- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
المعارضة في تونس تستيقظ.. هل يمكن أن تنقذ البلاد من هاوية الاستبداد؟
المعارضة في تونس تستيقظ.. هل يمكن أن تنقذ البلاد من هاوية الاستبداد؟
- 17 يناير 2023, 10:02:02 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا تظهر أزمة تونس السياسية أي علامات على اقتراب نهايتها؛ ففي 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، أجريت الانتخابات البرلمانية التي قاطعتها معظم الأحزاب، وكان إقبال الناخبين الهزيل (بلغ 8.8% فقط رسميًا) تعبيرا بليغا عما يشعر به التونسيون بشأن الإصلاحات السياسية غير الديمقراطية التي أدخلها الرئيس "قيس سعيد" على مدار الـ 18 شهرًا الماضية.
ونفذ "سعيد" انقلابا فعليا في يوليو/تموز 2021 عندما أقال الحكومة المنتخبة ديمقراطيا وعلق عمل البرلمان واستحوذ على كافة أفرع السلطة تقريبًا.
وفي يوليو/تموز 2022، أجرى "سعيد" استفتاء على تغييرات دستورية من شأنها أن تفرغ البرلمان من أي سلطة حقيقية. وكان إقبال الناخبين على هذا الاستفتاء منخفضًا أيضًا (النسبة الرسمية 30% بالرغم أن منظمات المجتمع المدني تقدره بأقل من 10%). ومن المقرر الإعلان عن أعضاء البرلمان المنتخبين في 19 يناير/كانون الثاني الجاري.
المعارضة تستيقظ
وقالت "سيلفيا كولومبو"، الباحثة في كلية دفاع الناتو في روما، إن "سعيد" كان يأمل أن تكون انتخابات ديسمبر/كانون الأول تدشينا لـ"جمهورية جديدة" ، لكنه شعر بخيبة أمل شديدة.
وقال الخبير التونسي "ريكاردو فابياني" من "مجموعة الأزمات الدولية": "المقاطعة بمثابة دعوة استيقاظ لسعيد"، لكنه قال إن "سعيد" أظهر القليل من القدرة على التكيف مع النكسات السياسية حتى الآن ومن غير المرجح أن يفعل ذلك هذه المرة.
ومن المرجح الآن أن تتصاعد الانتقادات بحق "سعيد". وفي رد على انتخابات ديسمبر/كانون الأول الماضي، اندلعت احتجاجات نظمتها "جبهة الخلاص الوطني" التي أنشأها 12 حزبًا سياسيًا أخرجهم "سعيد" من البرلمان في مارس/آذار الماضي، على الرغم من أنها لم تجذب حشودًا ضخمة حتى الآن.
وبدأ أقوى اتحاد نقابي في تونس يستيقظ؛ وهو "الاتحاد العام التونسي للشغل" الذي يضم أكثر من مليون عضو، وقد ظل هادئًا الفترة الماضية بعد استيلاء "سعيد" على السلطة. وقال الأمين العام للاتحاد "نورالدين الطبوبي" في الشهر الماضي إنه لم يعد بإمكانه تحمل التهديد الذي يمثله "سعيد" للديمقراطية التونسية.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول، أعلن أن "الاتحاد العام التونسي للشغل سيقدم، بالتعاون مع مكونات المجتمع المدني، مبادرة لإنقاذ البلاد من الانهيار". ولم يوضح"الطبوبي" التفاصيل، لكن أنعمال النقل التابعين لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل" نفذوا إضرابا ناجحا على مستوى البلاد في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري.
مستقبل الاحتجاجات
إذن، هل يمكن للاحتجاجات السياسية المتزايدة وحركة الاتحاد المنسقة أن توقف "سعيد" وتجبره على إعادة تونس إلى الديمقراطية؟ هذا غير واضح.
تعتقد "كولومبو" أنه لا "جبهة الخلاص الوطني" ولا "الاتحاد العام التونسي للشغل" يحظيان بالدعم أو الحيوية اللازمين لقيادة تونس للخروج من أزمتها، وتشير إلى أن التونسيين هللوا عندما أخرج "سعيد" أحزاب "جبهة الخلاص الوطني" من البرلمان في عام 2021. (كان يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم محبون للنزاع وغير فعالين).
كما أنها تعتقد أن هذه الأحزاب لم تكن لتبلي بلاءً حسناً في الانتخابات، وفسرت ذلك قائلة: "لأنها مجموعة من الشخصيات السياسية المختلفة للغاية؛ ليس لديها جمهور أو برنامج، كما أن هذه الشخصيات تنتمي إلى الماضي".
