- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
العقوبات الغربية الهزيلة على تركيا... الملابسات والمآلات
العقوبات الغربية الهزيلة على تركيا... الملابسات والمآلات
- 4 مارس 2021, 2:47:38 ص
- 1065
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل ايام قلائل أصدر الاتحاد الأوربي عقوبات أولية هزيلة على تركيا بعد خلاف شديد بين أعضاء الاتحاد ، رفضت بعض الدول فرض عقوبات على تركيا على رأسها المجر وإيطاليا بفضل تأثير السياسة الخارجية التركية ، وإلى حد ما ألمانيا التي طالبت أكثر من مرة بالاقتصار على سياسة الحوار مع أنقرة .
والمتأمل في المشهد يلحظ أن العقوبات تمثل حالة تأرجح بين التهديد بالعقوبات والتلويح بإجراءات صارمة في الوقت الذي لا يجرؤ الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات عقابية مؤثرة أو قوية، مراعاة لحاجة الاتحاد الأوروبي لتركيا، ثقلها المؤثر في المنطقة بعد دورها العسكري الفعال في الأراضي السورية والليبية ومؤخراً بدرجة أوضح في إقليم ناجورنو كاراباخ، ونتج عن هذا التأرجح أو المراوحة في المكان ،أن بلدان الاتحاد الأوروبي لم تستجب لمساعي فرنسا واليونان التحريضية الشديدة الداعية إلى فرض عقوبات على تركيا، لكنها في الوقت ذاته لم تمنع وقوع المزيد من تلك العقوبات في المستقبل، وتركت الباب موارباً أمام المفاوضات بين قادة دول أوروبا من ناحية وبين تركيا من ناحية أخرى ، وايضاً انتظاراً لتولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ومسارات سياساته الخارجية ، والطريق الذي ستسلكه توازنات القوى في المنطقة والعالم .
ورغم أن ما تم فرضه من قبل الاتحاد الأوروبي حتى الآن هو بعض التدابير التقييدية على عضوين فقط من شركة البترول التركية (TPAO)، ونصت مسودة القرار أن قادة الدول الأوروبية سيطلبون من وزراء خارجيتهم إعداد قوائم عقوبات إضافية، لتفتح الوثيقة بذلك الباب أمام توسيع تلك العقوبات في اجتماع الاتحاد الأوروبي في مارس المقبل ، وذلك في استجابة مشروطة أو قليلة لضغوط فرنساواليونان اللتين طالبتا بصياغات وإجراءات اكثر صرامة مما تم إعلانه بالفعل ، لكن ذلك لم يحدث وتمت ترضية أثينا وباريس بتلك العقوبات الهزيلة وضعيفة التأثير، حيث لا حاجة لمسئولي تلك الشركة للتعامل مع اوروبا من الأساس ، وهوما يجعل محصلة تلك العقوبات صفراً كبيراً.
لكن ذلك لا يمنع أن الوثيقة تمهد لفرض المزيد من تلك العقوبات لتصبح أكثر جدية ، واكثر تاثيراً بحق تركيا، وهو مالم تقنع به اليونان وباريس وطالبتا بالمزيد من الإجراءات الاكثر صرامة.
الغريب أن وثيقة العقوبات المعلنة من الاتحاد الأوروبي أعلنت عن تنسيق بشأن هذه القضايا مع الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل توثيق العلاقات السياسية الخارجية مع واشنطن بعد أن يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني المقبل، لكن واشنطن لم تنتظر حتى تنصيب بايدن بل سارع الرئيس ترمب المنتهية ولايته بتوقيع عقوبات هو الآخر ، لتشمل شخصيات من وزارة الصناعات الحربية التركية، وهم:
- اسماعيل دمير رئيس هيئة الصناعات
- مصطفى ألبير دنيز
- سرهات غينشوغلو
- فاروق يغيت
و ذلك كعقوبات جراء استيراد أنقرة صواريح إس 400الروسية وتشيلها على شواطىء البحر الأسود ، ورغم كون هذا الإجراء ليس بالقوي ولا المؤثر ايضاً ، لكنه رسالة واضحة بالتلويح بالمزيد من العقوبات في المسقبل ،
وبالنظر إلى الرد التركي على تلك العقوبات نجد أنه رفضها جملة وتفصيلاً رغم الإعلان عن نجاح الدولة المنصفة في تنفيذ مخطط ضد تركيا،وعبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن «انزعاجه» من إجراءات أمريكية لفرض عقوبات على تركيا..مؤكداً أن فرض عقوبات على تركيا لن يمنعها من الدفاع عن حقوقها، واشار إلى نجاح الدبلوماسية التركية في فرملة الرغبة المسعورة من بعض الدول لفرض عقوبات على تركيا ،قائلاً : إن البلدان الحكيمة في الاتحاد الأوروبي أحبطت مخططاً ضد تركيا عبر طرح مواقف إيجابية خلال القمة"....مضيفاً أن أنقرة لم ولن تخطو خطوة من شأنها الإخلال بروح العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وعلى المنوال ذاتهكانت تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الذي قال إنه يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي عدم السماح بانسداد العلاقات، إدراكاً لأهميتها الاستراتيجية بين تركيا والاتحاد".
لكن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار ذهب لأبعد من ذلك فقال في مقال لموقع لـTRT "إن حل القضايا المعقدة من خلال التعاون والتفاوض على أساس المصالح المتبادلة والإنصاف لطالما كان هدفنا دائماً. لكن من ناحية أخرى، فإن أي محاولة لتحريض الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على تركيا، أو تعيين شروط مسبقة للمحادثات، لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية".معرباً في الوقت ذاته عن تأييد بلاده بشدة لحل جميع هذه الخلافات العالقة مع الجارة اليونان من خلال القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل والحوار والمفاوضات.
وهكذا ينتج عن الموقف الجديد وضع " جديد وقديم في الوقت ذاته " يدفع كل الأطراف لترك باب الحوار والمصالحة مفتوحاً للتوصل إلى حل دبلوماسي يرضي جميع الأطراف وفقاً للقانون الدولي والمصالح المشتركة وتوازنات القوى أيضاً..
وأخيراً لنا وقفة مع نجاح الجهود الدبلوماسية لتركيا في فرملة العقوبات الغربية ممثلةً في شق صف الاتحاد الأوروبي، وخلق واقع جديد غير مجمع على الإضرار بتركيا برز بجلاء ووضوح شديدين في دور المجر التي تربطها علاقات اقتصادية قوية مع أنقرة، ولذلك كانت بودابست رافضة تماماً لانتهاج أي سياسة عدوانية ضد أنقرة..بالإضافة إلى إيطاليا التي شددت على الدور التركي المؤثر في حلف شمال الأطلسي وإلى حاجة دول الناتو إلى هذا الدور التركي المؤثر والفعال والذي لا يستطيع أحد آخر تعويضه أو سد ثغرته ، وبدرجة أقل موقف ألمانيا التي تربطها علاقات وتعاملات اقتصادية كبيرة مع تركيا والتي لفتت إلى دور تركيا في منع الهجرة غير الشرعية وإيواء ملايين اللاجئين فوق اراضيها .... ولا نغفل أيضاً تأثير القوى الناعمة لتركيا وموقفها الإنساني في دعم العديد من دول الاتحاد الأوروبي في أزمة كورونا.
وفي الختام نستطيع القول بأريحية أن تركيا نجحت في منع أي ضرر من تلك العقوبات الغربية الهزيلة ولكنها ايضاًمطالبة بالمزيد من تفعيل ماكينة الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية والإنسانية لاستمرارتفادي أي عقوبات مؤثرة في المسقبل .