- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
الحرب الإعلامية تشتعل.. هل حانت لحظة الحقيقة في الأزمة الأوكرانية؟
الحرب الإعلامية تشتعل.. هل حانت لحظة الحقيقة في الأزمة الأوكرانية؟
- 13 فبراير 2022, 1:33:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يكشف سادة صناعة الأسلحة أحيانًا بغير قصد عن فائدة التوترات العالمية لأرباح شركاتهم، مثلما حدث مؤخرًا حين أعلن المديران التنفيذيان لشركتي الدفاع "لوكهيد مارتن" و"رايثيون" بصراحة أن حالة انهيار السلام والأمن العالميين كانت بشرى سارة لمستثمريهما.
وكان "جريج هايز" مدير شركة "رايثيون" صريحًا بشأن سعادته بحرب محتملة في أوكرانيا، بالإضافة إلى هجمات الطائرات المسيرة التي يشنها الحوثيون على الإمارات، عندما قال للمساهمين: "نحن نشهد فرصًا للمبيعات الدولية. علينا فقط أن ننظر إلى الأسبوع الماضي حين رأينا هجوم الطائرات المسيرة في الإمارات، وتصاعد التوترات في أوروبا الشرقية وبحر الصين الجنوبي، كل هذه الأشياء تضغط على الإنفاق الدفاعي هناك. لذلك أتوقع أننا سنجني بعض الفوائد".
وتعد هذه الملفات موضوعًا ساخنًا للنقاش في الأشهر الأخيرة، خاصة تهديد أوكرانيا، مع وجود عشرات الآلاف من القوات الروسية الآن على الحدود مع أوكرانيا.
ويشير التعليق اليومي المحموم من وزارة الخارجية الأمريكية ووسائل الإعلام إلى خطة وشيكة من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لغزو أوكرانيا.
صراع سرديات محتدم
تنفذ روسيا مناورات حربية في بيلاروسيا هذا الأسبوع، وتنقل الدبابات عبر البحر الأسود على متن سفن نقل برمائية، ويُنظر إليها على أنها استعدادات محتملة لهجوم من الشمال والجنوب.
وقال رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" يوم الخميس: "ربما تكون هذه أخطر لحظة في أكبر أزمة أمنية واجهتها أوروبا منذ عقود".
وكانت وزيرة الخارجية البريطانية "ليز تراس" في موسكو، حيث أبدت معرفة محدودة للغاية بتاريخ روسيا وجغرافيتها وأثارت حفيظة نظيرها المخضرم "سيرجي لافروف"، الذي وصف اجتماعهما بأنه "محادثة بين الصم والبكم".
وبالمثل، خرج الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" خالي الوفاض بعد 6 ساعات من المحادثات مع "بوتين" يوم الاثنين.
أما إذا قرأت وسائل الإعلام الروسية، فستجد أن التحركات الأمريكية والبريطانية الخبيثة هي التي تصعّد الصراع، بما في ذلك تدريب قوات العمليات الخاصة البريطانية للميليشيات الأوكرانية على فنون التخريب ومكافحة التمرد. ومؤخرا، عاد أكثر من 100 من القوات الخاصة البريطانية -بما في ذلك القوات الجوية والقوات البحرية الخاصة- من أفغانستان فيما يتم نشرهم الآن في أوكرانيا.
وقال مصدر في موسكو: "الناس في روسيا يتحدثون كما لو أن الولايات المتحدة على وشك غزو روسيا"، ويرى أن ذلك يتعلق بتعزيز الدعم المحلي لـ"بوتين" من خلال إبراز قوته خارجيًا، وهو نفس ما يفعله رئيس وزراء المملكة المتحدة المأزوم.
تذكير بحرب العراق
أدى نقاش مؤخرًا بين المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" وصحفي مخضرم من وكالة "أسوشييتد برس" إلى انكشاف عبثية عملية الخداع التي تصور أن الوضع على حافة الحرب.
وطالب الصحفي "مات لي" ببعض الأدلة وراء ادعاء المسؤول بأن الروس كانوا يخططون لإجراء عملية سرية في شرق أوكرانيا. ورد "برايس" قائلاً: "هذا مستمد من معلومات معروفة للحكومة الأمريكية، معلومات رفعت عنها السرية".
