- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
الأثر العسكري والأمني للتطبيع العربي الصهيوني.. أسس الاستراتيجية الصهيونية للتطبيع
الأثر العسكري والأمني للتطبيع العربي الصهيوني.. أسس الاستراتيجية الصهيونية للتطبيع
- 2 سبتمبر 2021, 9:15:35 ص
- 7182
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بمناسبة مرور عام على توقيع اتفاقيات التطبيع، نستعرض عبر موقع "180تحقيقات" الأثر العسكري والأمني للتطبيع العربي الصهيوني الذي يمثل واحدا من أخطر التحديات الجديدة التي تواجه الأمة العربية وأمنها القومي، وإن توسع عملية التطبيع في المنطقة العربية، سوف يبقى الأمن القومي العربي والمصير العربي أسيرين للمخططات الأمريكية الصهيونية التي لا تخدم العرب ومستقبلهم.
اتخذت " إسرائيل " التعاون الأمني مفتاحا للتطبيع، حيث قامت السياسة الخارجية الإسرائيلية بالترويج عربيا ودوليا بقدراتها على التعاون المشترك لمواجهة " العدو المشترك “، إيران والإرهاب، ما أدى إلى زيادة الزيارات المتبادلة بين بعض الدول العربية و"إسرائيل"، وبخاصة الخليجية. كما أدت الأزمات العربية المتنامية، أيضا، إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية عربية، بفعل السياسات الإسرائيلية والأميركية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية
سعى الصهاينة ومن يدعمونهم من القوى الغربية (بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية)، منذ بدايات الهجمة الصهيونية على فلسطين وإلى اليوم، لمحاولة تطبيع العلاقات مع العرب، لتحقيق أهدافهم في المنطقة من خلال غرس هذا الكيان الاستعماري الإحلالي الاستيطاني والاعتراف بوجوده داخل منطقتنا العربية. وقد كان هذا السعي لتطبيع العلاقات مع العرب، سعيا مخططا يخضع لاستراتيجية طويلة المدى، واستخدم آليات متنوعة.
مفهوم التطبيع
التطبيع يمثل أحد المفاهيم التي أفرزها الصراع العربي - الإسرائيلي، حيث أن هذا المصطلح لا يرد على نحو صريح في معاهدات السلام التي ربطت بعض الدول العربية مع "إسرائيل"، ولكنه جاء في إطار عمليات التسوية بين العرب و "إسرائيل".
ويعد مفهوم التطبيع الذي فرضته إسرائيل في إطار عمليات التسوية أحد مبتكرات الفكر الإسرائيلي ، وأحد الأهداف الأساسية التي تسعى "إسرائيل" تحقيقها من خلال إلزام الدول العربية التي ارتبطت معها باتفاقيات سلام ، بإقامة علاقات طبيعية في عدد من المجالات من أجل ضمان قبول وجود إسرائيل ككيان شرعي في منطقة الشرق الأوسط ، وهذا ما جعل اتفاقيات السلام تتضمن عددا من المواد الخاصة بإقامة علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وثقافية ، وتحرص "إسرائيل" على متابعة ومراقبة هذه العملية عن كثب وبكل دقة ، باعتبارها الهدف الأساسي من هذه الاتفاقات.
جوهر واسس استراتيجية التطبيع
تقوم الاستراتيجية الصهيونية للتطبيع، على مسلمة رئيسية لم تتغير، وهي أن العرب لا يمكن أن يطبعوا علاقتهم بهذا الكيان إلا في حالات ضعفهم، أو ذوبان شخصيتهم القومية والدينية، وهو أمر يكاد يدخل في نطاق المستحيل، لقد تعلمت الصهيونية مبكرا أنها تستطيع فعل الكثير عبر الاعتماد على دولة كبرى ، وعبر تفتيت الإقليم المحيط بها واستنزافها لهذا ، يجب أن نعرف أن التفتيت عقيدة أمنية أساسية للصهيونية وإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مجندة لمنع العرب والمحيط الإسلامي من بناء قوة ذاتية حقيقية .
