- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
النساء في اليمن: صورة مفصلة تعكس «النزف» الناجم عن الحرب
النساء في اليمن: صورة مفصلة تعكس «النزف» الناجم عن الحرب
- 5 مارس 2023, 10:14:52 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
صنعاء ـ «القدس العربي»: هل قرر العالم التخلي عن اليمن؟ سؤالٌ وضعته منظمات إغاثية عنواناً لبيان لها عقب فشل مؤتمر المانحين لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2023 لاسيما وأن 17.6 مليون يمني بحاجة للمساعدات، وفي مقدمتهم النساء والأطفال، وهي الفئة التي تدفع ثمنا باهظا للحرب، التي تدخل عامها التاسع؛ ما يضاعف المعاناة، لاسيما مع انخفاض حجم التمويل الذي خرج به مؤتمر المانحين إلى 28 في المئة مما حددته الأمم المتحدة.
وحسب أحدث مؤشرات صندوق الأمم المتحدة للسكان ذات العلاقة بمعاناة النساء جراء الحرب في اليمن فإن 12.6 مليون من النساء هناك بحاجة لخدمات الحماية الصحة الإنجابية المنقذة للحياة.
عددٌ كبير من المستشفيات الريفية تعتمد في تمويل خدماتها ذات العلاقة بالصحة الإنجابية بتمويل من المنظمات الإنسانية؛ وبالتالي فإن هذه الخدمات التي تعاني من فجوة كبيرة في السنوات الماضية، ستتردى أكثر مع تراجع التمويل العالمي للجهد الإغاثي الإنساني خلال العام 2023.
وقالت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، نتاليا كانيم، في بيان إن «الحرب في اليمن خلفت دماراً هائلاً كما تركت عواقب وخيمة على النساء والفتيات. أولوية صندوق الأمم المتحدة للسكان هي حماية واستعادة الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والحماية للنساء والفتيات اللاتي هن بحاجة ماسة لهذه الخدمات».
تصبح هذه الخدمات حاجة ماسة في اليمن؛ لأن واقع معاناة النساء، وفق بيان الصندوق، يشهد أعلى معدل وفيات بين الأمهات في المنطقة، إذ تموت امرأة يمنية أثناء الولادة كل ساعتين، لأسباب يمكن الوقاية منها، «وتتم أقل من نصف الولادات بمساعدات فرق طبية محترفة، ويقدم مرفق صحي فقط من بين كل خمسة مرافق خدمات الرعاية الصحية للأم والطفل».
يُعدُّ الصندوق المورد الوحيد لأدوية الصحة الإنجابية الأساسية المنقذة للحياة في البلد و«ويقود توفير خدمات الصحة الإنجابية والحماية للنساء».
وفي حال انقطع التمويل اللازم للصندوق سيترتب على ذلك أن 93 من المرافق الصحية سوف تضطر لإغلاق أبوابها، إذا لم تتحقق أهداف التمويل اللازم للصندوق.
وذكر البيان «تواجه النساء والفتيات كذلك معدلات عالية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، فثلثا الفتيات في اليمن يتزوجن قبل سن الـ 18 وبالرغم من ذلك فإن خدمات دعم الناجيات من العنف محدودة جداً أو منعدمة كلياً».
بلا شك أنه سيترتب على تراجع تمويل الجهد الإنساني والاغاثي لمنظمات الأمم المتحدة في اليمن تراجع في قدرات الإغاثة والدعم؛ وبالتالي توقف كثير من الخدمات بما فيها الخدمات المنقذة للحياة، وخاصة للنساء والأطفال، لاسيما وأن المؤشرات الأممية تكشف واقعًا مأساويًا لمعاناة النساء والفتيات جراء الحرب، سواء على مستوى خدمات الصحة الإنجابية أو خدمات الحماية، علاوة على معاناتهن جراء النزوح، إذ تتحمل النساء نسبة كبيرة من تداعيات النزوح، وتتحول بيئة النزوح إلى عبء جديد على النساء يفقدن معها حقوق أخرى ويتعرضن لأشكال مختلفة من العنف. وذكرت المنظمة الدولية أن ما يقدر بنحو 7.1 مليون امرأة في جميع أنحاء اليمن تحتاج إلى وصول عاجل إلى الخدمات التي تمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي وتتصدى له، ومع ذلك فإن هذه الخدمات محدودة للغاية أو، في بعض الأماكن، غائبة تمامًا.
الرعاية التوليدية قائمة الاحتياجات
وعودة للخدمات الأساسية التي تحتاجها المرأة اليمنية تتصدر خدمات الرعاية التوليدية قائمة الاحتياجات، وعلى الرغم من ذلك فهي غير متوفرة على نطاق واسع؛ ما يتسبب بارتفاع مؤشرات الوفيات بين الأمهات، لاسيما وأن أقل من نصف الولادات تتم بمساعدة طاقم طبي، وهناك واحد فقط من كل خمسة من المرافق الصحية التي لا تزال تقدّم خدمات صحة الأم والطفل حسب بيان أممي.
