- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
اشرف الصباغ يكتب : الموقف الروسي من سد النهضة
اشرف الصباغ يكتب : الموقف الروسي من سد النهضة
- 10 يوليو 2021, 2:57:07 م
- 973
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كل التقارير والمقالات والتحليلات الرصينة (بعيدا عن بوستات وتعليقات اللطم والندب والشتيمة والإدانة) للموقف الروسي من سد النهضة، أجمعت على أمر مهم للغاية. وفي الواقع فطوال أكثر من عشر سنوات ونحن نتحدث عن "روسيا الاتحادية الجديدة" التي لا علاقة لها بالنموذج النظري الباقي من الاتحاد السوفيتي، ولا علاقة لها بالصورة النمطية التي ترددها وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية العبيطة في البلدين، ولا بالصورة المضحكة التي يطرحها المسؤولون البيروقراطيون الكسالى والحمقى في البلدين.
روسيا كدولة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن، وكدولة نووية أيضا، لديها مصالح كما ذكرنا طوال أكثر من عشر سنوات. ولا يعيبها أن تبيع أسلحة وقمح وسياح، وأن تبحث عن مصالحها بعيدا عن "خالتي وخالتك". وعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء. أو اللي مش عاجبه يخبط دماغه في الحيطة.
التقارير والمقالات والتحليلات الرصينة، حتى من المصريين السوفييت، ومن فلول الاتحاد السوفيتي، ومن اللوبي الروسي في مصر، كلها أجمعت على أن روسيا عموما، وروسيا القومية الحالية على وجه الخصوص، لا تزال بنار طرد الخبراء السوفييت، وبنار معاهدة السلام التي تم تحييد موسكو فيها تماما أو إبعادها تماما. ومع ذلك فهي تتعامل مع مصر في ملفات مهمة وتقدم لها خدمات، وإن كانت ليست بدون مقابل. أي أن هناك علاقات منفعة، وتعاون برجماتي تماما، بعيدا عن تخبيص وسائل الإعلام وتهجيص المسؤولين من الجانبين عن العلاقات الدافئة والعلاقات التاريخية. أما موضوع الترويج لدور مصر في انهيار الاتحاد السوفيتي، فهذا موضوع طويل قد نخوض فيه في وقت لا حق، لأنه موضوغ شيق ومثير ومغري وملئ بالمظلوميات، والأساطير التي يحكيها المحللون الروس من مدمني الفودكا، والمصريون السوفييت البؤساء، وفلول الاتحاد السوفيتي من هواة العصف الذهني والنقاش البيزنطي وأشبه الصحفيين.
التقارير والمقالات والتحليلات الرصينة صرَّحت بأشياء، ووضعت أشياء بين السطور وخلف الكلمات، معولة على أن يفهم أصحاب الشأن وأصحاب القرار والمهتمون والمتابعون العقلاء. وفي نهاية كل مقال أو تقرير أو تحليل يصل القارئ إلى أن العيب ليس على روسيا وإنما على الجانب الأضعف الذي يتسول ويساوم، والذي لا يملك أي شيء سوى الكلام واللعب على التناقضات والرقص على السلم، أي أن العيب على القاهرة التي تملأ وسائل إعلامها الحكومية والخاصة وعقول رعاياها الغلابة بقمامة تاريخية لا علاقة لها بروسيا الجديدة، بل وأكثر من نصف هذه القمامة تدليس وتهجيص عن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي الذي لم يعد موجودا منذ ثلاثين عاما.
الأمر الخطير الآخر الذي لمحته في هذه التقارير والتحليلات والمقالات المهمة أنها تعتبر روسيا نصيرا لمصر في ملفات "حقوق الإنسان"، لأن موسكو تدعم القاهرة في مواجهة الغرب عندما يدور الحديث عن حقوق الإنسان والحريات. بمعنى أن هناك عداء مشترك يجمع بين روسيا ومصر للغرب في ملف الحريات وحقوق الإنسان!!
نجحت روسيا، من بعد الاتحاد السوفيتي، في خلق لوبي مخلص ووفي يتحدث دوما عن دفئ العلاقات، وعن العلاقات الاستراتيجية، وعن أهمية التحالف المصري الروسي في مواجهة الأعداء التاريخيين أمريكا وإسرائيل وأوروبا!! وكأن الغرب معادي للسيسي، وأن السيسي معادي للغرب، وأن الحرب بين مصر والغرب ستنشب إن عاجلا أو آجلا، بل وكأن روسيا أيضا معادية للغرب وللإمبريالية ولإسرائيل وللصهيونية العالمية، وأنها سوف ترسل بجيوشها الجرارة في حال أي عدوان إسرائيلي أو فرنسي أو أمريكي ضد الحليفة مصر!!
هذه التقارير والتحليلات وصلت إلى حساب العلاقات المصرية الروسية من حيث المنفعة وتساءلت: ماذا لدى مصر أصلا لتقدمه إلى روسيا؟! هذا السؤال جاء ردا على سؤال من الجانب المصري: كيف حدث وأن وقفت روسيا إلى جانب أثيوبيا في مجلس الأمن؟! وفي الحقيقة فالسؤالان يدخلان ضمن إطار ما ذكرناه سابقا: العيب على المتسول الضعيف الذي يبالغ ويكذب ويضلل. بل على ذلك الضعيف المتسول الذي يتآمر على نفسه ويفعل كل ما يمكنه للإضرار بنفسه، سواء من حيث حريات وحقوق مواطنيه أو التواطؤ من أجل تحقيق مكاسب صغيرة ورخيصة وغير مجدية للمصالح القومية على المديين المتوسط والبعيد...
هذه التقارير والمقالات والتحليلات الرصينة ألمحت من بين سطورها إلى أن روسيبا تتعاون مع مصر في الحفاظ على نظام السيسي في مواجهة الغرب. أي أن هناك ما تحصل عليه روسيا مقابل هذا الدور. لكنها لا تحصل على بقية ما تريد، أو أن مصر ليس لديها ما تمنحه لروسيا، لكي تقوم الأخيرة بأدوار إضافية. وبالتالي، فموقف روسيا عادي وطبيعي في ظل التغيرات والتحولات الجديدة في العالم.
تحية إلى كل هذه الجهود الرصينة، حتى وإن اختلفنا مع بعض ما جاء فيها. وأعتقد أنها تتضمن الكثير الذي يمكن أن يفيد صاحب القرار، ويفتح عيون المهتمين والمتابعين على أمور يجري التعتيم عليها بفعل فاعل من أجل ترك الناس في حالة من الفوضى والتشويش. أما الدرس المهم من كل هذه التقارير والتحليلات، فهو للجهاز البيروقراطي المصري، وللمنظومة الحاكمة الكسلانة التي تجيد الحكي والكلام والهجص والتضليل، بينما نكون خلف الأبواب المغلقة متسولين وحمقى وكسالى وغرقانين في مسقة ميه، ولا علاقة لنا لا بالحريات ولا بحقوق الإنسان ولا بالتكنولوجيا ولا بالقمح ولا بالسياحة...