- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
انعكاسات حرب أوكرانيا على مجتمعات الشتات الروسي
انعكاسات حرب أوكرانيا على مجتمعات الشتات الروسي
- 30 مارس 2023, 7:26:47 م
- 482
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد أن شنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العملية العسكرية في شرق أوكرانيا في فبراير 2022، ظهرت الانقسامات على الفور في المجتمع الروسي الداخلي، وكذلك داخل مجتمعات الشتات الروسي، خاصةً في دول الجوار للاتحاد الروسي؛ إذ باتت هذه المجتمعات مطالَبة بالتعامل مع تشابكات الصراع الأوكراني وانعكاساته؛ فهناك نحو 11 مليون مواطن روسي يُقيمون خارج الحدود الروسية، يتركز نحو 93% منهم في دول أوروبا وآسيا الوسطى، وأغلبهم مهاجرون من الكتلة السوفييتية السابقة، الذين لم يكونوا قَط كتلة واحدة، لكنهم ارتبطوا باللغة والتاريخ المشتركَين، ومن ثم تتباين آراؤهم وتوجهاتهم إزاء قرارات وتوجهات الرئيس الروسي، وخاصةً فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، التي تسببت في زيادة حدة الأعمال العدوانية تجاه الروس في مجتمعات الشتات، دون التمييز بين من هو داعم ومن هو معارض للحرب، وسط شعور محدود بالتضامن العاطفي نحوهم.
نظرة مجتمعية
مما لا شك فيه عدم وجود إجماع من قِبل روسيي الشتات حول موقفهم من الحرب الروسية–الأوكرانية؛ فهناك المؤيد والمعارض، بيد أن المجتمعات التي يعيش فيها هؤلاء الروس، قد لا تُميِّز بين هاتين الفئتين، وتنتهج بذلك سياسات موحدة تجاه الفئتين معاً، ويمكن تناول أهم هذه السياسات فيما يأتي:
1– تصاعد الممارسات التمييزية ضد الروس: تتحدث تقارير وسائل الإعلام العالمية بشكل متزايد عن ممارسات تمييزية ضد الروس بسبب الحرب في أوكرانيا، وتتحدث منشورات وسائل التواصل الاجتماعي عن تنامي ما يُسمَّى “الروسوفوبيا”، الذي يعرف بالخوف من كل ما هو روسي؛ فمثلاً أظهرت صورة تم تداولها على منصة “إنستجرام”، مع بداية الحرب مباشرةً، طالبة في مدرسة دولية بمدينة مونترو السويسرية كانت قد تعرَّضت للضرب؛ لكونها فقط من أصول روسية.
وكذلك تظهر التعليقات التمييزية ضد الروس على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أشارت تقارير إلى تعرض بعض الروس لإهانات أثناء وجودهم في المواصلات العامة ببعض الدول الأوروبية، مثل سويسرا، علاوةً على استمرار الأعمال العدائية في الشوارع ضد بعض الروس في الدول الغربية، مثل حالات الاستهزاءات في محلات السوبر ماركت، أو حالات الأطفال الذين أهينوا ووُصفوا بأنهم إرهابيون، بل يطالبهم زملاؤهم بالعودة إلى ديارهم.
2– تسليم الهاربين الروس إلى السلطات في روسيا: خلقت التعبئة العسكرية الجزئية الروسية مشكلة رئيسية لجيران الاتحاد الروسي؛ فمن ناحية، هربت أعداد كبيرة من الروس من البلاد لتجنب استدعائهم؛ لذا صرَّحت السلطات الكازاخستانية والأوزبكية – وهما دولتان قد استقبلتا أعدادًا كبيرة من الروس حينها – بأنها ملزمة بتسليم المواطنين الروس إلى موسكو فقط إذا أدرجوا على قوائم المطلوبين الدوليين، والتي يتم اللجوء إليها في الجرائم المتعلقة بالتهرب من الخدمة العسكرية.
يجدر الإشارة إلى أن هذا الموقف الرسمي منسجم إلى حد كبير مع الرأي العام في تلك الدول؛ فبالرغم من تعاطف السكان المحليين بوجه عام مع الوافدين الروس، فإن هذا التعاطف يتلاشى أحياناً على خلفية الشك – وحتى الخوف أيضاً – من إعلان موسكو الدخول في الحروب بهدف يتمثل في حماية العرقية الروسية في تلك البلدان؛ إذ سبق أن أكدت موسكو أن جزءاً من تبرير ما تُسمَّى عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا كان “تحرير دونباس”، وهي منطقة في شرق أوكرانيا تضم عدداً كبيراً من الروس العرقيين. ومن ثم ليس من المستبعد أن يقرر الرئيس الروسي غداً حماية أولئك الروس الذين فروا من روسيا، وأن يشن حرباً على دول الجوار؛ أي أنه من المحتمل أن تكون دول مثل جورجيا وأرمينيا ودول البلطيق قلقة بوجه خاص من أن تأتي روسيا لاحقاً وتحاول حماية الروس في تلك البلدان المضيفة كما فعلت مع الشتات في أوكرانيا.
