- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
بعد عقد من الربيع العربي.. التقارب الإماراتي التركي يدشن مرحلة جديدة في المنطقة
بعد عقد من الربيع العربي.. التقارب الإماراتي التركي يدشن مرحلة جديدة في المنطقة
- 17 فبراير 2022, 2:02:31 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وصل الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي في 14 فبراير/شباط الجاري في زيارة رسمية كان من الصعب تصورها خلال السنوات الماضية. ويعد التقارب الإماراتي التركي أكثر العناصر لفتا للانتباه في الحقبة الجديدة من خفض التصعيد بين الجهات الفاعلة الإقليمية في الشرق الأوسط.
وتدعم زيارة "أردوغان"، إلى جانب الاستثمارات الإماراتية الكبيرة التي يتم ضخها في الاقتصاد التركي، هذا الاتجاه، ما يعزز التكهنات بأن المحطة التالية للرئيس التركي قد تكون الرياض.
وبعد عقد من المواجهة والصراع في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، وجدت معظم القوى في الشرق الأوسط نفسها تعاني من التشتت والتمدد أكثر من اللازم. وبالرغم من اختلاف حجميهما وقدراتهما، فإن تركيا والإمارات من بين القوى الرئيسية التي سعت إلى إبراز نفوذها في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي.
وإلى جانب قطر، كانت تركيا القوة الرئيسية الداعمة للأحزاب المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين والتي صعدت بعد سقوط الديكتاتوريات بفعل الثورات. وشعرت بعض الدول، ولا سيما الإمارات ومصر، بالقلق من تحول الإخوان إلى كتلة إقليمية ترعاها تركيا سياسيا وتدعمها قطر ماليا وإعلاميا.
من جهتها، وجهت تركيا اتهامات للإمارات بالتورط في الانقلاب العسكري الفاشل ضد "أردوغان" في 2016.
باختصار، ينظر البلدان إلى بعضهما البعض على أنهما يتبنّيان مواقف معادية، مع تصوير تركيا على أنها توسعية بشكل خطير والإمارات باعتبارها لاعبا إقليميا مغرورا.
وكان منبع الخوف الإماراتي هو صعود الإخوان المسلمين، وساعدت هذه المخاوف في تأجيج الأزمة الدبلوماسية مع قطر عام 2013، ثم حصار قطر الذي استمر 4 أعوام من قبل الإمارات والسعودية والبحرين ومصر بدءا من يونيو/حزيران 2017.
وكان الخوف السائد هو أن تركيا وقطر تسعيان إلى بناء نظير إسلامي سني لشبكة إيران الإقليمية من الميليشيات الشيعية التي أرقت مضاجع العديد من الدول العربية وكانت بمثابة الوسيلة الأساسية لتوسيع النفوذ الإيراني في الدول المجاورة، بما في ذلك العراق ولبنان وسوريا.
لكن من وجهة النظر التركية والقطرية، كانت الرغبة فقط هي دعم الثورة والديمقراطية والأحزاب الشرعية والشعبية التي لها كل الحق في تشكيل الحكومات إذا حصدت أغلبية الأصوات.
وبما أن تركيا لم تنجح أبدا في إنشاء شبكة إسلامية سنية على النمط الإيراني، وأن الأحزاب المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين استنزفت الدعم السياسي منذ عام 2011، فقد تراجعت هذه المخاوف.
ومع ذلك، إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي قوية سياسيا، وكانت الإمارات تنظر إلى تركيا وقطر على أنهما المستفيدين الأساسيين من ذلك، فستتصاعد المخاوف الإماراتية مرة أخرى وسيصبح من الصعب التقارب بين أبوظبي وأنقرة والدوحة.
الجمود في ليبيا يفتح الباب
وكان الجمود في ليبيا من أهم التطورات التي سمحت بالتقارب. ودعمت الإمارات ومصر بقوة برلمان طبرق الذي يناصره الجنرال "خليفة حفتر". وكانت تركيا وقطر من الداعمين الرئيسيين لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، التي تتمتع فيها مجموعة من الجماعات الإسلامية والميليشيات بنفوذ كبير.
