- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
التطبيع بين تركيا وإسرائيل.. هل يصمد؟
التطبيع بين تركيا وإسرائيل.. هل يصمد؟
- 25 أغسطس 2022, 6:00:19 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في 17 آب أعلنت كل من تركيا وإسرائيل عن قرار إعادة السفراء والقناصل، وبذلك التوصل إلى تطبيع كامل للعلاقات بينهما. خلافاً لجهود سابقة للتطبيع، لا سيما التي سجلت بين 2013 – 2016، يبدو أن تركيا هذه المرة هي التي دفعت بهذه العملية، في حين تصرفت إسرائيل بحذر. موافقة إسرائيل على الطلب التركي جاءت بعد إظهار تركيا جديتها على خلفية سلسلة أحداث، ما ساعد في التغلب على جزء من الشكوك المتبقية بين الطرفين. بالنسبة للطرف التركي، تم التقدير بأنه من الجدير استكمال العملية قبل انتخابات الكنيست القريبة. توقيت قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية يترك ما يكفي من الوقت حتى موعد الانتخابات في تركيا، التي ستجرى في حزيران 2023، وهكذا فإن التطبيع لن يؤثر كثيراً على اعتبارات الناخبين، حيث تسود مشاعر مناهضة لإسرائيل في أوساط الشعب التركي.
تحسين العلاقات في الوقت الحالي بين تركيا وإسرائيل يرتكز على عدة خطوات، وهناك تحديات قائمة إلى جانب نقاط ربط محتملة:
إزاء التوترات الكثيرة في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، ترى تركيا أن هناك فائدة من تحسين العلاقات مع إسرائيل سبيلاً لتحسين العلاقات مع الإدارة الأمريكية أيضاً. ومقارنة مع إدارة أوباما، كانت إدارة بايدن أقل نجاعة بكثير في جهود المساعدة على تحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل. من الواضح أن تحسين العلاقات بينهما أمر مرغوب فيه بالنسبة لها. وقد غرد مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك ساليبان، والسفارة الأمريكية في تركيا بمباركة التوصل إلى تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل. مع ذلك، يمكن لأنقرة فيما بعد الربط بين تدهور محتمل في علاقات تركيا – أمريكا وبين علاقاتها مع إسرائيل. في تموز الماضي، أجاز الكونغرس قانوناً بخصوص التحفظات من بيع طائرات “اف 16” لتركيا. وقد وضع العقبات أمام عقد الصفقة من قبل إدارة بايدن. اللجنة اليهودية – الأمريكية “إي.جي.سي” انضمت في حينه إلى منظمة شتات يونانية في رسالة لأعضاء الكونغرس، تم التعبير فيها عن دعم سن تحفظات على البيع. إضافة إلى ذلك، ورغم أن واشنطن تعترف بالدور الإيجابي للوساطة التركية بخصوص الحرب في أوكرانيا، إلا أن الغضب الأمريكي على شراء صواريخ “اس400” من روسيا وعلى مساعدة تركيا لروسيا في تجاوز العقوبات المفروضة عليها، ما زال قائماً.
في السياق الإقليمي، يندمج التطبيع مع إسرائيل مع عمليات التطبيع التي تدفع بها تركيا قدماً مع دول أخرى في الشرق الأوسط، منها الإمارات والسعودية ومصر. ورغم أن تركيا عارضت اتفاقات إبراهيم، إلا أنها بمعان كثيرة تسعى لاستغلال الفرص الكبيرة في هذه الديناميكية الإقليمية. يجب الإشارة إلى أن الإشارات الإيجابية التي أرسلتها أنقرة إلى بشار الأسد مؤخراً بعد سنوات من التوتر الشديد بين الرئيسين التركي اردوغان والسوري الأسد، هي دراماتيكية، حتى أكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل. اعتُبرت هاتان الخطوتان وجهين لنفس العملة – إعادة تطبيق السياسة الإقليمية التركية. جهود التطبيع المختلفة تغذي بعضها بعضاً، وما دامت تركيا ستستفيد من ثمارها، في المقام الأول الاقتصادية، فمن المتوقع مواصلة هذه الجهود. إضافة إلى ذلك، تظهر تركيا تصلباً أكبر في الاتصالات مع اليونان وقبرص، وإطلاق تركيا مؤخراً لسفينة التنقيب الرابعة يثير القلق من عودة محتملة لأنقرة إلى السلوك الحازم في شرق البحر المتوسط مثلما في الأعوام 2018 – 2020، وهو السلوك الذي له عواقب تتجاوز علاقات تركيا مع هاتين الدولتين.