وشككت الباحثة في أن يقدم "الاتحاد العام التونسي للشغل" أداء أفضل، مشيرة إلى أنه على الرغم من دعوات "الطبوبي" إلى تعبئة جريئة جديدة ضد "سعيد"، فقد كان غامضا فيما يتعلق بتقديم برنامج، وأضافت أن تاريخ "الاتحاد العام التونسي للشغل" دائمًا ما تضمن محاولة العثور على نوع من التسوية مع السلطات الحاكمة. وهو يمثل الحرس القديم في معظم الحالات".
ويتفق "فابياني" مع "كولومبو" على أن "جبهة الخلاص الوطني" تفتقر إلى الدعم الشعبي الكافي حتى تتحدى "سعيد" بشكل جدي. لكنه يعتقد أن "الاتحاد العام التونسي للشغل" يمكن أن يلحق أضرارًا سياسية بالرئيس من خلال تنفيذ إضرابات واسعة إذا تم تهديد مصالحه الأساسية.
الأزمة قد لا تظل سلمية
من المتوقع إدخال تدابير تقشف للحصول على قرض صندوق النقد الدولي لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تفاقم الأزمة السياسية، حيث يعيش حوالي 50% من التونسيين في فقر، فيما أصبح أكثر من 20% عاطلين عن العمل، وكان المشهد الاقتصادي المزري عاملاً رئيسيا في عدم إقبال الناخبين الشهر الماضي.
وتعتقد "كولومبو" أن إقبال الناخبين الهزيل مثل أخبارًا سيئة بالنسبة لـ"سعيد" وتونس، لقد أكد "أن نوعًا من اللامبالاة أصبح يسيطر على عقول التونسيين حول كل ما هو سياسي".
وأضافت: "لأنه منذ عام 2011 على الأقل، عاشت تونس مرحلة مكثفة للغاية من التعبئة الشعبية والنقاش السياسي الحيوي، ومشاركة المجتمع المدني وما إلى ذلك. هذا يعني الآن العودة إلى فترة ما قبل الثورة التي كانت تشهد جمودا سياسياً، نتيجة لأفعال الرئيس سعيد والاستياء الذي خلقته بين التونسيين، ويعزى ذلك أيضًا لأن اللاعبين الآخرين لم يكونوا على قدر التحدي الذي تواجهه تونس".
وحتى الآن ظلت الأزمة سلمية نسبيا، لكن هذا يمكن أن يتغير. ويعتقد "فابياني" أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو حوار حقيقي بين جميع اللاعبين الرئيسيين للتوصل إلى حل وسط، لكن في الوقت الحالي يبدو هذا بعيد المنال. ولسوء الحظ، يبدو أن الوضع قد يتدهور حتى يكون هناك تعبئة جماهيرية أو حتى انقلاب.
اللامبالاة الدولية
يبدو أن اللامبالاة نفسها استولت على المجتمع الدولي؛ فقد تجنب الاتحاد الأوروبي الانتقاد المباشر للانتخابات، ووصفتها الولايات المتحدة بأنها "خطوة أولية" (في الاتجاه الصحيح).
ويعتقد "فابياني" أن الدول الغربية تتراجع وأن الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة في أوروبا جعلت "خطر عدم الاستقرار مرتفعًا للغاية بالنسبة لمعظم الحكومات الغربية" وهي تخشى أن يؤدي انتقاد "سعيد" بشدة إلى تقويض "وضع غير مستقر بالفعل".
كما غاب الاتحاد الأفريقي أيضًا، وكتبت الباحثة في معهد الدراسات الأمنية "مرام مهدي" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي - المكلف بمعالجة النزاعات المحتملة - ظل صامتًا بشأن تونس، فيما يعود جزئيًا ربما لكون تونس عضوا في المجلس حاليًا.
واقترحت أن ينظر الاتحاد الأفريقي في تعليق عضوية تونس لأن تصرفات "سعيد" تنتهك حظر الاتحاد الأفريقي على الإجراءات غير الدستورية، بما في ذلك الإبقاء غير الدستوري على الحكومة.
وأشارت "مهدي" إلى أن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الأفريقي أعلنت في 22 سبتمبر/أيلول 2022 أن قرارات "سعيد" تنتهك حقوق الإنسان، وأمرت المحكمة تونس بإلغاء جميع المراسيم الرئاسية والعودة إلى الديمقراطية الدستورية في غضون عامين، لكن هذا القرار يظل أجوف بدون دعم من مجلس السلام والأمن الأفريقي.
ويبدو أن صندوق النقد الدولي يحجب القرض الذي يريده "سعيد" حتى يلتزم بالإصلاحات. ومع ذلك، يبدو أن "سعيد" غير مستعد للتخلي عن حلم "جمهوريته الجديدة" لإرضاء صندوق النقد الدولي.
وفي حين أن التدخلات الأقوى من الاتحاد الأفريقي والقوى الخارجية الأخرى يمكن أن تساعد، لكنه لا يحتمل أن تفعل شيئًا إلا إذا ألقى التونسيون بثقلهم الكامل وراء مبادرة محلية لحل الأزمة.