المفاوضات النووية.. جهود بايدن لاسترضاء إسرائيل تفشل على جميع الجبهات

profile
  • clock 15 ديسمبر 2021, 8:07:42 ص
  • eye 601
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحليلا هاما بشأن التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على خلفية جهود واشنطن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. وبالرغم أن هذا التحليل مهم في فهم مسار العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، إلا إنه يفتقد نقطة أكثر جوهرية تجلت في التطورات الأخيرة، وهي أن جهود "بايدن" الهائلة لاسترضاء إسرائيل أملا في تخفيف المعارضة الإسرائيلية لم تفشل فحسب، وإنما بنيت على افتراضات خاطئة وبالتالي كانت خطأ منذ البداية.

ليس من الجديد تباين وجهات النظر الإسرائيلية والأمريكية بشأن الاتفاق النووي، لكن كبار المسؤولين في فريق "بايدن" اعتقدوا أن الرئيس "أوباما" تعامل مع الإسرائيليين بشكل أفضل من خلال التنسيق بشكل وثيق مع رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو" والالتفات إلى بعض نصائحه المتشددة، لكن هذا الاعتقاد أيضًا بلا أساس.

والسؤال الأساسي الآن هو: هل هناك قابلية للتوفيق بين وجهات النظر الإسرائيلية والأمريكية حول تسوية يتم التفاوض عليها مع إيران في نهاية المطاف أم لا؟ وهل هناك وسيلة للتوصل الى اتفاق دائم مع ايران ويرضي إسرائيل في ذات الوقت؟

مصدر القلق الحقيقي

يكمن الجواب في فهم أن تفاصيل الاتفاقية ليست هي المشكلة الحقيقية، ولكن المشكلة تكمن في فكرة أن واشنطن وطهران قد تتوصلان إلى اتفاق لا يتضمن فقط منع إيران من تطوير قنبلة نووية، وإنما يقلل أيضا من التوترات بين الولايات المتحدة وايران ويرفع عن إيران العقوبات التي تمنعها من تعزيز قوتها الإقليمية.

لا يقلق العديد من شركاء واشنطن في الشرق الأوسط بشأن تطور إيران النووي، بقدر ما يقلقون من تعزز التقارب الأمريكي الإيراني ومضامينه الجيوسياسية التي ستجعل ميزان القوى في المنطقة يميل على الأرجح لصالح إيران، لا سيما في ضوء التصور السائد عن الولايات المتحدة بأنها تريد تخليص نفسها من المنطقة.

والواقع أن جهود "أوباما" غير المثمرة لإقناع الشركاء الإقليميين لواشنطن وحلفائهم في واشنطن بالتعاون مع الاتفاق النووي، أظهرت عجز سياسة الإخضاع أو التشاور عن تغيير المعارضة القاطعة للاتفاق مع إيران، وهكذا أُحبِط بعض مسؤولي إدارة "أوباما" عندما رأوا فريق "بايدن" يظن أنه قد ينجز ما كان مستحيلًا بالنسبة إليهم.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، وجه "بن رودس" نائب مستشار الأمن القومي لـ"أوباما"، دعوة لـ"بايدن" بعدم تكرار هذا الخطأ، وأوضح: "لا أعتقد أن هناك أي ذرة من حسن النية لدى نتنياهو أو بن سلمان أو توم كوتونز، هؤلاء الناس ليس لديهم ولم يكن لديهم أي مصلحة في التوصل إلى اتفاق، كم مرة يجب علينا أن نمضي في هذه المسرحية؟ تستطيع إدارة بايدن أن تقول الآن: لا نحتاج للاستماع إلى هؤلاء الناس".

لكن "بايدن" اختار الاستماع إليهم، وبدلا من العودة إلى الاتفاق النووي في الأيام والأسابيع الأولى من إدارته، أنفق وقتا وجهدا حيويًا في محاولة إقناع اسرائيل والسعودية والإمارات بالانضمام إليه في توجهه الدبلوماسي.

ولم يتزحزح "نتنياهو" شبرًا واحدًا، ولكن عندما خلفه رئيس الوزراء "نفتالي بينيت"، تشجع "بايدن" لتسجيل بعض المكاسب المبكرة، فقد وافق "بينيت" على سبيل المثال على الامتناع عن المهاجمة العلنية لدبلوماسية "بايدن" وعدم الرضوخ للجمهوريين من أعداء إيران مثلما كان "نتنياهو" يفعل، ما جعل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مسألة حزبية. ووافق "بينيت" أيضا على تنسيق الهجمات الاسرائيلية على إيران مع "بايدن".

ولكن، حالما دخلت المفاوضات مرحلة حاسمة في وقت سابق من هذا الشهر، بدأ "بينيت" بالتراجع عن الاتفاق ولم يتردد في التعبير علنا عن معارضته لرغبة "بايدن" في إحياء الاتفاق. وعند هذه النقطة، كان يُفترض أن تصل رسالة أن "بينيت" مثل سلفه "نتنياهو" وليس مستعدًا مثله للرضوخ للإدارة الديمقراطية.

