- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
احمد باقي يكتب: هل الانقلاب الغابوني مرتبط بالانقلابات العسكرية المتوالية في إفريقيا؟
احمد باقي يكتب: هل الانقلاب الغابوني مرتبط بالانقلابات العسكرية المتوالية في إفريقيا؟
- 2 سبتمبر 2023, 5:33:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في صباح يوم الأربعاء الماضي، 30 أغسطس/آب، أخطرني تنبيه إخباري على هاتفي بأنَّ ضباط الجيش يعلنون انقلاباً في الغابون. كان رد فعلي الأول هو: مجدداً؟ صحيح أنَّه يبدو أنَّ الانقلابات العسكرية الأخيرة في القارة تحدث واحداً تلو الآخر، وبالتأكيد بينها أوجه تشابه. لكن هل يمكننا الافتراض بأنَّها كلها من نفس القماشة؟ وبتحديد أكثر، هل يمكننا أن نجد رابطاً بين الانقلاب في الغابون والانقلابات الأخرى في منطقة الساحل؟
ماذا حدث؟
في الساعات الأولى من يوم 30 أغسطس/آب، أعلن كبار ضباط الجيش الغابوني أنَّ الجيش قد سيطر على البلاد. كان السبب الرئيسي المعلن هو النتائج محل التنازع لانتخابات الرئاسة التي جرت في 26 أغسطس/آب. وقع الانقلاب بعد ساعات من إعلان لجنة الانتخابات أنَّ الرئيس المنتهية ولايته، علي بونغو، فاز بنسبة 64.27% من الأصوات. طعنت المعارضة الداخلية ومراقبو الانتخابات الدوليون في الانتخابات. وكان علي بونغو يتولَّى الرئاسة منذ 14 عاماً، وقد أصبح الرئيس بعد وفاة والده، عمر بونغو، الذي تولَّى الرئاسة لـ41 عاماً.
هل هناك صلة بانقلابات منطقة الساحل؟
هنالك مغالطة منطقية غير رسمية تُدعى "بعد هذا، وبالتالي بسبب هذا". تخبرنا هذه المغالطة بأنَّنا أحياناً نقع في سوء فهم، مفاده أنَّه لأنَّ الحدث "س" وقع قبل الحدث "ص"، فإنَّ "س" تسبَّب في "ص". ونادراً ما يكون هذا الاعتقاد صحيحاً، لأنَّ أي حدثين غير مترابطين يمكن أن يحدث أحدهما بعد الآخر دون أن يؤثر أحدهما على الآخر. والظاهرة نفسها قد تحدث لنا حين نفكر في سلسلة الانقلابات التي وقعت في القارة، وآخرها انقلاب النيجر الذي وقع قبل شهر واحد فقط. قد نلاحظ هذه الأحداث ونحاول أن نكتشف كيف يرتبط الانقلاب في الغابون بالانقلابات الأخرى. مع ذلك، هذا البحث لن يكون مثمراً، لأنَّ الانقلاب في الغابون يبدو غير مرتبط بالانقلابات الأخرى، لكنَّ هذا لا يعني أنَّها لا تتأثَّر ببعضها البعض. كيف نفسر انقلاب الغابون إذاً؟ وكيف يختلف عن الانقلابات الأخرى؟ وما الذي نعنيه بأنَّها تؤثر على بعضها البعض؟
رئيس الغابون علي بونغو أونديمبا يدلي بصوته في مركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية في ليبرفيل عاصمة الغابون في 26 أغسطس/آب- 2023 رويترز
إلى أي مدى تختلف الغابون عن البلدان الأخرى؟
أولاً وقبل كل شيء، الغابون بلد في وسط أفريقيا يطل على ساحل المحيط الأطلسي. وهي بعيدة إلى جهة الجنوب من منطقة الساحل التي تتألَّف من البلدان التي تقع في نطاق مناخ الصحراء الكبرى. بالتالي، مع أنَّ بوركينا فاسو ومالي والنيجر تتشارك تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية في ما بينها، وهي تحديات تعتبر شائعة في منطقتها، فإنَّ الغابون لا تشارك هذه الدول معظم هذه التحديات. فعلى سبيل المثال، يؤثر الإرهاب بصوره المختلفة على الساحل بشكل أكبر من الغابون. فوفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي الذي ينشره معهد الاقتصاد والسلام، تحل بوركينا فاسو في المرتبة الثانية، ومالي في المرتبة الرابعة، والنيجر في المرتبة العاشرة على مستوى العالم، من حيث مدى الآثار المدمرة للإرهاب، وهو ما يعني أنَّ هذه البلدان تتأثَّر بشدة بالإرهاب، في حين تأتي الغابون في ذيل القائمة. ويمكن ملاحظة هذا الواقع من خلال نظرة الناس لبلدانهم. إذ أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة فريدريش إيبرت في مايو/آيار 2023، أنَّ الماليين يعتبرون التحدي الرئيسي الذي يواجه بلدهم هو عدم الأمن. من ناحية أخرى، ووفقاً لدراسة نشرتها شبكة Afrobarometer في 2022، وجد معظم الغابونيين أنَّ بلادهم آمنة للعيش فيها. أما وأنَّ الحال كذلك، يمكن تصور أنَّ أسباب الانقلابين مختلفة، وهو ما يجعل إيجاد سبب مشترك وعلاقة سببية بينهما مهمةً أصعب.
