- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
الحرب على أوكرانيا تدفع تركيا لإعادة التوجه نحو الغرب بحذر
الحرب على أوكرانيا تدفع تركيا لإعادة التوجه نحو الغرب بحذر
- 28 مارس 2022, 6:24:05 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل أيام قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، لخص كبير المعلقين في صحيفة "صباح" التركية اليومية "محمد بارلاس"، تقييمه للوضع بجملة: "لو كان هناك احتمال حرب، فما كان الرئيس أردوغان ليغادر اليوم في رحلة تستغرق 4 أيام إلى أفريقيا"، وأضاف أن الرئيس التركي على اتصال دائم بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".
وتابع الكاتب ذو التأييد المعلن لـ"أردوغان" أن "جميع الخبراء" اتفقوا على أن واشنطن تصعد الأزمة لترسيخ هيمنتها في أوروبا الغربية. بهذا الكلام، كان "بارلاس" يردد أيضًا المزاج العام في تركيا، وقال إنه من حسن الحظ أن رئيس روسيا أكثر عقلانية وحكمة من نظيره الأمريكي "جو بايدن".
علاقة ثنائية استثنائية
هذه الصورة التي تعكس علاقة إيجابية بين "بوتين" و"أردوغان" ليست من قبيل الصدفة. فمنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 على وجه الخصوص، تمكن "أردوغان"، بمساعدة "بوتين"، من تقديم نفسه بشكل مستقل عن الولايات المتحدة وأوروبا، بل ضدهما أحيانًا، فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية الرئيسية.
ففي سوريا وأذربيجان، نجحت أنقرة وموسكو في تهميش الأطراف الغربية، أما في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط ، فإن تركيا تعمل كمنافس أو حتى خصم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأدت مغازلة تركيا لموسكو إلى مخاوف من أن تبتعد أنقرة تمامًا عن أوروبا. وقد ساهم ذلك في نهج الاتحاد الأوروبي الحساس للغاية تجاه تركيا في شرق البحر المتوسط وقبرص، كما أدى ذلك إلى تأخر رد واشنطن بالعقوبات على استحواذ تركيا على نظام الدفاع الصاروخي الروسي "S-400".
صحيح أن تركيا لديها خبرة مع "بوتين" باعتباره استراتيجيًا بارعًا وسياسيًا يعتمد على التلويح بالقوة ولا يرحم في صراعات مثل الصراع في سوريا، لكن يبدو أن "أردوغان" نجح دائمًا في تجنب التصعيد.
وعلى الرغم من كل التوترات بين أنقرة وموسكو، فإن تقارب "أردوغان" مع روسيا قرّبه أكثر من هدفه المتمثل في الاستقلال الاستراتيجي لبلاده عن الغرب، ونجحت تركيا في المناورة بمهارة بين جبهات التنافس العالمية وتمكنت من توسيع نطاقها وتأثيرها بشكل كبير في بضع سنوات فقط.
تأرجح وميل نحو روسيا
لكن في هذه السياسة المتأرجحة، تتصرف تركيا بشكل تصادمي تجاه الدول الغربية أكثر من روسيا، وظلت الصحافة الحكومية لسنوات ترسم صورة إيجابية عن روسيا وصورة سلبية عن الولايات المتحدة وأوروبا، وقد أثر هذا بالطبع على الرأي العام التركي.
فقبل حوالي شهر من مهاجمة روسيا لأوكرانيا، في استطلاع أجراه معهد أبحاث رأي شهير، فضلت أغلبية نسبية ضيقة تقدر بـ39% من المستطلعين التعاون في السياسة الخارجية مع روسيا والصين بدلاً من أوروبا والولايات المتحدة.
وفي الأيام الأولى بعد الغزو الروسي، اتبعت سياسة أنقرة النمط المذكور أعلاه، فقد نددت تركيا بالهجوم لكنها لم تشارك في عقوبات ضد روسيا. وفي التصويت على تعليق حقوق التمثيل الروسي في المجلس الأوروبي، كانت تركيا الدولة الوحيدة في الناتو التي امتنعت عن التصويت، وعلى هذا النحو، أبقت مجالها الجوي مفتوحًا أمام الطائرات الروسية.
