- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
القدس المحتلة على مفترق طريق “العصيان المدني”
القدس المحتلة على مفترق طريق “العصيان المدني”
- 17 فبراير 2023, 11:57:38 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تبدو مدينة القدس المحتلة في حالة من الغليان الشعبي أمام تنامي سياسات الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسيين ومنازلهم ومقدساتهم، وهو ما يجعل المدينة على مفترق طرق، فإما أن تتقبل وتركع لما تتعرض له من سياسات هدم وسحب جنسية وتنكيل في ظل تناميها بشكل غير مسبوق، أو يكون لها موقف جماعي موحد عبر إعلان حالة عامة من العصيان المدني.
وأظهر فيديو مصور من سيارة خصوصية اعتداء عناصر من شرطة الاحتلال على طفل وفتاة على حاجز مخيم شعفاط شمال شرقي القدس المحتلة وهو ما ضاعف من كمية الغضب في ظل الإجراءات الاحتلالية على الحاجز.
ويظهر في الفيديو فتى قام بخلع ملابسه رافعا يديه عاليا فيما يهجم عليه شرطي إسرائيلي ويطيح به أرضا، وهو ما يدفع أخته الصغيرة للنزول من سيارة في محاولة مساعدته غير أن جنديا آخر يقوم بإغلاق باب السيارة على جسدها. وبعد ثوان تخرج من السيارة في محاولة لحماية أخيها حيث تتعرض لاعتداءات من رجال الشرطة.
وانتشر الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما ضاعف من دعوات العصيان المدني الصادرة عن أهالي المخيم ردًا على اعتداءات الجنود المستمرة وتحديدا على حاجز مخيم شعفاط.
وتصاعدت الدعوات إلى إضراب شامل في المخيم، وإعلان العصيان المدني، رفضاً لاعتداءات الاحتلال على الطلبة والأهالي على حاجز المخيم وفي أزقته، واحتجاجاً على سياسة التضييق التي يشهدها المخيم بشكل عام.
وفي ذات اليوم هدمت جرافات الاحتلال سبع منشآت تجارية في المخيم تعود لعائلة الرشق، بعضها مقام منذ أكثر من 40 عاما، وتُعيل نحو 50 عائلة مقدسية، بحجة البناء دون ترخيص.
كما نكلت قوات الاحتلال بالأهالي وطلاب المدارس، أثناء مرورهم عبر حاجز المخيم، حيث تعمدت تركهم ينتظرون ساعات طويلة، قبل خروجهم منه، دون أسباب، واعتدت على بعضهم لفظيًا وجسديًا.
ويتعرض مخيم شعفاط لاقتحامات يومية من قوات الاحتلال، يتخللها اندلاع مواجهات واستهداف الأهالي بالقنابل الصوتية والغازية والرصاص المطاطي، إضافة إلى شن حملات اعتقال مستمرة بحق الشبان.
وفي ذات السياق دعت مجموعة “عرين الأسود” لأيّام غضب وتصعيد في القدس ومحيطها اعتبارًا من الجمعة، ردًا على اعتداء عناصر الاحتلال الإسرائيلي على فتاة وطفل، أثناء مرورهما بمركبة عن الحاجز.
ودعا بيان نشرته “عرين الأسود” على شبكات التواصل الاجتماعي “رجال القدس” و”صنّاع المجد” في البلدة القديمة وأحياء الطور وسلوان والثوري وواد الجوز وواد الربابة، وجبل المكبر وبيت حنينا وبيت صفافا والعيساوية وحي الشيخ جراح وصور باهر، وبلدات السواحرة وشعفاط ومخيم شعفاط وأبو ديس والعيزرية وعناتا وحزما والرام، إلى إشعال الإطارات، وإغلاق الشوارع، وتحطيم كاميرات المراقبة لزعزعة أمن الاحتلال، وتعبيرًا عن “الغضب الشديد” بعد الاعتداء على الطفل واخته.
وتعهّد بيان المجموعة المسلحة بالانتقام للفتاة التي جرى الاعتداء عليها، ولكل “أخت مقدسية” وأن يتم رد الحق مضاعفًا.
وجاء في البيان: “نحن معكم وقلوبنا معكم وسنقاتل معكم في كلّ وقتٍ وحين (…) ولن تسمعوا إلّا ما يسرُّ قلوبكم”.
إضراب تحذيري
وعلقت رتيبة النتشة، ناشطة مقدسية وعضو هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس، على أن ما يمارسه الاحتلال من ممارسات إذلال وضغط نفسي على الخارجين من المخيم هو عقوبة جماعية تكمل ما بدأ به الاحتلال قبل أيام في بلدة جبل المكبر وبلدة العيسوية والسواحرة.
وأكدت أن ما يتعرض المقدسي هو تنفيذ لسياسات وتعليمات جديدة صدرت يوم الأحد الماضي من أجل تشديد الخناق على كل احياء مدينة القدس.
وقالت في حديث صحافي إن الممارسات التي يتعرض لها المقدسيون ليست شرطية إنما هي ممارسات عسكرية معتبرة ما يجري في شعفاط هو شكل جديد من الممارسات القمعية.
وشددت على أن ما حدث في المخيم من حصار يذكرنا بالحصار الذي فرضه عليه بعد عملية الشهيد عدي التميمي حيث كان الرد الشعبي حالة العصيان المدني.
