- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
إعلان “جوهانسبرج”: هل نجحت قمة "بريكس" في التدشين لنظام عالمي جديد؟
إعلان “جوهانسبرج”: هل نجحت قمة "بريكس" في التدشين لنظام عالمي جديد؟
- 26 أغسطس 2023, 3:56:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
استضاف الزعيم الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا قمة “بريكس 2023” في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023؛ وذلك بحضور كل من الرئيس الصيني شي جين بينج، والرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا”، ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، بينما لم يحضر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” شخصياً؛ بسبب مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وقد اكتفى بالمشاركة في القمة افتراضياً، ومثَّله في جوهانسبرج وزير الخارجية سيرجي لافروف.
كما شارك في القمة العشرات من قادة الدول الأخرى في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وقد ناقش الزعماء – خلال القمة – المسار المستقبلي للتوسع المحتمل للتكتل بهدف تعزيز نفوذه العالمي؛ إذ تدفع التوترات المتزايدة عقب حرب أوكرانيا، والتنافس المتنامي بين الصين والولايات المتحدة، كلاً من موسكو وبكين إلى السعي نحو تعزيز دور المجموعة اقتصادياً وسياسياً، ليكون لها ثقل موازن للهيمنة الغربية على المؤسسات العالمية.
أبعاد القمة
تكتسب قمة “جوهانسبرج” زخماً عالمياً قوياً بفضل تصاعد أهمية تجمع البريكس في الاقتصاد العالمي، فضلاً عن الجدل المثار حول العديد من القضايا التي يهتم بها زعماء التكتل، وعلى رأسها توسيع عضوية المجموعة، وتقويض هيمنة الدولار الأمريكي، لذا يمكن القول إن أبرز أبعاد انعقاد القمة تشمل ما يلي:
1– تصاعد أهمية التكتل في الاقتصاد العالمي: يعتبر تجمع بريكس منتدى بديلاً للدول بعيداً عن المؤسسات الاقتصادية التي يُنظَر إليها على أنها تحت هيمنة القوى الغربية التقليدية، كما أن نفوذه وثقله الاقتصادي قد حفَّز المزيد من الدول على الانضمام إليه؛ فوفقاً لإحصاءات البنك الدولي، تمثل دول البريكس أكثر من 40% من سكان العالم، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 23 تريليون دولار، ليستحوذ بذلك على 26% تقريباً من حجم الاقتصاد العالمي.
وتظهر تقديرات “بلومبرج إيكونوميكس” أن المجموعة الموسعة ستمثل نحو نصف الناتج العالمي بحلول عام 2040، أي ضعف حصة مجموعة السبعة، كما ستمثل ما يقرب من نصف سكان العالم؛ إذ من المتوقع أن يصل عدد سكان “بريكس+” إلى ما يقرب من أربعة مليارات شخص بحلول عام 2050، وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة لعدد سكان العالم؛ الأمر الذي يثير احتمالية قيام فاعل اقتصادي وسياسي جديد ومتجدد ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الشؤون العالمية.
2– تزايد طلبات الانضمام إلى البريكس: قبيل انعقاد القمة، أعربت أكثر من 40 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى البريكس، منها نحو 23 دولة تقدمت رسمياً بطلب للانضمام، وسط استياء واسع النطاق من دول الجنوب إزاء النظام العالمي السائد الذي يهيمن عليه الغرب، خاصةً في ضوء تعهدات دول البريكس بجعل المجموعة بطلاً رائداً لـ”الجنوب العالمي”؛ حيث يعاني الأخير من العديد من المظالم الاقتصادية، وعلى رأسها الممارسات التجارية غير العادلة، والإهمال المتصور لاحتياجات التنمية للدول الفقيرة، فضلاً عن هيمنة الغرب على الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وتقديمه المساعدات الاقتصادية بشروط مجحفة؛ لذلك تتطلع الدول الصغيرة إلى الحصول على دفعة اقتصادية من عضوية البريكس مثيلة لتجربة جنوب أفريقيا، التي حققت زيادة في حجم تجارتها مع بقية دول المجموعة باطراد منذ انضمامها.
