- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
إسماعيل رمضان أحمد يكتب: المصالحة الفلسطينية آمال مرغوبة وواقع مناقض
إسماعيل رمضان أحمد يكتب: المصالحة الفلسطينية آمال مرغوبة وواقع مناقض
- 31 ديسمبر 2022, 11:13:28 ص
- 431
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الانقسام والمصالحة مصطلحان دارجان في الملف الفلسطيني عبر ساحتي قطاع غزة والضفة الغربية وخارجهما أيضا، على اعتبار أنّ الانقسام حدثٌ حديث وقع بين حركتي حمــاس وفتح في يونيو2007، ولكنّ هذا الأمر غير دقيق حينما نستذكر وقائع الأحداث الفلسطينية!!! فالانقسام الفلسطيني الداخلي بدأ فعليا منذ توقيع تفاهمات أوسلو التي لم تعطِ للفلسطينيين سوى بعض الامتيازات التي يُمكن لشركة ما أن تحصل عليها باسم الحكم الذاتي.
وبما أنّ فهم الشيء جزء من تصوّره، فلابُدّ من العودة لأصول الإشكاليات الفلسطينيّة التي اعترت البيت الفلسطيني منذ توقيع منظمة التحرير الفلسطيني على اتفاقية أوسلو1993م بتنازلات جمّة ومؤثّرة سلبيا في الواقع الفلسطيني بعد سنوات ممتدّة من تغييرها للميثاق الفلسطيني وبداية التخلّي عن الكفاح المسلح والالتفاف على انتفــاضة الحجارة 1987م-1993م -التي كادت أن تحقق انسحابا إسرائيليا غير مشروط من أراضي 1967م- ثمّ اغتيال المهنـــــدس يحيى عيّــ..ـــــاااش، والذي شكّل اغتياله فاصلة في تاريخ الصراع من خلال عمليات الثأر المقدّس التي تبعت اغتياله مما أدخل السلطة الفلسطينية في مأزق الاعتقالات والتعذيب في سجونها للعناصر والشخصيات المعارضة لنهج السلام الكارثي في حينها من حركتي حمـ-ـااس والجهاد الإسلامي.
واستمرت الأحداث المتوترة في النسيج الفلسطيني وسط انهيار متتابع في مفاوضات فريق السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الصهيوني إلى حين اندلاع انتفـ..ـاضة الأقصى في سبتمبر عام 2000م والتي شكّلت منعطفا تدريجيا في اختلاف مقاييس القوى الفكرية الفلسطينية عبر إعادة العسكرة الثورية للواجهة الفلسطينية مما دفع في اتجاه صعود المعارضة ونجاحها في اختطاف الأضواء في الانتخابات التي رسمتها القوى الدولية الغربية وأصرّت عليها الدول العربية في محاولة لتحجيم الفصــائل الفلسطيني.
لكنّ الأحداث التي تلت هذا الاستحقاق الانتخابي بفوز حركة حمــااس دفع بحركة فتح وقيادات السلطة الفلسطينية في اتجاهات أمنيّة وعسكرية لمواجهة الحكومة الفلسطينية العاشرة التي رفضت كافّة الفصــ ـائل الفلسطينية المشاركة فيها، بل ووضعت العراقيل والقلاقل الداخلية في وجهها إمعانا في إسقاطها، في مقابل إصرار حركة حمـ-ـااس على المُضي في تلك الحكومة وتحدّي الأمر الواقع للسلطة الفلسطينية التي أحدثت الاغتيالات والصدامات والقتل على المبادئ واللحية والهوية التنظيمية ابتداءً بعد رفض الأجهزة الأمنية الانصياع لقرارات وزير الداخلية سعيد صيام رحمه الله، والذي قاد في نهاية الأمر نحو تشكيل القوة التنفيذيّة وصولا لأحداث الانقسام الفعلي في قطاع غزة وسيطرة حمـ-ـااس على كافة المقدرات والممتلكات الحكومية والشرطية. والتي تبعها طرح جهات عربية ودولية أفكار واتفاقيات وأوراق عمل لإعادة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة وكان أشهر هذه المحاولات:
• اتفاق مكّة في فبراير2007م ما قبل أحداث الانقسام.
