- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
المد الإسلمي الأخضر لايزال يفتح قلوب الغربين الحلقة21
المد الإسلمي الأخضر لايزال يفتح قلوب الغربين الحلقة21
- 3 مايو 2021, 4:35:59 م
- 699
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قصة إسلام القس الفرنسي السابق جان ماري دوشمان "عبد المجيد جان ماري دوشمان"
ترجمة سورة الفاتحة حولت مسيرته للبحث عن الدين الحق وأكملت ترجمة القرآن كاملا قناعاته
عندما أعلن إسلامه انقلبت الكنيسة عليه فقرر الرحيل للمغرب ووصي بدفنه هناك
فيما ينتشر الإلحاد بين المسلمين الحاليين سواء كانوا عربا أو عجما، ربما بسبب شيوخ الإسلام المعتمدين لدي الحكومات الفاسدة، الذين يُخَدِّمون علي الحاكم الظالم، ويقومون بليّ عنق الدين لصالحه، مما كرَّه الكثيرين في الإسلام، فألحدوا أو علي الأقل لم يعد الدين هاما بالنسبة لهم، يسير الإسلام بخطي ثابته بمده الأخضر في قلوب الغرب غير المسلم، فيدخل بنعومته وثباته وحقائقه العلمية والروحية والنفسية، وبإعجازه العلمي الذي يجبرهم علي النظر بعيون واسعة مدققة وبعقل متفتح ليدخلوا إليه واثقي الخطي معلنين إسلامهم بل يتحولون من الدعوه لغيره ومحاولات النيل منه إلي الدفاع عنه والزود عن تعاليمه وكشف ما به من أسرارلمن يريد الإيمان، ليتحقق قول الرسول الكريم : " َقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) صحيح مسلم ..
ويقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولايترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر" (مسند الإمام أحمد) ..
في السادس من أيلول (سبتمبر) 1988م، توفي بالدار البيضاء في المغرب الأب "عبد المجيد جان ماري دوشمان" في الثمانين من عمره، وقد دفن بمقبرة المدينة المغربية تلبية لرغبته أن يدفن في أرض اسلامية، وكانت هذه الرغبة هي سبب مغادرته مدينة لومانس بغرب فرنسا، للإقامة في المغرب سنة 1987م.
قرر القسيس المسيحي السابق هذا الانتقال، بعد اعتناقه الدين الإسلامي في السنوات الأخيرة، ولقصة اسلامه أهمية بالغة تجعل هذا المسلم الفرنسي يقارن بالدكتور "جرونين" الذي دخل البرلمان الفرنسي بلباس عربي، بعد اعلانه التمسك بالدين الإسلامي سنة 1894م بمدينة البلدية بالجزائر، كما أن الأسباب التي جعلت الأب "دوشمان" يفضل الإسلام تذكر بالموقف الذي شرحه "عبد الله الترجمان" ذلك القسيس الأسباني الذي غادر كلية اللاهوت ببولونيا في ايطاليا في أواخر القرن الرابع عشر للميلاد الى تونس، حيث أعلن اسلامه أمام السلطان أبو العباس الحفصي.
وتأثرت الجالية الإسلامية في غرب فرنسا بوفاة هذا الرجل الذي خصص جزءا كبيرا من ماله ووقته من أجل مساعدة العمال المسلمين من أفريقيا الشمالية وأفريقيا السوداء ومن تركيا، منذ ربع قرن، فكان يطرق بابه كل من واجه صعوبات في ميادين الشغل والسكن وتربية الأطفال.. وتمكن الأب دوشمان من تخفيف المشاق التي يعانيها العمال المغتربون..
وقبل هذا المنعطف من حياته، كان قد اعتنى بمعرفة الإسلام عندما أراد أن يصير مبشرا في المغرب أو في أفريقيا، وهو معجب في بداية شبابه بالأب دوفوكو الذي كون مجموعة دينية لتختص بتنصير المسلمين، ولم يستطع تنفيذ هذا المشروع نظرا لحالته الصحية، وبدل السفر خارج فرنسا دخل دوشمان معهد اعداد القسيسين، حيث تخرج عام 1932م، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وعين على رأس كنائس عديدة في المدن والقرى المجاورة لمدينته لومانس، والتي كان يقطن أحد أحيائها الشعبية.
