- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
"التحذير الإستراتيجي": هل يوجد، حقاً، ما يهدد إسرائيل؟ (1من2)
"التحذير الإستراتيجي": هل يوجد، حقاً، ما يهدد إسرائيل؟ (1من2)
- 22 مايو 2023, 8:44:24 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أشارت منشورات مراكز أبحاث في مجال الأمن القومي في إسرائيل خلال الأسابيع الماضية إلى وجود "عاصفة مثالية" (انظر مثلاً: التحذير الاستراتيجي لـINSS)، تندمج فيها أزمات خارجية وداخلية دفعت إلى إصدار "تحذير استراتيجي"، وبحسبه، فإن "مسار التشريع في إسرائيل يؤدي إلى خطر كبير على أمنها القومي". كان يمكن تجاهُل هذه التحذيرات الصادرة عن مراكز أبحاث خارجية لديها أجندات سياسية، لو لم تتغلغل هذه النظرة في أجهزة الأمن، كما جاء في خطاب وزير الدفاع، يوآف غالانت، في 25 آذار: "الانقسام الداخلي الذي يتعمق، يتغلغل داخل الجيش وأجهزة الأمن، هذا خطر فوري وحقيقي على أمن الدولة"، كما تظهر في الحوارات التي تجري بين قيادات الجيش ورؤساء المؤسسات الأمنية والصحافة، وهو ما جاء في صحيفة "هآرتس"، إذ تقدّر شعبة الاستخبارات العسكرية ارتفاع احتمال الحرب في العام المقبل.
يستند "التحذير الاستراتيجي" إلى عدة افتراضات مضللة تؤدي، بدورها، إلى ربط عدة مسارات، لا توجد بالضرورة علاقة عميقة فيما بينها، لتشكل معاً صورة واحدة. المشكلات الأساسية في هذا المسار:
- وهمُ الارتباط: هناك ميل إلى رؤية عدة أحداث منفصلة تبدو مرتبطة، كما كتب دانيال كانمان (حائز جائزة نوبل في الاقتصاد): "ميلنا إلى التفكير السببي يعرّضنا لأخطاء كبيرة في تقييم مدى ارتباط الأحداث التي تكون في الحقيقة منفصلة" (في كتابه "التفكير بسرعة والتفكير ببطء"، الصفحة 131). بعض الظواهر التي نشهدها، الآن، تحدث بالتزامن، نتيجة لأسباب غير مرتبطة، والعلاقة فيما بينها جزئية إلى حد بعيد جداً.
- "تأثير بغماليون" المقلوب: يمكن الادّعاء أن "التحذير الاستراتيجي" هو نبوءة تحقق ذاتها لو لم يحدث هنا مسار مقلوب: التقدير "الموضوعي" يطرح خطوات استباقية قامت بها جهات إسرائيلية، بهدف تحقيقها. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى الجهود التي بُذلت للتأثير في دول وجهات خارجية، لتضغط، بدورها، على حكومة إسرائيل، والدعوات إلى رفض الخدمة العسكرية في الجيش، وربط هذه الخدمة بفرض سياسات على الحكومة.
- نقاش ثنائي: كما أشرت في الورقة السابقة (الإصلاحات القضائية كمسار اتخاذ قرارات استراتيجية، الورقة رقم 2183)، فإن أغلبية النقاشات الاستراتيجية في إسرائيل تجري في إطار تنفيذ/عدم تنفيذ خيار استراتيجي واحد. في الحالة التي نتعامل معها، يتم التعبير عن هذا النوع من النقاش عبر مقولات، مثل "يقف رئيس الحكومة، اليوم، أمام قرار تاريخي، وعليه أن يختار بين بدائل استراتيجية متناقضة،" أو "على رئيس الحكومة... أن يركز الآن على التوصل إلى توافُق واسع وإطار يوقف الأزمة." عملياً، الواقع مركّب من توترات بنيوية في القضايا، وبينها، ويجب البحث في عدة خيارات وإمكانات سياساتية.
إن دمج جميع القضايا في حزمة واحدة وضمن منطق مشترك يخلق حالة بلبلة بين السبب والنتيجة، وبالأساس يمنع تشخيص المرونة الممكنة التي تُعَد شرطاً لصوغ السياسات والدفع بإستراتيجيا ملائمة للظروف والبيئة المعقدة.