ومن هنا كان جوهر المضمون الاستراتيجي للسلام والتطبيع هو إحداث تغيير على الجانب العربي، هذا التغيير يبدأ بضرورة تقبل "إسرائيل"، ويمتد إلى تقييد قدرات العرب العسكرية وتغيير معتقداتهم السياسية، إذا لزم الأمر، وإعادة تركيبها لتتوافق مع فكرة وجود وشرعية واستحالة زوال الكيان الصهيوني.
كما تقوم الاستراتيجية الصهيونية للتطبيع، على أساس رؤية محددة للصهيونية في علاقتها باليهود والعرب وبفلسطين وبالعالم الغربي، ومن خلال اكتشاف المتغيرات الحاسمة في التاريخ، واستغلال القدرات والآليات المتاحة لديها تعمل - مع الوقت - على أن تجعلها مقبولة مصدقة منهم جميعا. وهذا التصور يقوم على الأسس التالية:
1. اختلاق واقع تاريخي، يناسب الرواية الصهيونية لأسباب الصراع العربي معها، يلغي الرواية الحقيقية لأسباب الصراع، من خلال الادعاء أن فلسطين أرض يهودية، فهي أرض الأجداد وأرض التوراة ووطن جميع اليهود في العالم. وأن الصراع بين العرب و "إسرائيل" ليس سببه احتلال فلسطين، لكنه يعود إلى رفضهم وجود الكيان الصهيوني داخل المنطقة العربية العرب. وأن الصراع، سينتهي فقط عندما يقتنع العالم العربي بأسره، وكذلك إيران غير العربية، بأن "إسرائيل" حقيقة قائمة.
2. تفسير الحاضر على الاختلاق السابق، من خلال عرض خاطئ ومضلل للحقائق، وترويج ذلك بما يجلب له دعم القوى الإمبريالية صاحبة المصلحة في وجوده واستمراره، والمضللين بدعاياته أو المؤمنين بها من معتنقي المسيحية الصهيونية.
3. اعتبار العقبة الرئيسية أمام التطبيع، هي الرأي العام في العالم العربي، الذي يحركه الدين والقومية، مما يستلزم مواجهة خطاب الحركات الإسلامية والقومية بخطاب منافس يعيد تشكيل منظومة القيم والمفاهيم العربية بكل السبل الممكنة. وإحداث اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية، تؤدي إلى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي داخل المجتمعات العربية، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة إلى أكثر من شطر، ولكي يعجز أي نظام في معالجة الانقسام والتخلف والوهن.
4. التسليم بمطالب " إسرائيل " الأمنية، وفرض شروط لإضعاف القدرات العسكرية العربية مثل: نزع السلاح، وفرض مناطق أمن ، وتقييد تطوير القدرات الدفاعية العربية ، وصناعة الأسلحة ، واحباط أي جهود لتنمية القدرات النووية
آليات استراتيجية التطبيع المتبعة
المطلوب أمريكيا وصهيونيا من العرب أن يتخطى التطبيع حدوده الشكلية (معاهدات سلام، إنشاء شبكة علاقات سياسية - اقتصادية - رياضية. الخ ) وتطويره وتحويله إلى هدف استراتيجي قائم بذاته ، ومن دون ربطه بمشاريع الحلول التسوية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال ، من خلال توقيع اتفاقيات السلام والتطبيع مع دول عربية ، تقف إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من تحقيق رؤيتها الأمنية التي تقوم على نظرية “ الجدار الحديدي ” التي صاغها جابوتنسكي وتبناها بن غوريون ، والتي تقول إن العرب هم “ أمة حية ” لن يتخلوا أو يتنازلوا عن حقوقهم الأساسية ، وأننا فقط إذا ما أقمنا “ جدارا حديديا ” على شكل قوة عسكرية كبيرة وقوة عظمى راعية ، حامية ومساندة ، فربما يرضخ هؤلاء العرب ويتنازلون عندئذ عن “ أرض إسرائيل ”.
1. التطبيع السياسي والأمني مع الحكومات العربية، والعمل من خلاله على عزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي والإسلامي والإنساني.
2. التطبيع الثقافي، من خلال تطوير قنوات للتواصل مع الجمهور العربي لتغيير صورة الكيان الصهيوني العدوانية.
