الطاف موتي يكتب: ما هي أولويات السياسة الخارجية للحكومة التركية الجديدة؟

profile
  • clock 11 يونيو 2023, 4:22:49 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تواجه الحكومة التركية الجديدة بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان لفترة ولايته الثالثة بيئة سياسية خارجية معقدة وصعبة. وتوترت علاقات تركيا مع حلفائها التقليديين في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بسبب قضايا مختلفة مثل الصراع السوري وأزمة اللاجئين ونزاع شرق البحر المتوسط وصفقة صواريخ إس-400 مع روسيا. وفي الوقت نفسه، سعت تركيا إلى توسيع نفوذها ومصالحها في مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز.
في هذا السياق، ما هي أولويات السياسة الخارجية للحكومة التركية الجديدة؟ وبناءً على التصريحات والإجراءات الأخيرة للمسؤولين الأتراك، فضلاً عن تحليل الخبراء والمراقبين، يمكن تلخيص بعض الأولويات الرئيسية على النحو التالي:

 

تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة


كانت تركيا والولايات المتحدة حليفين منذ عقود، لكن علاقتهما تدهورت في السنوات الأخيرة بسبب عدد من الخلافات. ويشمل ذلك شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي الصنع S-400 الذي تعتبره واشنطن تهديداً لأمن الناتو وفرضت عقوبات على أنقرة، والتدخل العسكري التركي في شمال سوريا ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة كشركاء في الحرب ضد داعش، وتورط تركيا في الحرب الأهلية الليبية ودعمها للحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس ضد أمير الحرب المدعوم من الولايات المتحدة خليفة حفتر، وتنقيب تركيا عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط الذي أثار توترات مع اليونان وقبرص، وكلاهما عضوان في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وأبدت الحكومة التركية الجديدة استعدادها لرأب الصدع مع واشنطن وإيجاد أرضية مشتركة بشأن هذه القضايا. على سبيل المثال، عرضت تركيا تشكيل مجموعة عمل مشتركة مع الولايات المتحدة لحل نزاع S-400. علاوة على ذلك، رحبت تركيا باعتراف إدارة بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن كحقيقة تاريخية وامتنعت عن تصعيد الخطاب أو اتخاذ تدابير انتقامية. وتأمل الحكومة التركية الجديدة في الاستفادة من شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها في مجالات أخرى وتحقيق التوازن في علاقاتها مع روسيا. 
إعادة الانخراط مع أوروبا:
عانت علاقات تركيا مع أوروبا أيضاً من انعدام الثقة المتبادل وعدم الرضا بشأن مختلف الأمور. وتشمل هذه عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والتي تعثرت منذ سنوات بسبب العقبات السياسية والافتقار إلى الإصلاحات، والسياسة الخارجية الحازمة لتركيا في مناطق مثل شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وليبيا وناغورنو كاراباخ والصومال، والتي غالباً ما تضعها على خلاف مع المصالح والقيم الأوروبية.
وقد أشارت الحكومة التركية الجديدة إلى رغبتها في إعادة التواصل مع أوروبا وتنشيط طلب العضوية في الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، استأنفت تركيا المحادثات مع اليونان لتهدئة التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط واستكشاف سبل التعاون في قضايا الطاقة والأمن.
كما أعربت تركيا عن دعمها للتوصل إلى حل سياسي للصراع الليبي على أساس خارطة الطريق التي تدعمها الأمم المتحدة، وشاركت في الحوارات الإقليمية مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ومصر. وعلاوة على ذلك، تعهدت تركيا بدعم سيادة القانون ومعايير حقوق الإنسان وتنفيذ الإصلاحات القضائية التي من شأنها معالجة بعض المخاوف التي أثارتها أوروبا.