يولي الغرب اهتمامًا خاصًا لما إذا كانت تركيا ستنفذ معاهدة مونترو وكيف ستنفذها، وتنظم المعاهدة لعام 1936 مرور السفن الحربية عبر مضيق الدردنيل والبوسفور في تركيا إلى البحر الأسود، وهي تحد من عدد وحمولة ومدة بقاء السفن القادمة من الدول غير المشاطئة في البحر الأسود. وفي حالة الحرب، تنص الاتفاقية على وجوب إغلاق الممرات المائية أمام سفن أطراف النزاع، وتكلف أنقرة بتطبيق لوائح المعاهدة.
استغرقت تركيا 4 أيام لتصنيف الغزو الروسي على أنه "حرب"، ومع ذلك، لا تزال أنقرة مترددة في إغلاق الممرات المائية رسميًا -كما تنص المعاهدة- أمام سفن أطراف النزاع؛ روسيا وأوكرانيا. وبدلاً من ذلك، تحذر أنقرة "جميع البلدان، سواء كانت مشاطئة للبحر الأسود أم لا"، من إرسال سفن حربية عبر المضيق.
بالمعنى الحرفي، فإن هذه الخطوة ليست موجهة بشكل أحادي ضد موسكو، ولكنها أيضًا تجعل من الصعب على سفن الناتو الإبحار في البحر الأسود. ووفقًا للمعاهدة، لا يجوز إغلاق الممرات المائية أمام السفن الحربية لجميع البلدان إلا إذا اعتبرت أنقرة نفسها مهددة بشكل مباشر بالحرب. لقد خلقت تركيا غموضًا بشكل واعي، وهكذا اتخذت موقعًا وسيطًا بين الغرب وروسيا.
ارتداد عكسي نحو الغرب
حدث ارتداد عن ذلك الآن، وإن كان بشكل غير محسوس في البداية، وهناك 4 أسباب لذلك. أولاً، يظهر الغرب وحدة وعزمًا غير مشهودين منذ الحرب الباردة، وعقوباته تقوض مكانة روسيا في العالم. وثانيًا، فإن "بوتين" يفقد جاذبيته كرجل دولة ناجح وشريك موثوق به. وثالثًا، تدرك أنقرة أن رؤية "بوتين" بإمبراطورية روسية عظيمة يمكن أن تثير المزيد من الحروب. أما رابعًا، فإن أنقرة تجد صعوبة في مواصلة سياستها المتأرجحة في الوقت الذي يتحد فيه خصوم روسيا.
وهكذا، ظهرت نغمات موالية للغرب بقوة من أنقرة في الأسابيع الأخيرة، حيث ستواصل تركيا دعمها لأوكرانيا بالتشاور مع الغرب، بحسب المتحدث باسم الرئيس التركي، كما قال وزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" أنه واجه رغبات روسيا بمرور السفن الحربية عبر مضيق البوسفور "بكل صداقة"، ويؤيد الرئيس "أردوغان" قبول أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وضم كوسوفو للناتو.
وعلاوة على ذلك، لا تعارض أنقرة تقارير الدبلوماسيين الأوكرانيين التي تفيد بأن تركيا تزودهم بالمزيد من الطائرات المسيرة المسلحة وتدريب الطيارين على قيادة الطائرات المسيرة.
وفي 2 مارس/آذار، انضمت تركيا إلى الغالبية العظمى من الدول في إدانة الجمعية العامة للأمم المتحدة للغزو الروسي لأوكرانيا، والتي طلبت من روسيا "سحب جميع قواتها العسكرية على الفور بشكل كامل وغير مشروط". وبعد يومين، خلال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية الناتو، دعمت تركيا نشر قوة الرد التابعة لحلف الناتو في دول الناتو المجاورة لأوكرانيا.
ويبدو أن "بوتين" لا يعيد الوحدة التي فقدها الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة فحسب، بل إنه يذكّر تركيا أيضًا بفوائد علاقاتها الغربية.
ويجب على الدول الغربية أن تدرك أن إظهار المزيد من الوحدة فيما بينها والمزيد من التصميم سيجعل تركيا تعيد الانخراط مع الغرب.
المصدر | جنتر سوفيرت - فاير أوبزرفر