3. التطبيع الاقتصادي، من خلال الترويج لنظريات " السلام الاقتصادي " ورشوة الفلسطينيين ببعض الإغراءات الحياتية الاقتصادية، في مقابل تخليهم عن حقوقهم الاقتصادية التاريخية.
4. التطبيع الإعلامي، من خلال تصوير الصراع العربي " الإسرائيلي " على أنه صراع فلسطيني " إسرائيلي “.
5. التطبيع التكنولوجي، من خلال الترويج للتعاون التقني الذي تتفوق فيه "إسرائيل" وما يحققه من مكاسب للأنظمة الحاكمة العربية، وخصوصا البرمجيات التي تمكن هذه الأنظمة من البقاء، حيث يشكل بقاؤها مصلحة استراتيجية لإسرائيل.
مظاهر التطبيع العربي مع إسرائيل
لعقود عديدة، اعتبرت الدول العربية "إسرائيل" دولة عدوة، والتزمت رفض كل أشكال التطبيع معها، قبل التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية. وفتحت مصر طريق التطبيع بتوقيع معاهدتي السلام مع إسرائيل عام 1979، على نحو منفرد، من دون اشتراط السلام بحل القضية الفلسطينية، أساس الصراع مع الصهيونية، ووقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو مع "إسرائيل" عام 1993، ووقع الأردن اتفاق سلام مع "إسرائيل" عام 1994. ومع ذلك، ظل الموقف العربي متماسكا نوعا ما بخصوص تطبيع العلاقات مع
"إسرائيل"، فلم يسهم السلامان، الأردني والمصري، مع "إسرائيل" في حل القضية الفلسطينية، ولا اتفاق أوسلو؛ فقد ازدادت "إسرائيل" تطرفا، وزادت في حدة ممارساتها الاحتلالية.
وأصبح من الواضح أنه لا علاقة للتطبيع بحل قضية فلسطين، وأن من قام بذلك فلأسباب تخصه، لا علاقة لها بتحقيق العدالة في فلسطين، وأن "إسرائيل" فهمت التطبيع على أنه قبول لها بصهيونيتها وعنصريتها وسياستها الاستيطانية. وفي آذار / مارس 2002 ، تبنت قمة بيروت العربية مبادرة السلام التي أطلقها ولي عهد السعودية في حينه ، عبد الله بن عبد العزيز ، وطرحت سلاما كاملا مع الدول العربية ، بشرط انسحاب "إسرائيل" الكامل من الأراضي العربية المحتلة في حزيران / يونيو 1967 ، بما في ذلك الجولان ، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وعلى الرغم من وجود تاريخ طويل من العلاقات السرية بين دول عربية عديدة و "إسرائيل"، واستمرار الأخيرة في رفضها بنود مبادرة قمة بيروت العربية، فإن خطوات التطبيع أخذت منحى متسارعا وعلنيا في الآونة الأخيرة. ويجري هذا التطبيع على عدة مستويات ، اقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية وثقافية ورياضية ، فقد تنامى نسق التطبيع التجاري والاقتصادي بين "إسرائيل" والدول العربية بوضوح خلال السنوات الأخيرة ، فوفقا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية ، قدر إجمالي الصادرات الإسرائيلية من السلع والخدمات إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو سبعة مليارات دولار أميركي سنويا ، من بينها أكثر من مليار دولار لدول الخليج العربية . وتمثل أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 7% من إجمالي الصادرات، و6% من إجمالي الواردات الإسرائيلية من السلع والخدمات.
تكمن الدوافع نحو رفع وتيرة التطبيع في العالم العربي مع إسرائيل ، وبالذات في دول الخليج ، في مجموعة من الأسباب ، ومن أبرزها : التغيير في خارطة القوى التي برزت في المرحلة الارتدادية للربيع العربي ، العلاقات العدائية بين دول الخليج العربي ، إدارة الرئيس ترامب ومواقفها وخططها تجاه القضية الفلسطينية ، غياب التيارات القومية والإسلامية عن المشهد السياسي العربي التي تعتبر من أكثر التيارات عداء للتطبيع ، الانقسام الفلسطيني وانشغال طرفي الانقسام بالحفاظ على علاقات مع أقطاب في العالم العربي للاستفادة في الحصول على الدعم والتأييد بدل التركيز على توظيف الثقل العربي لمناهضة الاحتلال.