الرئيس الفلسطيني يمكنه هو أيضاً التأثير على استمرار التطبيع، وتركيا تحاول الموازنة بين علاقاتها مع إسرائيل ومع الفلسطينيين. زار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تركيا بعد بضعة أيام على إعلان التطبيع بين تركيا وإسرائيل. في العقد الأخير، حاول اردوغان وضع نفسه على اعتبار أنه الزعيم الإسلامي الأبرز الذي يدافع عن حقوق الفلسطينيين وعن الحياة الإسلامية في القدس. هذه السياسة وجدت التعبير في التصريحات المتشددة ضد إسرائيل، التي سماها دولة إرهاب. ولكن في رمضان الماضي، وحتى أثناء عملية “بزوغ الفجر” كان رد تركيا الرسمي أقل سلبية تجاه إسرائيل مقارنة بالسابق. وحسب أقوال اردوغان ومؤيديه، فإن التطبيع مع إسرائيل لا يعتبر تنازلاً عن موقف تركيا في المسألة الفلسطينية. وحسب أقوالهم، فإن علاقات جيدة مع إسرائيل تسمح لتركيا بطرح موقفها بشكل مباشر، وهكذا تقوم بحماية حقوق الفلسطينيين في الوقت الذي يكون فيه القدس والمسجد الأقصى “خطاً أحمر”. موقف تركيا من حماس، التي عدد غير قليل من أعضائها موجودون على أراضيها، يشكل أيضاً امتحاناً وتحدياً لاستمرار عملية التطبيع. رغم وجود إشارات على تغير معين في سلوك تركيا إزاء حماس، خاصة طرد بعض نشطاء حماس من أراضيها، فمن المشكوك فيه إذا كان اردوغان سيوافق على طلبات إسرائيل فيما يتعلق بحماس.
في السياق الاقتصادي، معطيات التجارة بين الدولتين بلغت ذروة تاريخية في 2021، ارتفاع بمليار دولار مقارنة مع معطيات التجارة في 2019 و2020. والتجارة المتبادلة بلغت 7 مليارات دولار (4.7 مليار دولار تصدير إلى إسرائيل و1.9 مليار دولار تصدير إلى تركيا). تركيا هي من بين الدول الخمس، الشريكات التجارية الأهم بالنسبة لإسرائيل. وإسرائيل من بين العشرة أهداف الكبرى للتصدير التركي. في أيلول يتوقع أن يتم عقد لجنة مشتركة تناقش العقبات التجارة التي ما زالت موجودة بين الدولتين، لأنه مطلوب تنظيم لاتفاق التجارة الحرة بين الدول، الذي دخل حيز التنفيذ في 1997. مع ذلك، حتى لو تم ذلك فسيطرح سؤال: هل العلاقات التجارية يمكن أن تنمو أكثر بكثير؟ اتفاق الطيران الذي وقع بين الدولتين في تموز 2022 وحل الخلافات القائمة منذ 2007 والتي تتعلق بتركيبة الأمن في شركات الطيران الإسرائيلية في رحلاتها من تركيا، يمهد الطريق أمام استئناف رحلات الطيران لهذه الشركات بصورة تحل، ولو جزئياً، عدم التناظر الذي كان قائماً في علاقات الطيران بين الدولتين. ورغم أنه على خلفية المنافسة الكبيرة المتوقعة مع شركات الطيران التركية على خطوط الطيران المختلفة بين إسرائيل وتركيا، مشكوك فيه إذا كانت هذه الخطوط ستكون لها أرباح من ناحية الشركات الإسرائيلية المشغلة.
