بكر أبوبكر يكتب: الاتفاق على رؤية من واقع الإخفاقات والإنجازات

profile
بكر أبوبكر كاتب ومفكر سياسي فلسطيني
  • clock 21 يناير 2022, 11:06:18 ص
  • eye 1183
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في مداخلة لي في ختام مؤتمر المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية برئاسة د.محمد المصري وحول التجربة الوطنية في ٥٦ عام حاولت التركيز على ٣ محاور رئيسه هي الانجازات والاخفاقات وكيف من الممكن أن نتفق على رؤية، لاسيما وأن عنوان المؤتمر وكلمة رئيس المركز الثرية يثيران التساؤلات والتحدي ويطالبان بضرورة الاجابة.

استطاعت التجربة الوطنية الفلسطينية التي قادتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح أن تحقق جملة من الانجازات سأتحدث عن ٤ فقط منها ذات مدلول وعمق جوهري.

في أولاها أنها أبرزت الكيانية الفلسطينية والوجود الفلسطيني بعد أن كاد الرماد يتراكم فأسقطت الثورة الفلسطينية مقولة “الكبار يموتون والصغار ينسون” وبالتالي كان الأطار الجامع ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية مدخلًا لهذه الكيانية والهوية الجمعية بالاضافة لثبات الشعب الفلسطيني على أرضه وعلى روايته وتصميمه علي النضال.

أما ثاني الانجازات التي نفخر بها فتمثلت باظهار الوطنية الفلسطينية التي كادت تذوب في المحيط العربي لتتمايز في سياق الانتماء الموحد وليس المنفصل عن مجمل الأمة، فأصبح للشعب الفلسطيني شخصيته المتميزة وأصبحت الوطنية منهجًا لكل الفصائل حتى تلك التي أدانت في مرحلة من تاريخها ما القطرية أو ما أسمته الاقليمية لصالح العالمية سواء تمثلت بالأممية الاشتراكية أو العروبية القومية او الاسلاموية وسقطت في قعر المستنقع الآسن مقولة “أرض بلا شعب” الصهيونية الفاسدة.

أما ثالث الانجازات فكانت الاستقلالية الفلسطينية في الارادة والقرار والعمل بعيدا عن التمحور او التحزب العربي الذي كاد يودي بالقضية وأصحابها منذ البدايات في مهاوي الردى

إن الاستقلالية كرست مسارًا نضاليًا فلسطينيا في إطار مركزية القضية كجاذب لكل مقومات الأمة وقلبها وليس كمنفصل عنها أي في الاطار الجامع وهو ما كان من غالب الحروب التي خاضها ياسر عرفات اين نحت بالصخر اسم فلسطين وقرار قيادتها الوطني المستقل.


أما رابعا فلقد كان نهج “الواقعية السياسية” قد تمثل بتباشير الوعي السياسي الواقعي وفهم معادلات القوة في صراع الجذرية التي حاولت حصر الفعل في إطار أو شكل كفاحي واحد، وسارت علي الدرب اي علي درب فتح كل الفصائل وخاصة كافة فصائل اليسار أو قوى الرفض كما تسمت إضافة الي الاخوان المسلمين “حماس” بعد الصحو من الغفلة مؤخرا وهي التي تبنت الوطنية والكيانية الجامعة والواقعية السياسية مع وثيقة الدوحة عام ٢٠١٧ ثم مع خطاب يحيى السنوار بعد هبة القدس وغزة عام ٢٠٢١م.

اما الاخفاقات فهي مما تحدث عنه الأخوة (الاخ محمود العالول والاخ أحمد مجدلاني، والاخ ناصر الدين الشاعر) وبأشكال مختلفة، ويطيب للبعض أن يحصروا مسيرة الثورة في هذا النطاق الاخفاقي فقط! إمّا لضيق النظر أو لطغيان نظرتهم التشاؤمية أو لطغيان الأيديولوجية أو لمجرد الانكار للانجازات…. ومع ذلك يمكن ان نلخصها بأربعة صعبة

أولا لقد فشلت العقلية الجمعية الفلسطينية وعبر تدهور فعالية المنظمة، ثم حشرها في نطاق السلطة الفلسطينية وكأنها دائرة او وزارة تابعة فتقلصت وتضاءلت وانحرف العقل الجمعي كثيرا.

