- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ام عكاز قصة قصيرة
زهيرة بنت الشيخ عبود مصطفى عبود ، كل قريتنا تحكي عنها ، رغم جمالها وحلاوتها ترفض الزواج من العرسان . البنت لا يعيبها شيء ، يروي أهل النجع عنها الكثير من الحكايات ، يتندرون على طوابير العرسان الذين رفضتهم ، معظم نساء نجعنا يتمنون ظفر عريس ممن يتقدمون لها ، هكذا قالت أحاديثهن الجانبية وهم يتحدثون في غيظ عن زهيرة وأفعالها التي لا ترضيهن ، والتي كانت السبب في وقف حال بناتهن، وانتظار شباب النجع لموافقة زهيرة على أي واحد فيهم.
تصف جدتي ( أم عكاز ) زهيرة بأنها بدر البدور ، أقول لها
- يا جدتي هي يعني أحلى من نجلاء فتحي ، ولا سعاد حسني ، ولا زبيدة ثروت .
ترد علي بعد أن تغمض عينا ، وتفتح الأخرى ، وتحرك حواجبها لأعلى وأسفل ، وتلاعب غمازها الذي ما زال يظهر بين ثنايا التجاعيد.
- أحلى منهم كلهم ومن نانسي عجرم، وعبير صبري ، ومن حقها ترفض أي حد ، حتى لوكان اللي عاوزها معاه مال نجيب ساويرس ، وامبراطورية أبوهشيمة .
أضرب كفا بكف .، وأتحدث في استغراب .
- جدتي طلعت عااااارفة أبو هشيمة وساويرس.
ثم افرغ طاقتي في الضحك أمامها ،وأشير بإصبعي السبابة ساخرا تجاهها ؛ترفع عكازها لأعلى ثم تهوش به في الهواء لتخيفني ، ثم تقول في جدية
- وممكن أضربك بالعصايا دي ولا حد في البلد يقدر يحميك ، انت عاملني بامشي بيها ، علشان أهش النعجات اللي قدامك بس، لا وألف لا كمان .
ثم فاجأتني بحديثها الفصيح .
- هذه عصاي أهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى .
ثم ضربتني على رأسي ضربة حقيقية ؛ كادت أن تفقدني توازني ، على إثرها كانت زغللة قد تملكت من عيني ، وشعرت بالدوار قليلا ، بالكاد حافظت على رباطة جأشي ، حاولت أن أقف متوازنا ، قلت لها وأنا أفرك رأسي ، وقد استندت لجذع النخلة ( المجوز) التي بالقرب مني .
- فاكره نفسك بت القبايل ياك ، ليه حنان مطاوع هتضربي الرجالة ، والله لولا ما انت جدتي ، لكان وريتك .
نظرت إلي وابتسامة مملوءة بالخوف علي من اثر الضربة ظهرت من خلال بؤبؤ عينيها العسليتان ، اللتان شاهدت نفسي فيهما ، ثم قالت برباطة جاش .
- واضرب نص نجعكم بيد واحده يا ود حمدوك .
- مالك ومال أمي ، لأحسن اجيبهالك ، تطحنك طحن ، وتعجنك عجن ، وتعملك عيش رغفان كد قرص الشمس ، وأنا علي أكلك وكل ، وألهطك لهط .
من قريب ظهرت أمي حمدوك ، وعندما دنت أكثر بان من ملامحها أن كلامي انصب في أذنيها ،باغتتني بكلامها الذي يبدو أنها حاولت أن تقضي به على خوفها من أمها أم عكاز ، تكلمت وهي تحاول أن تظهر شيئا من الجدية على وجهها ، نظرت تجاهي بعد أن وضعت خلفها أم عكاز ثم هزت وجهها مدعية استنكارها لما أقول
- تاكل مين يا ود الفطيس، والنبي لو ألحقك لربطك في النخلة (السباقية) .
تجلس جدتي ، ثم تأخذ في الضحك حتى تستلقي بظهرها على الأرض .
- تربطيه يا بت أبشنب في النخلة السباقية ،علشان ياكل أحلى بلح ، هه .
ثم ضربتها على أردافها بعصاها ؛ جرت حمدوك منها بسرعة خوفا من ضربات متتالية من أم عكاز ، ثم أكملت أم عكاز حديثها .
- أمممم، وي وي ، لااااااا طلعيه انت أحسن فوق ، واطلعي انت كمان معاه ، ودبوا بطنكم منها .
ثم زعقت بصوت قوي.
