- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
اللواء عبدالمنعم كاطو: القيادة المصرية كانت على علم «كامل» بموعد عدوان 67!
حرب أكتوبر في دفاتر المؤرخ العسكري اللواء عبدالمنعم كاطو(1-3)
اللواء عبدالمنعم كاطو: القيادة المصرية كانت على علم «كامل» بموعد عدوان 67!
- 6 أكتوبر 2024, 9:38:40 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
* عبد الناصر وافق على تلقي الضربة الأولى بعدما اخبروه ان الخسائر لن تتجاوز 20%
*وجود القوات المصرية في اليمن خطأ كبير شتت شملنا وأصابنا في مقتل
*القيادتان السياسية والعسكرية تتحملان مسؤولية الهزيمة وتعريض الجيش للتدمير
*غارات الاستنزاف عقب 5 يونية أرهق العدو وهيأت التعبئة لحرب أكتوبر
*معركة رأس العش ونسف المدمرة إيلات أعادا الاعتبار للجيش المصري
في ذكرى معركة أكتوبر المجيدة أعيد نشر حوار أجريته مع الخبير الاستراتيجي اللواء عبد المنعم كاطو الذي نشر في جريدة النهار الكويتية قبل سنوات ،وذلك لاستخلاص العبر والدروس من الماضي وللاطلاع على تفاصيل جديدة عن معركة أكتوبر العظيمة ..
وحمل الخبير الاستراتيجي اللواء كاطو نكسة 5 يونيو 1967 ونتائجها المؤلمة للقيادتين السياسية والعسكرية في ذلك الوقت لاتخاذهما الكثير من القرارات والتصرفات الخاطئة التي أدت إلى الهزيمة الرهيبة التي لم يكن يحلم بها العدو ولم تخطر ببال قياداته.
وأوضح المؤرخ العسكري في حديث خاص ننشره على ثلاث حلقات أن القوات المسلحة المصرية ظلمت كثيراً بسبب القرارات والتصرفات الخاطئة لتلك القيادات،مؤكداً أن الجيش المصري كان يمتلك العتاد والقيادات الميدانية للرد على الهجوم أو تقليل آثاره لأقل قدر ممكن، وأن حجم المرارة التي شعر بها كل فرد في الجيش كانت هي الدافع والمحفز لحسن الأداء والفدائية والفداء وإجادة التخطيط وحسن الإدارة لحرب أكتوبر المجيدة. وأكد ضابط تخطيط الجيش الثاني في حرب أكتوبر أن حرب الاستنزاف معركة مستقلة وفاز فيها الجيش المصري بنجاح منقطع النظير وحقق أهدافه المرجوة منها وهي تسخين الجبهة وكسر الحاجز النفسي عند الجندي المصري والقضاء على أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ودراسة مواقع وتحصينات العدو الصهيوني على أرض الواقع.
وأوضح كاطو ان الرئيسين الراحلين انور السادات وحافظ الأسد استخدما «سلاح الشك للتمويه على الاستعدادات لحرب 6 اكتوبر التي وصفها بانها اول حرب الإلكترونية في التاريخ وشهدت اكبر استخدام للدروع البشرية.
