- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
الكاتب الصحفي محمد الروبي يبدع : إرث أبي
الكاتب الصحفي محمد الروبي يبدع : إرث أبي
- 23 يونيو 2021, 2:52:16 ص
- 1118
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعب المهرولون خلف نعش أبي، فناداه الشيخ محمد: " كف".. فكف.
هلل الرجال وزغردت النساء، ووقف الشيخ على رأس أبي يسأله لاهثا: أما آن لك أن تستريح وتريح؟
حينما أشار إليهم الشيخ امتدت أيادي الرجال تحاول حمل أبي ثانية، لكنه أبى، فأشار إليهم أن اتركوه، فتركوه.
امتزج النحيب الهادئ بهمهمات وتسبيح ونشيج. وأنا يخالجني زهو ممزوج بدهشة، أسائل أقراني بنظرات دامعة عن معنى ما نشهده، فيجيبونني بإشاحة الوجوه.
استدعاني الشيخ بإشارة صامتة وهمس، فتناولت الفأس الممدودة، وضربت الضربة الأولى فانهالت بقية الفؤوس.
انهينا الحفر ووسدنا الجسد وأهلنا التراب، ورددنا خلف الشيخ أدعية تدشن شجرة التوت العتيقة مزارا للباحثين عن هدأة الروح ومن فاتهم قطار الحياة.
في الليل تحول عزاء أبي إلى حفل تتويج لي، ألبسوني العباءة وقلدوني اللقب والتفوا حولي يشدون على يدي ويتبركون باللمسات. وأنا شارد عنهم، أسائل نفسي عن معني اختياره لشجرة عجوز كان يهرب والشيخ محمد إليها من سخافات أسئلتنا، أنا وأقراني المتعلمين. كنا نراهما جالسين في ظلها يلفهما صمت، فنودعهما بنظرات ساخرة ونمضي إلى حيث دائرة الجدل حول الكائن وما يجب أن يكون.
.. توافدت على بيتنا أفواج الساعين إلى الراحة. يسألون وألوذ أنا بالصمت هربا، فيفسرون صمتي كل حسبما يشاء.
اعتزلني الرفاق خجلا، ربما، أو ربما أسفا. بينما صمتي يزيد العجائز والأعيان تعلقا بي يؤولونه وصلا، ووجدا، وإسراءات. فازداد غرقا في بحر العباءة واللقب ولمسات المتبركين.
لقاءاتي والشيخ محمد لم ترو عطش الأسئلة فهرعت، محتميا بالليل، إلى أبي أسأله المشورة، لكنه كان نائما فخجلت أن أقلقه وعدت ممنيا نفسي بلقاء جديد.
توالت زياراتي الليلية فتفشت أسرارها ونُسجت حولها وحولي الأساطير.
في ذكرى الأربعين تحلقوا حول الجذع العتيق ينشدون الأذكار ويطوحون الأجساد ويلقون عند قدمي بالنذور.
ازدادت الحلقة اتساعا، فاعتدلت في جلستي وفرشت بردتي وأذنت للمريدين بالمزيد.