لذلك استثمرت القوى الخارجية بشكل كبير في الحرب الأهلية الليبية "الثانية" التي بدأت في عام 2017، حيث حاولت الحكومتان تجاوز بعضهما البعض. لكن تمكن كلا الجانبين فقط من الاحتفاظ بالسيطرة على أراضيه دون إبعاد الطرف الآخر.
وبعيدا عن الميول الإسلامية، كانت تركيا مصممة على ضمان بقاء حكومة طرابلس التي تسيطر على مدينة مصراتة الساحلية، حيث تتمتع تركيا بنفوذ تاريخي وهناك عدد كبير من السكان الأتراك. وتعد هذه السيطرة ضرورية لمطالبات أنقرة بمنطقة اقتصادية خالصة لاستخراج موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط.
وتستند هذه المطالبات التركية المثيرة للجدل إلى خط وهمي مرسوم بين الساحل التركي الشمالي ومصراتة وفقا لاتفاقية بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني. ولكي تظل مطالبات المنطقة الاقتصادية التركية معقولة، يجب على الحكومة الليبية الاستمرار في السيطرة على المدينة الساحلية. وأدى ذلك إلى تدخل عسكري تركي كبير في ليبيا في يناير/كانون الثاني 2020.
وشاركت الإمارات أيضا بشكل مباشر في الحرب الليبية عام 2017، وكذلك الحرب الأهلية الليبية "الأولى" التي أطاحت بـ"معمر القذافي" عام 2011، وإن كان ذلك على نطاق أصغر كثيرا.
ومع ذلك، لم تتمكن أي قوة أجنبية من حسم الصراع لصالحها وكسر حالة الجمود في ليبيا. وأثبت النظام الليبي الشرقي والغربي أنه غير قادر على الإطاحة بالآخر. وكانت النتيجة توازن غير مستقر وعملية سياسية متعثرة في بلد منقسم بشدة.
وساعد المأزق الليبي على إرساء الأساس للمصالحة الإماراتية مع تركيا وقطر، لأنه لم يعد هناك ما تكسبه القوى الخارجية في ساحة المعركة الليبية.
وفي الواقع، تشير المشاركة في ليبيا إلى أن كلا من الإمارات وتركيا قد بالغتا في النزاعات الإقليمية. وتقريبا، انتهت جميع صراعات العقد الماضي إلى طريق مسدود كما في ليبيا، أو تم حلها فعليا عن طريق الحسم العسكري كما في سوريا، أو لم تعد تعود بالفائدة على هذه الجهات الفاعلة الإقليمية كما في اليمن.
وأدى هذا الجمود والتعب من الصراع إلى الابتعاد عن المواجهة والاتجاه نحو المناورة الدبلوماسية والسياسية وإعادة بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية والحفاظ على مكاسبها مع التخلي عن الالتزامات المرهقة بلا داع.
انهيار مشروع الإخوان المسلمين
ويعد المتغير الأهم هو تفكك القوة السياسية للإخوان المسلمين في معظم أنحاء العالم العربي، حيث تعرضت الجماعة لضربة قوية مع انقلاب 2013 في مصر، ولم تتعاف منها حتى الآن.
ويبدو أن هذا المشروع البالغ من العمر 100 عام انهار فعليا خلال الأعوام الـ 3 الماضية. ولا يوجد سبب لافتراض أن الإسلاموية السنية لا يمكن أن تعاود الظهور في المستقبل، ولكن في الوقت الحالي، لم تعد معظم الجماعات المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة قادرة على الاستمرار في المنافسة على السلطة الوطنية أو حتى المحلية.
ويبدو أن الجاذبية الأيديولوجية للجماعة قد تشوهت بشدة بسبب عقد من الفشل المستمر وتشويه السمعة على نطاق واسع.
