الحاكمية .. انكفاء أيديلوجي أم محنة اضطهاد ؟

profile
جمعه رمضان كاتب صحفي
  • clock 24 أبريل 2021, 6:55:45 م
  • eye 1250
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في نظر المودودي تتمثل الجاهلية في ثلاث اتجاهات هي

الالحاد

الوثنية بكافة أشكالها القديمة والحديثة

النزعة الصوفية العرفانية

اذ يذهب المودودوي الى ان هذه الاتجاهات الثلاث بدات تبث سمومها في الواقع الاسلامي بعدما تسللت اليه متسترة بعباءة الاسلام بعد عصر الخلفاء الراشدين وانتهى الى ان " تدفق خليط من الفلسفة والادب والعلوم اليونانية والايرانية والهندية في التربة الاسلامية،، وبذلك بدا الخلاف النظري بين المسلمين، ، بدأت العقائد المعتزلة والنزعات الشكية والالحادية،

 وقبل ذلك او على رأسه بدأ الاتجاه الى الفرقة والخلاف في مال العقائد، وادى الى وجود فرق واتجاهات جديدة، وبالاضافة الى ذلك وجدت فنون الرقص والموسيقى والرسم ( وهي فنون غير اسلامية) تشجيعاً من اولئك الذين كان محرماً عليهم ان يقترفوا تلك الفنون ( القبيحة ) ". [1]

واذ هو يحدد مفهوم " الجاهلية " باعتباره مرادفاً وصنواً لمنهج التفكير العقلي والتعددية قديماً وحديثاً، ويصوره كـ آفة تسللت الى العقل الاسلامي لتضرب مرتكزه وايديلوجيته المتمثلة في " الحاكمية " فقد خص المودودي هذا المفهوم ( الحاكمية ) بشروحات عديدة طبعت في اكثر من بلد اسلامي وصارت العهد او الوثيقة الاساس التي كرست لأيديلوجيا العنف لدى معظم الفصائل الاسلامية، 

ويكاد المصري سيد قطب مفكر جماعة الاخوان ان يكون المفسر والشارح الاهم لتلك الافكار المودودية المتعلقة بالحاكمية والجاهلية ، 

حيث نتلمس ذلك جلياً في شرحه لمفهوم " الالوهية " [ 2 ]بوصفه المفهوم المركزي الاشمل الذي تتمحور حوله باقي المفاهيم ذات الصلة حيث الحاكمية المطلقة المنشئة لحق التشريع للعباد في مواجهة الجاهلية المطلقة المتمثلة في مناهج العقل المادي .

الثورة الشاملة 

يرى قطب ان الاسلام جاء في نظر الخطاب الديني ليحرر الانسان، لكن فهم هذا الخطاب للتحرر الذي جاء به الاسلام يتم اختزاله في نقل مجال الحاكمية من العقل البشري الى الوحي الالهي " ان اعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وانظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في ارجاء الارض الحكم فيه للبشر بأي صورة من الصور، 

او بتعبير مرادف " الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور، ذلك ان الحكم الذي مرد الامر فيه الى البشر ومصدر السلطات فيه هم البشر هو تأليه للبشر يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله " [ 3 ]

" لا اله الا الله كما يدركها العربي العارف بمدلول لغته : لا حاكمية الا لله ، ولا شريعة الا من الله ، ولا سلطان لأحد على احد ، لأن السلطان كله لله " [ 4 ]

 الدولة القطبية المتخيلة الواسعة الصلاحيات ( حاكمية أم رأسمالية دولة ؟!): 

يحاول قطب عرض رؤيته الاطلاقية متجاهلا الواقع وطبيعته المتحركة، المنغمس في اشكالياته الحضارية،

 المشتبك مع تفاصيل الحياة بمفرداتها وصراعتها السياسية والاجتماعية دون التخلي عن المرتكز الديني فيصف ذلك الواقع على وقع العلة والتضاد المتمثل في ثنائيته الكونية ، 

حاكمية أو جاهلية ، يقول : " يدرك الاستعمار أن قيام حكم اسلامي سيرد الدولة الى عدالة في الحكم وعدالة في المال، فيقلم اظافر ديكتاتورية الحكم واستبداد المال،

 والاستعمار يهمه دائماً أن لاتحكم الشعوب نفسها، لانه يعز عليه حينها اخضاعها، فلابد من طبقة ديكتاتورية حاكمة تملك سلطات استبدادية، 

وتملك ثروة قومية، هذه الطبقة هي التي يستطيع الاستعمار التعامل معها "[ 5]..