• الورقة المصريّة في سبتمبر 2009م.
• اتفاق القاهرة/ وثيقة الوفاق الوطني للمصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني في مايو2011م.
• إعلان الدوحة في فبراير2012م والذي جاء مقتضبا كسابقاته في النقاط التالية:
1. أولا: التأكيد على الاستمرار في خطوات تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية من خلال إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
2. ثانيا: تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية من كفاءات مهنية مستقلة برئاسة محمود عباس.
3. ثالثا: التأكيد على استمرار عمل اللجان التي تم تشكيلها، وهي لجنة الحريات العامة ولجنة المصالحة المجتمعية.
4. رابعا: التأكيد على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة لبدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
• اتفاق تشكيل حكومة الوفاق الوطني في يونيو 2014م والتي لم تتمكن من فكّ الحصار عن قطاع غزة ولا إحداث الدمج الحكومي فعليا بل خرجت بأزمات جديدة منها أزمة الرواتب وأزمة الكهرباء والتهرّب من دورها في إعمار غزة بعد حرب 2014م.
• اتفاق القاهرة في ديسمبر 2017م والذي دعا لتمكين الحكومة واستلامها كافة معابر غزة، وقد حدث فيه اختراقات من خلال استلام السلطة الفلسطينية لملفات المعابر عدا معبر رفح.
• وحديثا اتفاق الجزائر 2022 الذي بدا مُبهما كسابقاته وسط اشتراطات للرئيس عباس في الاعتراف بالشرعية الدوليّة وقراراتها ورغباتها في الأراضي الفلسطينية وغياب المنهاجية والآليّات العملية.
وبقراءة نصوص الاتفاقيّات الموقّعة لتطبيق المصالحة الفلسطينية نجد أنّ الاتفاقيات السابقة كانت:
• اتفاقيات عامّة بدون تفاصيل عملية لتطبيقها على أرض الواقع، تحمل تناقضات تمنع تطبيق بنودها، بل تعتبر مصالحات شكليّة لتمرير الوقت وإضاعته.
• لم تتكلف ببذل أدنى جُهد في توقّع الاعتراضات والعقبات في الميدان الفعلي خاصّة في العمل الحكومي والشرطي والمعابر والتبعات المالية.
• لم تتمكن من فصل الرغبات الفصــ ـائلية المتباينة في الطرق والآليات والمنهاجيات والتعامل مع الدول العربية والغربية والمجتمع الدولي عن الرغبات الحكومية في كافّة الأمور السابقة، وبالتالي لم تحمل أيّ صبغة استراتيجية متفق عليها بالإجماع لآليات ومنهاجية العمل في الوسط الدولّي والمحلّي أيضا.
• لم تحمل قرارات واضحة لمصير كل موظف حكومي وشُرَطي وآلية حل الأزمات التي تعتري الساحة الفلسطينية من أزمة الرواتب، الدمج، التمويل.
• لم تكن الاتفاقيات السابقة مُجدولة زمنيا لأداء المهام المطلوبة من فك الحصار وعقد الانتخابات التشريعية والمجلس الوطني والرئاسيّة.
• الاتجاهات البنيوية لدى الفصــ ـائل الفلسطينية في التفرد بالقرار الفلسطيني، كلٌّ فيما يملك من مقومات ومقدّرات!
• رفض حركة فتح إعادة النظر في مسببات الانقسام الفلسطيني ابتداءً من واقع منظمة التحرير وعجز المجلس الوطني وغياب المؤسسات القانونية والتشريعية والاتفاقيات الموقّعة مع الاحتلال الصهيوني والتوجهات الدائمة لبقاء التنسيق الأمني.