3– مساعي تغيير هيكل النظام الدولي: تتطلع مجموعة بريكس إلى استقطاب المزيد من الأعضاء لتعزيز ثقلها العالمي، وهي دفعة يقودها بشكل أساسي كلٌّ من الصين وروسيا؛ إذ ينظر البعض إلى توسُّع بريكس على أنه جزء من جهودهما لتحدي مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والمؤسسات الدولية الغربية الأخرى، في حين أنهما يُصِران ظاهرياً على أن تركيزهما ليس ضد الغرب، بل من أجل البحث عن مصالح العالم النامي، بيد أنه عادةً ما ينتقد زعماء البريكس علانيةً ما يسمونها الهيمنة الغربية على المؤسسات الدولية على حساب دول العالم النامي.
وبالنسبة إلى روسيا، تُعَد قمة البريكس فرصةً لإثبات أنها لم تَعُد بحاجة إلى الغرب عقب الجهود الغربية لعزل موسكو على المسرح العالمي عقب عمليتها العسكرية في شرق أوكرانيا. في غضون ذلك، تحرص الصين على وضع نفسها كزعيم فعلي لجنوب العالم، والصديق المفضل للبلدان في جميع أنحاء العالم التي تشعر بأنها قد تم التقليل من شأنها من قِبل واشنطن وحلفائها في أوروبا وآسيا؛ لذلك تدفع بكين من أجل توسيع المجموعة، حتى يصبح البريكس عنصراً في نظام تقوده الصين ضمن هياكل مختلفة، مثل مبادرة الحزام والطريق، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك التنمية الجديد الذي أنشأته دول المجموعة عام 2015.
4– تقويض هيمنة الدولار الأمريكي: أصبحت الدول النامية أكثر قلقاً بشأن هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي؛ لذا فإنها دائماً ما تسعى إلى اتخاذ إجراءات عديدة لمعالجة هذه المعضلة. وباعتبار أن الدول الخمس تشكل نحو 18% من حجم التجارة الدولية، ومعظمها يتم تداوله بالدولار، يُعد أحد أهدافها هو تحرير أنفسها من العملة الأمريكية، ومن ثم يضغط التكتل من أجل التوسع في استخدام العملات المحلية للدول الأعضاء في تسوية معاملاتها التجارية، التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، فضلاً عن اقتراح تطوير عملة مشتركة للبريكس للتحوط من الدولار الأمريكي، وإدخال نظام دفع مشترك على المدى الطويل.
وبناءً عليه، بدأ العديد من الدول أعضاء البريكس بالفعل في تسوية صفقات تجارية ثنائية بالعملات المحلية فيما بينها، ومع غيرها من الدول خارج التكتل؛ فعلى سبيل المثال، وقعت البرازيل والصين، في وقت سابق من هذا العام، اتفاقية ثنائية لتسوية تجارتهما بعملاتهما المحلية، فضلاً عن توصل الهند وروسيا مع جنوب أفريقيا إلى تسوية مدفوعاتهما بعملتيهما، كما وقعت الهند اتفاقاً مع ماليزيا يسمح بزيادة استخدام الروبية الهندية في معاملاتهما التجارية.
هذا ويخطط بنك التنمية الجديد لبدء الإقراض بالعملات المحلية للدول الأعضاء، باعتبار ذلك جزءاً من خطة لتقليل الاعتماد على الدولار، وتعزيز نظام مالي دولي متعدد الأقطاب. ووفقاً للرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف، التي ترأس حالياً بنك التنمية الجديد، فإن من المتوقع إقراض البنك 8 إلى 10 مليارات دولار لأعضائه هذا العام، مستهدفاً الوصول إلى إقراض نحو 30% من هذه القروض بالعملة المحلية.