وأكد المؤرخ العسكري أن نتائج حرب أكتوبر الإجمالية لا تعد ولا تحصى على المستوى العربي والدولي والعسكري وعلى إسرائيل نفسها حيث أسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية وكسرت ذراع إسرائيل الطويلة وجعلت العالم يضع العرب في المنزلة السادسة في ترتيب القوى على مستوى العالم. . وغلى نص الحوار :-
- ما ذكرياتكم عن الحرب وماذا كانت رتبتكم وما الدور الذي قمتم به فيها؟
لا يمكن الحديث عن حرب أكتوبر دون ذكر مقدمات هذه الحرب المجيدة وهي نكسة 5 يونيو التي تعرض فيها الجيش المصري لظلم رهيب.. اندلعت الحرب في 5 يونيو 1967 بهجوم اسرائيلي على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، وكان هذا الهجوم هو النقطة الفاصلة بين فترة ثلاثة أسابيع من التوتر المتزايد والحرب الشاملة بين اسرائيل وكل من مصر والأردن وسورية، وتشكلت حالة التوتر تدريجيا منذ نهاية 1966 في 15 مايو 1967 عندما جاوزت قوات برية كبيرة من الجيش المصري قناة السويس ورابطت في شبه جزيرة سيناء لإظهار حالة الاستعداد بعد معلومات وصلت للقيادة المصرية من الاتحاد السوفياتي عن وجود نية لدى اسرائيل بمهاجمة الأراضي السورية وأعلنت الحكومة الاسرائيلية حالة التأهب القصوى في صفوف الجيش الاسرائيلي، وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي أعلن عقب انسحاب القوات الاسرائيلية بعد العدوان الثلاثي عام 1956 أن اسرائيل ستعتبر اعادة اغلاق الممر المائي في تيران أمام سفن اسرائيلية سببا لحرب، وفي 16 مايو طالب الرئيس جمال عبدالناصر اخلاء قوات الأمم المتحدة UNEF من سيناء وقطاع غزة، وكانت هذه القوات الدولية تراقب وقف اطلاق النار بين اسرائيل ومصر منذ 1957، وأصرت مصر على اخلاء القوات الدولية، فغادرت قوات الأمم المتحدة المنطقة في 18 مايو 1967.. وفي 22 مايو أعلنت مصر اغلاق مضيق تيران أمام السفن الاسرائيلية، الأمر الذي اعتبرته اسرائيل سببا للحرب، وفي 30 مايو وقع الرئيس المصري والعاهل الأردني على اتفاقية تحالف عسكري أنهى الخلاف بين الدولتين.
حشود إسرائيلية
وفي 13 مايو 1967 أبلغ مندوب المخابرات السوفياتي (كان مستشارا في السفارة السوفييتية في القاهرة) مدير المخابرات العامة المصرية بأنه يوجد 11 لواء اسرائيليا محتشدا على الجبهة السورية.. وفي 14 مايو أصدر المشير عبدالحكيم عامر أوامره بوضع جميع وحدات الجيش المصري على أهبة الاستعداد بسبب الحشود الاسرائيلية الكثيفة على الحدود مع سورية، وعندما ناقشه رئيس العمليات اللواء أنور القاضي في عدم جاهزية الجيش للحرب أخبره المشير بألا يقلق، فالقتال لم يكن جزءا من الخطة الموضوعة وانما استعراض كرد على التهديدات الاسرائيلية لسورية، وهذا كان خطأ القيادة المصرية.. وفي 15 مايو ذهب الفريق أول محمد فوزي الى سورية، ولم يستطع الحصول على أي معلومة تؤيد المعلومات الروسية، حتى الصور الجوية لم تظهر أي تغيير في مواقع القوات الاسرائيلية في يومي 12 و13 مايو، وفي 15 مايو بدأت مصر بتكثيف قواتها في سيناء.
وفي 16 مايو طالبت مصر القوات الدولية بالخروج من أراضيها في خطاب وجهه الفريق أول محمد فوزي الى قائد القوات الدولية الجنرال الهندي ريخي وقام بتسليمه العميد عز الدين مختار يطالبه فيه بسحب جميع جنوده، للحفاظ على سلامتهم، وذلك بسبب حالة التأهب التي عليها الجيش، وفي 22 مايو أعلنت مصر اغلاق مضيق تيران أمام السفن الاسرائيلية المتجهة الى ميناء ايلات، واعتبرت اسرائيل هذه الخطوة اعلان حرب نسبة الى تصريح رئيس وزرائها بعد أزمة السويس وتكثيف القوات المصرية في سيناء.
شرك خداعي
وكان ذلك خديعة أو شرك خداعي من جانب اسرائيل وقعت فيه مصر وتظاهرت أمام العالم بأن مصر تريد القضاء عليها وكسبت الرأي العام العالمي في صفها بينما كان حال مصر هو المناورة والتهديد دون وجود نية دخول في حرب حقيقة بل كان فقط لردع اسرائيل ودفعها الى التراجع عن تنفيذ هجوم على سورية وكانت اسرائيل مستعدة للدخول في حرب على الدول العربية الثلاث (مصر والأردن وسورية).
ووصلت معلومات الى مصر عن قيام اسرائيل بشن ضربة جوية على مصر وسورية يوم 5 يونيو.