كان حلم دوشمان وثقافته، زيادة على ذوقه كرسام يرسم لوحات زيتية تحت امضاء "دوتو"، وهو اسم مستعار، يجعلانه مطلوبا من طرف أغنياء وأشراف المقاطعة الذين كانوا ينتظرون من القسيس ثقافة عليا زيادة على معرفته بعلم اللاهوت وتاريخ الكنيسة.. إلا أنه كان لا يحتمل جوانب من النفسية السائدة داخل الكنيسة لأنها تتناقض في نظره والصراحة الناتجة عن الايمان الحقيقي. وسبق له أن حرر كتابا يتهكم فيه على تصرف بعض المسؤولين في الكنيسة، إلا أنه لم يرد نشر هذا الكتاب القيم الذي كان يقرأ صفحات منه للقسيسين الذين كانوا يدعوهم الى مائدته من أجل تسليتهم، في هذه الفترة كان الأب دوشمان قسيسا مثاليا متمسكا بقيم الانجيل أكثر مما كان متفقا مع الكنيسة ولا يتحمل ما يقترب من النفاق، ومع هذا كان منضبطا يمتثل للأوامر الآتية من القمة.
في سنة 1947م عثر الأب دوشمان على ترجمة لسورة الفاتحة وانكب على قراءتها وصار يقرأ هذه الترجمة وسط الأدعية المسيحية، الى أن زار مسجد باريس سنة 1957م بمناسبة معرض فني، فاشترى هناك ترجمة كاملة للقرآن للأستاذ مونتي، وتعود منذ تلك الفترة على قراءة القرآن عدة مرات في كل سنة.
وبعد انتهاء حرب الجزائر تعرف على بعض الجزائريين الذين هاجروا مع الجيش الفرنسي، وبعد انتهاء تعاقدهم خرجوا من الثكنات الواقعة قرب مدينة لامانس، واتصلوا به كي يساعدهم في بحثهم على العمل، وهكذا تم الاتصال بين الأب دوشمان والجالية الإسلامية بمدينة لامانس وضواحيها.. ومما لاحظه التأثير الديني على سلوكهم وثقافتهم، وكان يحسن الحوار معهم، رغم جهلهم للغة الفرنسية وعدم معرفته باللغة العربية الى أن فكر يوما بفتح مسجد كي يتجمع فيه العمال الذين كانوا يصلون في بيته، وجه الطلب الأول الى ادارة الكنيسة كي تقبل بيع قطعة من الأرض لجمعية مسلمي السارت التي أسسها عدد من المهاجرين ذوي الأقدمية بفرنسا بوحي من القسيس الذي حرر النصوص الأساسية، وقام ببقية الاجراءات الادارية سنة 1970م. لم تقبل الكنيسة تنفيذ هذا المشروع نظرا للأفكار المسبقة عن الإسلام السائدة آنذاك في الأوساط المسيحية، إلا أن الحاح الأب دوشمان جعل الأسقف شوفالييه يوافق على بيع القطعة من الأرض الواقعة بحي "فلونسار" على الطريق المؤدي الى مدينة تور.
وهكذا شرع في بناء المسجد بفضل تطوع عدد من العمال المسلمين (الذين يشتغلون في قطاع البناء) وتمويل من طرف محسنين آخرين، وكان الأب دوشمان هو أسخى هؤلاء المحسنين، حيث كان يدفع ثمن التكاليف التي لم يتمكن من دفعها العمال، وهكذا فتح واحدا من أكبر المساجد خارج باريس في أوائل السبعينات، واستمر الأب دوشمان في اعتنائه بالجالية الإسلامية الى أن صار يتردد على المقاهي ليلتقي بالعمال المسلمين المنسيين من حكوماتهم والمتروكين من طرف الفرنسيين والهيئات المسماة بالوطنية. وعندما كان يحاول أن ينهاهم عن شرب الخمر رد عليه مرة أحدهم قائلا له: "لماذا تشرب الخمر وأنت رجل دين؟" فقرر القسيس منذ هذا الوقت الكف عن شرب الخمر، كي تصبح نصائحه مسموعة لدى الذين يسعى من أجل انقاذهم.
