- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ابراهيم نوار يكتب: السعودية والقوى العظمى والتطبيع مع إسرائيل: خيارات التحالف والتعاون والمنافسة
ابراهيم نوار يكتب: السعودية والقوى العظمى والتطبيع مع إسرائيل: خيارات التحالف والتعاون والمنافسة
- 16 أغسطس 2023, 4:00:50 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
السياسة الخارجية السعودية في مفترق طرق، بين الانطلاق أو الرجوع إلى أسر الماضي. الانطلاق ممكن بكل مقومات القوة الحالية، وآفاق نموها في المستقبل بمحركات مستقلة. أما الرجوع فإنه يعمل بمحركات قوة عكسية خارجية، تسعى إلى تعطيل محركات القوة السعودية، وإخضاع المملكة لإرادة هدفها خدمة مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. الهجوم الدبلوماسي على السعودية من بوابة الضغط عليها للتطبيع السريع مع إسرائيل، بشروط الأخيرة، يكتسب قوة دفع جديدة يوما بعد يوم. وتحاول الدبلوماسية المشتركة لكل من تل أبيب وواشنطن إرساء عدد من المسلمات والمنطلقات الفكرية لتكون قاعدة منصة الهجوم الدبلوماسي على السعودية.
المقدمة الأولى، أن علاقة السعودية بكل من الصين وروسيا هي علاقة عابرة ومؤقتة، وأن مصالحها الدائمة هي مع الولايات المتحدة.
المقدمة الثانية، هي أن تمسك السعودية بتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين هو تمسك عابر وشكلي، وأنها على استعداد لتقديم تنازلات جوهرية تتفق مع رؤية «اتفاقيات إبراهيم» المبنية على مبدأ نتنياهو «السلام مقابل السلام»، وهو المبدأ الذي يشطب القضية الفلسطينية من العلاقات السياسية بين دول الشرق الأوسط.
خطة التطبيع التي يجري طبخها الآن بين تل أبيب وواشنطن، تهدد فكرة تسوية القضية الفلسطينية سلميا، كما تستهدف إعادة العلاقات بين الرياض وأمريكا على أساس تثبيت مبدأ «النفط مقابل الدفاع»
المقدمة الثالثة، أن السعودية ليست في حاجة إلى برنامج نووي على النمط الذي يتيح لها امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة، وأن مثل هذا البرنامج يمكن أن يخلق سباقا للتسلح النووي في الشرق الأوسط. هذه المقدمة تضمن لإسرائيل استمرار احتكار القوة النووية إقليميا.
أما المقدمة الرابعة فهي تلك التي طورها أخيرا وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أثناء لقاءاته في واشنطن، وبمقتضاها فإن ضمان أمن السعودية والدفاع عنها ضد أي عدوان خارجي يمكن تحقيقه على «النمط الكوري»، وبمقتضاه يتم وضع السعودية تحت مظلة القوة النووية الأمريكية.
هذه المقدمات الأربع التي تروج لها الدبلوماسية الإسرائيلية، تنتهي عمليا إلى شطب الشروط السعودية لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. وتهيئ المسرح للمضي قدما في إجراءات التطبيع على الأرض، والاستمرار في التفاوض على مهل مع الإدارة الأمريكية، بشأن المسائل المتعلقة بالسياسات النفطية والدفاعية والاقتصادية، خصوصا في المجالات التي تتداخل فيها مصالح الولايات المتحدة مع المصالح الصينية والروسية في الشرق الأوسط، لكن هذه الرؤية الإسرائيلية تصطدم في واقع الأمر مع الإرادة السعودية في السعي لممارسة دور سياسي مستقل في الشرق الأوسط والعالم، والرحيل بعيدا عن مبدأ «النفط مقابل الدفاع» الذي تتمسك به الولايات المتحدة، والتأكيد على الدور السعودي في تسوية القضية الفلسطينية سلميا على أساس حل الدولتين، وهو ما تجلى أخيرا في تعيين السفير السعودي لدى الأردن سفيرا غير مقيم لدى السلطة الوطنية الفلسطينية أيضا، وهو ما يمنح السلطة مكانة دبلوماسية رسمية لدى السعودية. ويمثل رد وزير الخارجية الإسرائيلي على تلك الخطوة، بالمسارعة إلى رفضها، وإعلان أن إسرائيل لن تسمح أبدا بوجود قنصلية سعودية للتعامل مع الفلسطينيين في القدس، عرضا من أعراض الخلاف بين السعودية وإسرائيل بشأن شروط التطبيع، وهو ما يكشف أيضا زيف الادعاءات الإسرائيلية بأن الموضوع الفلسطيني ليس موضوعا رئيسيا في المفاوضات غير المباشرة للتطبيع التي تقودها الولايات المتحدة.