 ثم يحاول بفهم منقوص ملامسة أفكار العدل الاجتماعي المزدهرة آنذاك من خلال رؤيته لدولة الاسلام التي بحسبه لاتتعارض بل تسمو وتصحح مثالب تلك الافكار وتنقيها فيصف المجتمع الخاضع للالوهية " قد تجد فيه الانسانية حلمها الذي تحاوله الشيوعية ولكنها تطمسه عند حدود الطعام والشراب، وتحاوله الاشتراكية ولكن طبيعتها المادية تحرمه الروح والطلاقة " [ 6 ]

 ..يستهوية الامر فيفاجئك أكثر عن مشروع الدولة القطبية ( المودودية ) تكاد تطابق في تفاصيلها مايعرف في النظم السياسية والاقتصادية بـ " راسمالية الدولة " المزدهر في الستينيات في مصر وغيرها حيث يبدو مشروع دولة قطب هنا متوافقاً مع مشروع الدولة المهيمن على معظم القطاعات الاقتصادية تخطيطاً وادارة فيطرح رؤيته لدولة الاسلام عبر توسيع سلطاتها وادوارها الاجتماعية فيرى ان " لتتعدد الملكية والثروات، ولتأخذ منها مايلزم لاصلاح المجتمع وتدع ما لايضر، ولتتحكم في ايجار العقارات، وفي نسب الاجور، ولتؤمم المرافق العامة، وتمنع الاحتكار، ولتحرم الربا والربح الفاحش والاستغلال، هذا الاسلام لا يوافق الطبقات المستغلة ، ولا يضمن معه المستغلون البقاء " [ 7] 

ويقول أيضاً : " أن تتحكم الدولة في التصدير والاستيراد، وأن تشتري لحسابها كل المحصولات التي تصدر الى الخارج وفي أوائلها القطن بسعر يجزي الزارع، ثم تبيعها لحسابها بالاسعار العالمية، فاما الحصيلة الناتجة عن الفرق فتساهم بها في تخفيض سعر الواردات حين تباع للمستهلك ، وتسد بها الفرق بين ثمن شرائها المرتفع وثمن بيعها المناسب للجماهير" [8]

 الحاكمية .. تساؤلات معلقة حول اثر الدافعية الحضارية والثقافية 

يرفض الدكتور نصر حامد أبو زيد تفسير الدكتور حسن حنفي للاسباب التي رتبت التوافق القطبي المودودي حول مفهوم الحاكمية معتبراً ان مفهوم الحاكمية اعمق من فكرة الاضهاد التبريرية التي استند اليها حنفي، حيث يراه مفهوماً محايثًا للخطاب الديني الذي ساد تاريخ الاسلام الثقافي فيعرض لرأي حسن حنفي القائل : " بان التركيز على مفهوم الحاكمية في كتابات سيد قطب بكل ماترتب عليه من تكفير المجتمع، ومحاكمة كل الانظمة والانساق الاجتماعية والفكرية في تاريخ البشرية، يمكن تفسيره بالاضطهاد الذي عاناه الاخوان ومعهم سيد قطب في السجون والمعتقلات، اي انها عقدة الاضطهاد التي جمعت سيد قطب والمودودي وجعلت الاول ينقل عن الثاني" [ 9 ]– بينما يرى أبو زيد ان مفهوم الحاكمية " مفهوم محايث للخطاب الديني الذي ساد تاريخ الاسلام الثقافي، وانه من ثم كامن في بنية هذا الخطاب، يتجلى حيناً ويتخفى حيناً " يضيف ابوزيد : " إن عقدة الاضطهاد قد تصلح لتفسير الظواهر السلوكية عند بعض الشباب الذي حمل أفكار سيد قطب وتشربها داخل السجون وخرج بعد ذلك يحولها الى واقع ولو بالاستشهاد، واذا جاز لعقدة الاضطهاد أن تفسر تجلي المفهوم في خطاب سيد قطب فانها لاتفسره في المصدر الذي اعتمد عليه قطب : خطاب المودودي " [ 10 ] 