ثم صار يرافق الذين هجروا المقاهي ليرجعوا الى المسجد ليصلي معهم يوم الجمعة، وفي شهر رمضان، بدأ يصوم مع المسلمين، في حين كان يتابع نشاطه كقسيس مسيحي يقوم بالصلوات والوعظ في كنائس لومانس وضواحيها، وكان المسيحيون التقليديون يتذوقون خطبه الدينية، بعد أن شرع في تعميق معرفته للاسلام صار يقرأ كل ما نشر عن هذا الدين، وراجع دروسه الدينية، وفتح من جديد الكتب التي كانت مسطرة في برنامج معهد إعداد القسيسين الذي تخرج منه سنة 1932م. الى أن أصبح خبيرا في المقارنة بين الديانتين المسيحية والإسلام، وصار يدخل كثيرا من الأفكار الإسلامية في خطبه الدينية الموجهة للمسيحيين. واجتاز مراحل شتى أدت به الى رفض عدد من المعتقدات المسيحية مثل فكرة الوهية عيسى (عليه السلام) وفكرة التثليث، وبعد صدور كتاب نشره الكاردينال دانيالو، في أواخر الستينات، يتساءل فيه المؤلف حول الظروف التي كتبت فيها الأناجيل وتأثير القديس بول (الذي لم يعرف السيد المسيح) على محرري الأناجيل، صار الأب دوشمان يقارن هذا باحتفاظ المسلمين بالنص الأصلي.
وتمعن كثيرا في الآيات الموجهة لأهل الكتاب وللمسيحيين مثل: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) و (لتجدن أقرب الناس مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى).. (ذلك أن فيهم قسيسين ورهبانا.. وأنهم لا يستكبرون).
وتعجب كثيرا عندما قال له الاستاذ حميد الله، بعد توديعه اثر زيارة المسجد الجديد: "سنلتقي إن شاء الله يوم القيامة" فسأل القسيس: "أيستطيع رجل دين مسيحي أن يكون مع المسلمين يوم القيامة؟".. ثم أكد له حميد الله: "نعم، ان الله يجازي كل من سعى من أجل أن يعبد في هذه الأرض". فقارن القسيس ذلك بمبدأ المسيحيين بأن "لا نجاة خارج الكنيسة". وأعاد قراءة الآيات التي تضمن الجنة لكل (من آمن وعمل صالحا).
وفي سنة 1976م، قام الأب دوشمان بزيارة الى الهند وباكستان استغرقت أربعين يوما، واحتفظ بانطباعات ايجابية.. وربما قرر القسيس اعتناقه الإسلام، في هذه السنة، إلا أنه صار يخفي ذلك، كي لا يزعج ابنة خالته التي كفلها والتي كانت تبدي تمسكا شديدا بالمسيحية التقليدية، وبعد وفاتها سنة 1982م، غير دوشمان مناخ بيته، حيث وضع اسم الله في الأماكن التي كان فيها صليب أو صنم. وكان قد اختار لنفسه اسم "عبد المجيد" لأنه اسم الشاب التونسي الذي ساعده على معرفة الإسلام، فيما بقي حريصا على الصلوات الخمس وصوم رمضان، وتابع خطبه أمام المصلين المسيحيين الذين لم يلاحظ إلا القليل منهم أن قسيسهم المفضل صار يخاطبهم حول عظمة الله أكثر مما يركز على شخصية السيد المسيح (ع).
وفي سنة 1983م توجه الى مسجد باريس ليعلن عن اسلامه رسميا للحصول على شهادة الاعتناق، لأنه قرر أن يذهب ليقيم في بلد اسلامي حتى يدفن في أرض الإسلام.. وكان لإعلان اسلامه رسميا ردود فعل في الأوساط المسيحية المحلية شجعته على مغادرة مسقط رأسه، إلا أن الأسقف جلسون حرص على استمرار الصلة معه، رغم عدم ادراكه لمثل هذه المبادرة التي تزداد غرابة في نظره، لأنها أتت من أحسن القسيسين في العلم والتقوى.
وفي أغسطس غادر عبد المجيد دوشمان مدينته لومانس متوجها الى الدار البيضاء في المغرب، حيث فوجىء بالفرق الموجود بين فكرته عن الإسلام وأوضاع المسلمين الراهنة..
المصدر : "الإسلام والغرب، الوجه الآخر" تأليف حسن السعيد
موضوعات قد تهمك:
المد الإسلامي الأخضر يغزو قلوب الغربيين الحلقة 18