أحد المواضيع المعنية تركيا بدفعها قدماً في إطار تحسين علاقاتها مع إسرائيل هو تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا أو عبر تركيا. مصادر في تركيا ذكرت بأن مد أنبوب غاز إلى تركيا كان الخيار الأول الذي فحصته إسرائيل عندما بحثت كيفية تصدير الغاز. وهذه المصادر ترى في تحسين العلاقات بين الدولتين فرصة جيدة لإحياء هذا المشروع، لا سيما في ضوء الصعوبات الموجودة أمام المشروع البديل، وهو “أنبوب ايستميد” بين إسرائيل وقبرص واليونان. وأنبوب سينقل الغاز الإسرائيلي إلى تركيا سيساعد أنقرة على تنوع المزودين لها وتقليص اعتمادها الكبير على الغاز الروسي. إضافة إلى ذلك، هذا الأنبوب له إمكانية كامنة لتعزيز مكانة تركيا كنقطة عبور للغاز الطبيعي إلى أسواق أوروبا. في الوقت نفسه، هناك عدم تناظر بين إسرائيل وتركيا في مستوى الاهتمام بالدفع قدماً بالتعاون في هذا الموضوع، والطرف الإسرائيلي لم يتعهد بشكل علني بخصوصه. من ناحية جيوسياسية، فإن مشروع مد أنبوب غاز إلى تركيا قد يخلق توتراً بين إسرائيل وشريكاتها الإقليمية، اليونان وقبرص وحتى مصر، التي يتم عبر منشآت الإسالة لديها الآن تصدير جزء من الغاز الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، ليس واضحاً بعد إذا كان لمشروع كهذا جدوى اقتصادية، مع الأخذ في الحسبان كمية الغاز الإسرائيلية المتاحة وسعر الاستخراج والتزامات إسرائيل لدول أخرى.
أما بخصوص اتجاهات مستقبلية في العلاقات بين الدولتين، يفمكن طرح سيناريوهين: إيجابي يرتكز إلى أن الانتقال إلى علاقات سوية بين إسرائيل وتركيا ستسمح لهما بتركيز الاهتمام على التحديات والتهديدات الرئيسية التي تواجهها من إيران وحزب الله وحماس في حالة إسرائيل، ومسألة الأكراد في سياق تركيا. عند تحسين العلاقات بين الدولتين سيتم أيضاً فتح نافذة فرص للتعاون الذي يكون مجديا أيضاً. ستكون حاجة إلى فحص كيف سيكون بالإمكان، بالتنسيق مع حلفاء إسرائيل، دمج أنقرة في منتديات إقليمية جديدة إذا أنشئت. قد تلعب تركيا دوراً مهماً في سياسة إسرائيل بخصوص تقديم بادرات حسن نية للفلسطينيين مثلما يتم التعبير عن ذلك في رحلات الطيران للفلسطينيين من الضفة الغربية في مطار رامون، المتوقع تشغيلها مع شركات طيران تركية. الحفاظ على آلية التواصل القائمة بين اردوغان ورئيس الدولة اسحق هرتسوغ سيمكن الدولتين من حل الخلافات، لا سيما المسألة الفلسطينية، بدون تصادم مباشر. وثمة إمكانية كامنة للتعاون في مجال المناخ، لا سيما التكنولوجيا، لإدارة ناجعة لقطاع المياه، الذي يمكن أن يكون الأساس لمشاريع ستنضم إليها دول أخرى.
في المقابل، الخوف من أن يكون التطبيع الحالي هشاً، بما يشبه التطبيع في الأعوام 2016 – 2018، ينبع من عدة أسباب: الحكومة الجديدة في إسرائيل بعد الانتخابات في تشرين الثاني، إذا لم تواصل سياسة النوايا الحسنة، ولو بشكل محدود، تجاه الفلسطينيين، ستكون حكومة إشكالية لأنقرة. وإن اعتبارات انتخابية لاردوغان وحزبه قبل انتخابات حزيران 2023 سيكون لها تأثير سلبي على جودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل. والتصريحات المستقبلية في ساحة النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين قد تعكر العلاقات. أحداث حول اعتقال سياح يأتون من تركيا عقب الخوف من التعاون مع جهات إرهابية مثلما حدث عدة مرات قبل اندلاع كورونا، يمكن أن تتكرر. يجب التأكيد على أنه في حالة تحسن العلاقات، فيحتمل أن تكون ضغوط من تركيا على إسرائيل للسماح بالقيام بمبادرات تركية في أوساط الفلسطينيين وداخل إسرائيل وفي القدس، التي يمكن أن يعتبر بعضها مبادرات فيها إمكانيات كامنة إشكالية من ناحية إسرائيل.
على خلفية عملية التطبيع الحالية، تم طرح إمكانية زيارة اردوغان لإسرائيل. يجب التخطيط لمثل هذه الزيارة بحذر، بحيث تساعد على تحسين العلاقات. وألا يتم النظر لأحداث تحدث في أثنائها على اعتبار أنها تعزز التوجهات السلبية في العلاقات الثنائية بين الدولتين. مع ذلك، مع كل التحديات، سيكون من الأسهل التعامل عندما يكون هناك تمثيل دبلوماسي كبير في الدولتين، لذلك فإن عملية التطبيع بحد ذاتها سيكون لها تأثير يدفع نحو الاعتدال.
بقلم: غاليا ليندشتراوس ورامي دنيئيل