محاولة تقدير أكثر توازناً
سأحاول في هذا التحليل أن أفصل بين المتغيرات، وأن أشير إلى الأولويات، وأقترح بدائل. وسأقوم بذلك عبر تقسيم "أحمر - أعداء" - "أبيض - شركاء"- "أزرق - إسرائيل"، كما سأطرح أسئلة أكثر من تقديم إجابات.
الطرف الأحمر
إيران: من المهم النظر بصورة متوازنة إلى وضع إيران التي تعيش عدة أزمات. الوضعان الداخلي والاقتصادي سيئان للنظام، صحيح أن الاحتجاجات والتظاهرات قُمعت بالقوة، إلا إن هذه لا تزال تشكل أزمة بالنسبة إلى النظام في المدى البعيد. في المجال النووي فإن إيران مستمرة في مراكمة اليورانيوم المخصّب على درجة 60%. وحدوث تخصيب على درجة 84% كان بالأساس "تجربة لأدوات" محلية. لم ينجح أسلوب العمل الاستفزازي - من خلال مساعدة روسيا في أوكرانيا - في إخراج إيران من العزلة الدولية. في الساحة الإقليمية فإن توجُّه إيران العدواني، الذي ينعكس بتفعيل القوة المباشرة وأيضاً استعمال الأذرع، لا يحقق لها أيّ إنجازات واضحة، مثل انضمام دول جديدة إلى معسكرها، أو السيطرة الفعلية على ساحة إقليمية إضافية.
وفي المقابل، فإن مراكمة المواد المخصّبة تقصّر المدة التي تحتاج إليها للوصول إلى قدرة نووية عسكرية؛ المساعدة العسكرية لروسيا سيكون لها مقابل مقلق على شكل تعاظُم قوة عسكرية وتكنولوجيا؛ والضغط على دول المنطقة، وما يتم التعامل معه على أنه ضعف في الموقف الأميركي حيالها، ولّد حالة جعلت هذه الدول تفضّل احتواء التهديد عبر التفاهمات.
من الزاوية الاستراتيجية الإسرائيلية، فإن الأسئلة المطروحة للنقاش هي التالية: كيف نجنّد المجتمع الدولي ليستمر في الضغط السياسي والاقتصادي الفاعل، ويمنحنا الدعم المطلوب - من دون أن يتدخل مباشرة - من أجل الدفع قدماً بتغيير داخلي (في إيران) وهو تغيير تحوّل إلى خيار أكثر واقعية من الماضي؟ كيف يمكن تأسيس خيار عسكري مستقل لإلحاق الضرر، بفاعلية، بالمشروع النووي؟ الحديث يدور حول قضايا تحتاج إلى تحضيرات مسبقة قبل أشهر كثيرة. ولا يمكن، وكذلك لا يجب أيضاً التعامل معها بهلع على نمط "تحذير استراتيجي".
"حزب الله" ولبنان: تحول "حزب الله" في الأعوام الماضية إلى الجهة السياسية والعسكرية المسيطرة على الدولة المفككة. هذه ليست بالضرورة أخباراً جيدة بالنسبة إليه. تدريجياً، يتم التعامل معه كجزء من المشكلة أكثر مما هو حلّ، كما تؤثر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العامة فيه، وفي داعميه. هذا بالإضافة إلى أن "حزب الله" مردوع من إسرائيل، ويمتنع بشكل مستمر من تخطّي الخطوط التي يعتقد أنها ستؤدي إلى تصعيد واسع.
وفي المقابل، فإننا نشهد تآكلاً في هذا الردع، انعكس فيما حدث في مجدو. يدور الحديث حول مسار تراكمي، ينبع بالأساس من امتناع إسرائيل المستمر من التحرك بقوة في لبنان، بسبب الردع الذي يشكله حجم الصواريخ والقذائف التي يمكنها أن تهدد الجبهة الداخلية، كما أن اتفاق الحدود البحرية مع لبنان وقراءة الحزب للوضع الداخلي في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، عزّز ثقة الحزب بنفسه وردعه مقابل إسرائيل.
أما على صعيد الاستراتيجية الإسرائيلية فإن الأسئلة كالتالي: كيف يمكن أن تلائم إسرائيل نفسها وفق وضع لا وجود فيه لسيد على الطرف الآخر من الحدود؟ كيف يمكن لإسرائيل أن توقف تآكل معادلة الردع أمام "حزب الله"، دون الوصول إلى مواجهة شاملة؟ كيف تستعد إسرائيل لإنجاز عسكري حاسم في الحرب، يخدم الردع ويغيّر الواقع الاستراتيجي في نهايتها؟ هنا أيضاً، يدور الحديث حول الدفع بمسارات للمديَين المتوسط والبعيد، دون تسرُّع أو هلع.