5– تفاقم تداعيات الحرب الروسية–الأوكرانية: لقد أدَّى ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى الإضرار بالمليارات من فقراء العالم، وخاصةً العالم النامي، لا سيما في ضوء الإجراءات المتخذة من قِبَل دول التكتل، التي قد تتسبب في تفاقم هذا الوضع؛ إذ عززت الهند – التي تمثل 40% من تجارة الأرز في العالم – قيود التصدير لحماية سوقها المحلية، كما خرجت روسيا من صفقة الحبوب التي تضمن المرور الآمن لصادرات الحبوب الأوكرانية، والتي كانت مثالاً نادراً للتعاون بينهما خلال الحرب، ومن ثم بدا أن الدول النامية تستغل القمة من أجل الضغط على دول التكتل من أجل تسهيل عمليات إمدادها بالسلع الغذائية الاستراتيجية؛ من أجل ضمان الحد من تفاقم الأزمة الغذائية التي تعاني منها.
حقبة جديدة
ارتكزت فعاليات القمة وبيانها الختامي على الدعوة إلى ضرورة توجيه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب، تُمنَح فيه الدول الصغيرة المزيد من الحركة والمرونة في اتخاذ قراراتها، بما يساعدها في تحقيق أهدافها التنموية وتلبية تطلعات شعوبها المستقبلية. ويمكن إيجاز أهم نتائج القمة على النحو التالي:
1– الإعلان عن ضم أعضاء جدد إلى التكتل: أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، عن دعوة 6 دول جديدة للانضمام إلى مجموعة “بريكس” للاقتصادات الناشئة، وهي السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، لكي تصبح أعضاءً كاملي العضوية في البريكس، على أن تبدأ عضويتها في 1 يناير 2024. ومع هذا التوسع الذي يُعَد الأول منذ 2010 حين انضمَّت جنوب أفريقيا إلى المجموعة، سيزيد عدد الدول المنضوية إلى 11 عضواً، كما سيصبح متحكماً في نحو ثلث الاقتصاد العالمي.
وقد ألمح رامافوزا، في كلمته، عن وجود توافق كبير حول عملية توسيع عضوية التكتل، مشيراً إلى مدى تقدير الدول الأعضاء لاهتمام الدول الأخرى ببناء الشراكات مع مجموعة البريكس، ولذلك تم تكليف وزراء خارجية الدول الأعضاء بمواصلة تطوير نموذج “الدولة الشريكة” لمجموعة البريكس، وقائمة الدول الشريكة المحتملة، وتقديم تقرير عنها بحلول القمة القادمة.
2– الدعوة إلى الشراكات المتعددة الأطراف: أعرب قادة المجموعة عن قلقهم بشأن استخدام التدابير الأحادية الجانب التي تؤثر سلباً على الدول النامية، ودعَوا أيضاً إلى ضرورة إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة، وخاصةً مجلس الأمن؛ من أجل إضفاء المزيد من الديمقراطية والفاعلية على المنظمة.
كما جاء في نص البيان الختامي للقمة تأكيده “تعزيز وتحسين الحوكمة العالمية من خلال تشجيع نظام أكثر مرونةً وفاعليةً وكفاءةً، فضلاً عن بناء نظام دولي متعدد الأطراف ديمقراطي وخاضع للمساءلة”، بجانب دعوته إلى ضرورة “زيادة مشاركة الأسواق الناشئة والدول النامية في المنظمات الدولية والمنتديات المتعددة الأطراف”.
3– دعم الترابط الاقتصادي بين الأعضاء: أكد قادة القمة أن أسس الانفتاح والكفاءة والاستقرار والموثوقية تُعَد ضرورية من أجل الانتعاش الاقتصادي وتحفيز التجارة والاستثمار الدوليَّين، كما دعَوا إلى مزيد من التعاون بين دول “بريكس” لتعزيز الترابط بين سلاسل التوريد وأنظمة الدفع من أجل تحفيز تدفقات التجارة والاستثمار فيما بينها. وجاء في البيان أن قادة مجموعة “بريكس” يؤكدون “دعمهم إرساء نظام للتجارة الدولية مفتوح ونزيه وقائم على قواعد منظمة التجارة العالمية”، مشددين في ذلك على أهمية تشجيع استخدام العملات الوطنية في التجارة الدولية والمعاملات المالية، سواء داخل دول “بريكس” أو مع الشركاء التجاريين.
