- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
بكر صدقي يكتب: وانتهت الانتخابات التركية
بكر صدقي يكتب: وانتهت الانتخابات التركية
- 1 يونيو 2023, 4:04:26 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وفاز الرئيس اردوغان بولاية رئاسية ثالثة من خمس سنوات، بفارق طفيف على منافسه المعارض كليتشدار أوغلو. قد تغري ضآلة الفارق بالقول إنه فوز «عادي» وضمن التوقعات، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي جرت فيها الانتخابات، فلا بد من الإقرار أنه نجاح كبير بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة وكارثة الزلازل التي ضربت 11 محافظة وأدت إلى مقتل أكثر من خمسين ألف مواطن، فضلاً عن التفاؤل الذي ساد الأوساط المعارضة حول ما توقعوه من «فوز مضمون» لمرشحهم الرئاسي بسبب العاملين المذكورين نفسهما.
والحال أن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والنيابية قد أعطت مؤشرات واضحة إلى تقدم جبهة السلطة، وإن كان بفارق ضئيل أيضاً، وبخاصة بعد حصولها على الغالبية النيابية التي من شأنها أن تعقّد مهمة كليتشدار أوغلو في حال فوزه المفترض في الرئاسيات. وأضيف عامل جديد بين الجولتين لزيادة حظوظ اردوغان وخفض حظوظ منافسه. ففي حين أدى قرار المرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان بدعم اردوغان في الجولة الثانية إلى إعطاء صورة عن جبهة واسعة ومتماسكة تدعمه، أدى قرار زعيم حزب النصر أوميد أوزداغ بدعم كليتشدار أوغلو إلى فتور همة قسم ممن صوتوا له في الجولة الأولى بعدما غيّر خطابه بما يتوافق مع اتفاقه مع أوزداغ من تصعيد النبرة ضد اللاجئين والتزام بمواصلة التضييق على الحزب الكردي الذي دعمه بقوة في الجولة الأولى. وكان هذا واضحاً في انخفاض نسبة التصويت له في المناطق ذات الغالبية الكردية.
الواقع أنه برغم الخسارة التي مني بها كليتشدار أوغلو، فقد حقق نجاحاً كبيراً بحصوله على أعلى نسبة تصويت بالمقارنة مع مرشحي المعارضة في الانتخابات الرئاسية في كل من 2014 و2018، ومتجاوزاً بالطبع النسبة التي يحصل عليها عادة حزبه في الانتخابات النيابية على مدى العقدين الأخيرين. إن أقرب نتيجة يمكن المقارنة بها هي الاستفتاء على النظام الرئاسي الذي جرى في العام 2017، حين فاز جناح السلطة بفارق كسور على معارضي تغيير النظام. وفي الحالتين يمكن قراءة النتيجتين بوصفهما مؤشراً شفافاً على حال الانقسام العمودي الحاد في المجتمع التركي بصورة متناصفة. نصف أراد تعزيز تفرد الفريق الحاكم بالسلطة من خلال التحول إلى نظام رئاسي، ونصف آخر حاول التمسك بالنظام البرلماني تجنباً لهذا التفرد في الحالة الأولى؛ والنصف الأول نفسه أراد، في الحالة الثانية، الحفاظ على بقاء الأمور على ما هي عليه واستمرار جناحه في السلطة؛ مقابل النصف الثاني الذي سعى إلى تغيير السلطة والعودة إلى النظام البرلماني. يمكن القول، والحال هذه، أن أي تغيير سياسي مستقبلي لن يكون ممكناً ما لم يتغير توازن القوى القائم في المجتمع من خلال تغيرات اجتماعية عميقة لا تبدو مؤشراتها اليوم. لكنه بالتأكيد لن يحدث بفعل الدعاية أو الحملات الانتخابية المنحصرة في وقتها، بل بفعل التغييرات الحقيقية في حياة الناس.
إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي جرت فيها الانتخابات، فلا بد من الإقرار أنه نجاح كبير بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة وكارثة الزلازل
وفي هذا تملك السلطة أكثرية الوسائل لتعزيز شعبيتها من خلال ما يمكن أن تتبعه من سياسات تنفيذية، فهي تتحكم بموارد الدولة وبسلطة اتخاذ القرارات واستصدار التشريعات. في حين لا تملك المعارضة إلا أدوات قليلة كبعض البلديات أو قسم ضئيل من وسائل الإعلام التي تسيطر السلطة على قسمها الأكبر، وتمثيل أقلي في البرلمان الذي فقد الكثير من قوته في النظام الرئاسي.
لذلك فإن أمام السلطة، في السنوات الخمس القادمة، فرصة كبيرة وتحديات أكبر. وتتمثل الفرصة في أنها تتمتع بغالية نيابية مريحة تجعلها قادرة على رسم سياسات من شأنها توسيع القاعدة الاجتماعية المؤيدة لها وتعزيز فرصها في البقاء إلى ما بعد انتهاء الولاية الحالية، بما في ذلك استعادة البلديات الكبرى التي خسرتها في العام 2019 لصالح المعارضة. لكن هذه الإمكانيات قد تنعكس إلى مخاطر إذا فشلت في مواجهة تحديات كبرى تواجهها تركيا في المرحلة المقبلة، أهمها تلبية الوعود الكبيرة التي تم إطلاقها بسخاء في الحملة الانتخابية. أهم تلك التحديات بالطبع هو الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية المتفاقمة باطراد منذ خمس سنوات وتنذر بالمزيد. ثمة تكهنات كثيرة، بهذا الخصوص، حول تعيين محمد شمشك في وزارة المالية بدلاً من الوزير الحالي نور الدين نباتي. وقد التقى اردوغان بشمشك في شهر نيسان الماضي وعرض عليه هذا المنصب، استباقاً للمعركة الانتخابية، لكنه اعتذر. وشمشك هو وزير اقتصاد سابق قبل سنوات أثبت جدارته حين كان الاقتصاد التركي في وضع ممتاز.
ويتمثل التحدي الثاني في تجاوز آثار الزلازل المدمرة وتعويض المتضررين بمنازل يتم إنجازها في غضون عام واحد كما وعد اردوغان أثناء حملته الانتخابية. كان واضحاً أن المتضررين قد عولوا بجدية على تلك الوعود بدلالة التصويت بنسب مرتفعة جداً لاردوغان في الولايات المتضررة من الزلازل، الأمر الذي فاجأ المعارضة وكثيرا من المراقبين ممن توقعوا انخفاضاً في شعبية السلطة في تلك المناطق بسبب ما رأوه من ضعف وبطء استجابة من السلطة في الأيام التي تلت الكارثة.
أما التحدي الثالث فهو في السياسة الخارجية، وأهم وجوهها هو ما يتعلق بالموقف التركي «المتوازن» في الحرب الأوكرانية، وما يتبع ذلك من جفاء مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو؛ وكذلك مسار التطبيع مع النظام السوري الذي يرتبط به موضوع إعادة اللاجئين السوريين، فقد وعد اردوغان بإعادة مليون لاجئ، وهو أمر لا يمكن لأنقرة أن تحققه إلا بالتفاهم مع كل من موسكو وطهران والنظام، إضافة إلى ضمان عدم اعتراض واشنطن والحلفاء الغربيين.
مقابل هذه التحديات، من المحتمل أن تؤثر الهزيمة المزدوجة في الانتخابات على مصير المعارضة، وقد بدأ تحميل المسؤوليات وتبادل الاتهامات منذ ليلة ظهور نتائج الجولة الثانية، وهناك دعوات لاستقالة كليتشدار أوغلو من رئاسة حزبه بعدما أمضى 13 عاماً في هذا الموقع بلا انتصار انتخابي واحد، إذا لم نحسب النجاح النسبي في الانتخابات البلدية السابقة. أما التحالف المعارض فقد ينفرط عقده أو يجري مراجعات عميقة لاستراتيجيته للمرحلة المقبلة