الساحة الفلسطينية: الطرفان - السلطة الفلسطينية و"حماس" - يعيشان أزمة عميقة. لم تنجح "حماس" في تحسين وضعها الاقتصادي المعقد في غزة، والردع الإسرائيلي في مواجهتها كافٍ أكثر من الماضي ليمنعها من تحويل الضغط الجماهيري عليها إلى جولة عسكرية ستُلحق الضرر بقدراتها العسكرية. أما السلطة، فإنها في حالة تراجُع وانتظار لنهاية عهد أبو مازن، وتخلت عنها الجهات الإقليمية والدولية التي فقدت الاهتمام بها، وهي مشغولة بالصراعات الداخلية في اليوم الذي سيلي عهد أبو مازن. وفي الوسط، هناك المجتمع في الضفة الغربية، المحبط من هذه الحال، وشبابه وصلوا إلى مرحلة اليأس و"التطرف" بدفع من "حماس" أيضاً. هذا ما تم التعبير عنه خلال العام الماضي، عبر العمليات الفردية والخلايا الصغيرة. الطرفان يستغلان المسجد الأقصى، ويحرضان ضد إسرائيل، بهدف تحسين وضعهما المتراجع في أوساط المجتمع. "حماس" تحاول أيضاً فتح جبهة إضافية من لبنان، ولكنها تخضع هناك لِما يفرضه "حزب الله"، غير المعني بالتصعيد الكبير مع إسرائيل.
الثمن الذي تدفعه إسرائيل هو "إرهاب" مستمر، أغلبيته تُحبط بواسطة عمليات استخباراتية وعملياتية مشتركة لـ"الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية والوحدات الخاصة للشرطة والجيش. كل ضحية في عملية هي عالم كامل، لكن وعلى الرغم من الألم العميق، فإنه يجب الإشارة إلى أن تعامُل قوات الأمن مع احتمالات "الإرهاب" تتلاءم مع التحدي، ومذهلة من حيث الإنجازات.
على صعيد التوجه الاستراتيجي الإسرائيلي، فإن الأسئلة كالتالي: كيف يمكن جعل الساحة الفلسطينية تستقر بشكل نسبي، عبر الدمج بين خطوات اقتصادية تحسّن وضع المجتمع والردع من خلال عمليات التصدي الفاعل، ومن دون دفع ثمن سياسي والتنازل عن أرصدة إسرائيلية في الميدان؟ كيف يمكن الدفع نحو الاستقرار النسبي هذا في مرحلة ما بعد أبو مازن؟ وهل يمكن الخروج من حالة استقرار نسبي كهذه إلى خطوة بعيدة المدى لتفاهمات مؤقتة تأخذ المصالح الإسرائيلية بعين الاعتبار؟
يبدو من التحليل المختصر للطرف الأحمر، أننا يمكن الفهم بأن الحديث يدور حول اتجاهات طويلة المدى، وليس تغييرات سريعة جديدة وجوهرية، يجب التعامل معها برؤية بعيدة الأمد وبناء بدائل سياساتية وعملية عسكرية بنيوية وثابتة.
بُعد إشكالي آخر هو استعمال مصطلح "تعدُّد الساحات"، الذي حلّ في الآونة الأخيرة محل "متعدد الأبعاد". عملياً، هناك محاولات من الأعداء للتنسيق فيما بينهم، وأن يساعدوا بعضهم البعض على تعزيز القوة، وحتى العمل من مناطق بعضهم البعض. ولكن، يجب الإشارة إلى أن عملية "متعددة الساحات" هي هامشية لدى هؤلاء الأعداء (باستثناء سيناريو واحد هو حرب كاملة مع "حزب الله" نتيجة مواجهة مع إيران). وعلى الرغم من ذلك، وما دام لا يوجد تغيير جوهري في صورة الوضع الاستراتيجي، فإنه من الأفضل التعامل مع هذه التحديات والرد عليها، كلٌّ على حدة، كتهديد قائم بحد ذاته.
عن موقع مركز"بيغن - السادات"