أخطاء فادحة
وتم عقد اجتماع يوم 2 يونيو للقيادة المصرية سأل فيه الرئيس عبدالناصر عن الخسائر المتوقعة اذا نفذت اسرائيل الضربة الجوية المتوقعة فردوا عليه بأنها ستكون في حدود 20 في المئة، فقال عبدالناصر: أقبل بهذه النسبة، وتقرر أن يزور القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير عبدالحكيم عامر الجبهة في يوم الضربة وهذا خطأ فادح وكأن الظروف كلها تصب في خانة تدمير القوات المصرية والقضاء على الجيش المصري لأن الاستعداد لتلقي الضربة يجب أن يكون قبل موعدها المتوقع بـ 24 ساعة على الأقل ولكن أن يتأخر الاستعداد والتهيؤ لملاقاة الهجوم الى يوم تنفيذه فهذا خطأ فادح آخر وقعت فيه القيادة المصرية، وفعلا استقل المشير طائرته لزيارة مطار تمادة في سيناء صباح يوم 5 يونيو، وصدرت أوامر لسلاح الطيران والدفاع الجوي المصري بتقييد النيران أي عدم اطلاق نار على أي هدف طائر وهو تقليد متبع عند زيارة القادة ميدان المعركة، وهو ما استغلته اسرائيل بأن بدأت ضربتها وأقلعت طائراتها من مطاراتها في اسرائيل الساعة 8.00 و8.15 صباحا لتصل الى أهدافها الساعة 8.30 و8.45 من صباح ذلك اليوم المشؤوم، وتخيل المنظر طائرات العدو في الجو تضرب المطارات والممرات والطائرات الرابضة على الأرض ومخازن الذخيرة والوقود المصرية غيرها من الأهداف الحيوية والاستراتيجية وقوات الدفاع الجوي والطائرات المصرية مقيدة نيرانها وعندها الأوامر بعدم اطلاق النار، حتى أنه حدث في مطار تمادة الذي كان ينتظر فيه القادة المصريون المشير أن ظن بعض كبار القادة أن الطائرات التي تحلق في الفضاء طائرات مصرية فصرخوا فيمن حولهم قائلين : من أصدر الأوامر لهذه الطائرات بمخالفة أوامر القيادة العليا للجيش ومن تجرأ وأصدر لها الأمر بالصعود والتحليق في الجو أوقفوا هذا الطائرات وأعيدوها الى مواقعها وهذه الحادثة من الأمور المضحكة المبكية، ولم يتبينوا أنها طائرات العدو الا بعدما استدارت، وأطلقت عليهم النار، ونفذت اسرائيل الهجوم الجوي على موجتين الأولى بـ 184طائرة والثانية بـ 169طائرة والفارق بين عدد الطائرات في الموجتين هو الخسائر25 طائرة دمرت في الموجة الأولى على شكل أفواج كل فوج 20 طائرة، وحدث كل ذلك وتم تدمير 10 مطارات «مطارات سيناء والدلتا، ومازالت طائرة المشير في الجو.
*وكيف لم يعرف القادة في مطار تمادة أن الطائرات المحلقة في الجو مقاتلات معادية وليست مقاتلات مصرية؟
لأنها كانت تطير على ارتفاع منخفض، وبالتالي سرعتها كانت كبيرة جدا ولا تسطيع العين أن تلاحقها، ولا أن ترى أو تميز العلم والرسوم عليها لتحديد ان كان علم مصر أو اسرائيل.
*لماذا لم ترصد رادارات الدفاع الجوي المصرية الطائرات الاسرائيلية المهاجمة؟
-لأن الطائرات الاسرائيلية كما قلت كانت تطير على ارتفاع منخفض، والرادارات المصرية في ذلك الوقت لم تكن تستطيع رصد الطائرات على هذا الارتفاع المنخفض، كما أنه بعد الضربة الأولى تم تدمير الرادارات في الضربة الثانية.
دور القيادة السياسية
*وما خطأ القيادة السياسية في هذه الحرب؟
-الخطأ مشترك بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، لأن القائد السياسي في تلك الحرب وهو الرئيس جمال عبدالناصر هو القائد الأعلى للجيش وهو في الأساس رجل عسكري، وترك الجيش للمشير عبدالحكيم عامر وهو أيضا قائد ودرس في كلية أركان الحرب ولديه مستشارون على أعلى مستوى، ولكن لم تكن هناك جدية في دخول الحرب، وتحركات الجيش كانت أقرب ما تكون الى حركات الخداع والتمويه بحدوث حرب دون وجود نية حقيقية في دخول معركة، وكان لدينا أسلحة في جميع أفرع الجيش المصري، وخاصة سلاح الطيران الذي كان يضم الدفاع الجوي والطيران وانفصلا بعد ذلك الى سلاحي الدفاع الجوي والطيران، وكان لدى الدفاع الجوي في ذلك الوقت صواريخ كما أن الطيارين كانوا على مستوى عال وكنا نستطيع صد الضربة أو تقليل آثارها لأقل قدر ممكن، ولكن حدثت أخطاء فادحة سياسية وعسكرية، وتضافرت عوامل عديدة صبت كلها في خانة تدمير القوات المصرية والجيش المصري، ورب ضارة نافعة، حيث كانت تلك الضربة بداية جديدة لتاريخ العسكرية المصرية، وبداية لحرب الاستنزاف ونصر 6 أكتوبر المجيد.