واشنطن تحاول خلق الوهم وترويجه
إن إعادة صياغة علاقات المملكة بالمنطقة والقوى العظمى والقوى الرئيسية في العالم، من الضروري أن تنطلق من مفاهيم يتم تطويرها بشكل مستقل، في مواجهة ما تحاول الأطراف الأخرى خلقه وترويجه من المفاهيم، التي تتم صياغتها بعناية، وترويجها بقوة، لتصبح مع مرور الوقت بديهيات غير قابلة للمناقشة، ومقدمات يبدأ منها التفكير، سواء بالنسبة لصانعي السياسة أو بالنسبة للرأي العام. وقد خاضت مصر تجربة من هذا القبيل مع آلة صنع السياسة الإسرائيلية – الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي، عندما جرى خلق وترويج مفهوم «أرباح السلام» – peace dividends – ليصبح قاطرة جذب مصر إلى خارج مسار الصراع العربي – الإسرائيلي منذ نحو نصف قرن. في تلك الفترة تم ترويج حلم الرخاء بعد إقامة السلام مع إسرائيل. وكانت الحجج وراء ذلك تبدأ من فرضية تحويل الإنفاق العسكري للإنفاق على التنمية، وزيادة التجارة والاستثمار والسياحة بمعدلات مضاعفة، وإقامة تعاون غير مسبوق يقود مصر إلى مكانة أعلى عالميا وإقليميا.
لكن الذي حدث بعد معاهدة السلام في مصر، جرى في مسار نقيض تماما لحلم «أرباح السلام»، الذي صنعته إسرائيل والولايات المتحدة، وروجته بقوة في أوساط السياسيين وصناعة الرأي العام. وكان الرئيس السادات هو أول من دفع تكلفة هذا الوهم، فتم اغتياله جهرا أمام عدسات أجهزة التلفزيون أثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر بعد نحو عامين من توقيع المعاهدة. ولم يتجه الإنفاق العسكري إلى التنمية، بل زادت صفقات السلاح مع التحول من السلاح الروسي إلى السلاح الأمريكي. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو وسيطا في بعض أهم صفقات السلاح، وتربح منها شخصيا. وبدلا من حلم الاستقرار واجهت مصر حربا ضارية مع الإرهاب، ما تزال مستمرة ولم تنته بعد. وتراجعت مكانة مصر الدولية والاقليمية، وضعفت اقتصاديا حتى صارت تقترض لتأكل. هذا درس مهم يجب أن تأخذه الدبلوماسية السعودية في الاعتبار، وهي تعيد بناء علاقات المملكة مع المنطقة والعالم. قد يقول البعض إن السعودية ليست مصر، لكن التجربة الروسية تعلمنا أنه لا توجد دولة محصنة ضد محاولات الاختراق مهما كانت قوتها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
الخطوط الحمر واضحة
من المقرر أن يقوم وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون درمر بزيارة واشنطن، لمناقشة خطة تطبيع العلاقات مع السعودية وكيفية ترويجها. لقاءات درمر مع كل من جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي وبريت ماكغيرك مبعوث الرئيس بايدن للشرق الاوسط، و»عاموس هوكستين» مساعد الرئيس لشؤون الطاقة، والسفير «دان شابيرو» المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون التطبيع ودمج إسرائيل في الشرق الأوسط، تأتي بعد أسبوع تقريبا من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، التي