• استمرار التلويح لدى البعض الفلسطيني بالرغبات الإسرائيلية والمواقف الأمريكية والأوروبية من العمل مع فصــ ـائل ايديولوجيّة يُمكن وصفها بالإرهاب حسب مؤشرات النظام الدولي المهيمن.
• حصرت الإشكالية الفلسطينية الداخلية في ملف قطاع غزة دون التطرّق لملفات الضفة الغربية التي تتغير جغرافيتها يوميًّا وسط انهيار للحريات السياسية والفكرية الوطنية.
وفي هذا الإطار فإن رؤيتي للمصالحة الفلسطينية تندرج في التخلّص من المعيقات التي تمّ ذكرها أعلاه والحد من تأثيرها من خلال ممارسة ضدّها وتحقيق التالي:
• إعادة حركتي حمـ-ـااس وفتح لدراسة القواسم المشتركة في العمل الوطني والنقاط التي تحظى بالإجماع الفلسطيني وتصديرها للواجهة الفلسطينية وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفصــ ـائلية والفردية، بالإضافة لتصغير وتحييد النقاط الخلافية ووضع ضوابط عملية لمنع تأثيرها.
• التخلّي لدى الطرفين عن صيغة الاستحواذ المطلق والاستفراد الذي يطغى على العمل المؤسساتي والحكومي حتّى حينه في شقّي الوطن.
• إعادة دراسة الاتفاقيات الموقّعة مع الاحتلال الصهيوني حسب الاجماع الفلسطيني بعيدا عن رغبة الفرد الحاكم المسيطر والرغبات الخارجية.
• التوافق والاجماع الفلسطيني على صيغة زمنية مُجدولة ومفصّلة لكافة الخطوات اللازمة لإعادة تمكين الحكومة الفلسطينية وتأهيل منظمة التحرير وإعادة دراسة مواثيقها وتفاصيلها بعيدا عن لغة التفرّد والسيطرة وبعيدا عن لغة الإقصاء للبعض لإرضاء أو إقناع البعض.
• صياغة التفاصيل من عمومها إلى أدقّها وأبسطها بحيث تتحقق المصالحة تباعا في الصف التنظيمي والحكومي الثاني والثالث وما يتبعها لدى الكُل الفلسطيني للحيلولة دون تمترسها لدى رغبات وتوجيهات ومصالح الصف القيادي الأول وانتظار تعليماتهم لتطبيق ميدانية المصالحة ولنا في أحداث تمكين حكومة التوافق خير مثال على ذلك.
• الخروج من بوتقة الرغبة الدوليّة والرباعيّة وشروطها التي تُبقي الفلسطينيين في حالة عجز مستمر، وبالتأكيد: لن يكون لديهم خيار سوى الرضوخ للرغبة الفلسطينية طالما حدث فيها توافق وإن كان مخالفا لرغباتهم وشروطهم.
• وضع خطة استراتيجية واقعيّة لحل مشكلة انهيار الضفة الغربية المتتالي بفعل الاستيطان والتهويد في ظل حالة الضعف والعجز عن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
• التوافق المسبق على آليات حل إشكاليات وأزمات قطاع غزة والضفة الغربية بصيغة وطنية خالصة بعيدا عن لغة الأنا والتأثير الأمني الصهيوني.
• الفهم الواعي بأنّ أعمال الحكومة واعترافاتها ومداخلها ومخرجاتها ليست عملا تنظيما لدى أي طرفٍ كان، وبالتالي مؤسسة العمل الحكومي وواقعيته بعيدا عن العمل التنظيمي.
• إعادة مؤسسة العمل الإعلامي والدبلوماسي الفلسطيني بأننا شعب تحت الاحتلال مهما كانت المعونات والمساعدات وطبيعة التكوينات الحكوميّة.
• دراسة الحالات الدوليّة المشابهة والاستفادة من تجاربها في التصالح الشعبي وتغليب المصالح الوطنية على الفئويّة الضيّقة.