لذلك، تراجعت فرص تركيا وقطر في رعاية شبكة إقليمية قوية من الجماعات المرتبطة أيديولوجيا، بالرغم أن البلدين لا يزالان يحتفظان بعلاقات استثنائية حتى بدون مثل هذه الكتلة الإقليمية.
ولم تعد الإمارات والسعودية تواجهان تهديد وصول حركة إسلامية إقليمية إلى السلطة في العديد من الدول العربية بما يهدد شرعية الملكيات في الخليج.
وعلى المستوى الفكري والأيديولوجي البحت، يبدو أن الإمارات قد انتصرت، على الأقل في هذه المرحلة. ومع ذلك، يمكن القول إن تركيا لا تزال أقوى فاعل إقليمي وفقا لمعظم المعايير، لا سيما فيما يتعلق بدورها في الشرق الأوسط، فيما نجحت قطر في الدفاع عن سيادتها واستقلالها وكسر الحصار دون تغيير سياساتها بشكل كبير.
هل يمكن إضفاء الطابع المؤسسي على هذا التقارب؟
في ظل هذه الظروف، لم تكن المصالحة داخل مجلس التعاون الخليجي منطقية فحسب، بل كان من المنطقي أيضا التقارب بين الإمارات وتركيا، كما تشير الزيارة الرسمية التي قام بها "أردوغان" إلى أبوظبي.
وبالرغم من قوتها الإقليمية التي لا شك فيها، تمر تركيا بفترة من الضغوط الاقتصادية الكبيرة، ما أتاح الفرصة لخفض التصعيد وتأسيس بنية تحتية لهذا التقارب.
وفي 19 يناير/كانون الثاني، ساعدت اتفاقية مبادلة عملات بقيمة 5 مليارات دولار تقريبا على تعزيز الليرة التركية المتعثرة. وبحسب ما ورد تخطط الإمارات لإنشاء صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في تركيا.
وتعهدت أبوظبي بمضاعفة حجم التجارة مع تركيا مرتين أو 3 مرات في المستقبل القريب، معتبرة أنقرة جسرا رئيسيا لأسواق جديدة خاصة في أفريقيا. ومن المرجح أن تتطور العديد من المبادرات من هذا النوع إلى أبعد من المبادرات الـ 13 التي تم الاتفاق عليها خلال الزيارة.
ومع احتواء مصادر التوتر الرئيسية في ساحات القتال الخارجية، وحل الصراع الأيديولوجي والفكري المتعلق بالإسلاموية، على الأقل في الوقت الحالي، لم تعد الأسس الرئيسية للشك المتبادل تشكل حواجز خطيرة أمام التعاون.
وبالنسبة لأنقرة، فإن التعاون مع الإمارات سيفتح الباب أمام دعم مالي مهم في وقت ملح كما يمثل فرصة للانسحاب من بعض التوترات والنزاعات التي لا نهاية لها على ما يبدو. وبالنسبة لأبوظبي، فإن الوصول إلى استثمارات وأسواق جديدة يعد مهما لها للاستعداد لعصر ما بعد النفط، خاصة أنه يمكن استخدام هذه الاستثمارات والبنية التحتية لتخفيف أي توتر إقليمي محتمل في المستقبل.
ونظرا لأن التوترات بينهما نشأت في المقام الأول من الشكوك المتبادلة والمنافسة الأيديولوجية، التي أصبح الكثير منها خاملا، فلا يوجد سبب يحتم ألا تكون المصالحة الإماراتية التركية طويلة الأمد ومجزية للطرفين.
وأخيرا، يعد كلا البلدين شريكين تقليديين للولايات المتحدة، وبينما تواصل واشنطن تقليص التزاماتها الإقليمية طويلة الأمد، فإن لدى أصدقائها العديد من الحوافز للتأكيد على التنويع الاستراتيجي وتجميع الشركاء وتوسيع خياراتها.
وبالتأكيد ستكون كل من الإمارات وتركيا في وضع أفضل بالعمل معا بدلا من البقاء على مسار تصادمي كما كان عليه الأمر طوال العقد الماضي.
المصدر | حسين آيبش | معهد دول الخليج في واشنطن -