- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
الحادثة الأولى: تداعيات توجيه اتهامات جنائية لـ"ترامب" في مانهاتن
الحادثة الأولى: تداعيات توجيه اتهامات جنائية لـ"ترامب" في مانهاتن
- 4 أبريل 2023, 2:40:36 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
غادر الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” فلوريدا، يوم الاثنين الموافق 3 أبريل الجاري، إلى نيويورك؛ حيث من المقرر أن يُستجَوب يوم الثلاثاء 4 أبريل الجاري، بعد تصويت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن بمدينة نيويورك على توجيه اتهامات له، بعد تحقيق في قضية تتعلق بتقديم 130 ألف دولار لإسكات نجمة الأفلام الإباحية “ستورمي دانيالز” قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016؛ من أجل إخفاء عَلاقة مُفترَضة خارج نطاق الزواج مع “ترامب”. وبذلك يُعَد أول رئيس أمريكي حالي أو سابق تُوجَّه له اتهامات جنائية.
تداعيات عديدة
سيكون لتوجيه هيئة محلفين في مانهاتن اتهامات جنائية للرئيس السابق، الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقرر لها في نوفمبر 2024، العديد من التداعيات التي يتمثل أبرزها فيما يلي:
1– إجراء مزيد من التحقيقات الجنائية ضد ترامب: ستُشجع بداية محاكمة “ترامب” لدفعه أموالاً لإسكات نجمة الأفلام الإباحية، المُدَّعين العامين الذين يحققون في انتهاكات أخرى لـ”ترامب” على المضي قدماً في تحقيقهم، وإدانته قبل الانتخابات الرئاسية القادمة؛ حيث إنهم لن يضطروا إلى تحمل عبء تبرير تحرك لم يُتخذ من قبل في التاريخ الأمريكي. ويُواجه الرئيس السابق راهناً تحقيقين جنائيين آخرين: الأول– إذا ما كان قد حاول بطريق غير قانوني قلب هزيمته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في ولاية جورجيا، التي فاز فيها جو بايدن بفارق ضئيل. والثاني– طريقة تعامله مع وثائق حكومية سرية بعد ترك منصبه. وكذلك يخضع “ترامب” لتحقيق يُجريه القضاء الفيدرالي حول دوره في اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس الأمريكي في 6 يناير 2021، وقتما كان المشرعون يصادقون على فوز المرشح الديمقراطي في انتخابات 2020، لكن حتى الآن لم توجه له أي تهمة.
2– إثارة تساؤلات حول النظام القضائي الأمريكي: بينما يُعد توجيه هيئة محلفين كبرى في مانهاتن اتهامات جنائية إلى الرئيس السابق “ترامب”، والملاحقات القضائية ضده لا تزال جارية، التي قد تفضي إلى توجيه اتهامات جنائية أخرى، مؤشراً على سيادة القانون وقوة النظام القضائي الأمريكي، فإنها تثير – أيضاً – التساؤلات حول إمكانية استغلاله من قِبل الإدارة الأمريكية لملاحقة الخصوم السياسيين، والشك في الاتهامات الموجهة إلى “ترامب” إذا ما كانت مدفوعة سياسياً؛ حيث يشير علماء السياسة إلى أن التشكيك في شرعية الملاحقات القضائية يكون أكثر حدةً في دولة تشهد استقطاباً حزبياً شديداً، وهو ما تشهده الولايات المتحدة حالياً؛ لأن أنصار المتهم يرون أن النظام السياسي مُسيَّس فيما يرى مُعارِضوه أنه غير فعَّال.
3– تنظيم مزيد من التظاهرات المؤيدة لـ”ترامب”: أثار قرار توجيه اتهامات الرئيس السابق زوبعة لدى أنصاره في فلوريدا الذين يؤكدون أن مُرشَّحهم المُفضَّل يتعرَّض لمؤامرة. وقد توافد العشرات من مؤيدي “دونالد ترامب” إلى مقر إقامته في ولاية فلوريدا للتعبير عن رفضهم قرار المدعي العام لنيويورك. ويُتوقَّع مع رفض نسبة كبيرة من الجمهوريين قرار إدانة الرئيس السابق؛ لكونه مسيساً – حيث وجد استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك أن 93% من الجمهوريين، و62% من جميع الأمريكيين، يعتقدون أن لائحة الاتهام الموجهة لترامب ذات دوافع سياسية – أن تندلع مزيد من التظاهرات خلال جلسات محاكمة “ترامب”، وهي التظاهرات التي قد تتخللها أعمال عنف.
4– احتدام الانقسام الحزبي والسياسي الأمريكي: سيؤدي توجيه تهم جنائية للرئيس الأمريكي السابق إلى تضخيم الانقسام الحزبي والسياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية في وقت تتصاعد فيه الحاجة إلى الإجماع الحزبي لمواجهة التحديات المتعددة التي تواجهها الدولة راهناً. وهناك انقسام في المواقف بين المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين حول قرار توجيه لائحة اتهام ضد “دونالد ترامب”؛ فقد أجمع الجمهوريون على أن الاتهامات ذات دوافع سياسية بامتياز.
