- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
الفدائيون الفلسطينيون يعودون: عندما تخاف إسرائيل وتتعقد مهمة أجهزتها الأمنية
الفدائيون الفلسطينيون يعودون: عندما تخاف إسرائيل وتتعقد مهمة أجهزتها الأمنية
- 10 أبريل 2022, 12:55:40 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هشام عبد الله
تملك إسرائيل من أسباب القوة والمنعة ما لا يقدر عليه أحد تقريبا. لكنها تقف اليوم خائفة، مرتبكة ومجروحة، أمام هجمات فدائيين فلسطينيين خرجوا على مألوف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى غير عادتها في شن هجمات انتقامية فور وقوع عمليات مسلحة ضد جنودها أو مواطنيها، ما زال جيش إسرائيل، وأجهزة أمنها المتعددة، في انتظار قرار حكومتها بكيفية التحرك والرد على العملية المسلحة الأخيرة التي نفذها رعد زيدان، من مخيم جنين بالضفة الغربية في وسط مدينة تل أبيب، وأدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وجرح آخرين.
كانت عملية الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في وسط واحدة من أكبر مدن الضفة الغربية، بمثابة نقطة تحول كبرى في نمط المقاومة الفلسطينية، إذ بدأ الفدائيون بعدها بالخروج فرادى.
وليس صحيحا القول، إن دخول السبت اليهودي ربما حال دون ذلك، فقد نشرت إسرائيل آلافا من عناصر جنودها وأجهزتها الأمنية في تل أبيب وضواحيها وبقية المدن والبلدات، وعززت تواجدها على مختلف الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، تحسبا لوقوع هجمات جديدة.
فالهجوم الذي نفذه زيدان (28 عاما) جاء بعد سلسلة عمليات مشابهة منذ شهر آذار/مارس المنصرم، كان آخرها على يد شاب فلسطيني آخر من منطقة جنين في الضفة الغربية، وأسفرت عن مقتل إسرائيليين أيضا.
وقد تزامنت الهجمات المسلحة كذلك مع أزمة سياسية مصيرية يواجهها الائتلاف الحاكم في إسرائيل، بعد قرار انسحاب أحد أعضائه، الأمر الذي يهدد بسقوط الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
وقد أقر وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس بحساسية الموقف الذي ولده هجوم الفدائي زيدان وقال: «نحن نعيش في فترة صعبة، نواجه سلسلة من الهجمات داخل البلاد وسيستمر الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الأخرى في استخدام كل القدرات الاستخبارية والدفاعية لمواجهة هذه الموجة».
ربما كان ذلك بين أسباب تردد إسرائيل في حسم رد فوري انتقامي غير مدروس، قد يعجل في انهيار الحكومة. بيد أن تغير نمط الهجمات المسلحة الفلسطينية، وتحولها من صنع خلايا تتبع جماعات وفصائل، إلى أخرى جديدة من فعل فدائيين أفراد، تزيد من تعقيد المسألة بالنسبة لإسرائيل وأجهزتها.
المختلف في هذه الموجة
وكتب المحلل الأمني الإسرائيلي رون بين يشاي يقول: «على عكس موجة عمليات الطعن الفردية عام 2015 والتي انتهت بعد عام من انطلاقها، تستخدم في الموجة الحالية الأسلحة النارية، وهذا هو التغيير الملحوظ الذي يجعل أي هجوم شبه مميت كالذي وقع في قلب تل أبيب».
وأضاف: «الاختلاف الثاني إنه على عكس الموجات السابقة، فإن المنفذين في هذه الموجة حتى لحظة التنفيذ تعلموا بالفعل توخي الحذر، ولا يعلنون مقدمًا عن نواياهم أو يلمحون على وسائل التواصل الاجتماعي بنواياهم من خلال نشر منشورات أو صور أو مقاطع فيديو تشير إلى نواياهم كما كان يفعل السابقون».
وفي السابق سمحت عمليات الرصد التي كانت تنفذها أجهزة الأمن الإسرائيلية لمواقع التواصل الاجتماعي لهذه الأجهزة بالكشف عن نوايا المنفذين، لكن الأمر تغير هذه المرة، وأصبح من الصعب جدا تحديد نوايا المنفذين والكشف عنهم وعن أماكن تواجدهم قبل تنفيذ العمليات.
وخلال الأشهر الأولى من العام الحالي، نجحت أجهزة الشاباك والشرطة والجيش الإسرائيلية في الكشف عن مسار خلايا منظمة كانت تخطط لتنفيذ هجمات. وقالت إسرائيل إنها أحبطت 10 هجمات على الأقل من قبل تلك الخلايا النشطة في شمال الضفة الغربية وتم تصفية واعتقال عدد منهم، كما حدث قبل أيام في بلدة عربة شمال الضفة الغربية.