4– تعزيز بيئة السلام والتنمية: شدد بيان القمة على أهمية الالتزام بالحلول السلمية في معالجة الخلافات والنزاعات، من خلال الحوار والمشاورات الشاملة بطريقة منسقة وتعاونية، وخاصةً فيما يتعلق بالأزمة الروسية–الأوكرانية؛ حيث ذكر قادة القمة مواقفهم بشأنها كيفما تم التعبير عنها في المحافل الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مثمنين في ذلك مقترحات الوساطة والمساعي الحميدة ذات الصلة الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي للصراع من خلال الحوار والدبلوماسية.
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط، رحَّب زعماء القمة بالتطورات الإيجابية والجهود التي تبذلها دول البريكس لدعم التنمية والأمن والاستقرار في المنطقة، بما في ذلك إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، فضلاً عن دعمهم توصُّل جميع الأطراف في اليمن إلى وقف لإطلاق النار، وسعيهم من أجل الوصول إلى حل سياسي لإنهاء الصراع، بالإضافة إلى ترحيبهم بإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية.
في المقابل، أعرب القادة عن قلقهم العميق إزاء الوضع الإنساني المتردي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ بسبب تصاعد العنف في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع المستوطنات غير القانونية؛ لذلك دعَوا المجتمع الدولي إلى دعم المفاوضات المباشرة القائمة على القانون الدولي؛ من أجل التوصل إلى حل الدولتين، بما يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
5– التصدي لأزمات الغذاء: نظراً إلى إنتاج دول البريكس نحو ثلث الغذاء في العالم، أكد قادة القمة التزامهم بتعزيز التعاون الزراعي، والزراعة المستدامة، والتنمية الريفية في دول البريكس؛ لتعزيز الأمن الغذائي داخل البريكس وفي جميع أنحاء العالم، مشددين على الأهمية الاستراتيجية لتسهيل الوصول المستمر إلى المدخلات الزراعية لضمان الأمن الغذائي العالمي. كما أوضح بيان القمة أهمية تنفيذ خطة العمل (2021–2024) للتعاون الزراعي لدول البريكس، فضلاً عن الحاجة إلى سلاسل إمدادات غذائية قادرة على الصمود في مواجهة أزمات الغذاء العالمية.
6– تشجيع عمليات التصنيع المشترك: أكدت دول البريكس ضرورة تعزيز التعاون فيما بينها لتكثيف الشراكة بشأن الثورة الصناعية الجديدة، وخلق فرص جديدة لتسريع التنمية الصناعية فيها؛ وذلك عبر تنمية الموارد البشرية بشأن التقنيات الجديدة من خلال مركز البريكس للكفاءات الصناعية (BCIC)، ومركز الابتكار التابع لمجموعة البريكس، ومنتدى الشركات الناشئة في البريكس، فضلاً عن التعاون مع آليات البريكس الأخرى ذات الصلة، لتنفيذ برامج تدريبية لمواجهة تحديات الثورة الصناعية الجديدة؛ من أجل الوصول إلى عملية التصنيع الشامل والمستدام.
تحديات مؤثرة
بالرغم من الخطوات الناجحة التي اتخذها قادة دول البريكس خلال القمة، فإنه لا تزال هناك مجموعة من التحديات التي تمثل عائقاً لأهداف التكتل، وأبرزها:
1– الافتقار إلى الرؤية المتماسكة: هناك العديد من الانقسامات في وجهات النظر بين دول تكتل “بريكس” إزاء علاقاتها بالدول الغربية والقضايا الدولية ذات الصلة؛ فبينما تحاول الصين تعزيز نفوذها في عدد واسع من دول العالم، فهي تريد أن تجعل المجموعة منصة لتحدي القوة الأمريكية، واستخدامها لإظهار أن بكين لديها دائرة نفوذها الخاصة، خاصةً بعد أن عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن قمة خلال الأسبوع الماضي، عزز فيها تحالفات بلاده مع اليابان وكوريا الجنوبية، وهما دولتان تقعان في الفناء الخلفي للصين.