3– تنامي الهاجس القومي لدى المجتمعات المستضيفة: اتصالاً بالنقطة السابقة، يخشى القوميون من أن التدفق الروسي قد يغير التركيبة العرقية لبلدانهم، لا سيما في مناطق مثل شمال كازاخستان أو عاصمة قيرغيزستان بيشكيك؛ حيث يشكل الروس بالفعل نسبة كبيرة من السكان. إضافة إلى ذلك، تأتي موجة الهجرة الروسية في وقت تتصاعد فيه التوترات السياسية في كل دولة من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، سواء تمثلت هذه التوترات في الاضطرابات السياسية الداخلية أو الإصلاحات الدستورية أو الاشتباكات الحدودية، وهي التوترات التي قد تحفز موسكو بدورها على استغلال هذه الفرصة السانحة لمحاولة استعادة حضورها في مناطق نفوذها التقليدية، وهو ما يثير حفيظة مجتمعات هذه الدول إزاء استمرار تدفق الروس لديها.
4– التضييق على الأنشطة الثقافية: شهدت الشهور التي تلت اندلاع الحرب الأوكرانية تضييقاً واضحاً على الأنشطة الثقافية الروسية في بعض الدول، وبحسب ألما ويكين المديرة التنفيذية للجنة الفيدرالية لمكافحة العنصرية في سويسرا، في تقرير منشور خلال شهر مايو 2022، اتصل بعض الأفراد باللجنة من أجل الاستفسار عن سحب دعوات بعض الأشخاص الروس في مجالي الثقافة والرياضة أو إبعادهم، على خلفية العزلة المفروضة عن كل ما هو روسي؛ فعلى سبيل المثال، أعفى مهرجان الموسيقى الكلاسيكية في منتجع فيربييه الجبلي بمنطقة كانتون فاليه السويسرية قائد الأوركسترا الروسي فاليري جيرجييف المعروف منذ زمن بعيد بتأييده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من منصبه كقائد فرقة موسيقية، كما ذهبت بعض المؤسسات إلى أبعد من ذلك؛ حيث تم إلغاء حفل عازفة التشيلو الروسية أناستاسيا كوبيكينا، في مدينة كانتون تورجاو في سويسرا؛ وذلك على الرغم من معارضتها الصريحة للحرب في أوكرانيا.
5– ظهور ملامح التضامن العاطفي مع الروس في بعض الدول: في سوابق نادرة، كان من غير المألوف عدم سماع أي شكاوى من سكان جورجيا إزاء استمرار تدفق اللاجئين الروسيين إلى مجتمعهم؛ وذلك بالرغم من اندلاع الحرب الروسية الجورجية عام 2008، لا سيما أن متوسط دخل الأسرة الروسية في تبليسي يزيد بستة أضعاف عن متوسط دخل الأسرة في جورجيا؛ وذلك وفقاً لأحد التقديرات. ومن ثم ليس من الغريب أن تثير هذه الأمور غضب الشعب الجورجي، بيد أن بعض الروس يتعجبون من الدفء الذي وجدوه داخل هذه الدولة؛ فمثلاً تناولت بعض المواقع الإخبارية والإعلامية قصة مواطن روسي كان قد وصل إلى تبليسي بموارد قليلة، وفكر في فتح مطعم بالعاصمة تبليسي، وما لبث أن وجد أن صاحب المنزل قد أعطاه ثلاجة وثلاث طاولات معدنية، وأعطاه أحد الجيران خلاطاً محترفاً، وهو ما يدل على التضامن الواسع من قبل بعض المجتمعات مع الروس الهاربين من روسيا.
موقف الروس
لقد تباينت مواقف الروس في مجتمعات الشتات إزاء تفاعلات الحرب الأوكرانية، ولا سيما تعاملهم مع أفعال تلك المجتمعات تجاههم. ويمكن تلخيص هذه المواقف على النحو التالي:
1– محاولة بعض المجموعات مساندة موسكو: حرص الروس في مجتمعات الشتات على تنظيم عدد محدود من المسيرات المناهضة للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، بل طالبوا دول هذه المجتمعات بوقف دعم أوكرانيا وإلغاء هذه العقوبات، كما حمل العديد من المتظاهرين أعلاماً روسية أو لافتات عليها أحرف الناتو بخط أحمر. إضافة إلى ذلك، جمع المنظمون لتلك التظاهرات تبرعات للقوات الانفصالية المدعومة من روسيا في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، بهدف دعم أهدافها الانفصالية عن الدولة الأوكرانية، وتحقيقاً للأهداف الروسية من الحرب. والجدير ذكره أنه عادةً ما كانت تلك المسيرات تضم عدداً محدوداً من الروس مقارنةً ببقية المسيرات المناهضة للعملية العسكرية الروسية؛ حيث إن هناك عدداً قليلاً نسبياً من التجمعات المؤيدة لبوتين منذ بداية الحرب.