- قومي فزي انت ولدك ، غديه في بيتكم ، وخديلك شوية لبن ماعز ، يروي جتته ، تخليه شجرة سنط ، بدل ما هو عامل زي السسبان المخوخ ، ولا أقولك ولدك آخره عود خروع .
تضربني أمي على صدري ، ثم تتحدث بصوت زاعق.
- أهيك خليتنا نتهزأ من أم عكاز .
أجري بعيدا عنهما ثم أصرخ
- لاااااااا لااااااااا ، لبن ماعز لااااااااااا
- يابن الرفضي ، انت كنك شربتك حمدوك لبن حمير انت وصغير ، مخه عامل زي هاني رمزي في غبي منه فيه ، والنبي هاني رمزي فيه الهون .
- شايفه يا حمدوك أمك مثقفة ازاي ، أنا نفسي أخدها معاي في المدرج ، واقعدها في البنش ، هتخلى المدرج مسخرة والله .
ترفع عصاها لأعلى ، بينما أنا وحمدوك نجري بعيدا عنها ، ونستمر في الضحك بصوت عال .. من خلف النخلة لمحت جلباب( عقاوي) ، حاول الامساك بي ، لكنني تخلصت منه وجريت ؛ وقع شاشه على الأرض ، ضحكت جدتي وقالت
- قطع الرقاب ولا هد العمم ، أهو برج القاهرة وقع .
ثم أمسكت الشاش بطرف عصاها ، وأعطته لعقاوي الذي اصطنع أنه لم ينتبه لما قالت ، وبعد أن رتب شاشه فوق رأسه ، تكلم بصوت أجش.
- جدتك دي أحسن من مادلين أولبرايت في ذكاءها وشدتها .
قلت له
- مين مادلين وأولبرايت دول اللي بتتكلم عليهم .
ردت أمي في صوت ساخر.
- مادلين أولبرايت دي الخياطة بتاعت أمي ، كانت بتغزل عندها صوف النعاج.
تصرخ جدتي في صوت مرعب وكأنها تحاول إخافة عقاوي ، وفي نفس الوقت توجه كلامها لي .
- رجع النعاج اللي هناك ، وخد أبوك اللي عامل نفسه سعد زغلول وآخره نجاح الموجي ، ومشي معاه أمك اللي عامله نفسها رضوى عاشور وأخرها سعاد نصر .
ثم ترفع عصاها فنجري ثلاثتنا ناحية النجع وسط الزراعات الكثيفة ، ونترك أم عكاز وسط غنماتها ترعاهم وتستأنس بهم ، تجلس تحت النخيل ، تشرد مع نفسها ، تقول الشعر أحيانا ، وتغني أحيانا ،وتبكي أحيانا ، وعند آخر النهار تسير أمام غنمها ، ويسير الغنم خلفها في نظام كأنهم أولاد يجرون خلف أمهم ، أو كأنهم تلاميذ في مدرسة نظامية يسيرون بانتظام في صفوف متراصة نحو فصولهم بعد نهاية طابور الصباح ، أسأل حمدوك .
- مين مادلين ومين أولبرايت يامه.
- مش فلتلك الخياطه .
- مادلين الخياطه ومين اولبرايت طيب !
- عيب يا وليه ، قولي الحقيقة لولدك ، مادلين أولبرايت دا اسم واحد بس ، مش اتنين ، وقريبتنا قوي .
- ياسلاااااام .
- مادلين دي اخت جدتك شقيقتها طوالي ، مولودين في بطن واحده ، توأمها يعني .
- صح يابا ، بتتكلم جد !
ينظر عقاوي لحمدوك مخاطبا اياها
- الود دا حمار زي يونس شلبي في مدرسة المشاغبين .
تقول حمدوك وهي تضحك تجاهي بسخرية
- هو يطول على الأقل هيقول أبويا اتحرق ..أبويا تحرق .
يجري خلفي ؛ فيقع على الأرض ، ويستمر في الضحك ، وسعال كثيف يخرج منه. أقف له وأجعله يمسكني ، يربت على كتفي بكل حنان الدنيا ثم يقبلني فوق رأسي.
- مادلين دي وزيرة خارجية أمريكا ، وكانت مره شديده قوي .
تكمل حمدوك حديث عقاوي
- وأبوك شبه أم عكاز بيها وهي عجوزة ومش حلوة زي هيلاري كلينتون ، لو شبهها بهيلاري كلينتون ، ولا ايفانكا ترمب مكانش زعلت مننا ،طيب يا أخي سميها حتى زي نانسي بيلوسي .
يؤيد عقاوي كلامها
- أم عكاز أشد من نانسي بيلوسي ، لو كانت في أمريكا مكانش حد في المتظاهرين قدر يدخل مبني الكابيتول .