وفي شهر شباط/فبراير الماضي، اغتالت إسرائيل ثلاثة شبان فلسطينيين ينتمون إلى «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة فتح في قلب مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية وزعمت إسرائيل انهم كانوا ضمن خلية تخطط لشن هجمات ضدها.
على ما يبدو كانت عملية الاغتيال تلك التي نفذت في وسط واحدة من أكبر مدن الضفة الغربية حيث السيادة للسلطة الفلسطينية، بمثابة نقطة تحول كبرى في نمط المقاومة الفلسطينية، إذ بدأ الفدائيون بعدها بالخروج فرادى.
ويقول العميد المتقاعد في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، أحمد عيسى، في حديث لصحيفة «القدس العربي»: «لم تتوقع إسرائيل، وبعد تنفيذها لعمليات الاغتيال في كل من نابلس وعرابة، مثل هذه الهجمات، ربما كانت تعتقد كما اعتقدت دوما أن ذلك سيكون رادعا».
وأضاف: «ما يحدث في ظل تزايد الوضع سوءا، وازدياد هجمات المستوطنين والعقوبات وإجراءات التنكيل التي تنفذها بحق الفلسطينيين، لا يعني سوى ان الأمور تخرج عن السيطرة بالنسبة لإسرائيل. إنها تتصرف بعنجهية وتتمادى في ذلك».
وكذلك ليس بمقدور السلطة الفلسطينية «شريك إسرائيل في التنسيق الأمني» أن تفعل شيئا أزاء مطالب إسرائيل لها بمطاردة المقاومين الفلسطينيين، سواء في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، أو في أماكن أخرى.
وسبق وأن قامت أجهزة السلطة الفلسطينية بمطاردة واعتقال مسلحين فلسطينيين في حملات متعددة تحت شعار «فرض الأمن وحظر أي سلاح غير سلاح أجهزة السلطة». واستنادا إلى مصادر إسرائيلية فإن حكومة إسرائيل طلبت من السلطة الفلسطينية التحرك ضد المقاومين الفلسطينيين في مخيم جنين، إثر عملية تل أبيب الأخيرة.
لكن الحال تبدل الآن، وقد تغير نمط الهجمات الفلسطينية، إذ خرجت من دائرة الخلية والمشاركة، إلى صدور شبان أفراد، ولكنها تغلي أيضا بنيران أشعلتها عقود من بطش الاحتلال وورثها جيل بعد جيل.
وآخر هؤلاء الفدائيين الجدد، رعد زيدان، لم يكن يبلغ من العمر سوى سبع سنوات عندما دمر الجيش الإسرائيلي مخيم جنين عام 2002 أبان انتفاضة الأقصى، وعائلته هجرت من بيتها عام 1948 إلى داخل المخيم.
ووالده فتحي زيدان، كان أحد ناشطي الانتفاضة الأولى (1987-1994) واعتقلته إسرائيل سنوات في سجونها. وبعد نشوء السلطة الفلسطينية عام 1994 تقلد منصبا في جهاز قوات الأمن الوطني.
وفور الإعلان أن ولده رعد، هو منفذ عملية تل أبيب الأخيرة، خرج مستقبلا آلاف الفلسطينيين الذين زحفوا إلى منزله في مخيم جنين للتضامن. وبدون أن يتدخل من قبل متحدثين من فصائل وحركات فلسطينية كما جرت العادة، خاطب زيدان الجمهور. وقال: «أعتز بابني الذي هو ابنكم والذي رفض الخنوع والاستسلام واختار درب الشهداء من أجل زوال هذا الاحتلال ومستوطنيه».
وأضاف: «ابني قدم نفسه شهيداً ليس من أجل التسهيلات فهو كشعبنا يبحث عن الحرية والاستقلال، وشعبنا يبحث عن أقصاه والصلاة في رحابه والحرية لأطفاله ولقمة عيش كريمة، وليس من أجل تصريح (عمل في إسرائيل) مغمس بالذل» ربما هذه التصريحات النارية هي التي دفعت رئيس حكومة الاحتلال للتواصل مع الأمريكان من أجل الطلب منها الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوقف راتبه التقاعدي وعدم منح منفذ العملية راتب شهيد يذهب لعائلته.
ما بعد عمليات الفدائيين الأخيرة في إسرائيل ليس ما قبله، هكذا تبدو ملامح الصورة ومؤشرات ما هو آت.
وهكذا قال أيضا الكاتب زكريا محمد «هذا بالضبط هو ما فتح الباب أمام إيصال عمليات الذئاب المنفردة إلى مداها. يخرج الذئب منفردا من بيته، ويمضي، بدون أن يخبر أهله أو أصدقاءه، إلى هدفه. وهنا لا تنفع أجهزة التنصت، ولا ينفع أمن وقائي أو استخبارات».