وأجاب الصحفي: "حسنًا، ولكن أين هذه المعلومات؟"، فرد المتحدث: "إنها معلومات استخباراتية رفعت عنها السرية"، ورد الصحفي بدوره: "أين هي؟ أين المعلومات التي رفعت عنها السرية؟".
وقال "برايس": "لقد قمت للتو بالتحدث عنها"، فأجاب الصحفي: "لا، لقد قدمت سلسلة من المزاعم"، فعرض عليه "برايس" طباعة بيانه الموجز، ليجيب الصحفي: "لا، هذا ليس دليلاً، هذا ما تقوله". وتعثر "برايس" بينما ذكره الصحفي أنه قيل له من قبل إن كابل لن تسقط، لكن هذا ما حدث.
وأشار "لي" إلى هذا يذكره بالبيانات الموجزة في الأشهر المحمومة التي سبقت غزو العراق عام 2003. ففي ذلك الوقت، ادعت المخابرات الغربية بكشفها لجميع أنواع مؤامرات وخطط "صدام حسين"، وصولاً إلى التهديد الوشيك لأسلحة الدمار الشامل التي يمكن إطلاقها ضد أهداف في المملكة المتحدة "في غضون 45 دقيقة".
تغذية الوهم
كان ما يسمى بـ"علم الكرملينيات" (من الكرملين) هواية مفضلة للاستخبارات ووسائل الإعلام الغربية خلال الحرب الباردة، ولم تختلف ممارساتها كثيرًا اليوم، حيث ما تزال تفتقر لأي شيء صلب تبني عليه قائمة على التكهنات.
تمارس الاستخبارات ووسائل الغربية حاليًا ممارسة مشابهة تُدعى بـ"علم الغزو"، وهو نوع من علم التنجيم الذي يتنبأ بالوقت الذي ستضرب فيه روسيا، والذي قد يكون غدًا، أو في اليوم التالي، وربما الأسبوع أو الشهر المقبل.
في القرن 21، تعتبر الحرب الإعلامية عنصرًا حاسمًا في أي تخطيط قبل الحرب، ويبدو أن هذا وصل إلى ذروته حاليًا. فمن خلال الترويج لحتمية الحرب في أوكرانيا، تزرع وكالات الاستخبارات الغربية ووسائل الإعلام التابعة لها فكرة أن الحرب قد بدأت بالفعل، حتى أن "بلومبرج" أعلنت عن غير قصد أن روسيا غزت أوكرانيا (قبل أن تعتذر).
وإذا كانوا على حق، فإن خطط "بوتين" للغزو مسألة وقت، ولكن إذا استندنا إلى ما يقوله الرئيس الروسي علنًا، فإنه يريد من الغرب على الأقل استبعاد عضوية أوكرانيا في الناتو، وهو أمر رفضه الحلف الأطلسي.
وحذر الزعيم الروسي هذا الأسبوع من أن أي تحرك من جانب أوكرانيا للانضمام إلى الناتو من شأنه أن يشعل فتيل حرب، مذكرا الغرب بالقدرة النووية لروسيا، حيث قال: "لن يكون هناك رابحون. وسوف يتم جركم إلى هذا الصراع رغمًا عنكم. لن يكون لديكم الوقت حتى لترمشوا عندما ترغبون في تنفيذ المادة الخامسة (مادة الدفاع الجماعي الملزمة لأعضاء الناتو)".
وجهة نظر روسيا
أمضت وزارة الخارجية الأمريكية عقودًا في التخطيط لكيفية توسيع حدود التحالف الغربي شرقًا، بمساعدة ما يسمى بـ"الثورات الملونة" ودوافع الناتو التوسعية.
وقال رائد أعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات في موسكو لصحيفة "نيويورك تايمز": "تسعى أمريكا لتحقيق أهدافها الجيوسياسية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي، وتريد تقسيم روسيا ودول ما بعد الاتحاد السوفيتي". وتعد هذه وجهة نظر مشتركة، حتى بين أولئك الذين لا يحبون "بوتين".
وتضخ الولايات المتحدة وحلف الناتو أسلحة عالية التقنية في أوكرانيا ويدربون القوات المسلحة الأوكرانية، مما يجعلها عدوًا أقدر عسكريًا.