وكان صندوق الأمم المتحدة للسكان أعلن في 27 شباط/فبراير حاجته إلى 70 مليون دولار لدعم برامج الصحة الإنجابية والحماية للنساء والفتيات…لكن الآن بعد تراجع التمويل بنسبة تتجاوز السبعين في المئة فإن ما سيتوفر للصندوق لن يصل إلى نصف ما طلبه، وبالتالي سيتم إيقاف تمويل عدد من مرافق تقديم خدمات صحة الأم والوليد.
وقالت كانيم، لا ينبغي نسيان النساء والفتيات في اليمن، «نحن بحاجة إلى التحرك الآن لإنقاذ الأرواح، وتوفير الدعم الأساسي الذي تمس الحاجة إليه، وإتاحة الفرصة لمستقبل أفضل».
النظام الصحي
ثمان سنوات من الصراع المستمر جعلت اليمن موقعًا لأكبر أزمة إنسانية في العالم.
وحسب وصف صندوق الأمم المتحدة للسكان فان النظام الصحي يتدلى بواسطة خيط؛ فقط حوالي نصف المرافق الصحية في اليمن تعمل، ومن بين تلك التي لا تزال تعمل، لا تقدم سوى 20في المئة منها خدمات صحة الأم والطفل.
وأشار البيان إلى أن المجاعة التي تلوح في الأفق في البلاد يمكن أن تجعل الأمور أسوأ. وبالفعل، تعاني أكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد، ومن المرجح أن يتضاعف هذا العدد مع تزايد انعدام الأمن الغذائي. ومع ذلك، تعاني المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة من نقص مزمن في التمويل.
تقول بيانات الأمم المتحدة إنه في عام 2020 تم إغلاق أكثر من 80 مرفقًا صحيًا من أصل 180 مرفقًا يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان بسبب فجوات التمويل، ما تسبب في فقدان أكثر من مليون امرأة إمكانية الوصول إلى الرعاية الحرجة والولادة الآمنة. وتم توثيق وفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها في المناطق التي أغلقت فيها هذه المرافق.
الأمر الذي يجعلنا نرفع مؤشرات القلق من نتائج تراجع التمويل هذا العام؛ وما سيترتب عليه من إغلاق عشرات المرافق الصحية الأخرى، وبالتالي فقدان الآلاف من النساء إمكانية الوصول إلى الرعاية الحرجة والولادة الآمنة.
(صدام) فَقدَ زوجته ومولوده الأول؛ لأنه تأخر في الوصول إلى المستشفى الريفي في مدينة يريم؛ فصحة زوجته كانت أضعف من تحمل تداعيات المخاض لتفارق الحياة على أبواب المستشفى في يريم/وسط اليمن؛ وهو أحد المستشفيات التي تقدم خدمات الولادة الآمنة المجانية بتمويل من المنظمات الاغاثية. أمثال زوجة صدام كثير ممن يفقدن أرواحهن يوميًا في مناطق اليمن المختلفة.
(أشرف) تمكن من إيصال زوجته إلى المستشفى قبل فوات الأوان، واستطاع المستشفى إيقاف النزيف، لكن تأخر الولادة تتسبب بإصابة المولودة بضمور دماغي، علاوة على أن صحة الأم لم تعد أفضل؛ إذ كشفت الفحوصات ضعفا في عضلة القلب، ما سيجعل حملها الثاني تهديدا لصحتها.
زواج الأطفال
في الجانب الآخر من المعاناة النسوية في اليمن جراء الحرب نتوقف أمام العنف القائم على النوع الاجتماعي والزواج المبكر أو ما يُعرف بزواج الأطفال. وهي المعاناة التي ترتفع مؤشراتها مع تزايد ضعف النساء والفتيات، حيث تكافح الأسر الفقر وانعدام الأمن من خلال هذا الزواج، وخاصة بين الأسر النازحة من مناطق الصراع.
لا تواجه العائلات عمليات النزوح الجماعي فحسب، بل تواجه أيضا أزمة اقتصادية مدمرة وانهيار العديد من الخدمات الاجتماعية، وأنظمة الحماية الحيوية، لدرجة أن ثلثي الفتيات في اليمن يتزوجن قبل سن 18، حسب مؤشرات الأمم المتحدة.
ومع ذلك، لا تزال الأعراف الجنسانية التمييزية تعرقل قدرة النساء على إعالة أنفسهن وأسرهن، كما أن نظام المحارم، قد حد من قدرة النساء العاملات في المجال الإنساني على تقديم الخدمات والدعم الحيوي.
تواجه النساء في اليمن أوضاعًا تزداد سوءا مع تشديد القيود على حرية النساء والفتيات في العديد من الأماكن في أجزاء من شمال اليمن، على سبيل المثال لم تعد المرأة قادرة على العمل بشكل مستقل بسبب نظام المحرم الذي يشترط أن يكون للمرأة ولي أمر من أجل السفر.