طرح فيها للمرة الأولى فكرة إخضاع السعودية للمظلة النووية الأمريكية على غرار «النموذج الكوري»، حيث تتمتع كوريا الجنوبية بضمانات أمنية نووية أمريكية ضد جارتها الشمالية التي لا تتوقف عن تطوير قدراتها النووية. النموذج الكوري يجعل السعودية دولة خاضعة للحماية العسكرية الأمريكية، ويساوي بين إيران وكوريا الشمالية، ويجعل من الشرق الأوسط منطقة صراع أبدي لا نهاية له. المحرك الأول لخطة التطبيع بين إسرائيل والمملكة السعودية هو إخراج السعودية تماما من معادلة السلام في الشرق الأوسط، وتحييدها، بالمعنى العسكري للكلمة، في الصراع العربي – الإسرائيلي، ليكون ذلك هو الخطوة الأخيرة على طريق سيطرة إسرائيل على المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وتحويلها إلى مشكلة ظروف معيشية للفلسطينيين، يمكن التغلب عليها بالأموال السعودية والخليجية، وبفتح أبواب استيعاب الفلسطينيين في دول عربية. لقد وصلت تغيرات موازين القوى في العالم إلى وضع يهدد نفوذ الولايات المتحدة إقليميا، كما يهدد احتكار إسرائيل للقوة النووية، ويمهد لإنهاء تفوقها العسكري النوعي الساحق الذي تلتزم بتوفيره لها الولايات المتحدة. ومن ثم فإن كلا من تل أبيب وواشنطن تسعيان لإعادة وضع التوازن في المنطقة إلى ما كان عليه عند بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما حاربت الدول العربية وراء القوات الأمريكية لتحرير الكويت، وتجريد الدول العربية، بما فيها السعودية، من القدرة على تبني سياسة مستقلة، ثم تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة مواجهة تاريخية بين المسلمين الشيعة والمسلمين السنة. المعسكر الأول تقوده إيران، والثاني تقوده إسرائيل في إطار تحالف تحت الراية الأمريكية، يعتمد على ذراع عسكري يتمثل في قيادة عسكرية مدمجة بين الجيش الإسرائيلي وقيادة المنطقة العسكرية المركزية الأمريكية، وذراع اقتصادي – سياسي يتمثل في «منتدى النقب»، الذي تقوده إسرائيل. ومن ثم فإن خطة التطبيع التي يجري طبخها الآن بين تل أبيب وواشنطن، تهدد فكرة تسوية القضية الفلسطينية سلميا على أساس حل الدولتين، كما تستهدف إعادة العلاقات بين الرياض وواشنطن على أساس تثبيت مبدأ «النفط مقابل الدفاع»، وتقزيم طموح البرنامج النووي السعودي المستقل، وتكبيله بالقيود، وإنهاء السعي في اتجاه تحويل المنطقة، بما فيها إسرائيل وفلسطين إلى بحيرة سلام. وعلى التوازي مع ذلك يتم الترويج أيضا لفكرة أن العلاقات بين السعودية مع كل من الصين وروسيا هي علاقات عابرة مؤقتة، لن تستمر على ما هي عليه حاليا، وأن محاولة «التطبيع مع إيران» التي ترعاها الصين بين الرياض وطهران، هي محاولة محكوم عليها بالفشل، وهو ما يلتقي مع وجود قوى إيرانية، من مصلحتها إشعال العداء بين البلدين على غرار ما حدث عام 2016 عندما تعرضت السفارة السعودية في طهران والقنصلية في «مشهد» لعمليات تخريبية.