ولعل أبرز تلك المواقف وأشدها جاءت على لسان رئيس مجلس النواب “كيفين مكارثي”، الذي توعَّد بمحاسبة المدعي العام لمانهاتن. وأعرب الديمقراطيون عن ثقتهم بالنظام القضائي الأمريكي، وأنه لا شخص فوق القانون، ورفضوا الادعاءات الجمهورية بتسييس القضية؛ فقال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ “تشاك شومر” إن “ترامب” يخضع للقوانين مثل كل أمريكي، وإن هيئة المحلفين هي التي ستحدد مصيره وفقاً للحقائق والقانون.
مكاسب “ترامب”
يُثير توجيه هيئة محلفين في مانهاتن اتهامات جنائية للرئيس السابق تساؤلات حول تأثيراتها على فرص فوزه ببطاقة الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسية القادمة. وتشير العديد من المؤشرات إلى تحقيقه مكاسب عدة تعزز فرصه في الاستحقاق الانتخابي القادم، ومن أبرزها ما يلي:
1– عودة “ترامب” إلى بؤرة اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية مجدداً: في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة الأمريكية العديد من التحديات الخارجية، وفي مقدمتها المخاوف من استخدام روسيا أسلحة نووية ضد أوكرانيا لحسم الحرب لصالحها، واعتقال موسكو مراسلاً أمريكياً؛ ما أثار أزمة رهائن أخرى، وزيارة رئيسة تايوان إلى واشنطن في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية–صينية توتراً حاداً؛ فإن كافة وسائل الإعلام الأمريكية بكافة توجهاتها ستُركز على الاتهامات الجنائية للرئيس السابق؛ ما يُعيده مرةً ثانيةً إلى صدارة المشهد الإعلامي الأمريكي. ويؤمن “ترامب” بأن كل الدعاية دعاية إيجابية؛ ما يعزز شعبيته بين قاعدته الانتخابية.
2– تكاتف قيادات الحزب الجمهوري وراء “ترامب”: في وقت يدعو فيه عدد من الجمهوريين إلى دفع الحزب بمرشح بديل لـ”ترامب” في الانتخابات الرئاسية القادمة، دعمه العديد من المسؤولين الجمهوريين، بما في ذلك بعض منافسيه المحتملين على بطاقة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ فقد وصفت “رونا ماكدانيال” رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، لائحة الاتهام بأنها “إساءة استخدام صارخة للسلطة من قبل المدعي العام، وتركيز على الانتقام السياسي بدلاً من الحفاظ على سلامة الناس”.
وقد انتقد نائب الرئيس السابق “مايك بنس”، الذي يُتوقع إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، في مقابلة على شبكة “سي إن إن” الإخبارية لائحة الاتهام؛ حيث قال إنها غير مسبوقة لرئيس سابق للولايات المتحدة، وإنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من تقسيم الولايات المتحدة. وقد أدان “رون ديسانتيس” حاكم ولاية فلوريدا والمرشح المحتمل لانتخابات عام 2024، تسليح النظام القانوني الأمريكي للنهوض بأجندة سياسية، وتعهد بعدم تعاون ولايته مع التحقيقات ضد “ترامب”.
3– عدم التأثير على فرص “ترامب” في الانتخابات الرئاسية لعام 2024: على الرغم من اعتقاد 1 من كل 4 جمهوريين أن التهم الموجهة إلى “ترامب” يجب أن تحرمه من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، مقارنةً بنسبة 57% من جميع الأمريكيين وفقاً لاستطلاع جامعة كوينيبياك؛ فإن الاتهامات الجنائية لن تؤثر على حظوظه للترشح لفترة رئاسية ثانية في نوفمبر من العام القادم؛ لأن قوانين الولايات المتحدة الأمريكية تعطي الحق لأي شخص متهم جنائياً أو مُدان، بالترشح لأي منصب، وأن يتم انتخابه. ولكن ينص الدستور على استثناء واحد فقط لممارسة وظيفة رسمية، وهو المشاركة في “عصيان” أو “تمرد” ضد الولايات المتحدة. وبينما تنشغل وسائل الإعلام الأمريكية بتطورات الاتهامات الجنائية لترامب، استمر “ترامب” في مخاطبة المتبرعين للتبرع لحملته الانتخابية، وحقَّق نسبة عالية من التبرعات، واستمر في جولاته الانتخابية.
ليست استثناء
في الختام، يُعد توجيه اتهامات جنائية إلى الرئيس السابق “دونالد ترامب” الحادثة الأولى من نوعها داخل الولايات المتحدة، على الرغم من أن محاكمة رئيس حكومة أو رئيس دولة سابقاً، أمر شائع في العديد من الدول الديمقراطية خلال العقدين الماضيين؛ فوفقاً لتقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” في 31 مارس الفائت، فإنه خلال السنوات الخمس عشرة الماضية فقط، تمت مقاضاة “نيكولا ساركوزي” و”جاك شيراك” في فرنسا، و”بارك كون هيه” و”لي ميونج باك” في كوريا الجنوبية، و”سيلفيو برلسكوني” في إيطاليا، وقد أدينوا بتهمة الفساد. وتشمل قائمة المتهمين جنائياً – أيضاً – زعماء سابقين منتخبين ديمقراطياً في الأرجنتين، والبرازيل، وباكستان، وبيرو، وجنوب أفريقيا، وتايوان. ويُحاكم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” حالياً بتهم فساد.