مكاسب إسرائيل
*كيف أدارت اسرائيل تلك الحرب وماذا جنت من ورائها؟
- استغلت اسرائيل طلب مصر سحب القوات الدولية من سيناء وتحركات الجيش المصري ودخولها الى سيناء وتصريحات القيادة السياسية باستعدادها لدخول حرب مع الكيان الصهيوني، وبادرت هي بالضربة الجوية. واعتمد الصهاينة على مبدأ التفوق الجوي في ساحة المعركة وذلك لوهن الجندي الاسرائيلي ومحدودية حيلته وشجاعته، وبنت قيادة الجيش والأركان الاسرائيلية خططها على الانفراد بكل جبهة عربية على حدة لعدم استطاعتها فتح أكثر من جبهة في آن واحد.
وكانت نتيجة الحرب احتلال اسرائيل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان، وتحطم معنويات الجيوش العربية وأسلحتها وبعد اجراء المحاكمات للمتسببين في الهزيمة العسكرية وبعد مضي فترة من الزمن أخذت تتكشف الحقائق عن اخفاق القائد العام للقوات المسلحة المشير عبدالحكيم عامر في وضع الخطط وتنفيذها بالشكل الصحيح ومن ضمنها خطط الانسحاب العشوائي.
*هل توافقون على تحميل الهزيمة للمشير عبدالحكيم عامر؟
- يتحملها هو والقيادة السياسية يشتركون سويا في تحمل المسؤولية، وليس المشير عامر فقط بل ينضم اليه كل المسؤولين العسكريين والسياسين الكبار في الدولة، وأكرر أنهم ظلموا القوات المسلحة المصرية.
المشير والفنانات
*هل كان قادة الجيش على علاقة بالفنانات مثل علاقة المشير بالفنانة برلنتي عبدالحميد والمطربة الجزائرية وردة؟
- المشير تزوج الفنانة برلنتي عبدالحميد، أما علاقته بالفنانة وردة فهي شائعة غير صحيحة وأطلق البعض تلك الشائعات ليسيء للجيش المصري والقوات المسلحة المصرية، وأؤكد أن 65 في المئة من القادة العسكريين في حرب 1967 كانوا على أعلى مستوى من الكفاءة العسكرية والخلقية، وكانوا ملتزمين دينيا،
وهناك الكثير من القادة الممتازين أذكر منهم قائد العمليات اللواء أنور القاضي، وصلاح محسن قائد الجيش الثاني، والفريق سعد الشاذلي، والجمسي، وعبدالمنعم خليل، وعبدالمنعم واصل، وسعد مأمون قائد الجيش في اليمن الذي عاد بعد الحرب في أغسطس 67.
وأذكر هنا أيضا خطأ وجود قوات في اليمن بمعنى تشتت القوات المصرية في الحرب على جبهتين وهذا أيضا خطأ رهيب وقعت فيه القيادة المصرية، ونحن نرى في العصر الحديث أقوى جيش في العالم جيش الولايات المتحدة الأميركية يعاني من الحرب على جبهتين(العراق وأفغانستان)، وتحاول قيادته تفادي ذلك الأمر والتركيز في الحرب على جبهة واحدة.
* وماذا حدث في الجيش بعد الحرب ووقوع الهزيمة مباشرة؟
- بعد الهزيمة وخطاب عبدالناصر بالتنحي ثم رجوعه عن الاستقالة بعد ذلك واجتماع قادة دول الجامعة العربية في 29 أغسطس 1967 في مؤتمر الخرطوم بالعاصمة السودانية ونشرهم بيانا تضمن ما يسمى بـ«اللاءات الثلاثة: عدم الاعتراف باسرائيل، عدم التفاوض معها ورفض العلاقات السلمية معها، وبعدها أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار 242 الذي يطالب الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي (النسخة العربية من القرار 242 تحتوي على كلمة الأراضي بينما الانكليزية تحوي كلمة أراض) التي احتلتها في يونيو 1967 مع مطالبة الدول العربية المجاورة لاسرائيل بالاعتراف بها وبحدودها.
