمعارف الحديثة"، و"المرأة المثالية في أعين الرجال"، و"الدليل الفقهي للمرأة المسلمة"، و"فقه النساء في ضوء المذاهب الأربعة"، و"فتاوى المرأة المسلمة في العبادات والمعاملات"، و"ليس الذكر كالأنثى"، إضافة إلى كتاب محقق للإمام الغزالي عنوانه "كتاب النكاح: الزواج الإسلامي السعيد وآداب اللقاء بين الزوجين".. وعلى هذه الكتب، لنا هذه الملاحظات:
الملاحظة الأولى: أن الكتب الستة هي كتاب واحد تمت إعادة صياغة وترتيب الأفكار فيها .. المضمون واحد.. وان اختلفت طريقة العرض.. وهذا ما يسمى "الاقتباس/ الانتحال الذاتي" Self-Plagiarism وهو نوع من السرقة العلمية، ومن الأخطاء العلمية التي يُحاسب عليها الباحثون (إلا إذا كان للخشت رأي آخر).. إعادة تدوير مضمون الكتب هو نوع من الاستسهال، والقص واللصق، وهي كلها أمور تتنافى مع أخلاقيات البحث العلمي، ومع أصول "التفكير النقدي" الذي صدعنا الخشت به، وكأنه مالك توكيله الحصري في مصر!
لذلك، لم أندهش ولم أتعجب عندما وجدت في سيرته الشخصية أنه ألَّف (43) كتاباً، إضافة إلى (24) كتاباً محققاً.. كتبه في جوهرها لا تزيد على أربعة كتب، يجري لها عملية "تدوير"، وإعادة صياغة، شبيهة بما يفعله في مقالاته حالياً في "الأهرام" وفي "الوطن" سابقاً..
الملاحظة الثانية: إن قضايا المرأة في فكر الخشت تتلخص في علاقتها بالرجل، وفي متطلباتها الجنسية.. المرأة والجنس شيء واحد.. فكر الرجل مصوّب بشدة نحو أجزاء معينة من المرأة، ودماغه "شغالة" في تصورات بشأن أوضاع محددة لها.. قضايا المرأة الرئيسة لدى الخشت تتعلق بقدرتها على إرضاء الرجل، وعلى إسعاده.. ومن لا تفعل ذلك فهي ناشز.. والمرأة الناشز من وجهة نظر الخشت لها "أربعة خصال: ترك الزينة والزوج يريدها، وعصيان الزوج في الفراش، والخروج من البيت بدون إذنه، وترك الفرائض الدينية كالغسل والصلاة".. وقد يكون النشوز أعمَّ من ذلك " فيشمل كل عصيان سببه الترفع والإباء.. يقول الإمام الشهيد سيد قطب:أما غير الصالحات فهن الناشزات"!!
والمرأة المثالية من وجهة نظره هي "التي تذعن بسهولة!!.. هي التي تستطيع أن تزيل كل الحواجز التي حصنتها في صغرها!، وتستسلم لكل المؤثرات العاطفية التي ترافق الحياة الزوجية، وتكشف الأوضاع والأفعال والكلمات التي تحفزها هي وزوجها أكثر مما سواها!!"..
والمرأة الذكية من وجهة نظر الخشت "هي التي تحسن استخدام أسلحتها الأنثوية!!، فتضبط كل مغريات الأنوثة التي تشوق الروح، على طريقة الطاووس الذي يبسط ذيله متباهياً بجماله الأخاذ!!".. كذلك فإن ""صوت المرأة وروعة إيقاعاته، وقدرتها على التحدث حديث الأنوثة والدلال!!، فمن العوامل ذات التأثير الضخم على أحاسيس الرجل.. فالمرأة التي تنتقي كلماتها، وتعرف متى تتكلم ومتى تصمت، وتعلم مواطن الضحك!، والتأوه!، والتهكم!، والهمهمة!، والأنين!، وما إليها من أصوات!، هي المرأة التي تملك ثاني العوامل أهمية في إنعاش الرجل وإخضاعه لدائرة جاذبيتها (العامل الأول هو الشكل والمظهر)"!!!
الملاحظة الثالثة: إن تبرير ضرب المرأة هو موضوع متكرر في الكتب الستة (إضافة إلى الكتاب المحقق).. الخشت يبحث بإخلاص عن الاستشهادات العلمية (هكذا يذكر) التي تبرر ضرب المرأة، ويستعين بالمعارف العلمية المعاصرة (على حد زعمه) في تبرير هذا الموضوع.. مستعيناً بنظريات "آحاد" غير "متواترة"، وبأحكام "شكية الثبوت ظنية الدلالة".. لقد وقع الخشت في الخطأ الذي استنكره على الآخرين، فكانت خطيئته أكبر وجرمه أعظم!!(يا أيها الرجل المعلم غيره.. هلا لنفسك كان ذا التعليم)!!