• عن المشهد التمثيلي والتطبيقي، إزاحة الشخصيات التي حاولت وفشلت مرارا في تحقيق المصالحة الفلسطينية.
وبخصوص إعلان الجزائر الذي جرى في أكتوبر2022م، فيتضح للمتابع بأنّ:
• إعلان الجزائر يشبه اتفاقيات إقامة علاقات عامة بين مؤسستين أو ربّما شركتين مما سيبقيه كسابقاته معلّقا دون تطبيق.
• ما زال هناك فيتو دولي على تنفيذ المصالحة الفلسطينية وهناك من يستجيب لهذه الحالة والتدخلات الأجنبية في هذا الملف الذي يفترض أن يكون فلسطينيًّا خالصا.
• طريقة صياغة وطرح إعلان الجزائر استجابة للرغبة الدوليّة في تحويل القضية الفلسطينية من قضية تحقيق مصير إلى قضيّة إنسانية.
• استمرار ربط أيّ أمل للمصالحة بطلب الاعتراف الفصـــائلي خاصّة حمـااس بشروط وقرارات الرباعية الدوليّة أو الشرعية الدولية استدلال على عدم الوعي للكارثة القائمة منذ توقيع تفاهمات أوسلو والاعتراف بدولة الاحتلال دون تطبيق للحقوق الفلسطينيّة.
• استمرار حالات عشرات الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية بالإضافة للتنسيق الأمني وعدم وُجود استراتيجية واضحة لمواجهة كارثة الاستيطان مؤشّر واضح وخير شاهد على أنّ إعلان الجزائر مثله مثل غيره من الاتفاقيات ولا يُمكن التعويل عليه في ظل القيادة الحاليّة.
وكل الذي سبق لمسناه في تصريحات د. علي بركة رئيس دائرة العلاقات الوطنية في الخارج في حركة حمـااس بأنّ: إصرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على قبول الفصــ ـائل الفلسطينية بالاعتراف بما يسمى الشرعية الدولية كشرط للمصالحة الوطنية يتعارض مع اعلان الجزائر ويؤخر تنفيذه، وهذا لا يعزز الوحدة الوطنية في مواجهة حكومة نتنياهو المتطرفة.
بينما كانت تصريحات د. موسى أبو مرزوق: نحن في وضع فلسطيني جيد ونستطيع أن نستنهض شعبنا، بشرط ألّا تستمر السلطة في بيع الوهم للفلسطينيين. لدينا فرصة لترتيب البيت الفلسطيني بشموليته من خلال الجهود الجزائرية الشقيقة، وعلينا جميعاً كفلسطينيين أن نُنْجِح الجهود الجزائرية المُقدرة، فنحن أمام فرصة لم تتاح لنا في السابق وعلينا اغتنام هذه الفرصة. مضيفًا أنّ الجزائر "بلد قوي" يستطيع أن يتحمل أعباء المصالحة الفلسطينية وأعباء الثورة الفلسطينية وهو مستعد لذلك، وهناك دعوة وجهت للفصــائل مجدداً من قبل الجزائر الشقيقة.
وبالتالي ما زال موقف حركة حمـاس واضحا في رفض بيع السلطة للوهم ورفض شروط عباس في الاعتراف بشروط وقرارات الشرعيّة الدوليّة. وما زال موقف حركة فتح قائما في مطالبة غيرها من الفصــ ـائل بالاعتراف بالشرعية الدوليّة وقراراتها.
وما زالت الدول العربية لم تأخذ الدرس جيدا والعِبَر من هشاشة النظام الدولي المرتكز على الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت في الاضمحلال التدريجي أمام القطب الصيني والدب الروسي.
لذلك ما زالت فُرص المصالحة الفلسطينية الفعلية بعيدة المنال عن التحقق والتحقيق..
هذا والله ولي السداد والتوفيق