ومع ذلك، واصل "بايدن" محاولة استرضاء إسرائيل، حيث أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "بايدن" بدأ تكثيف عقوبات "أقصى ضغط" الخاصة بـ"ترامب"، مع أن مسؤولي "بايدن" أصروا دائما على أن نتائج ذلك كانت عكسية. كما أصدر المسؤولون في الإدارة الأمريكية تهديدات عسكرية في محاولة واضحة لتهدئة إسرائيل.

وعلى الرغم من النبرة الأمريكية الأكثر صرامة، فإن المسؤولين الإسرائيليين كانوا قلقين من استمرار التواصل الدبلوماسي مع إيران، وفي الواقع كان أكبر قلق لدى إسرائيل هو أن تنجح الدبلوماسية، لا أن تفشل.

ويشعر الإسرائيليون بقلق متزايد من احتمال وصول الولايات المتحدة إلى اتفاق مع طهران في نهاية المطاف ومن ثم تسعى واشنطن إلى منع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من تنفيذ الهجمات التخريبية السرية.

الرغبة في ضمانات

وتسعى إسرائيل الآن إلى "ضمان" أن واشنطن لن تسعى إلى كبح جماح حملتها التخريبية، حتى لو تمت استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. لذا فإن إسرائيل تريد أن تكون قادرة على مهاجمة إيران حتى لو رأت واشنطن أنها عرقلت بنجاح طريق طهران نحو القنبلة النووية.

وبالنظر إلى رفض "بايدن" تقديم تأكيدات لإيران بأن الولايات المتحدة ستفي بوعدها وستبقى في خطة العمل الشاملة المشتركة إلى ما بعد فترة ولايته، سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان "بايدن" سيقدم لإسرائيل ضمانة بأنه يمكنها الاستمرار في مهاجمة إيران حتى بعد إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

لكن دعونا نعود إلى صفقة "بايدن" السابقة مع "بينيت"، حيث كشفت "التايمز" أن إسرائيل تشاورت مع واشنطن قبل شن هجومين سريين ضد إيران في يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول، ولا يكشف المقال ما إذا كانت الولايات المتحدة قد حاولت إيقاف إسرائيل.

وقد يؤكد ذلك وجهة نظر طهران بأن التخريب الإسرائيلي لا يتعارض مع استراتيجية الولايات المتحدة، بل إن هذه الهجمات بالأحرى هي جزء من استراتيجية أمريكا الأوسع تجاه إيران. ومن الطبيعي أن ترى طهران الهجمات الإسرائيلية على أنها جهود من واشنطن للضغط على إيران كجزء من استمرار "بايدن" في سياسات "ترامب".

وبالمثل، رأى "بايدن" الهجمات التي تشنها الميليشيات العراقية على القوات الأمريكية على أنها بأمر أو موافقة إيران، بالرغم من اعتراف المسؤولين الأمريكيين بأن سيطرة إيران على هذه الميليشيات تضاءلت بشكل حاد بعد اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال "قاسم سليماني" وقائد قوات الحشد الشعبي "أبومهدي المهندس" في يناير/كانون الثاني 2020.

وأفاد المسؤولون الأمريكيون أن أحد أسباب اختيار "بايدن" عدم العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بسرعة بعد تنصيبه كان هجمات الميليشيات العراقية على القوات الأمريكية في يناير/كانون الثاني من هذا العام. وبينما لم يكن لدى الولايات المتحدة أي دليل على أن إيران أمرت بالهجمات، لم تر المخابرات الأمريكية أيضًا أي دليل على أن إيران حاولت منعها.

وهكذا، إذا كانت الولايات المتحدة تفسر مثل هذه الهجمات على هذا النحو على الرغم من عدم وجود أدلة، فمن العدل أن تفسر إيران بالطريقة ذاتها الهجمات الإسرائيلية التي أفادت وسائل الإعلام الأمريكية أنها تمت بعد "مشاورات" مع واشنطن.

توفيق المصالح مستحيل

كانت هناك فقرة مثيرة للفضول في مقال "التايمز"، حيث قال: "يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه ما دامت إيران لم تتحرك لتطوير قنبلة فليس لديها برنامج نووي عسكري، حيث أوقفت هذا البرنامج بعد عام 2003. ولكن من ناحية أخرى، يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن إيران واصلت جهودًا سرية لبناء قنبلة منذ عام 2003".

وإذا كان هذا صحيحًا، فهل شاركت إسرائيل تلك المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد فشلت في إقناع وكالة المخابرات المركزية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإذا لم تشاركها، فلماذا لا؟ ولماذا اختارت "التايمز" نشر هذا الادعاء الشائك دون التحقيق في هذه الأسئلة الأساسية للغاية، ناهيك عن الانتقادات؟

والخلاصة أنه لا يمكن التوفيق بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية بشأن السياسة تجاه إيران. لقد فشلت جهود "بايدن" في فعل ما كان مستحيلًا كما كان متوقعًا، ويجب أن يختار "بايدن" الآن ما إذا كان سيسعى خلف مصالح أمريكا أم إسرائيل.

المصدر | تريتا بارسي | ريسبونسبل ستيتكرافت

التعليقات (0)