الحارث طه يكتب: تحرير بلا فوضى.. الثورة السورية تعيد الحياة للوطن

profile
الحارث طـه صحافي سوري ، ومنتج إخباري، مقيم في هولندا
  • clock 7 ديسمبر 2024, 9:44:19 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

النصر كان دائماً الهدف النهائي للثورة، ذلك النصر الذي تلازم مع فكرة "الموت أو الوطن"، الشعار الأكثر تأثيراً في الخطابات الثورية الحديثة. عندما صعد تشي جيفارا، قائد الثورة الكوبية، إلى منصة الأمم المتحدة، اختصر كل معاني الثورة في كلمتين فقط: "الموت أو الوطن". كان هذا الخطاب الأسرع في تاريخ الأمم المتحدة والأكثر رمزية. كلمات بسيطة هزّت القلوب الثائرة، وأرعبت قلوب الغزاة. تلك الروح هي التي قادت الثورة الكوبية ضد الهيمنة الأمريكية وأصبحت رمزاً للثوار في كل مكان، ومنها استلهم السوريون حراكهم الثوري، الذي صار جزءاً من المعادلة التاريخية ذاتها: "الموت أو الوطن".

 

على مدى أربعة عشر عاماً، خاض الشعب السوري معركة مركّبة ضد النظام المستبد وحلفائه من الروس والإيرانيين. تخيل شعباً يُقاتل بمفرده أمام ثلاث قوى متجبرة. في ظل هذا الواقع، أعادت الفصائل الثورية ترتيب استراتيجيتها بعد سنوات من الحصار في إدلب، لتبدأ مرحلة جديدة من التحرير. التحرّكات كانت مدروسة، وفق تطورات إقليمية ودولية مهدت الطريق لاستعادة المدن السورية واحدة تلو الأخرى. بدأ التحرير من ريف حلب، ثم امتد إلى حلب المدينة، ثاني أكبر مدن سوريا. نصر بعد نصر، وصلت الفصائل إلى حماة، وها هي اليوم تتقدّم نحو العاصمة دمشق، القلب السياسي لسوريا والثورة.

 

 

هذا الحراك العسكري لم يكن منفصلاً عن رؤية سياسية واضحة لإدارة الدولة المستقبلية. تولّت الفصائل مسؤولية الحفاظ على المؤسسات، وأعادت هيكلتها بما يتماشى مع مبادئ الثورة الديمقراطية. استمرت مؤسسات الدولة في العمل من خلال إدارات محلية أشرفت على المدن المحررة، فيما أرسلت الفصائل رسالة واضحة حول التسامح والتعايش. تعيين أسقف مسيحي لإدارة شؤون حلب وتنصيبه محافظاً كان خطوة رمزية عظيمة، أكدت على شمولية الثورة ووحدتها الوطنية. هذه الرسالة وصلت إلى الداخل السوري كما إلى المجتمع الدولي: الثورة لا تهدف إلى التفريق، بل إلى بناء وطن يتسع للجميع.

 

 

تكفلت الفصائل الثورية بمواصلة المعركة على الأرض والتقدم بثبات نحو تحرير دمشق، بينما تركت إدارة المدن والقرى المحررة في عهدة أبنائها. تم تشكيل مجالس بلدية وطنية من سكان تلك المناطق لتولي شؤون الحياة اليومية وتنظيم أمور المواطنين، مع إعادة الموظفين إلى عملهم في مؤسسات الدولة لضمان استمرارية الخدمات العامة. أما قوات الفصائل، فقد التزمت بالبقاء على أطراف المدن وليس داخلها، مع توليها حماية المطارات والمواقع العسكرية الاستراتيجية للحفاظ على الأمن وضمان استقرار المناطق المحررة.

 

ففي السلمية، المدينة ذات الأكثرية من الطائفة الإسماعيلية،  تشكّل مجلس محلي من أبناء الطائفة لتولي شؤون المدينة، مع احترام كامل لخصوصيتها الفكرية والعقائدية. كانت هذه الخطوة دليلاً ملموساً على قدرة الثورة على إدارة التنوع في المجتمع السوري. مع ذلك، ظهرت أصوات مشككة، تسعى لتصوير الفصائل الثورية على أنها جماعات متشددة تسعى لإعادة البلاد إلى عصور مظلمة. الرد على هذه الادعاءات بسيط، بل صارخ في وضوحه: الثورة السورية ليست ثورة طوائف أو أيديولوجيات مغلقة. هل كان تشي جيفارا متشدداً لأنه احتفظ بلحيته؟ لم تكن لحيته سوى رمز لنضاله، تماماً كما أن ثوار سوريا ليسوا سوى أبناء مخيمات اللجوء وساحات القتال، حيث اللحية ليست أكثر من أثر لحياة الكفاح والتضحية.

 

الثورة السورية هي ثورة "الموت أو الوطن"، ثورة الإنسان ضد المستبد والمحتل، ثورة البقاء الحر أو الفناء بشرف. وفي ساحات الموت، تتجسد معاني الحياة، وكفى.

كلمات دليلية
التعليقات (0)