- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أحمد سراج : التخصص في الإبداع وهم، وكل كتابة هي رحلة جديدة للسندباد
أحمد سراج : التخصص في الإبداع وهم، وكل كتابة هي رحلة جديدة للسندباد
- 26 مارس 2021, 1:58:41 ص
- 1368
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"أحمد سراج" شاعر وكاتب مسرحي مصري يسعى لأن يعيد الاعتبار للنص المسرحي كنص أدبي إبداعي، يقف منتصبًا في مواجهة فساد العالم. قال عنه الشاعر الكبير رفعت سلام "أنه يخترق بلا شعارات، أو خطابة، مسرحيًّا قلب المعضلة المصيرية المزدوجة، التي تواجه راهننا المصري/العربي؛ الدفاع عن الأرض/الوطن، ومشروعية السلطة الحاكمة؛ بحنكة إبداعية فريدة، تُذكِّر بالقامات المؤسسة للمسرح العربي الحديث: محمود دياب، سعدالله ونُّوس، ألفريد فرج، عزالدين المدني، وسواهم. فهو لا يبدأ من الصِّفر، بل من حيث انتهوا؛ ليكمل مسيرةً رصينة، مؤرقة، كانت قد انقطعت برحيلهم".
المجد للنص بدأ أحمد سراج حواره برده على ملاحظة أن مسرحياته العشرة تمثل ثلثي كتبه المنشورة، فهل ثمة مفارقة في إقباله على المسرح رغم أنه يشهد انحسارا؟، فبدأ رده بالسؤال "أي الفنون لا يشهد انحسارًا سواء الكتابية أو الأدائية؟ إنه عصر العولمة والهيمنة؛ التي تعادي الجذور لأنها تمنعك من الذوبان، وكشف عوار الأمم اللقيطة المهيمنة.. ثمة إعادة لبناء الكون باعتبار أن أمريكا هي قِبلته، وأن فنونها هي الفنون الحداثية وما بعد الحداثية، ما غير ذلك فهو فولكور أو نص ميت يحتاج إلى اليد الواهبة للحياة، كل الفنون في أزمة، وما يقف الآن شامخًا هو نصوص قاومت هذه العولمة بجوهر الفن، نحن في عصر انتصار لنصوص وانحسار لفنون.
يرى سراج أن الزعم بأن النص المسرحي لا بد له من العرض لكي يحتفظ بجدارته، وأنه لو ظل مكتوبًا فلن يهتم به أحد، هو محض أكذوبة، فالنص المسرحي والروائي قابلان للعرض، ولا ينقص الرواية شيئًا أنها لم تتحول إلى مسلسل أو فيلم، ولا يضيف إليها كثيرًا كذلك. لدى معظم القراء نصوص لإسخيلوس ويوربيدس وشكسبير، وهم يعتبرون أن هذه النصوص علامة على الانتشار، فهل شاهدوا عروضها؟ فالمجد للنص.
التاريخ والسيرة عن التاريخ والتراث الشعبي كمرجعية أساسية لنصوصه المسرحية يقول الكاتب "كل محكي تاريخ حتى ولو لم يحدث؛ لدينا صنوف من التواريخ التي تقف حائرًا كثيرًا وسطها وأنت تسأل: ماذا حدث بالفعل؟ وكل شيء حين أذهب للكتابة تاريخ على نحو ما، حتى لو اختلقته من الألف إلى الياء.. أنا أومن بالأساطير والنص الشعبي في أي مكان، لا يعنيني هل كان هوميروس موجودًا أم لا؟. لكن على الأرض المشتركة بحدود كفايتها الدنيا تتوزع موارد نصوص المسرحية إلى التاريخ والتراث الشعبي وحياتنا اليومية، والعوالم التي أكونها بالمقومات الدنيا لتكوين عالم، ربما مزجت المكونات بطريقة مختلفة وبنسب غير التي صيغ بها الحدث قبلا، وانتظر القارئ ماذا سيخرج من رحم النبوءة في "السيف الأعمى" أو من تلاقي السيف بالكتب في "القلعة والعصفور". وعن السيرة الهلالية يقول "الإنسان لا يذهب للنهر مرتين، حكمتنا البشرية الخالدة، لكن هل سألنا: ألم يتغير النهر أيضًا؟ السيرة الهلالية هي النص الذي فرضت ظروف مختلفة أن يكون نصنا العربي المواجه للإلياذة والأوديسا، وهي مواجهة خسر فيها نصنا العربي كل شيء إلا أن الشعراء الشعبيين نصروه وحفظوه كما لم يحدث للنص (الأوروبي) الذي وضعه كتاب المسرح وعلماء النفس والمؤرخون والنقاد في صدارة النصوص، لكن هذا قدرنا يظن مثقفونا أن انتصارهم بتحقير أصولهم وإهانتها. السيرة الهلالية – والتراث الشعبي عامة – جبلٌ من الذهب لم نكتشف منه إلا أقل القليل، لكنني لم أذهب بقلب المسرحي لاكتشاف الذهب بل لسرقة النار المقدسة؛ لقد ذهبت مرتين مرة في مونودراما الذئب التائه لاتباع أثر البطل المكروه دياب بن غانم، السؤال الحاكم هو مثل السيرة الشهير: "السيرة لأبوزيد والفعل لدياب" لماذا؟ بحق كيف لا تحتفي السيرة بالذي نصر الهلاليين بعد مهانة ومذلة؟ المرة الثانية كان سؤالي الحاكم: "ما أزمة الزناتي خليفة؟ وهل كان بطلا أم جبارًا؟ ثمة سؤال للجازية، وسؤال لعزيزة غزال البر في الوادي.