وفي سبتمبر 1968 تجدد القتال بشكل محدود على خطوط وقف اطلاق النار بين اسرائيل وكل من مصر وسورية وسميت تلك الفترة بتنشيط الجبهة أو الاستنزاف تبعها الاستعداد للحرب، وتبعها الاعداد النهائي للحرب، وهذه المراحل لم تكن بفكر أوتكتيك واحد ولكن الهدف النهائي كان واحدا وشهدت رئيسان للجمهورية، وخمسة وزراء حربية هم عبدالوهاب البشري ثم أمين هويدي ثم محمد فوزي ثم محمد صادق ثم أحمد اسماعيل، وأربعة رؤساء أركان عبدالمنعم رياض ثم أحمد اسماعيل، ثم محمد صادق ثم سعد الشاذلي وكل أدلى بدلوه وبذل مافي وسعه. وأدت الخسائر التي أحدثتها القوات المسلحة في العدو الصهيوني الى دفع الولايات المتحدة الى اقتراح خطط لتسوية سلمية في الشرق الأوسط وصدور القرار 338 بالانسحاب من الأراضي المحتلة وصحح أخطاء القرار 242.
إعادة البناء
وبعد وفاة المشير وتغيير القيادات الكبرى جلست القيادات في مناصبها الجديدة لتضع استراتيجية اعادة بناء وعقدت اجتماعات لملاقاة وتجميع القوات العائدة المبعثرة واعادة بناء القوات واعادة تنظيم الجيش مرة أخرى وهذه كانت أصعب فترة في بناء الجيش، لأننا كنا لا نجد 10 جنود من لواء أو كتيبة واحدة، كنا ننشئ كتائب أو لواءات جديدة، اذا وجدنا نواة لكتيبة أو لواء واحد متبق.. فكنا نجمع الجنود تحت اسم لوائهم أو كتيبتهم القديمة، وتم ذلك عن طريق تكوين فرق انتظار لملاقاة الجنود العائدين من سيناء، وقد شاركت في عمليات التجميع ومقابلة العائدين بنفسي على الشط الغربي للقناة وكنا نراقب الشاطىء الشرقي للقناة، وكان كلما تجمع عدد من الجنود المصريين أرسلنا اليهم زورقا أو قاربا لاحضارهم، وعاد بعضهم سباحة في القناة ومنهم من عاد بمساعدة ومعاونة بدو سيناء، وكان كل ذلك يتم خفية وبعيدا عن أعين العدو، وبعيدا عن مناطق تمركز قوات الصهاينة.
وقد أعلن عبدالناصر في خطاب 22 يوليو عن تقليص مزايا وبدلات الجيش، والناس كانت تصفق وتهلل لغضبها من الهزيمة، وبعد ذلك بشهر أو شهر ونصف زار عبدالناصر احدى وحدات الجيش وتراجع عن هذه القرارات مصححا بذلك خطأه.
وبعد ذلك بدأت حرب الاستنزاف على القوات الاسرائيلية وكان الهدف منها تحقيق عدة أهداف، أولا: كسر الحاجز النفسي عند الجنود وصغار الضباط، وازالة روح الهزيمة من النفوس، وأيضا القضاء على أسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، وقد أقنع مدير المخابرات الحربية في ذلك الوقت اللواء محمد صادق الرئيس عبدالناصر بأن صورة القائد والضابط والجندي الاسرائيلي في مخيلة القوات المصرية على ضوء نتيجة يونيو 1967 هي صورة المقاتل السوبر (المقاتل الذي لا يقهر)، ولو تم ترك هذه الصورة لتترسخ لأصبح من المتعذر على القوات المصرية أن تواجه جيش الاحتلال الاسرائيلي في أي صراع عسكري مقبل. ولكي تخوض مصر معركة مقبلة لتحرير أرضها واستعادة كبريائها، فان الخطوة الأولى هي تحطيم صورة المقاتل الاسرائيلي السوبر قبل أن تترسخ في عقول المقاتلين المصريين، ولتحقيق هذا الهدف فانه من الضروري أن تبدأ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي في شرق قناة السويس.
