كيف تستخدم إسرائيل “القانون” لتطهير القدس الشرقية عرقيا

profile
  • clock 31 مارس 2021, 4:52:53 م
  • eye 895
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قال رمزي بارود – صحفي ومحرر موقع “ذا بالستاين كرونيكل”.، وهو زميل بحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)، بجامعة الزعيم في اسطنبول.

في 19 آذار (مارس)، استشهد المواطن الفلسطيني عاطف يوسف حنيشة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال احتجاح يُقام أسبوعيا ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي غير القانوني في بيت دجن، بالقرب من نابلس في شمال الضفة الغربية.

وعلى الرغم من كونه مأساويا كما هو، يبدو الخبر أعلاه مادة روتينية في فلسطين المحتلة، حيث يشكل إطلاق النار على المتظاهرين العزل وقتلهم جزءا من الواقع اليومي. لكن هذا ليس صحيحا. فمنذ أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، بنيامين نتنياهو، في أيلول (سبتمبر) 2019، عن نيته ضم ما يقرب من ثلث الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة بشكل رسمي وغير قانوني، أصبحت التوترات عالية وظلت كذلك.

وليس مقتل حنيشة سوى غيض من فيض. ثمة معركة هائلة تجري بالفعل في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية. من جهة، يقوم الجنود الإسرائيليون وجرافات الجيش والمستوطنون اليهود المسلحون غير الشرعيين بتنفيذ مهام يومية لإجلاء العائلات الفلسطينية، وتشريد المزارعين، وحرق البساتين، وهدم المنازل ومصادرة الأراضي. ومن جهة أخرى، يرد المدنيون الفلسطينيون، الذين غالبا ما يكونون غير منظمين وغير محميين وبلا قيادة، بالمقاومة والرفض.

وتقع الحدود الإقليمية لهذه المعركة إلى حد كبير في القدس الشرقية المحتلة وفي ما يسمى بـ”المنطقة ج” من الضفة الغربية -ما يقرب من 60 في المائة من المساحة الإجمالية للضفة الغربية المحتلة- التي تخضع لسيطرة عسكرية إسرائيلية كاملة ومباشرة. ولا يوجد مكان آخر يعرض صورة مصغرة مثالية لهذه الحرب غير المتكافئة مثل تلك التي يعرضها حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة.

في 10 آذار (مارس)، أصدرت 14 منظمة فلسطينية وعربية “نداء عاجلا مشتركا إلى مكتب الإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة بشأن عمليات الإخلاء القسري في القدس الشرقية”، والذي يطالب بوقف عمليات الإخلاء التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة. وكانت قرارات المحاكم الإسرائيلية المتتالية قد مهدت الطريق للجيش والشرطة الإسرائيليين لإجلاء 15 عائلة فلسطينية -37 منزلا تضم حوالي 195 فردا- في منطقتي “كرم الجاعوني” في حي الشيخ جراح وحي بطن الهوى في بلدة سلوان.

وليست عمليات الإخلاء الوشيكة هذه هي الأولى ولن تكون الأخيرة. وقد احتلت إسرائيل القدس الشرقية الفلسطينية في حزيران (يونيو) 1967 وضمتها رسميا، وإن كان ذلك بشكل غير قانوني، في العام 1980. ومنذ ذلك الحين، رفضت الحكومة الإسرائيلية بشدة الانتقادات الدولية للاحتلال الإسرائيلي، واصفة القدس بأنها “العاصمة الأبدية وغير المقسمة لإسرائيل”.

ولضمان أن يكون ضمها للمدينة نهائيا لا عودة فيه، وافقت الحكومة الإسرائيلية على “الخطة الهيكلية الرئيسية للعام 2000″، وهي خطة ضخمة أعدتها ونفذتها إسرائيل لإعادة ترتيب حدود المدينة بطريقة تضمن تحقيق الأغلبية الديموغرافية الدائمة لليهود الإسرائيليين فيها على حساب سكان المدينة الأصليين. ولم تكن “الخطة الرئيسية” هذه أكثر من مخطط لحملة تطهير عرقي ترعاها الدولة، والتي شهدت تدمير آلاف المنازل الفلسطينية والإخلاء اللاحق للعديد من العائلات الفلسطينية.

بينما تعرض عناوين الأخبار أحيانا عمليات الإخلاء المعتادة للعائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح وسلوان وأجزاء أخرى من القدس الشرقية كما لو أنها مسألة تنطوي على مطالبات متعارضة من قبل السكان الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، فإن القصة، في الواقع، هي تمثيل أوسع لتاريخ فلسطين الحديث.

