- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
اميل امين يكتب: معاً لتعزيز المحبة والصداقة
اميل امين يكتب: معاً لتعزيز المحبة والصداقة
- 5 أبريل 2023, 3:46:56 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
«إن العيش المشترك السلمي والودي يواجه كثيراً من التحديات والتهديدات: التطرف، الأصولية، الجدل، الخلافات، والعنف بدوافع دينية. إن هذه التهديدات تغذيها ثقافة الكراهية، لذلك بات من الضروري أن نجد أنسب السبل لمواجهة هذه الثقافة والتغلب عليها».
بهذه الكلمات، استهل الكاردينال ميجيل أنجيل إيوزو، عميد دائرة الحوار بين الأديان، في حاضرة الفاتيكان، الرسالة السنوية التي تصدر عن الكرسي الرسولي كل عام، في مناسبة شهر رمضان الفضيل.
جاءت رسالة هذا العام تحت عنوان: «المسيحيون والمسلمون: معاً لتعزيز المحبة والصداقة»؛ حيث تسعى لتعزيز العلاقة بين الجانبين، انطلاقاً من الروابط الدينية والروحية المشتركة.
في القلب من خطاب العام، وقفة موضوعية، أمام قضية الاختلافات التي يعتبرها البعض بمثابة تهديدات، على الرغم من حق كل فرد في هويته الخاصة بمكوناتها المتنوعة، دون تجاهل المشتركات أو نسيانها.
تعود بنا سطور رسالة رمضان إلى نص يعد من أهم النصوص التي بلورت رؤية الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، في القرن العشرين وما بعده، تجاه العالم الإسلامي، ونعني به نص وثيقة «في حاضرات أيامنا»، الصادرة عن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، في 28 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1965، وفيه أن: «كل الشعوب جماعة واحدة، ولها أصل واحد؛ لأن الله هو الذي أسكن الجنس البشري على وجه الأرض كلها، ولهم غاية أخيرة واحدة، وهي الله الذي يشمل الجميع بعنايته وشهادة جودته».
تبدو عوائق الطريق وعثرات الدرب، في زماننا الحالي، عديدة ومزعجة، وتبدأ من عند الشك والخوف، وتمضي عبر التنافس والإقصاء، مروراً بالاضطهاد والجدل والإهانات، وصولاً إلى الاغتيالات، وجميعها على سبيل المثال لا الحصر.
رسالة الفاتيكان في رمضان تتوقف أمام وسائط التواصل الاجتماعي المحدثة، ناهيك عن التقليدية منها، والتي تزدحم بمثل هذه السلوكيات الضارة، ما يشكل انحرافاً في دورها، من وسائل للاتصال والصداقة إلى أدوات للعداء والتقاتل.
والشاهد أنه لطالما أولى الأحبار الرومانيون أهمية خاصة لوسائل الإعلام، وقد وصفوها بأنها قادرة على صنع الصيف أو الشتاء، بمعنى الدفع في طريق صالح، أو التحفيز على ما هو طالح.
كاتب وثيقة هذا العام يعود بنا إلى ما ذكره البابا فرنسيس ذات مرة، من أنه: «بينما يدافع الناس عن عزلتهم الاستهلاكية الخاصة والمريحة، يختارون أن يكونوا مقيدين باستمرار وبهوس. وهذا يساعد على ظهور أشكال غير اعتيادية من العدوانية، والإهانات، وسوء المعاملة، والإساءة، والكلام المؤذي لدرجة تشويه صورة الآخر، وبفجور ما كان ليوجد لو كان التواصل مباشراً بين الأشخاص، دون أن ينتهي بنا الأمر بتدمير بعضنا بعضاً».
كلمات الرسالة الرمضانية تدفعنا لمزيد من اليقين تجاه أحوال تلك الشبكات، مثل «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام»، التي يسرت تواصل البشر حول الكرة الأرضية؛ لكن التساؤل: «هل جعلت العالم أكثر أمناً وسلاماً؟».
الثابت أن جميع المقاتلين اليوم –من أقوى دول العالم في الحروب إلى أضعفها– قد حوَّلوا وسائل التواصل الاجتماعي إلى سلاح في حروبهم الوطنية والشخصية، والتي تتقاطع في أغلب الأحايين. إنهم جميعاً يقاتلون بهدف تطويع بيئة المعلومات العالمية لإراداتهم.