الملاحظة الرابعة: إن الدكتور الخشت باحث "ذكر"، و"شاذ" في استشهاداته ومراجعه.. على سبيل المثال، وبدلاً من الرجوع إلى "تفسير الجلالين" للإمام "جلال الدين السيوطي"، فإنه يركز على مقولاته في كتابيه المشكوكين في نسبتهما إليه: "نواضر الأيك في فن ...."، "الوشاح في فوائد النكاح".. وهي كتب جنسية صريحة.. وبدلاً من الرجوع إلى كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، فإنه يرجع إلى كتابه "النكاح: الزواج الإسلامي وآداب اللقاء بين الزوجين"، وهو الكتاب الذي قام بتحقيقه، إيماناً بأهميته في مشروعه الفكري! نعم لقد "حقق" الخشت هذا الكتاب الجنسي، عن خبرة ودراية ومعرفة بالتفاصيل؛ درسها بتمعنٍ ورويةٍ في كتب عديدة سابقة لهذا الكتاب ولاحقة عليه.. منتهى الإخلاص لفكرة المرأة والجنس وإشباع رغبات الرجل!
الملاحظة الخامسة: إن الدكتور الخشت "إخواني" في استشهاداته المعاصرة، إذ لا تخرج هذه الاستشهادات عن أربعة كتب رئيسة، هي: "في ظلال القرآن" "للإمام الشهيد سيد قطب" (على حد وصفه واستخدامه المتكرر)، و"فقه الأسرة وقضايا المرأة"، و"فتاوى المرأة المسلمة" "لمولانا الإمام يوسف القرضاوي" (بتعبيره هو أيضاً)، و"قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة" "للشيخ محمد الغزالي".
الملاحظة السادسة: إن معظم هذه الكتب صادرة عن "مكتبة القرآن"، وهي كما ذكرنا في مقال سابق ملك "آل عاشور" الضلع الاقتصادي لجماعة الإخوان المسلمين.. معنى ذلك، أن الدكتور الخشت لم يقطع علاقته بالناشر في عام 1984 كما ذكر في بيانه يوم 24 أغسطس من أن كتاب "المشاكل الأسرية وحلولها" قد تقدم "به للناشر الذي أجرى تغييرات في مضمون الكتاب أدت إلي الخلط بين رأي الباحث وبين آراء المصادر التي استند اليها، وهو ما أدى إلي خلاف بيننا نتج عنه عدم طبع الكتاب مرة اخري"!. سبعة كتب عن دار نشر واحدة، وبذات المضمون وعن نفس الموضوع .. يا مفتري.. وبعدها تدعي أن بينكما خلافاً!!..
الملاحظة السابعة.. في ظني وملتي واعتقادي، أن الدكتور الخشت أراد في مرحلة مبكرة من حياته أن يستنسخ "الكاما سوترا" (كتاب الحب والغرام والجنس في الأدب السنسكوتي/ الهندي)، وأن يمزجه ببعض اللمحات الرومانسية من "طوق الحمامة" (لابن حزم الأندلسي).. فجاء المزيج عجيباً مريباً.. ولا يمكن اعتبار ما ورد بهذه الكتب "فكراً" نستطيع تقييم كاتبه، بل هي نزوات مراهقة فكرية ذكورية، لها أهداف تسويقية وتجارية بحتة.. ولا ضير في ذلك، إذا اعترف الخشت بذلك، بدلاً من حديثه عن "تأسيس عصر ديني جديد"، و"تجديد الخطاب الديني" وغيرها من الشعارات اللوذعية!.. كتب الخشت السبعة تباع أمام المساجد، وعلى الأرصفة، وفي المكتبات الشعبية، وجمهورها معروف.. ولا يمكن إسباغ صفة الفكر عليها.. مثلها مثل "أفلام السبكي" حالياً، ومثل "أفلام المقاولات" في الثمانينيات..
الملاحظة الثامنة: إن نظرة الخشت إلى المرأة هي نفسها نظرة بعض الطبقات المتدنية إلى "النسوان"!!.. المرأة بما وهبها الله من صفات، وما أسبغ عليها من فضل، هي كائن أرقى وأجل وأسمى من تلك الصورة المقدمة للمرأة في فكر الخشت.. وأكاد أزعم أنها كائن أكثر رقياً وسمواً وتعقيداً من الرجل.. الخشت يستنسخ الصورة الشعبية النمطية للمرأة ويسبغ عليها بعض المصطلحات العلمية، والألفاظ البحثية الفخمة الضخمة، ليسوِّق فكرته التراثية العتيقة عن المرأة..
وأخيراً، فإن التاريخ يذكر عديداً من الفلاسفة كانوا في عداء مع المرأة (الميسوجينية)، مثل سقراط، ونيتشة، وشوبنهاور، وغيرهم.. كان موقف هؤلاء المفكرين واضحاً، وكانت مواقفهم متسقة مع أفكارهم.. غير أن الجديد الذي يقدمه لنا الدكتور الخشت هو أن يتوضأ باليمين، ويتحرش بالمرأة في كتبه بالشمال.. ما هكذا تورد الأبل يا معالي المفكر!!