«جدران هشة»
دراسة «جدران هشة « التي تتناول العنف الأسري ضد المرأة أثناء الحرب في اليمن خلال الفترة 2014-2021 الصادرة عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، أكدت أن النزاع المسلح أدى لتفاقم وضع النساء والفتيات في اليمن، كما تواجه النساء العنف القائم على النوع الاجتماعي في المجالين العام والخاص في مجتمع يعاني من ارتفاع مستويات العنف وتدهور الأوضاع المعيشية وانهيار مؤسسات الدولة. ويشمل المجال الخاص العنف الأسري ضد المرأة، والذي يتعلق بالسلوك الضار والمسيء من قبل أفراد الأسرة المباشرين والأقارب الموجه نحو النساء والفتيات داخل الأسرة، والذي يأخذ أشكالاً عديدة، بما في ذلك الإيذاء الجسدي والجنسي والاقتصادي والنفسي.
وأكدت الدراسة وجود افتقار كبير للبيانات في اليمن حول ظاهرة العنف الأسري ضد النساء والفتيات. وناقشت أبرز أنماط العنف الأسري ضد المرأة أثناء الحرب والنزاع المسلح، بما في ذلك القتل والاغتصاب والاعتداء الجسدي في إطار الأسرة، مــن بين أنماط أخرى. تناولت الدراسة، أيضًا، العقبات التي تواجه الناجيات والساعيات إلى الوصول إلى العدالة فيما يتعلق بالعنف الأسري الذي تعرضن له. وأكدت الدراسة تفاقم عدم المساواة والتمييز في المجتمع وانتشار العنف الذي زاد في فضاء الأسرة الخاص.
وحسب الدراسة تشكل النساء والأطفال 73 في المئة من زهاء 4 ملايين نازح و30 في المئة من العائلات النازحة تعولها حاليا نساء. وتشير التقديرات إلى أن 5 ملايين امرأة وفتاة في سن الانجاب، و1.7 مليون امرأة من الحوامل واللاتي يعتنين بأطفال لديهم إمكانية محدودة أو معدومة للحصول على خدمات الصحية الإنجابية، بما في ذلك خدمات الرعاية السابقة للولادة والولادة الآمنة والرعاية بعد الولادة وتنظيم الاسرة وخدمات التوليد في حالات الطوارئ.
ومع تصاعد النزاع فإن معدل النساء والفتيات النازحات آخذ في الارتفاع، وبالتالي تزداد حاجتهن للحماية -حسب الدراسة- مع انهيار جدران الحماية المجتمعية والمؤسسية والقانونية والأسرية. نتيجة لذلك تجبر العديد من النساء على تبني آليات تكيف سلبية للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك زواج الأطفال والإتجار بالبشر والتسول وعمالة الأطفال وغيرها.
وحسب الدراسة تُعدّ معدلات الزواج المبكر أو زواج الأطفال هي الأعلى بين النازحين داخليًا، حيث تتزوج واحدة من كل خمس نازحات تتراوح أعمارهن بين 10و19 عاما، مقارنة بواحدة من كل ثماني فتيات في المجتمع المضيف. «وعلاوة على ذلك تشير مؤشرات عام 2021 أن مليون امرأة من الحوامل والمرضعات كن يعانين من سوء التغذية الحاد في وقت ما خلال العام، ما يزيد من المخاطر التي قد يتعرض لها أطفالهن حديثي الولادة، ويمكن أن يؤدي إلى إصابتهم بالتقزم الشديد نتيجة زيادة انعدام الأمن الغذائي».
أما ما يتعلق بأسباب العنف الأسري ضد المرأة فتشير الدراسة إلى أنه قد ساهمت ظروف الصراع وعدم الاستقرار السياسي على مدى عقد من الزمن، في زيادة العنف الأسري وضعف استجابة المجتمع والدولة.
على الصعيد القانوني تؤكد الدراسة أنه «لا يوجد في اليمن قانون ٌيتعامل بشكل خاص مع حماية المرأة من العنف الأسري. ومع ذلك، فإن العديد من الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب داخل الأسرة مشمولة بالأحكام العامة لقانون العقوبات. في بعض الحالات، يتم تخفيف العقوبة بشكل غير متناسـب فيما يتعلق بخطورة الجريمة». فيما يتعلق بالدستور «فعلى الرغـم من أن ّ الدستور اليمني يعترف بالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فإن المادة 31 من نفس الدستور تتعارض مع هذا المبدأ بالقول إن المرأة شقيقة للرجل، ولها حقوق وواجبات مكفولة ومطلوبة بموجب الشريعة الإسلامية وينص عليها القانون، لذلك فإن الدستور اليمني يوفر مجالًا واسـعا ومفتوحا لتفسيرات متعددة ناتجة عن الخلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية حول العديد من القضايا المتعلقة بالمرأة، وما تتطلبه الشريعة من المرأة، حيث توجد بعض الآراء الفقهية الصارمة ضد المرأة، ووفر مدخلا قانونيا لها. ومن الأمثلة على ذلك جواز امتناع الزوج عن دفع النفقة وترك زوجته في البيت وسجنها بحجة عدم طاعته والامتثال لأوامره وعدم القيام بمسؤولياتها الزوجية» حسب دراسة «جدران هشة».