من هنا تحولت شبكة الإنترنت التي كانت ذات يوم مكاناً لطيفاً مبهجاً للتواصل، إلى النظام العصبي للتجارة الحديثة؛ بل وأصبحت ساحة قتال يتم فيها تسليح المعلومات نفسها.
أما بالنسبة إلى المتفائلين من مخترعي شبكة الإنترنت والمدافعين الشرسين عنها، المتأكدين من قدرتها على إحلال السلام والتفاهم، فهذا دواء مر يجب عليهم ابتلاعه.
اعترف مؤخراً إيفان ويليامز، وهو أحد مؤسسي «تويتر»، بقوله: «اعتقدت أنه بمجرد أن يتمكن الجميع من التحدث بحرية وتبادل المعلومات والأفكار، سيصبح العالم مكاناً أفضل تلقائياً؛ لكني كنت مخطئاً في هذا».
تستلهم دائرة الحوار البابوي بين الأديان رؤية البابا فرنسيس التي ضمنها رسالته العامة، Fratelli tutti: «كلنا إخوة»، الصادرة في 3 أكتوبر عام 2020، ومنها قوله إن العدوانية الاجتماعية تجد في الأجهزة المحمولة مجالاً لا مثيل له للانتشار، وعنده أن عالمنا المعاصر يعيش حالة من حالات «وَهْم التواصل»، فمن المفارقات أنه بينما تزداد المواقف المنغلقة والمتشددة التي تعزلنا عن الآخرين، تقصر المسافات أو تختفي لدرجة فقدان الحق في الخصوصية. فقد تحول كل شيء إلى نوع من عرض يمكن رصده ومراقبته، والحياة أصبحت تحت مراقبة مستمرة. يريدون عرض كل شيء من خلال التواصل الرقمي، وأصبح كل فرد هدفاً لنظرات فضولية، تعري وتكشف، وغالباً ما تكون مجهولة.
هل يمكننا القول إن احترام الآخر يتلاشى، وبهذه الطريقة، في حين أبعده وأتجاهله وأنحيه، أستطيع -دون خجل- أن أغزو حياته إلى أقصى الحدود؟
لا تتوقف روح الوثيقة الفاتيكانية الرمضانية، الموجهة للعالمين العربي والإسلامي، عند حدود توصيف الأزمة الحداثية التي أصابت مجتمعنا البشري المعاصر؛ بل تمضي في طريق طرح نقيض السلوكيات السلبية المذكورة أعلاه، وتقدم لنا سبيكة قيمية، تشتمل على الاحترام والطيبة، الإحسان والصداقة، العناية المتبادلة للجميع، بجانب مساحات التسامح والتصالح والتعاون، ومن أجل هدف لا يغيب عن أعين المؤمنين الحقيقيين الذين يكتسي رمضان أهمية خاصة بالنسبة لهم، ألا وهو الخير العام، ومساعدة كل من هُم في أي من أنواع الاحتياج.
كرَّس فرنسيس منذ بداية حبريته جهوداً واضحة للحفاظ على بيئة الكرة الأرضية، وقد كانت رسالته البابوية الأولى التي حملت عنوان Laudato si، أي «كن مسبحاً»، مخصصة لمناقشة التهديدات الإيكولوجية التي يعيشها كوكبنا، والمخاطر المحدقة بالبشر من جراء الإهمال العمدي، وإغاظة الطبيعة؛ بل والاعتداء عليها.
في رسالة رمضان تذكير ورجاء لنحو ملياري مسلم حول العالم، بأن الاهتمام بالبيئة والحفاظ على «بيتنا المشترك» مكاناً آمناً وبهيجاً يمكننا فيه العيش معاً في سلام وفرح، أمر واجب الوجود.
تنبه الكلمات إلى أنه ليس بإمكاننا التصدي لثقافة الكراهية ومكافحتها، وفي المقابل تعزيز ثقافة المحبة والصداقة، من دون تربية سليمة للأجيال القادمة في جميع الأماكن التي تتم تنشئتهم فيها: الأسرة، والمدرسة، وأماكن العبادة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
في النهاية، تؤكد كلمات دائرة حوار الأديان في الفاتيكان، أن عالَماً يسوده العدل والسلام والأخوة والازدهار، إنما يرضي الله القدير، ويمنحنا الفرح، وهذا يتطلب منا بالتالي التزاماً صادقاً ومشتركاً.