وهم التخصص
أما عن كتابته للشعر والقصة والرواية والمقال فضلا عن النصوص المسرحية، وكيف جمع بين كل ألوان الكتابة تلك؟ فيقول "هي جمعتني، كان أمامي خياران منذ البداية أن أكتب في جنس أدبي واحد، أو أن أكتب في مختلف الأجناس، الحقيقة أنهما كانا موجودين، ولكنني لم أكن أراهما، أكتب ما يعن لي وبالطريقة التي تختار نفسها، والجنس الأدبي الذي أشعر أنه الوعاء المناسب لذلك، ساعتها قلت لنفسي: لتترك الحالة تختار جنسها ونصها؛ مع قراءة منجز الكتاب المصريين والعرب والأوروبيين، اكتشفت أن هناك وهمًا اسمه: أن يتخصص كاتبٌ في جنس أدبي واحد؛ نجيب محفوظ له إحدى عشرة مسرحية، من سمات الشعر الحديث استعارتها تقنيات من الأجناس الأخرى، ومع الكتابة اكتشفت أن لكل جنس أدبي موجبات وقدرات ومحددات؛ أعرف أن العبء ثقيل وأن الكتابة في جنس واحدٌ ستكون أكثر راحةً وتحديدًا، لكن الكتابة هي مهنة اكتشاف المجاهل، الآن أنهيت ديوانين وأكثر من عشر مسرحيات وأربع مونودرامات، ورواية، وكتابين في النقد الأدبي، ومجموعة قصصية وأخرى للأطفال، ومئة مقال تقريبًا، وعشرات الحوارات، صار الأمر يشبه إدمان الرحلة، كل كتابة هي رحلة جديدة للسندباد. بكلمة: " لم يشغلني سؤال الوجود يومًا، وحين أتى كانت الهوية قد حسمت الأمر. ويصف سراج رحلة الكتابة بقوله "قد يأتي الأمر على هيئة سطر شعري في حالة تتلبسني، أو مقطع حواري صغير، أو تصور لشيء شبه غامض، يكون لدي أمران: الموضوع والجنس، لذلك أسطر ما يجيء لي، ثم أبدأ العمل، أتذكر هنا خليل حاوي وحديثه عن ذلك الجزء الذي يأتيك دون تعب، وذلك الجزء الذي يأتي بالكد والعرق الصبيب.. في رواية تلك القرى بدأ الأمر بمقابلة عائد من العراق، كتبت شيئًا صغيرًا عنه، ثم توقفت للبحث والقراءة وإجراء المقابلات مع من كانوا هناك، حين شعرت أنني جاهز بدأت".
جسر النقد
ويصف أحمد سراج النقد بأنه جسر يصعب دونه تحول التجربة والتجديد إلى مدرسة أو تقليد جديد، والنقد عندنا يعاني، فلا مؤسسة تعليمية تبني ناقدًا، ولا سياق يضعه في مكانه، النقد عمل مؤسسي، بينما نحيا في مجتمع ضد المؤسسية، والنقد مهارة من مهارات التفكير العليا، ونحن تعودنا على الحفظ والتلقين، نحتاج إلى الكثير لنصل إلى النقد وأول الكثير مؤسسات مؤهلة – حتى لو إلكترونيا – وتحكيم في كل صحيفة ودورية، وتحرير للمصطلحات والتفرقة بينها.
وأخيرا سألناه: بدأت رحلتك الإبداعية بالشعر، لكنك حتى الآن لم تصدر إلا ديوان واحد، مقابل أكثر من عشر مسرحيات، فهل استنفدت المسرحيات الشعرية طاقة الشعر لديكم فتأخر الديوان الثاني؟
وجاء رده مثله هادئا: ما طبع هو ديوان واحدٌ، لكن ما في الدرج وما أعمل عليه يختلف، الديوان عمل معقد قابل للتطوير في كل لحظة، أي جنس أدبي غير الشعر قابل للحذف والزيادة، أنهيت ديوان غرب الحرب الميت في 2015 وما زلت أعود إليه؛ لأن سؤاله الحاكم ما زال يقلقني؛ أنا الحطاب الموهن الذي يسأل رفاقه عن حروب الملح، أوديسوس الذي يرفع وجهه سائلا: لم كان هذا الخواء العميم؟ أصدرت أيضا رواية واحدة، وأعمل منذ سنوات على الثانية، عنوانها "دفتر أحوال" وهو نص مبني على تحولات قرية من خلال أربعة أشخاص. المسرح لم يستنفذ طاقتي، فقط، المسرح قائم على التحول، على وجود نقطة ما قبلها لا يشبه ما بعدها؛ مثل في فخ النعامة، خطف الزير لابن الحارث وقتله لن يجعل الأمور كما كانت، وفي القرار رفض معاوية الثاني الاستمرار في الحكم، ربما لأنني في المسرح أشهد فوهة البركان لحظة اندفاعه؛ فلا أستطيع التوقف. ربما لأن المسرح استقر لدي نموذج لطريقة الكتابة؛ فأنا أختار لحظة حاسمة، وأبحث بعمق فيها، وعند لحظة (حساسية) معينة أبدأ الكتابة شبه النهائية. وربما مرجع ذلك كله لأنني أنظر إلى المسرح والقصة القصيرة والمقالة النقدية على أنها فنون اللقطة، لحظة التحول؛ فيقودني هذا إلى الإنجاز، أما في الشعر والرواية فالأمر مختلف..