- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
العميد أحمد رحال يكتب: تكرار الضربات الإسرائيلية في سورية.. فشل أم زيادة تحصين؟
العميد أحمد رحال يكتب: تكرار الضربات الإسرائيلية في سورية.. فشل أم زيادة تحصين؟
- 21 أكتوبر 2021, 8:49:56 ص
- 503
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ انطلاقة الثورة السورية، تكررت الضربات الجوية الإسرائيلية على أهداف داخل الجغرافية السورية، ووصلت إلى أكثر من 250_ 300 ضربة جوية (لا يوجد مصدر دقيق لعدد الضربات)، نفّذت خلالها مئات الغارات الجوية واستهدفت مئات العناصر من مختلف الجنسيات، إضافة إلى تدمير كثير من المواقع، كانت أغلبها مواقع تتبع لإيران.
تعداد الضربات، والإعلام عنها لاحقًا، لم يكن مخفيًا، ولطالما تباهت بها القيادة الإسرائيلية على لسان قادتها ومسؤوليها، بتصريحاتهم الإعلامية، وخاصة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، وإن كانت إسرائيل بشكل عام تفضّل عدم الاعتراف بالضربات الجوية ساعة وقوعها، تجنبًا لإحراج قانوني في مجلس الأمن، أو لعدم إحراج أعدائها وإجبارهم على الرد.
ويتبادر هنا سؤال عن سبب كون 97% من الغارات الجوية الإسرائيلية تُنفّذ ليلًا، من دون أي أعمال وضربات جوية نهارية، وبالطبع، يعود هذا الأمر لتعهد وتوافق روسي – إسرائيلي، بأن تكون الضربات الجوية الإسرائيلية ليلًا، لعدم عرقلة عمل الطيران الروسي في الأجواء السورية نهارًا، ولمنع تشكيل أخطار متبادلة على الطرفين؛ فالأعمال القتالية الجوية نهارًا، في ظل وجود قوتين جويتين، تتطلب تنسيقًا مكانيًا وزمانيًا وخط عمليات ساخن، وهذا أمرٌ ترفضه إسرائيل، كي لا تكشف سريّة عملها، فيتسبب ذلك في خطر على طائراتها وطياريها، إضافة إلى عدم ثقتها بالروس، من حيث إخبارهم لحلفائهم في إيران ونظام الأسد بتلك الضربات التي يفترض أن تكون سريّة وأن تُحقق المفاجأة، واكتفت إسرائيل بالتزام أمام الروس بإخبارهم قبل الضربات بمدة تراوح بين (3_5) دقائق، وقد حاولت روسيا مرارًا رفع تلك الفترة إلى (15) دقيقة، وخاصة بعد تسبب إحدى الغارات الإسرائيلية فوق البحر المتوسط قبالة مدينة “جبلة” السورية في خلق موقف جوي معقّد، أدى إلى إسقاط طائرة استطلاع روسية من طراز “إليوشن-20″، كانت تُقلّ 15 عسكريًا روسيًا، عبر صواريخ أطلقتها إحدى بطاريات الدفاع الجوي السورية عن طريق الخطأ.