وعلق الناشط المقدسي زياد ابحيص على إجراءات الاحتلال الجديدة بحق المخيم أن الاحتلال خطط في 2004 إلى نقل مخيم شعفاط من القدس بكل سبيل ممكن كما نصت النسخة الأخيرة من “مخطط القدس 2020”.
وأضاف: “عندما تيقن أن هدمه وإعادة تهجير سكانه مستحيل أخذ ينصب قطع الاسمنت السميك على ارتفاع شاهق ويزرعها بالكاميرات وأدوات الضبط والمراقبة ليحيط بالمخيم، ثم زرع حاجز المخيم في نهاية عام 2011 ظناً منه أنه بذلك قد صنع مصير المخيم وضواحيه وعزله عن القدس تماماً”.
تحذير من تأجيج المشاعر
يذكر أن رئيس جهاز أمن الاحتلال العام (الشاباك)، رونين بار كان قد حذر وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، من أن تصرفاته قد تقود إلى تصعيد ميداني في القدس والضفة الغربية المحتلتين.
وبحسب ما نشرت وسائل إعلام عبرية فإن بار طالب بن غفير بالتخفيف من حدة أنشطته في القدس، مشددا على أن سلوك بن غفير قد يؤدي إلى إشعال فتيل مواجهة أمنية واسعة.
يذكر أن الشرطة الإسرائيلية قد زادت في الأسابيع الأخيرة من نشر وتعزيز عناصرها في القدس المحتلة.
وقرر جيش الاحتلال تجنيد سريتين من “حرس الحدود” في القدس وضواحيها تحسبا لوقوع عمليات، اعتبارا من يوم الأربعاء.
وقالت القناة الـ14 العبرية، إنه من المتوقع أن تشارك تلك القوات في النشاط العملياتي اعتبارا من يوم الجمعة.
واعتبرت محافظة القدس في بيان صحفي الخميس عمليات الهدم الاسرائيلية الاجرامية في القدس بمثابة “تصعيد خطير وجريمة حرب باعتبارها تنفذ من خلالها تهجيرا قسريا وتطهيرا عرقيا”.
واعتبرت أن مجازر الهدم وحصار العاصمة المحتلة تصعيد خطير واعلان حرب وعدوان بربري.
بدوره قال الباحث أحمد عز الدين أسعد إن القدس اليوم في حالة تداخل مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير، وسكان المدينة هم كابوس حقيقي للإسرائيليين الذين حاولوا سابقا تجريب سياسة الاحتواء عبر المناهج والمشاركة بالانتخابات والعمل ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك. كما حاولوا مرارا استخدام القوة الصلبة عبر التهجير والهدم والتضييق ولكنهم أيضا لم يتمكنوا من الوصول للنتائج التي يريدونها.
وأكد أن هناك ذكاء عند شباب القدس، لديهم حالة من الانتباه، كما أنهم يتعاملون مع الاحتلال ندا بند، ومن دون وسطاء أي على خلاف حالة الضفة الغربية.
واعتبر، في حديث صحفي، أن دعوات العصيان هي نتيجة لمراكمة الانتصارات من حادثة الطفل أبو خضير، مروا 2015 و2016 وهما عامان أصبحت فيهما القدس ميدان معركة، ووصولا إلى معركة البوابات الالكترونية ومصلى باب الرحمة عام 2017 ووصولا إلى تجربة حي الشيخ جراح النضالية وكلها أحداث أو هبات منحت المقدسيين مصادر القوة والإحساس بالذات.
وأكد مؤلف كتاب “بلاد على أهبة الفجر.. العصيان المدني والحياة اليومية في بيت ساحور”، الصادر عن المركز العربي للدراسات للأبحاث ودراسة السياسات (2021)، والذي تناول فيه التجربة العصيانية النضالية لمدينة بيت ساحور في الضفة الغربية، أثناء الانتفاضة الأولى (1987-1993)، أكد على أنه يجب ألا ننظر لكل عصيان مدني على انه نسخة عن عصيان سابق، فلكل منطقة خصوصية في حالة المقاومة التي تبتكرها وبما تناسب مع ظروفها.
واعتبر في حوار صحفي أن البيئة مهيئة لحالة عامة من العصيان المدني على المستوى الوطني، وشدد أن العصيان يتطلب حركة جماهيرية قوية، وحركة وطنية قوية أيضا، وفعل جماعي وعلني وبنيوي، أي أن يكون هناك بنى ومؤسسات تعمل على الانخراط به وتفعل كل الخيارات النضالية.
واعتبر أن خيارات العصيان المدني تأتي كجزء من استراتيجية “حاصر حصارك” التي تحدث عنها محمود درويش، وكذلك “وسنرى من يحاصر من؟” التي ذكرت في بيانات عرين الأسود، وهو أمر يعتبر جزءا من استراتيجية “المقاومة بالحيلة” والتكييف والصمود اللذين يخلقان من واقع الحال.
ويرى أسعد أن أبرز الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من تجربة بيت ساحور العصيانية هو الطوعية (التطوع)، والجماعية، والعلنية.
واعتبر ما تعيشه القدس جزءا من عملية تدريب يعيشها الشباب الفلسطيني الجديد، فالنشطاء اليوم أغلبهم لا يعرفون عن العصيان المدني وتاريخه الطويل، لكن المؤكد أن هناك مراكمة واستمرارية وهناك أشكال تنظيمية جديدة تظهر في القدس مثلما تظهر في الضفة الغربية.