تعزيز التعاون الإقليمي
 

اتبعت تركيا أيضاً سياسة خارجية أكثر نشاطاً وتنوعاً في جوارها وخارجه بهدف تعزيز نفوذها وقيادتها الإقليمية. وغالباً ما تبنت نهجاً استباقياً يعتمد على قدراتها العسكرية وأدوات قوتها الناعمة.
كما سعت تركيا إلى بناء تحالفات وشراكات مع مختلف الجهات الفاعلة التي تشارك رؤيتها أو مصالحها. على سبيل المثال، أقامت علاقات وثيقة مع قطر كحليف استراتيجي في منطقة الخليج؛ لقد دعمت أذربيجان في حربها ضد أرمينيا على ناغورني كاراباخ؛ ودعمت الصومال في حربها ضد الإرهاب وجهود التنمية،  وقد توسطت بين القادة العسكريين والمدنيين في السودان بعد الانقلاب، لقد دافعت عن حقوق فلسطين ضد العدوان الإسرائيلي، وعرضت استضافة محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية السابقة وطالبان. وتعتزم الحكومة التركية الجديدة مواصلة وتوسيع تعاونها الإقليمي ولعب دور بناء في حل النزاعات وتعزيز الاستقرار.


إدارة العلاقات مع روسيا
 

تتمتع تركيا وروسيا بعلاقة معقدة ومتناقضة تتميز بالتعاون والمنافسة. على سبيل المثال، تعاونت تركيا وروسيا في بناء خط أنابيب الغاز ترك ستريم ومحطة أكويو للطاقة النووية،  وعملت تركيا وروسيا معاً في عملية أستانا لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وتوصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لإنهاء القتال في ليبيا، وأنشأت تركيا وروسيا مركز مراقبة مشتركاً للإشراف على تنفيذ اتفاق السلام في ناغورنو كاراباخ.
من ناحية أخرى، اشتبكت تركيا وروسيا أيضاً حول مصالحهما وأجنداتهما المتباينة في مناطق مثل سوريا وليبيا وأوكرانيا والبحر الأسود. على سبيل المثال، دعمت تركيا وروسيا الأطراف المتصارعة في الحرب الأهلية السورية، مع دعم تركيا للمتمردين ودعم روسيا للنظام؛ تدخلت تركيا وروسيا في الصراع الليبي، مع دعم تركيا للحكومة في طرابلس ودعم روسيا لقوات حفتر، وأعربت تركيا وروسيا عن وجهات نظر مختلفة بشأن وحدة أراضي أوكرانيا وعضويتها في الناتو، وتنافست تركيا وروسيا على الهيمنة البحرية والوصول إلى البحر الأسود. وتواجه الحكومة التركية الجديدة التحدي المتمثل في إدارة علاقاتها مع روسيا بطريقة توازن بين تعاونها وتنافسها، فضلاً عن انحيازها إلى حلف شمال الأطلسي واستقلاليتها.
سياسة تركيا الخارجية تجاه الصين: إنها براغماتية ومتوازنة، تهدف إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية للصين وشراكتها الاستراتيجية مع إدارة قيمها السياسية ومصالحها الإقليمية. وتواجه تركيا معضلة بين مصالحها الاقتصادية ودعمها للإيغور في شينجيانغ، الذين يواجهون القمع من قِبل الصين. كما تسعى تركيا إلى الاستفادة من علاقاتها مع الصين لتعزيز استقلاليتها الاستراتيجية ونفوذها في علاقاتها مع القوى الأخرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا. ومع ذلك، فإن لتركيا والصين أيضاً مصالح وأجندات متباينة في بعض المجالات، مثل إيران وإسرائيل وحلف شمال الأطلسي والهند. وتواجه تركيا والصين أيضاً تحديات في إدارة الرأي العام والتصورات لبعضهما البعض، والتي تتأثر بعوامل مختلفة مثل الثقافة والتاريخ والأيديولوجيا والإعلام.
في الختام.. تعكس أولويات السياسة الخارجية للحكومة التركية الجديدة طموحها في اتباع سياسة خارجية متعددة الأبعاد ومستقلة تخدم مصالحها وقيمها الوطنية. وتسعى تركيا إلى تحسين علاقاتها مع حلفائها التقليديين في الغرب، مع توسيع نفوذها ومصالحها في مناطق أخرى. كما تسعى تركيا إلى تعزيز تعاونها الإقليمي وقيادتها، مع إدارة علاقاتها مع القوى الكبرى الأخرى. ومن المرجح أن تظل السياسة الخارجية التركية ديناميكية وبراغماتية، وأن تتكيف مع الظروف والفرص المتغيرة.
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)