2– إظهار الدعم العلني لأوكرانيا: صادف يوم 24 فبراير 2023 الذكرى السنوية للعملية العسكرية الروسية الشاملة لأوكرانيا؛ حيث اجتمعت عدة مجموعات من الروس الذين يعيشون في الخارج لإظهار دعمهم العلني لأوكرانيا ورفضهم الأيديولوجية الإمبريالية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على حد وصفهم؛ وذلك في تحرك جماهيري من أجل الاتحاد والانضمام إلى الأوكرانيين وأنصارهم لإحياء ذكرى 24 فبراير. وقد شاركت في هذه المسيرات العديد من مؤسسات المجتمع المدني، التي تضم في عضويتها عدداً كبيراً من الروس المهاجرين والمعارضين للحكومة الروسية؛ فمثلاً اشتملت التظاهرات على مؤسسة روسيا الحرة، وهي مجموعة مقرها الولايات المتحدة، تدعو إلى الديمقراطية في روسيا، ومؤسسة مكافحة الفساد، ومقرها أيضاً الولايات المتحدة وترتبط بأليكسي نافالني المعارض السياسي الرئيسي لبوتين والمسجون حالياً في روسيا.
هذا وقد انتشرت نداءات هذه التظاهرات، وأسفرت عن أحداث عامة بأحجام مختلفة في أكثر من 100 موقع في نحو 45 دولة حول العالم؛ حيث ذهبت الأصوات العالمية لمراقبة الأحداث، وهو ما يعد علامة على أن المعارضة المشهورة كانت قادرة على العمل معاً.
كما تنوعت الهتافات والأهداف للتظاهرات؛ فبينما أوضح المشاركون أن النقطة الرئيسية للاحتجاجات كانت ذات شقين: الأول يركز على التعبير عن التضامن مع أوكرانيا بسبب الموت والدمار الذي لحق بها على نطاق واسع، والثاني يؤكد أنه ليس كل الروس يدعمون حرب الرئيس بوتين؛ فقد كان هناك احتجاجات أخرى في أوروبا وأمريكا الشمالية تدعو إلى وقف إطلاق النار وإنهاء تزويد كييف بالأسلحة؛ حتى لا تتحول الأراضي الأوكرانية إلى ساحة للحرب بالوكالة بين الروس والغرب، لا سيما تأكيد بعض الروس الذين حضروا الاحتجاجات أنهم كانوا يحاولون تهدئة شعورهم بالخزي؛ حيث انقلبت حياتهم رأساً على عقب نتيجة توجهات الرئيس الروسي العنيفة إزاء أوكرانيا.
3– التناقض بين معارضة موسكو والخوف على عائلاتهم: هناك فئة ثالثة من الروس الشتات يدينون الحرب الروسية في أوكرانيا، لكنهم لا يُظهرون هذا التوجه علانيةً؛ إذ يخشون أن يرتد حديثهم عن هذا الأمر على أسرهم في موطنهم (روسيا)؛ حيث إن لدى العديد من المغتربين الروس صلات بأوكرانيا تجعلهم يتعاطفون مع محنة البلاد. ومع ذلك، فهم قلقون من التحدث علانيةً بسبب الخوف من الانتقام من أقاربهم في روسيا أو لفت الانتباه إلى أنفسهم وإلحاق الضرر بعلاقاتهم مع مجتمعهم المحلي الأصلي.
4– مساعي الانخراط في المجتمعات المستضيفة وتجنُّب الوصم: يحاول العديد من الروس الذين يدركون أن وضعهم حساس في مجتمعات الشتات، أن يَخطُوا بحذر؛ بحيث يبقون بعيداً عن الأنظار ويساهمون في المجتمعات المحلية من خلال تقديم خدمات جديدة وتطوعية؛ إذ يحاول البعض تحميل أنفسهم مسؤولية سياسات موسكو، ويعملون جاهداً من أجل تصحيح صورة روسيا وتدخلها العسكري في أوكرانيا، بل تصحيح الصورة الذهنية للشعب الروسي بوجه عام؛ بأنه شعب رافض للحروب وليس له علاقة بالسياسات العليا؛ وذلك من خلال عمل بعض الروس على أن يوضحوا لجيرانهم الجدد أن حرب بلادهم ليست حربهم، لا سيما أنهم يعملون على تجميع الأموال والتبرعات من أجل اللاجئين الأوكرانيين في هذه المجتمعات.
وختاماً.. ليس من اليسير على الروس الذين يعيشون في مجتمعات الشتات أن يعملوا بحرية؛ حيث ستظل حروب موسكو في دول الجوار الروسي مظلة لتعسف هذه المجتمعات في التعامل مع الروس المهاجرين أو اللاجئين إليهم، وهو ما سيضع عليهم العديد من الضغوط الحياتية، بل أصبحت أوضاعهم المعيشية أكثر سوءاً من تلك التي كانوا يمرون بهم في مجتمعهم الأصلي؛ روسيا.