في ظلّ ضعف وسائط الدفاع الجوي بجيش نظام الأسد، عبر منظومات الدفاع الجوي القديمة المتهالكة من نوع (فولغا، بتشورا، إس_200)، أصبحت تلك المنظومات عبارة عن هياكل حديدية غير فعالة، ولا تستطيع التعامل مع الطيران الإسرائيلي الذي يملك تفوقًا وقدرة إلكترونية وتكتيكية على تجاوزها، إضافة إلى امتلاك إسرائيل منظومات من سلاح الحرب الإلكترونية الذي يستطيع شلّ حركة منظومات السطع الرادارية والفنية، وحرف الصواريخ المطلقة باتجاه طائراتها، وتصيب حزمها الإلكترونية شاشات الكشف بالعمى الراداري، مما يمنع كشف الطائرات المهاجمة أو صواريخها المطلقة باتجاه أهدافها، وكلّ الصواريخ التي كان يطلقها نظام الأسد من تلك المنظومات كانت للاستثمار الداخلي، ولتوظيفها في خانة الرد والمقاومة، لكن معظم صواريخ منظومات الدفاع الجوي السورية المطلقة كانت تشكّل خطرًا إضافيًا على المدنيين، نتيجة سقوطها فوق بيوت المدنيين، ومنها ما تجاوز الحدود السورية، وسقط على بلدات وقرى أردنية ولبنانية، بعد أن أُطلقت بشكل عشوائي ومن دون توجيه، بسبب غياب الرؤية الرادارية على شاشات الالتقاط والتتبع والمزامنة. حتى النسخ المتطورة من منظومات الدفاع الجوي الروسية والإيرانية التي دفعت بها روسيا وإيران لحليفها “الأسد” (إس_200 معدل، بانتسير، باور373 إيرانية)، وحاولت من خلالها خلق نوع من الردع الجوي لإسرائيل، فشلت في تلك المهمة، باستثناء مرة واحدة تمكنت فيها بصاروخ (إس_200 معدل) من إسقاط طائرة إف 16 إسرائيلية، أثبتت التحقيقات لاحقًا أن السبب في إسقاطها يعود لضعف وتردد الطيار الإسرائيلي باستخدام وسائط ومنظومات الحرب الإلكترونية التي كانت قادرة على تشتيت وحرف الصاروخ عن الطائرة وتجنب إسقاطها، أما منظومة (إس_300) الروسية التي سلمتها موسكو إلى الجيش السوري أخيرًا، فهي ممنوعة من العمل (هناك تعهد روسي لإسرائيل بعدم تفعيل المنظومة)، بعد أن احتجزت بلوكات وبطاريات التشغيل عن عناصر جيش الأسد، وبخصوص منظومة (إس_400) وباقي منظومات الدفاع الجوي الروسية الموجودة داخل وقرب قاعدتي الروس في “حميميم وجول جمال” في الساحل السوري، فهي -على لسان جنرالات الروس- ليست مخصصة للدفاع عن الأسد وجيشه أو الدفاع عن الإيرانيين و”حزب الله”، فمهمتها تنحصر فقط بالدفاع عن عناصر الجيش الروسي في سورية، وبالتالي هناك قناعة لدى قادة إسرائيل بأن قواهم الجوية قادرة على الطيران وخرق الأجواء السورية، طولًا وعرضًا، شمالًا وجنوبًا، من دون أي أخطار حقيقية على وحداتهم الجوية التي تُستخدم لتنفيذ الهجمات، ومع ذلك، كان التكتيك الإسرائيلي يُنوع بضرباته ما بين طائرات مقاتلة قاذفة من طراز (إف15، إف16، إف35)، أو عبر صواريخ أرض – أرض، غالبًا ما كانت تُطلق من مرابض صاروخية في الجولان السوري المحتل، أو عبر الطيران المسير المتطور الذي غالبًا ما كان يستهدف الأهداف المتموضعة شمال شرق سورية، في محيط مدينتي “الميادين والبوكمال”، وأخرى ضمن الكريدور الإيراني على الحدود العراقية السورية.
أما من ناحية مواقع الضربات الجوية الإسرائيلية، فقد طالت تلك الضربات معظم الجغرافية السورية، لكنها تركزت وشكلت كثافة واضحة في ثلاث مواقع:
الموقع الأول: المنطقة الجنوبية الممتدة من محيط دمشق والكسوة وجبل المانع، وصولًا إلى حدود الجولان المحتل.
الموقع الثاني: المنطقة الوسطى من جبل زين العابدين بريف حماة، إلى مناطق تموضع مخابر ومراكز التصنيع العسكري التابعة للبحوث العلمية السورية التي سيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، ونقل إليها وسائط الإنتاج من إيران إلى سورية، وحوّلها إلى مراكز إنتاج عسكري متقدمة تمدّ وحداته وميليشياته في سورية ولبنان بالمعدات اللازمة، وخاصة بتزويد الصواريخ برؤوس دقيقة تعتمد على تقنية GBS التي أقلقت إسرائيل وهدّدت مفاعلها النووي في ديمونة.