في الحقيقة، لا تفعل العائلات البريئة التي تواجه الآن “خطر الإخلاء القسري الوشيك” سوى أن تعيد عيش كابوس النكبة الذي عاشه أجدادها -التطهير العرقي لفلسطين التاريخية في العام 1948.

بعد عامين من تجريد السكان الأصليين لفلسطين التاريخية من منازلهم وأراضيهم وتطهيرهم عرقيا جملة وتفصيلا، سنت إسرائيل ما يسمى بـ”قانون أملاك الغائبين” للعام 1950.

وببساطة، قام ذلك القانون، الذي ليست له بطبيعة الحال أي شرعية قانونية أو أخلاقية، بمنح ممتلكات الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم أو فروا من الحرب لدولة الاحتلال لتتصرف بها كما يحلو لها. وبما أنه لم يُسمح لهؤلاء الفلسطينيين “الغائبين” بممارسة حقهم في العودة، كما هو منصوص عليه في القانون الدولي، فإن ذلك القانون الإسرائيلي كان بمثابة سرقة بالجملة تجيزها وترعاها الدولة. وكان القانون يهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق هدفين: الأول، ضمان عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين أو محاولة المطالبة بممتلكاتهم المسروقة في فلسطين؛ وثانيا، منح إسرائيل غطاء قانونيا لمصادرة أراضي الفلسطينيين ومنازلهم بشكل دائم.

ثم استلزم الاحتلال العسكري الإسرائيلي لما تبقى من فلسطين التاريخية في العام 1967، من منظور استعماري إسرائيلي، سن قوانين جديدة من شأنها أن تسمح للدولة والمشروع الاستيطاني غير القانوني بالاستيلاء على المزيد من الممتلكات الفلسطينية. وحدث هذا في العام 1970 في شكل “قانون أنظمة القضاء والإدارة” الإسرائيلي. ووفقا للإطار القانوني الجديد، سُمح لليهود الإسرائيليين فقط بالاستيلاء على الأراضي والممتلكات المفقودة في المناطق الفلسطينية.

والآن، تجري الكثير من عمليات الإخلاء في القدس الشرقية في سياق هذه الحجج القانونية الثلاث المترابطة والغريبة: “قانون أملاك الغائبين”، و”قانون أنظمة القضاء والإدارة”، و”الخطة الهيكلية الرئيسية” للعام 2000. وإذا ما أخذت معاً، فسوف يتمكن المرء بسهولة من فهم أبعاد المخطط الاستعماري الإسرائيلي في القدس الشرقية، حيث يعمل الأفراد الإسرائيليون، بالتنسيق مع منظمات المستوطنين، معًا لتحقيق رؤية “الدولة”.

في ندائها المشترك، تصف منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية كيف أن تدفق أوامر الإخلاء الصادرة عن المحاكم الإسرائيلية ينتهي إلى بناء المستوطنات اليهودية غير الشرعية في المناطق الفلسطينية. وعادة ما يتم نقل الممتلكات الفلسطينية المصادرة إلى فرع داخل وزارة العدل الإسرائيلية يسمى “الحارس العام الإسرائيلي”. ويحتفظ الأخير بهذه الممتلكات إلى أن يطالب بها يهود إسرائيليون، وفقًا لقانون العام 1970. وبمجرد أن تقر المحاكم الإسرائيلية المطالبات القانونية للأفراد اليهود الإسرائيليين بالأراضي الفلسطينية المصادرة، غالبًا ما يقوم هؤلاء الأفراد بنقل حقوق الملكية أو الإدارة إلى منظمات المستوطنين. وفي أي وقت من الأوقات، تستخدم هذه المنظمات الممتلكات التي تمت حيازتها حديثا لتوسيع المستوطنات القائمة أو للشروع في بناء مستوطنات جديدة.

وبينما تدعي الدولة الإسرائيلية أنها تلعب دورا محايدا في هذا المخطط، فإنها تمارس في الواقع دور الميسر الأساسي للعملية برمتها. وتتجلى النتيجة النهائية في المشهد الذي يمكن التنبؤ به دائمًا، حيث يُرفَع علم إسرائيلي بطريقة انتصارية فوق منزل فلسطيني، بينما يتم تخصيص خيمة من الأمم المتحدة وبضع بطانيات لعائلة فلسطينية.

مع أن البعض يمكن أن يقللوا من شأن الصورة أعلاه باعتبارها حدثا روتينيا آخر شائعا في خبرة الاحتلال، فإن الوضع في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية أصبح شديد التقلب في الحقيقة. ويشعر الفلسطينيون هناك بأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، في حين أصبحت حكومة نتنياهو أكثر عدوانية من أي وقت مضى. وليس مقتل عاطف حنيشة وأمثاله من الشهداء سوى البداية في تلك المواجهة الوشيكة واسعة النطاق.

التعليقات (0)