وثانيًا يمكننا أن نقول أن فشل منطق المشاركة خاصة في ظل المناخ الاسلاموي قد أثّر كثيرا فتدرجت المواقف (خاصة الاسلاموية)من الاقصاء وطرح البديل والتعاون مع الاقليم للاحلال، وصولا للاعتراف بالعجز وضرورة المشاركة ولكن مع التمنع سواء من الطرف الرافض سابقًا او من المتموضعين في اطار المنظمة أنفسهم.

ثالثاً: نعم لقد حققت الثورة الفلسطينية قدرتها علي المرونة والحرية والاستقلالية في محيط عربي زاخر بالعداءات والترابطات الامبرالية والمصلحية السلطوية ورسمت سياسة فلسطينية مستقلة لزمن طويل لكن سرعان ما تبدد ذلك بالنزوع بين الفكر الاقصائي الجذري الايديولوجي وتبني أو تمويل المحاور العربية والاقليمية التي طغت مصالحها علي الفكر الوحدوي الجامع. لقد نجحت المحاور الاقليمية في تفتيت شبه الاجماع او السياسة الفلسطينية الموحدة أي القواسم أو الجوامع المشتركة.

أما رابعًا فيمكننا القول أن عديد دول الاقليم قد سقطت في مستنقع التبعية الامريكية-الاسرائيلية الطاغية، أو افترضت تبعيتها كحل لمشاكل أنظمتها، فساد الصهيوني وتجبر.

كيف من الممكن أن نتفق على رؤية قلت في المؤتمر الذي عقد في رام الله يوم الثلاثاء 11/1/2022م اننا بحاجة للتفكير المشترك في ٣ اتجاهات لاسيما وانني اصدرت كتيبا منذ فترة حول: معضلة الفصائل وسقوط التنظيم، كما اصدرت كتابًا حول الثبات، فرأيت بالمؤتمر أننا بحاجة أولا أن نتفق علي “الفهم” وطريقة التفكير إذ يجب ان نتقارب بطريقة الشعور وليس فقط التفكير فيصبح عقل التقارب والثقة لايقبل التشكك والريبة السائدة، ما يحتاج لمساحة واسعة من اعتماد المرونة بعيدا عن المرجعيات الايديولوجية التصنيفية للغير كمعسكرات وما يعني الاتفاق علي منهج تفكير مشترك ووضع الأولويات في قمة المطالب وتكريس عوامل الصمود والمقاومة والثبات الروائي والميداني.

لقد تم استغلال الكتلة البشرية في الفصائل (قلب التنظيم) في مناوشات وتكتلات القادة فكان التحشيد الكمي علي حساب التنظيم الكيفي وكان التصفيق والهتاف لهذا وذاك وليس عقلية النقد والابداع والهتاف لفلسطين فتاهت النفوس وانقبضت الارواح وافتقدت الرؤية.


اما ثانيا فان ضرورة بناء الاستراتيجية (طريقة الوصول وسد الفجوات وتحقيق الهدف) تقتضي “الفهم المشترك” وتستلزم حالة من التعاون ومساحة واسعة من التلاؤم تمكن الخصوم من ايجاد المشتركات بعيدا عن ضغط المحاور فينشأ البرنامج الوطني الشامل والموحد.

اما ثالثا وهو مما كنت أشرت اليه في كثير من كتبي حول دور الأداة او الوعاء أو التنظيم الذي بدا يظهر لدى مختلف الفصائل وكأنه في واد وقيادته في واد أخر! حيث تراهم باسمي الوجوه حين يلتقون كفصائل وعابسي الوجوه حين يتحدثون مع كوادرهم! فيغرسون التشكك والرفض والضغينة بدلا من تفهم الاختلافات وتقديرها وتنحيتها.

لقد تم استغلال الكتلة البشرية في الفصائل (قلب التنظيم) في مناوشات وتكتلات القادة فكان التحشيد الكمي علي حساب التنظيم الكيفي وكان التصفيق والهتاف لهذا وذاك وليس عقلية النقد والابداع والهتاف لفلسطين فتاهت النفوس وانقبضت الارواح وافتقدت الرؤية.

التعليقات (0)