فارق آخر بين بلدان الساحل التي شهدت انقلابات والغابون هي الاختلافات في الاقتصادات. فبالرغم من التشابه بين الجانبين في موضوعات الاقتصاد الكلي العالمية، بما في ذلك عدم المساواة في الدخل والثروة الموجود على مستوى القارة بأكملها، فإنَّ البيئات الاقتصادية للغابون والبلدان الأخرى مختلفة للغاية، وهو ما يجعل من الصعب الجدال بأنَّ تلك الانقلابات مترابطة.
وبالنظر إلى أنَّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الغابون (8820.3 دولار) أفضل من معظم البلدان في أفريقيا (المتوسط في أفريقيا جنوب الصحراء هو 1690.4 دولار)، وبالتأكيد أفضل من النيجر (533 دولار)، وبوركينا فاسو (832.9 دولار)، ومالي (833 دولاراً) بسبب صناعتها النفطية، فمن الواضح أنَّ الأوضاع الاقتصادية التي تواجه الغابون والبلدان الأخرى التي شهدت انقلابات مختلفة. وتتضح هذه الاختلافات أيضاً في مجموعات المصالح الموجودة في البلدان المعنية. ونتيجة لهذه الاختلافات، تختلف العمليات السياسية والاجتماعية التي أدَّت إلى الانقلابات.
ولربما كانت الحجة الأكثر إقناعاً التي يقدمها الجانب المؤمن بنظرية المؤامرة داخل كلٍ منا لدعم فكرة كون هذه الانقلابات مترابطة هي حقيقة أنَّ أحد القواسم المشتركة المهمة بين بلدان الساحل والغابون هي التجربة الاستعمارية الفرنسية. بالتالي، فإنَّ السؤال هو ما إن كان الرابط الذي يربط كل تلك الانقلابات هو كونها "مناهضة لفرنسا" أو "مناهضة للغرب". لم يكن صعباً على المهتمين بالسياسة الإفريقية ملاحظة أنَّ الانقلابات في منطقة الساحل كانت مناهضة لفرنسا منذ البداية. ويمكن معرفة ذلك من بيانات قادة الانقلابات والمشاعر السائدة في المسيرات الداعمة للانقلاب عقب هذه الانقلابات مباشرةً. وإذا ما كانت المشاعر المناهضة فرنسا أو المناهضة للغرب هي إحدى دوافع الانقلاب الغابوني، لاتضحت هذه المشاعر في البيانات والمسيرات، لكن لا توجد إشارات على ذلك حتى وقت كتابة هذا التقرير. ويبدو أنَّ العمليات السياسية الداخلية، وبالتحديد إدارة علي بونغو والانتخابات، تتصدر النقاش العام بصورة أكبر. ووجدت دراسة نشرتها شبكة Afrobarometer في الغابون قبل انتخابات 2023 انَّ 84% من الشعب الغابوني لا يثق في لجنة الانتخابات الغابونية. يشير هذا إلى وجود مشاعر قوية بخصوص العملية السياسية الداخلية ربما تسبق أي مخاوف بشأن السياسة الخارجية. ومن المهم ملاحظة أنَّ وسائل الإعلام الفرنسية أوضحت هذا الاختلاف أيضاً. فجادل أحد المحللين بأنَّ فرنسا ليست قلقة بشأن الانقلاب، ليس بقدر قلقها حيال النيجر، بسبب فكرة أنَّ انقلاب الغابون يبدو متعلقاً أساساً بالسياسة الداخلية. ومع أنَّه لا توجد مشاعر مناهضة لفرنسا في البلاد، فلا يزال من الممكن استخدام تلك المشاعر من جانب قادة الانقلاب كوسيلة لزيادة شرعيتهم، ما يعني أنَّه من المحتمَل للغاية رصد خطاب وسياسات مناهضة لفرنسا مستقبلاً، لكنَّها قد لا تكون القوة المحركة للنظام. مع ذلك، من الضروري ملاحظة أنَّه مع تغيُّر الأوضاع ومرور الوقت، قد يتغيَّر هذا تماماً في المستقبل.
ماذا الآن؟
السؤال الذي يتبقّى أمامنا جميعاً بعد كل التحليلات حول أسباب وعملية الانقلاب هو: ماذا الآن؟ وبما أنَّه من المبكر للغاية إصدار حكم، فمن شبه المستحيل أن نتنبَّأ بالكيفية التي سيؤثر بها ذلك على منطقة وسط أفريقيا. لكن سيكون له تأثير بالتأكيد. وعلى الأرجح سيتغيَّر التأثير الغابوني الذي لا يمكن إنكاره الذي جلبه "استقرار" عائلة بونغو في مجالات الطاقة والتجارة والدبلوماسية، للأفضل أو للأسوأ. ومن الضروري أن نتابع كيف سيكون رد فعل الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) على هذا التطور، لأنَّ "إنهاكهما" بالتعامل مع الحرب الأهلية في السودان والانقلابات في النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا قد يمنح قادة الانقلاب الغابوني مجالاً أكبر للمناورة سياسياً واقتصادياً. ونقطة أخرى يجب أخذها في الاعتبار هي ما إن كانت فرنسا ستتعامل مع الانقلاب الغابوني بصورة مختلفة عن الانقلابات في الساحل. ومن المحتمَل أن تفكر فرنسا وتتخذ نهجاً براغماتياً تجاه الغابون أكثر مما كان مع انقلابات الساحل.