وكذلك تسعى روسيا إلى توفير حشد دولي لمواجهة الهيمنة الغربية والتصدي للدولار الذي استُخدِم سلاحاً ضدها في عمليتها العسكرية في أوكرانيا، بل تحرص موسكو على إثبات أن لديها حلفاء مخلصين رغم عزلتها عن الغرب بسبب الحرب.
في المقابل، تسعى الهند إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب، وتخشى هيمنة الصين على البريكس، خاصةً أن الهند منخرطة في نزاع إقليمي مع الصين، ومن ثم فهي تتطلع إلى ألَّا ينجرف التكتل إلى كونه منصة معادية للغرب علناً. بالإضافة إلى ذلك، فإن كلاًّ من البرازيل وجنوب أفريقيا عالقتان بين صخرة دبلوماسية بسبب علاقاتهما مع الصين وروسيا، لكنهما لا تريدان أن تكونا متحالفتين مع أيٍّ منهما؛ خوفاً من إضعاف علاقاتهما بالغرب.
2– انعكاسات الانقسام الاقتصادي: لا تزال المجموعة تواجه العديد من الانقسامات الاقتصادية، بمقدار ما هي منقسمة سياسياً أيضاً؛ حيث لا توجد حتى الآن روابط تسمح ببناء “سوق مشتركة” بين دولها؛ فبالرغم من كون الهدف الرئيسي المشترك للمجموعة هو تنمية التبادلات التجارية فيما بينها، وتمويل مشاريع تنموية أو استثمارية مشتركة، فإن دولها لا تزال تبحث عن سبيل للتخلص في تعاملاتها التجارية بالدولار الأمريكي؛ وذلك بسبب تفاوت القوة الاقتصادية لكلٍّ منها، وتفاوت العوامل التي تؤثر في استقرار العملة والتضخم؛ الأمر الذي يجعل من الصعب التوصل إلى معيار مرجعي يُرسِي القيمة على أساس ثابت مثلما يفعل الذهب أو الدولار. وعلى الرغم من أنه ليس مستحيلاً، فإن التوصل إليه لم يتم بعد؛ بسبب الحركية الاقتصادية المحلية لكل دولة، وحجم ارتباطات اقتصاداتها بالأسواق الدولية الأخرى.
3– صعوبة اعتماد عملة “البريكس”: لم تنجح القمة الأخيرة في اعتماد عملة “البريكس” بديلاً الدولار أو عملاتها المحلية، وهي العملة التي تم الترويج لها في العديد من الأوقات طريقةً لتقليل هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة الدولية، وتجاوز النظام الاقتصادي الدولي القائم على النمط الغربي؛ إذ يشير الخبراء إلى أن هذا الأمر يتطلب عدة سنوات لتطوير البنية التحتية المالية والمصرفية بشكل تعاوني بين الدول الأعضاء لدعم هذه العملة المشتركة، فضلاً عن عقد مفاوضات مكثفة لإنشاء آليات تُحدِّد أسعار الصرف وأنظمة الدفع وتنظيم الأسواق المالية الخاصة بها.
ختاماً، يمكن القول إن قمة “جوهانسبرج” استطاعت تحقيق خطوات بناءة نحو التوجه إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، خاصةً بعد اتفاق زعماء البريكس على دعوة ست دول جديدة للانضمام إلى المجموعة بحلول بداية عام 2024، بما يراعي تطلعاتهم نحو استقطاب مزيد من الدول ذات الاهتمام بتعزيز شراكاتها مع التكتل، بيد أنه لا تزال ثمة تحديات عالقة لا تزال تواجه المجموعة، ويجب النظر إليها خلال القمم المقبلة، على أن تحاول المجموعة الاستفادة من انضمام الأعضاء الجدد للمساهمة في معالجتها، ومحاولة بناء رؤية اقتصادية وسياسية مشتركة تعزز الدور الفعال للتكتل عالمياً.