وإذا اشتعلت الحرب في أوكرانيا أو دونباس أو شبه جزيرة القرم، فستكون في أماكن خاضت فيها روسيا العديد من معاركها الحاسمة في الماضي، ضد العثمانيين والتتار من القرن 17 إلى القرن 19، وضد الجيش الأبيض في الحرب الأهلية، أو ضد الفيرماخت.
ومن منظور الروس، يعد نشر معدات عسكرية أمريكية وبريطانية بمليارات الدولارات على حدودها علامة على التصعيد، وليس الدفاع.
وإذا تأملنا السرديات المتكررة في وسائل الإعلام الغربية فإننا نجد إنها مؤيدة بشكل كاسح لأوكرانيا ومناهضة لـ"بوتين" وتقدم تأطيرًا تبسيطيًا للطبيعة المعقدة للصراع، وحتى الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" بدأ يرى على ما يبدو أن ضجة الحرب التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية لا داعي لها لأنها تضر باقتصاد بلاده.
كما أن قائد القوات البرية الأوكرانية ليس مقتنعًا بأن روسيا على وشك الغزو، حيث يعتقد أنها لا تملك القوات الكافية لشن هجوم. وقال لصحيفة "الجارديان" الأسبوع الماضي: "نرى تدريبات، ونرى حركة، لكننا لا نرى استعدادات للهجوم المباشر أو تحضيرات لضربات جوية".
مقامرة هائلة
أظهرت معظم استطلاعات الرأي أن تأييد الأوكرانيين للانضمام إلى الناتو قد ازداد بشكل كبير منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وهو الآن أعلى من 50%.
واليوم، يرغب البعض في الجانب الأوكراني فعلًا بالقتال، وقد تحدث الصحفي "شون ماثيوز" من "ميدل إيست آي" مؤخرًا عن المقاتلين المسلمين الذين تطوعوا على خط المواجهة إلى جانب ألوية اليمين المتطرف في أوكرانيا، والذين أوضحوا بصراحة أنهم يريدون قتل الروس.
ولدى هؤلاء مظالم مرتبطة بالاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، والمعاملة الوحشية التي تلقاها تتار القرم في عهد "ستالين"، فضلاً عن حربي الشيشان وسوريا التي شنها "بوتين" ضد الجماعات الإسلامية المتمردة.
وقال مراسل "الجارديان" السابق في موسكو "جيمس ميك" مؤخرًا قد يكون هدف "بوتين" هو إنشاء ممر بري بين شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا - والمحاطة حاليًا بأراضٍ أوكرانية معادية - والمناطق الانفصالية التي تدعمها روسيا في شرق أوكرانيا.
وسيتطلب ذلك عملية عسكرية كبيرة، ربما تشارك فيها القوات البحرية في بحر آزوف، للاستيلاء على رأس قناة القرم الشمالية المحاصرة وربط المنطقتين، مما يزيد من تقويض وحدة أراضي أوكرانيا.
لكن "ميك" يقول إن هذا سيكون "مقامرة هائلة" وقد لا يكون "بوتين" على استعداد لمخاطرة على هذا النطاق على الأقل. ومع ذلك، ما زال العديد من المحللين الأنجلو أمريكيين يتوقعون الحرب هذا الشهر، كما فعلوا الشهر الماضي.
وتشير دورة النشاط الجيوسياسي الغربي منذ الحرب الباردة إلى أن هناك صراعًا كبيرًا مطلوبًا كل عقد، ولابد من إيجاد مبرر لشنه. ويتجلى ذلك في عدة أمثلة مثل حرب الخليج التي شنت ضد غزو "صدام حسين" للكويت، والحرب في أفغانستان ثم في العراق بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، والتدخل في ليبيا ضد "القذافي"، وتشكيل تحالف عسكري واسع ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق.
الفرق هذه المرة أن الخصم لديه أسلحة نووية وعسكرية عالية التقنية وجيش جاهز للمعركة في وقت تنظر فيه شركات مثل "لوكهيد مارتن" و"رايثيون" بجشع إلى أوكرانيا.
المصدر | جو جيل - ميدل إيست آي