وكانت حرب الاستنزاف تسير بديناميكية محددة بحيث يتم اسقاط أكبر عدد من القتلى والجرحى والأسرى في صفوف العدو مما سيؤدي الى استنزافه ونزع هذه الهالة التي اكتسبها في يونيو1967، بشرط أن تكون الخسائر في صفوف الجيش المصري أقل ما يمكن، وأقل من خسائر العدو، وبدأت عمليات محدودة ضد القوات المحتلة في سيناء.
معركة رأس العش
وفي يوم 1 يوليو 1967أي بعد أقل من أربعة أسابيع من النكسة، حاولت اسرائيل الاستيلاء علي بور فؤاد ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا لهم بالأسلحة الخفيفة ودمرت عربات المدرعات المتقدمة واضطر العدو أن ينسحب بقواته وسميت هذه المعركة بمعركة رأس العش، وكان لتلك المعركة صدى عالمي حيث فوجىء العالم بأن الجيش المهزوم بدأ يفيق ويصحو من أثر الضربة التي تلقاها، وبدأ يصمد امام تقدم القوات المعادية مدرعة لا يقل عدد أفرادها عن 200 فرد ودمروا منها وكانت معركة بطولية، حيث كانت القوات المصرية في تلك الجزيرة المجاورة لمدينة بور فؤاد عبارة عن سرية صاعقة قوامها 30 فردا يتمركزون تصدوا لفصيلتي دبابات وسيارات مدرعة ودمروا 6 دبابات و4عربات مدرعة، وانسحبت القوة المهاجمة وتراجعت وتمركزت بعيدا عنهم.
وفي 14و 15 يوليو 67، قامت القوات المصرية باطلاق مدفعية عنيفة على طول الجبهة وذلك بعد اشتباكات مع العدو في الجنوب في اتجاه السويس والفردان، وقد كان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية حيث خرجت القوات الجوية بأكملها وهي تضرب في الجنوب فتحول العدو بقواته الي الجنوب، وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصري الي الشمال وأوقع خسائر كبيرة في صفوف القوات الاسرائيلية.
وقامت القيادة الاسرائيلية على اثر هذه الضربة الجوية المصرية الصائبة بطلب وقف اطلاق النار من أميركا التي كلفت الأمين العام للأمم المتحدة بابلاغ الرئيس جمال عبدالناصر عبر الهاتف بهذا الطلب الاسرائيلي وكان قائد الطيران المصري في هذا الوقت هو الفريق مدكور أبو العز.
إغراق المدمرة إيلات
وكان من أهم انجازات تلك الحرب اغراق المدمرة ايلات يوم 21 أكتوبر1967 حيث وصلت الى مركز قيادة الجبهة في ذلك اليوم معلومات من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ، وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الاقليمية لفترة من الوقت ثم تبتعد الى عرض البحر، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفي تحرش واستعراض واضح لاظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها.
وأصدر قائد القوات البحرية المصرية الأوامر بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الاقليمية، فخرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة، فهجم اللنش الأول باطلاق صاروخ أصاب المدمرة اصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، وبعد اطلاق الصاروخ الثاني تم اغراق المدمرة الاسرائيلية «ايلات شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها وقد غرقت المدمرة داخل المياه الاقليمية المصرية بحوالي ميل بحري..
وكان اغراق المدمرة ايلات بواسطة صاروخين بحريين سطح / سطح سابقة عسكرية تحدث لأول مرة في تاريخ الحروب، وكان بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحري في العالم وأصبح ذلك اليوم بعد ذلك عيدا للقوات البحرية المصرية وسمي يوم الكرامة. وعاد اللنشان الى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذي تم بسرعة وكفاءة، وحقق تلك النتيجة الباهرة.
وطلبت اسرائيل من قوات الرقابة الدولية أن تقوم الطائرات الاسرائيلية بعملية الانقاذ للأفراد الذين هبطوا الى الماء عند غرق المدمرة، واستجابت مصر لطلب قوات الرقابة الدولية بعدم التدخل في عملية الانقاذ التي تمت على ضوء المشاعل التي تلقيها الطائرات، ولم تنتهز مصر هذه الفرصة للقضاء على الأفراد الذين كان يتم انقاذهم وهذا يبين التزام مصر بالعهود والمواثيق الدولية والانسانية.