- متاخدناش في الكلام يا خوي ، أمال مين رضوى عاشور دي .
- أم تميم .
تصرخ ، ثم تسكت فجأة ، ثم تقول
- تميم مين .
- تميم البرغوثي
- استني يامه .. تميم البرغوثي دا أنا أعرفه ، أصلي حافظله بيت شعر
يا نرمين خلقت خجولا سوى في اثنتين الهوى والغضب .
- شوف الواد ياسمين خلاها نرمين
تضرب حمدوك على صدرها وتقول
- مين نرمين دي يا واد .
- اسكتي يا حمدوك جوزك بيضحك عليكي ، ويقولك أم تميم ، الخوف ليكون متجوز من وراكي ومخلف واد ، وكمان يمكن يطمعوا ويقسموا في البقرة اللي حيلتنا .
- صح انت متجوز ، هانت عليك العشرة يا عقاوي ، هانت عليك البقرة والواد اللي حيلتنا ، ف الآخر مخلف ود ومسميه تميم كمان .
يخلع عقاوي جلبابه ويسير بالسديري والسروال ، ويجري أمامنا حتى يصل للبيت ،ونحن نجري وراءه ، والناس يشاهدوننا ويضربون كفا بكف ، أحدهم يعلق .
- أهه دول المجانين أكتر من زهيرة بنت الشيخ عبود مصطفى عبود ..
ندخل بيتنا ، تعد حمدوك لنا الطعام بسرعة ، نجلس على الطبلية ، نهجم على الأكل .
- أهي زهيرة اللي بيقولوا عليها دي أعقل واحدة في البلد يا ولدي .
- هي كل واحدة تاخد كلية تتشرط على العرسان ، علشان هي حلوة يعني ، وأبوها شيخ محترم والناس بتحبه .
تؤيد حمدوك كلامي .
- وكمان الشرط الأمر والأتعس ، إن كل اللي يتقدملها ، تقوله روح هات موافقة أم عكاز الأول ، الراجل نفسه يشوف البت لابسه فستان الفرح ، وباين عليه دا مش هيحصل ؛لأن اللي يروح لأمي المفتي أرحم له منها .
ثم تسكت برهة وتشرد مع نفسها ، وكأنها تتأمل شيئا مهما ، ثم تنظر لعقاوي وعجب يظهر على ملامحها .
- لكن ازاي وافقت عليك أم عكاز يوم ما اتقدمت لي من دون خلق ربنا .
يضحك عقاوي وينظر اليَّ ويقول .
- أمك جالها زهايمر ، مفكراش الاختبار اللي كانت عملاه أم عكاز للعرسان .
- ايه الاختبار يا عقاوي .
قلتها وأنا أضحك في وجه أبي وأتخيل أن جدتي أقامت له مقلبا صعبا .
- بص يا أبولسان زفر ، أنا كان رقمي في المتقدمين 17.
- زي فرقة حسب الله يعني .
- اسكت يا بن الفطيس واسمع كويس .
- قول يا عقاوي .
أقولها وأنا أستمر في الضحك عليه .
- عملت مخمرة من الطين ، تقولشي حمام سباحة ، وقالت لكل واحد متقدم ، دور في المخمرة على الجنيه الدهب ، اللي أنا رمياه في الطين ..وكل واحد يدور ميلقيش جنيه الدهب ، ويطلع منها مطين بستين طين ، وميلحقش العروسة .
- وانت عملت ايه .
- نزلت المخمرة وطلعت 3 جنيه دهب .
- ازاي ، جدتي فعلا كانت حاطة فلوس دهب!
- لا
- وي وي وي
- طلعتهم من جيبي وبلبطتهم في الطين وقلت لها .، خدي فلوسك يا أم عكاز.
- يا بن الايه يا بوي ، دا انت لبط .
قلتها وجريت بعيدا عنه ، ضحك عليَّ واستمر في حديثه .
- جدتك زكيه وبتفكر بطريقة مختلفة .
- طيب وبتعمل في الناس اللي بتتقدم لزهيرة .
- كل واحد تقعد تهري فيه أسئلة ، وبعدين تطلب إن أمه تزغرد ؛ ونبص نلاقي الجوازه فاشلة ومنجحاش.
- طيب امتى هتتخطب بت الشيخ عبود مصطفى عبود ، ومين هيجاوب على الأسئلة .
- المشكلة مش في الأسئلة يا ولدي .
نرد أنا وأي في صوت واحد .
- أمال ايه يا عقاوي .
- المشكلة إن مفيش حد بيعرف يزغرد في النجع يا ولاد الفطيس .