ينبغي الاشارة هنا الى قدر كبير من وجاهة في راي الدكتور ابوزيد حيث ثمة شواهد قائمة تدعم رؤيته، شواهد قد تحتاج الى بحث منفصل ومتعمق يتناول اثر البعد الحضاري والمزيج الثقافي الاجتماعي النفسي في بلورة القناعات الايديلوجية خاصة المتعلقة بمفاهيم مطلقة منتجة للتطرف والعنف والاقصاء التام للاخر ..وسندنا في ذلك وجهان :

اولهما على سبيل المثال وبرغم المآسي التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك وكوسوفو على ايدي الصرب بعد تفكك الاتحاد اليوغسلافي لم تفضي المآلات الى ردة فعل منكفئة على الايديلوجيا ودعوات الجهاد ، بل ذهبت بعيدأ في لملمة الجراح وتجاوز المآسي وعقدة الاضطهاد الى بناء هيئات مدنية ديمقراطية ومجتمع تعايشي منفتح على الاخر .

أما الوجه الاخر فهو متعلق بالمفهوم ذاته ، مفهوم "عقدة الاضطهاد "وعلاقته بالرغبة العارمة في الانتقام عبرتكثيف الانكفاء الايديلوجي واستدعاء المفاهيم الدينية الاطلاقية ، ربما لدواعي المنهجية نكتفي بطرح المسألة في صيغة دعوة للبحث في اسباب نجاح شعوب وطوائف وملل ونحل وثقافات اخرى في تجاوز محنة اضطهادية قد تكون اشد ايلاماً من محنة المسلمين والمودودي معاً في الهند وغيرها ، ونقصد هنا النموذج الجنوب افريقي متمثلا في زعيمه الايقوني نلسون منديلا وكيف تسنى للشعب الجنوب افريقي تجاوز محنته التي هي من اشد المحن الانسانية على الاطلاق ومن ثم حضوره على الساحتين الافريقية والدولية نسقاٌ انسانياً تعايشياً .. ربما بحثاً مقارناً حول تلك الفروق المدهشة بابعادها الثقافية والاجتماعية قد تاتي باجابات شافية وحاسمة تكشف الملتبس في تلك المعضلة التي ربما هي ما دفعت الباحث الكبير نصر ابوزيد في ذات الموضوع وذات السياق الى القول :"ويظل السؤال معلقاً ينتظر الاجابة ! " [ 11 ] 

المصادر :

 A short history of the Islamic Revaiablkist movement in islam ( tran. By : p al – sh'ari,Islamic publication LTD . Lahore ( Pakistan), 3 rded. 1979, p. 30.

سيد قطب ، هذا الدين ص 20: 22

 سيد قطب ، معالم في الطريق ص 59

 المصدر السابق ص 24 – 25

 سيد قطب ، معركة الاسلام والراسمالية ، الدار السعودية للنشر والتوزيع ، ط 4 ، 1969 م ، ص 104

 المرجع السابق ص 61 ، 109

 السابق ص 104

 السابق ص 116

 حسن حنفي : أثر الامام الشهيد سيد قطب على الحركات الدينية المعاصرة ، ضمن كتاب " الدين والثورة في مصر" المجلد الخامس " الحركات الدينية المعاصرة " مكتبة مدبولي ، القاهرة 1988 ص 169 - 170

 نصر حامد أبو زيد - الخطاب الديني المعاصر، آلياته ومنطلقاته الفكرية ، مجلة قضايا فكرية ، اكتوبر 1989 ص 62

 المصدر السابق ص 62

التعليقات (0)