الموقع الثالث: الحدود السورية العراقية في محيط مدينتي “الميادين والبوكمال”، كمعبر لإيصال شحنات الأسلحة والصواريخ المتطورة القادمة من إيران، ويضاف إليها مطار “تي فور” الذي يسيطر عليه الحرس الثوري الإيراني كاملًا، ويحوي ورش تصنيع وتركيب وصيانة وتشغيل الطيران المسير الإيراني في سورية (لذلك يتكرر قصفه إسرائيليًا).
وكان لافتًا غياب الأعمال الدفاعية المضادة للطيران الإسرائيلي، من قبل نظام الأسد أو إيران أو روسيا (مرات قليلة، أعلنت روسيا اشتراكها في التصدي للهجمات الإسرائيلية، كان آخرها تصريح نائب رئيس “المركز الروسي للمصالحة” الأدميرال فاديم كوليت في قاعدة حميميم بتاريخ 10 تشرين الأول/ أكتوبر حيث قال: أطلقت 6 مقاتلات إسرائيلية من طراز (F-16)، عند عبورها الحدود السورية في منطقة التنف، 12 صاروخًا موجهًا على مطار “تي فور”، وقامت منظومات “بانتسير” روسية الصنع بإسقاط 8 من أصل 12 صاروخًا تمّ إطلاقها)، وبالرغم من الراحة القتالية التي تمتلكها أطقم الطائرات الإسرائيلية (القاذفة والاستطلاعية)، فإن الضربات الإسرائيلية توصف بعدم الفاعلية، وتكرار الضربات على المواقع والأهداف نفسها مرات متتالية.
بالطبع، هذا الكلام صحيح، من حيث عملية التكرار، لكنه يغالط الحقيقة من حيث المردود، لأن الضربات الإسرائيلية تحقق أهدافها وتدمّر المواقع المستهدفة، وإن نكران نظام الأسد للنتائج مع حليفه الإيراني تكذّبه أوراق النعي على جدران البيوت وفي شوارع الساحل السوري، وتكذّبه أيضًا عشرات التوابيت الملفوفة بالعلم الإيراني التي تنقلها إيران بعد القصف الإسرائيلي، عبر شركة طيران “ماهان” الإيرانية من دمشق وحلب إلى طهران.
لكن تكرار الضربات الإسرائيلية على المواقع والمناطق نفسها يعود لسبب جوهري ومهم، يجب توضيحه. إن خبرات التحصين التي اعتمدتها إيران وأيضًا نظام الأسد، لتحصين المواقع العسكرية، مستمدة من خبرات الجانب الكوري الشمالي، الذي يشارك خبراؤه في كل عمليات بناء وتمويه وتحصين المواقع العسكرية السورية والإيرانية، منذ تسعينيات القرن الماضي، وهي خبرات تعتمد في ظلّ ضعف وسائط الدفاع الجوي، للتغلب على الضربات الجوية والصاروخية، بتشكيل حالة دفاعية تحصينيه تحت أرضية وداخل أنفاق وفي قلب الجبال، توضع فيها وسائط الإنتاج والأسلحة المتطورة، كما هو الحال في جبل زين العابدين بريف حماة، أو مواقع مراكز البحث العلمي في مصياف وجمرايا وغيرها، وبالتالي لا تستطيع قدرات الطيران الإسرائيلي الحالية أو المستخدمة التأثير على ما تحتويه تلك الأنفاق المبنية بأعماق كبيرة داخل الأرض ولعشرات الأمتار، أو في داخل كهوف الجبال، إنما تستهدف فقط الأرتال المتحركة التي يتم إدخالها عبر العراق قرب مدينتي “الميادين والبوكمال”، أو تستهدف معدات تم إخراجها من مواقع الإنتاج في قلب الجبال، ويراد نقلها إلى مواقع أخرى في لبنان أو محيط دمشق أو قرب الجولان المحتل، فتقلع الطائرات الإسرائيلية لقصفها وتدميرها، قبل وصولها إلى مواقع أخرى لإخفائها وتمويهها وتحصينها أو استخدامها.
المصدر: مركز حرمون